مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين » سيدنا محمد
الثالثة والرابعة من أصول
صعب عليهم وجعل الطلاب يستسيغون أصول الفقه بعد أن كانوا لا يذوقون له
طعمًا ؛ فالحوا على أن أكتب فى مقرر السنة الأولى وحجتهم فى ذلك أن هؤلاء
الطلبة فى علم الأصول مبتدثو؛ ن » وبه جاهلون ؛ فهم فى حاجة إلى أسلوب واضح
لعلهم منه يستفيدون » ولغايته يدركون » فاقتنعت بقولهم » وعلى الله توكلت
أنه على ما يشاء قدير ؛ وهو نعم المولى ونعم النصير *
المؤلف
فائدة أصول الفقه
لأصول الفقه فائدتان : إحداهما ترجع إلى المجتهد نفسه وهو من يستنبط
الأحكام الفقهية من الأدلة التفصيلية وثانيتهما ترجع إلى المقلد وهو من يأخذ تلك
الأحكام من المجتهد ويكون على بينة من هذا الفن +
خلاف ذلك ؛ وأن النهى للتحريم ما لم تقم قريئة على الكراهة » استطاع أن يستنبط
وجوب الصلاة من قوله تعالى » # وََفِيمُا الصلاةٌ وتحريم الزنا من قوله تعالى :
الصلاة للوجوب » ولا تقربوا الزنا نهى © والنهى للتحريم + فلا تقربوا الزنا
للتحريم » فالمقدمة الأولى فى كل من الدليلين يعلمها من اللغة » والمقدمة الثانية فى
كل منهما يعلمها من الأصول + ولولا معرفته لاصول الفقه ما استطاع أن يستنبط
ومثل ذلك يقال فى غيرهما من الأحكام
وأما الثانية : فهى جعل المقلد الذى درس هذا الفن على بينة مما فعله إمامه عند
استنباطه للاحكام » فإن المقلد متى وقف على طرق الأئمة » وما ذهب إليه كل منهم
بالنسبة لتلك القواعد الأصولية اطمانت نفسه إلى مدرك إمامه بالنسبة للحكم الذى
قلده فيه فيدعوه ذلك إلى الطاعة والامتثال ويكون عنده القدرة التى تمكنه من الدفاع
عن وجهة إمامه فيما استنبطه من الأحكام ٠
١ من أين أخذ المنهاج 0
الكتاب المقرر فى أصول الفقه على الطلاب الشافعية والمالكية والحنابلة هو
« منهاج الوصول إلى علم الأصول » للعالم العلامة قاضى القضاة ناصر الدين
عبد الله بن أبى القاسم على بن عمر البيضاوى المتوفى سئة 188 ه +
وهذا الكتاب أخذه مؤلفه من كتابين هما الحاصل لتاج الدين الأرموى
والتحصيل لتقى الدين الأرموى » وهذان الكتابان أخذا من كتاب اللحصول للإمام
فخر الدين الرازى » وقد استمد الإمام كتابه هذا من كتابين هما المستصفى لحجة
وقد شرح المنهاج كثير من الشارحين من بينهم الإمام جمال الدين عبد الرحيم
الأسنوى المتوفى سنة 077 ه فقد شرحه فى كتاب سماه ١ نهاية السول فى شرح
منهاج الأصول » وهو من أسهل الشروح لفظا وأحسنها عبارة ولعل هذا هو السر فى
اختياره من بين الشروح تيسيرا على الطلاب وأخذا بالأصلح +
أصول الفقه
كلمة أصول الفقه لها نظرتان : إحداهما قبل أن تجعل علمًا على الفن
من كلمتين هما أصول ٠ ٠ والفقه ؛ ويتوقف معرفتها على معرفة هاتين
الكلمتين ضرورة أن معرفة المركب بتمامه متوقفة على معرفة أجزائه فلا يعرف معناها
إلا إذا عرف معنى أصول » وفقه » ونسبة أصول إلى الفقه +
أما إذا نظرنا إليها من الجهة الثانية وجدنا أنها لفظ مفرد لا يدل جزءه على جزء
على شىء كذلك ؛ والذى يدل على المعنى المقصود هو مجموع الكلمتين ٠
والبيضاوى نظر إلى الكلمة من الجهة الثانية فلم يكن فى حاجة إلى بيان كل
كلمة على انفراد بخلاف الآمدى فإنه نظر إليها من الجهة الأولى أى باعتبار كونها
مركبا إضافيا ؛ ومن هنا يعلم أن اعتراض الأسنوى على البيضاوى لأنه لم يبين معنى
كل كلمة على أنفراد لا وجه له
أصول الفقه قبل أن تجعل علمًا
أصول الفقه قبل أن تبعل علمًا مركب إضافى من أصول + والفقه ولايد
لمعرفتها من معرفة هاتين الكلمتين ٠
فالأصول : جمع أصل : والأصل فى اللغة يطلتق بإطلاقات أهمها أمران :
كبناء الحكم على الدليل فكل من الجدار والدليل أصل لأنه يبنى عليه غيره +
- منشاً الشىء مثل القطن فإنه أصل للمنسوجات لأنها تنشأ منه ٠
أما الأصل فى الاصطلاح فإنه يطلق إطلاقات أربعة
١ - الأصل بمعنى الدليل : وهو المراد هنا مثل قولهم الأصل فى تحريم الزنا
- الأصل بمعنى الراجح ٠ مثل قولهم الأصل فى الكلام الحقيقة + أى
الراجح عند السامع هو المعنى الحقيقى دون المعنى المجازى لعدم القريئة الدالة عليه
© - الأصل بمعنى المقيس عليه كقول الفقهاء الخمر أصل للنبيذ بمعنى الخمر
© - الأصل بمعنى القاعدة المستمرة كقول التحاة الأصل فى الفاعل الرفع وفى
المفعول النصب أى القاعدة المستمرة فى الفاعل هى الرفع وفى المفعول هى النصب
وشذ خرق الثوب المسمار برفع الثوب ونصب المسمار ٠
والفقه فى اللغة : هو مطلق الفهم سواء أكان فهمًا للأشياء الدقيقة أم فهمًاً
للأشياء الواضحة فيقال فقهت أن السماء فوقنا كما يقال فقهت النحو وخالف
أبو إسحاق المروزى فى ذلك فقال الفقه هو فهم الأشياء الدقيقة فقط فلا يقال فقهت
أن السماء اء فوقنا وهو محجوج بما قاله أئمة اللغة كالجوهرى من أن الفقه هو الفهم فإنه
مطلق يتناول فهم الأشياء الواضحة كما يتناول فهم الأشيا الفقيقة ا ورك 0
الفركك مث قوله تعالى فى شأن الكخار َ
واضحة الدلالة لأن أكثر ما يقول شعيب عليه السلام كان واضحً ٠
وقال الإمام الرارى : إن الفقه هو غرض المتكلم من كلام سواء أكان الغرض
مل يدون قوع ماس مرق ام ا | ثلا فق
تعالى :وا
تظاهر فى نسم فهم ما الى غرف التكلم ها بج
ومما تقدم يعلم أن الفقه قد اختلف فى معناه لغة على أقوال ثلاثة :
١ - مطلق الفهم سواء كان فهمًا لشىء واضح أو لشىء خفى وسواء أكان
غرضًا لمتكلم أم لغيره - وهذا المعنى هو الراجح +
؟ - فهم غرض المتكلم من كلامه سواء أكان الغرض واضحا أم غير واضح *
* - فهم الشىء الدقيق أعم من أن يكون غرضا لمتكلم أو لغيره ٠
النسبة بين المعانى الثلاثة
النسبة بين المعنى الأول وكل من المعنيين الآخرين هى العموم والخصوص المطلق
فالمعنى الأول ينفرد عن المعنى الثانى فى فهم ما ليس غرضًا للمتكلم كفهم لغة الطير
مثلاً وينفرد عن المعنى الثالث فى فهم الأشياء الواضحة كقولنا فقهت أن السماء
فوقنا ٠
والنسبة بين المعنى الثانى والثالث هى العموم والخصوص الوجهى فإن الثانى
الواضح ما ليس غرضًا للمتكلم كفهم لغة الطير وكلا المعنيين يتحققان فى فهم غرض
المتكلم إذا كان دقيقا ٠
أما الفقه فى الاصطلاح فهو العلم بالاحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها
التفصيلية وبذلك يكون معنى أصول الفقه هو أدلة العلم بالأحكام الشرعية إلخ +
بالأحكام ماخوذ من الآدلة + ٍ
أصل الفقه بعد جعله علما
مجموع اللفظين فهو يدل على ما قاله البيضارى وهو معرفة دلائل الفقه إجمالاً +
وكيفية الاستفادة متها » وحال المستفيد وبذلك يكون معنى الكلمة مركبًا من معارف
ثلاثة - معرفة دلائل الفقه إجمالآً - معرفة كيفية الاستفادة منها - معرف حال
المستفيد +
مقارنة بين أصول الفقه بالاعتبارين السابقين
مما قلناه سابقا يمكن أن يفرق بين الكلمة بالاعتبارين السابقين من وجوه ثلاثة :
الوجه الأول : أن أصول الفقه باعتبار كونه مركبا إضافيًا لفظ مركب من كلمتين
هما : أصول » والفقه » وقد سبق بيان كل منهما وهذا الفرق لفظى لأنه يرجع إلى
اللفظ +٠
الوجه الثانى : أن أصول الفقه باعتبار كونه إضافيًا معناء مفرد هو أدلة الفقه +
أما أصول الفقه باعتبار كونه علما معناه مركب من معارف ثلاثة سبق بيانها +
الوجه الثالث : أن أصول الفقه باعتبار كونه علمًا هو نفس العلم لأنه معرفة
دلائل الفقه وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد » أما أصول الفقه باعتبار كونه مركبًا
إضافيًا فهو موصل إلى العلم ٠
وذلك لأن معناه أدلة الفقه والأدلة تقع موضوعًا فى مسائل الأصول وفهم
الموضوع يوصل إلى فهم المسألة كما أن فهم اللحمول كذلك ؛ وبذلك يكون أصول
الفقه باعتبار كونه مركبًا موصلا إلى العلم لان العلم ما هو إلا مسائل » والفرقان
الأخيران يرجعان إلى المعنى +
شرح تعريف أصول الفقه بالمعنى العلمى
عرف البيضاوى أصول الفقه بقوله : معرفة دلائل الفقه اجمالا وكيفية
الاستفادة منها » وحال المستفيد ٠
فالمعرفة : الكثير فيها أن تتعلق بالمفرد فتتعدى إلى مفعول واحد ويكون معناها
التصور » فيقال عرفت محمد أى تصورته » والكثير فى العلم أن يتعلق بالسب
فيتعدى إلى مفعولين ويكون معناه التصديق ٠ فيقال : علمت أن الله واحد أى
وقد تتعلق المعرفة بالنسب فتتعدى إلى مفعولين ويكون معناها التصديق ويتعلق
العلم بالمفرد فيتعدى لمفعول واحد ويكون معناه التصور » فيقال : عرفت أن الله
واحد » أى صدقت بذلك ؛ وعلمت محمد أى تصورته
وكل من المعرفة والعلم إذا أسند إلى الحادث استدعى سبق الجهل وإذا أسند
كل منهما إلى الله سبحانه وتعالى لم يستدع ذلك » فإذا قيل محمد عرف المسألة أو
للحوادث الجهل مصداقا لقوله تعالى : * والله أخرجكم من بُطون
وإذا قيل الله عالم بكذا أو عارف به كان معناه حصول المعرفة أو العلم له
سبحانه من غير أن يتقدم ذلك جهل بما عرفه أو علمه . لأن علمه سبحانه بجميع
الأشياء أزلى +
يستدعى سبق الجهل بالنسبة إليه سبحانه لأنه لم يرد توقيف من الله أو من رسوله
وتعالى توقيفية ٠
والمراد من المعرفة هنا العلم والتصديق دون التصور لأن المعرفة تعلقت بالنسبة
ولم تعلق بالمفرد وسياتى بيان ذلك ٠
والمعرفة جنس فى التعريف يشمل معرفة الأدلة » ومعرفة الأحكام + ومعرفة
والدلائل : جمع دليل والدليل عند الأصولين يطلق ويراد به ما وصل إلى
المطلوب قطعا فلا يشمل الأمارة لأنها عندهم ما وصل إلى المطلوب ظنًا لنّا وهذا الإطلاق
عندهم قليل ٠
ويطلق ويراد به ما وصل إلى المطلوب مطلقًا قطعًا أو ظنًّا ؛ وهذا الإطلاق هو
الكثير والراجح وبذلك يكون شاملا للأمارة » وهذا المعنى هو المراد للبيضاوى +
ودلائل جمع مضاف إلى الفقه فيفيد العموم لأن الفقه معرفة وبذلك يكون
تقدم معناه فى اللغة وسيأتى معناه فى الاصطلاح عند الانتهاء من شرح تعريف أصول
الفقه ٠
والمقصود من معرفة دلائل الفقه : معرفة الأحوال المتعلقة بهذه الأدلة مثل أن
يعرف أن الأمر يفيد الوجوب عند عدم القرينة الصارفة عنه وأن الإجماع يفيد الحكم
قطعا أو ظنا وأن القياس يثبت الحكم ظنا » وليس المراد من معرفة الأدلة تصورها كأن
يعرف الكتاب بأنه هو القرآن المنزل على محمد يؤُك المتعبد بتلاوته المعجز للبشر +
وأن السنة هى أقواله «ليُم وأفعاله وتقريراته وأن الإجماع هو اتفاق مجتهدى أمة
محمد ُِم فى عصر من العصور على أمر من الأمور » وآن القياس هو الحاق فرع
يأصل فى علة حكمه لأن تصورات الأدلة ليست من مقاصد علم الأصول وإنما هى
وليس المراد من معرفة الأدلة حفظها كذلك لان حفظ الادلة ليس من الأصول
فى شىء ولا يتوقف الأصول عليه ٠
وإذا علم أن المراد من معرفة الأدلة التصديق بأحوالها علم أن المعرفة قد تعلقت
بالنسب ولم تتعلق بالمفرد » والدلائل بإضافتها إلى المعرفة يحترز بها عن معرفة غير
الدلائل كمعرفة الأحكام مثلاً فإن ذلك ليس أصولاً بل هو فقه ٠
وإضافة الدلائل إلى الفقه يحترز بها عن معرفة أدلة غير الفقه كمعرفة أدلة
التوحيد مثلا فإن ذلك ليس من الأصول » وما دام المراد من أدلة الفقه جميع أدلته
التذكير لكونه مصدرً » ولا يصح أن يجعل حالاً من المعرفة لفساد المعنى ؛ فإنه ليس
المراد من الأصول هو المعرفة الإجمالية للأدلة بل المراد المعرفة التفصيلية للأدلة
لأنها تعرف على وجه الاجمال دون التفصيل ٠
والحاصل أن الادلة نوعان : أدلة كلية » وأدلة جزئية + فمطلق أمر ؛ ومطلق
نهى ومطلق إجماع ومطلق قياس ومطلق خبر الواحد » تعتبر أدلة كلية لأنها لا تدل
على حكم معين ٠
وأقيموا الصلاة » ولا تقربوا الزنا » والاجماع على أن بنت الابن تأخذ السدلس
مع البنت عند عدم العاصب تكملة الثلثين » وقياس الأرز على البر ليثبت له حرمة
التفاضل بجامع الطعم فى كل منهما + وخبر الواحد فى قوله عليه السلام ١ كنت
نهيتكم عن زيارة القبور آلا فزوروها » تعتبر أدلة جزئية لآن كلا منها يستفاد منه حكم
معين +
والأصول إنما يبحث فيه عن أحوال الأدلة الكلية ولا يبحث فيه عن الأدلة
الجزئية لأنها غير محصورة ولأنها داخلة تحت الأدلة الكلية فالبحث عن أحوال الأدلة
الكلية بحث عن الأدلة الجزئية بطريق التبع *
وفائدة الإتيان بقوله إجمالاً الاحتراز به عن علم الخلاف لان المقصود منه
معرفة أدلة الفقه التفصيلية لا ليستنبط منها الاحكام بل لتكون سلاحًا يدافع به
المتناظران كل منهما عن وجهة إمامه ومثل ذلك لا يكون من الأصول فى شئ ٠
وقوله وكيفية الاستفادة منها : هو معطوف على دلائل فيكون لفظ معرفة
متوجهًا إليه ٠ والمعنى ومعرفة كيفية الاستفادة ٠
وأل فى الاستفادة عوض عن المضاف إليه » والمضاف إليه يحتمل أن يكون هو
الفقه » ويحتمل أن يكون هو الدليل » فإن كان المضاف إليه هو الفقه كان معنى
العبارة » ومعرفة كيفية استفادة الفقه أى الأحكام الشرعية منها أى من الأدلة ويكون
الضمير فى منها راجعًا للأدلة لكن لا بالمعنى السابق لها وهو الإجمالية » بل يكون
تستفاد من الآدلة التفصيلية » ويكون فى الكلام استخدم لان لفظ الأدلة ذكر بمعنى
هو الإجمالية » وأعيد الضمير عليه بمعنى آخر هو التفصيلية +
وإن كان المضاف إليه هو الدليل كان المعنى » ومعرفة كيفية استفادة الدليل منها
عن التعارض بين الأدلة وعن التراجيح بينها عند التعارض وذلك لأن الغرض من
البحث عن أحوال الأدلة إنما هو التوصل إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة +
والأدلة المفيدة للأحكام ظنية فهى قابلة للتعارض » وعند التعارض لابد فى استفادة
الحكم من دليله من الترجيح بينه وبين معارضه لذلك كان لابد من معرفة معنى
تتعارض الأدلة ؟ وإذا تعارضت فبأى شىء يكون الترجيح ؟ وسيأتى الكلام على ذلك
مفصلاً فى الكتاب السادس فى التعارض والتراجيح » ولا بأس من ضرب بعض
الأمثلة -
التعارض إنما يكون بين الظنيين فلا تعارض بين قاطع وظنى بل القاطع يكون
الخبر » وبعضها يرجع إلى نفس الحكم المأخوذ من الدليل ويرجع بعضها إلى أمور
أخرى ٠