دليل معصوم ولا اهتداء بالنجوم» وإنما اعتمدوا فيما يزعمون على عقولهم
مغامري الأمم المحرومة من نور الوحي ؛ وخيرهم من عاد إلى الشاطئ كير
الفؤاد حسير النظر ورضي بالتسول مع العجائز المعدمات على أبواب أهل اليقين
والئبات .
إن هؤلاء - وبدون اتام لمقاصدهم وتنقيص لعقوطم - لم يفقههوا أن النظر
واتسعت آفاقه .
الا ترى أن أكبر مرصد فلكي في العالم ينقلب خاسثاً وهو حسير إذا تعمق في
أبعاد الكون » كما كان ينقلب طرف العربي قبل أربعة عشر قرناً حين يقلبه في
السماء بجرداً من كل آلة .
ألا ترى أن حقائق الرياضيات الي تقطع الأمل في اجتياز حدود العقل البشري
لم تتغير في جوهرها منذ " أرخميدس " حق الآن » وإن تغيرت الوسائل
الرمل أما العلم الحديث فيقيسها بذرات الكون بل بمحتوى الذرة ؛ ويستخدم
رقماً هو عبارة عن واحد وعلى يمينه من الأصفار ما لو جعلت الأرض ورقة
واحدة لوصل خط الأصفار إلى نمايتها بل لو ضاعفت الورقة مليارات الأضعاف
سواء
ويقول هذا العلم : إن الكون نشأ عن الانفجار العظيم وظل يتمدد ولا يؤال 6
والسؤال : أين يتمد بل أين وقع الانفجار ؟ إن العقل البشري لا يسستطيع أن
يتخيل الانفجار والتمدد إلا في مكان وزمان ؛ ولكن العلم يقول : إن هنا
التحيل خطأ قطعاً ! فالزمان والمكان إنما وجدا داخل العالم لا قبله ولا خارجه »
وإذن فلا جواب على هذا السؤال أبداً !0" .
بحيث لا يحق لنا ادعاء تصور كنه حقائقها فضلاً عن التحدث عنها وصدق الله
تعالى : ل وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً وصدق جل شأنه حين قال
أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم 6 وإذا ثبت هذا في
خيالنا المحدود » فأي سخافة وحماقة ترتكبها أمة الوحي المعصوم حين ترجع في
(1) وقد ضرب شيخ الإسلام لذلك مثا بأنه لو فرض وجود مدائن أضعاف مدائن الأرض في
كل مدينة من الخردل ما يملؤها وقدر أنه كلما مضت ألف ألف سنة ففيت خردلة في
المتكلمين ببرهان التطبيق فاسد فلا فرق بين عالم واحد أو حادث واحد وبين ألوف
عن تصور عدد ما من العوالم أو الحوادث مهما كبر فنحن عن تصور ما لا هاية له
أعجز وبالتالي يكون نفي وجود هذه العوالم غير المتناهية إنما هو هروب من الإقرار يعجو
عقولنا والفرض الصحيح هو أن نقر بأن كلا طرفي السلسلة لا ثهائي !!
(9) انظر الكون ؛ ص4١ تأليف كارل ساغان ؛ عالم المعرفة الكويت رقم 1178
هذه الحقائق إلى عقل طاليس وأرسطو وأفلاطون وغيرهم من خراصي الأزمان
الغابرة » في حين أن علماء الكون من سلالة هؤلاء وجنسهم لا يعتدون لهم .
برأي بل لا يذكرون آراءهم إلا على سبيل التمثيل للسذاجة العلميّة والبدائية في
التفكير ؛ ولا يخدعنك وصف كبار المتكلمين لهم بأنمم جهابذة الحكماء أو
وعليه فحين يدافع شيخ الإسلام عن الحق في قضية دقيقة المتزع بعيدة الغفور
وهي قضية دوام الحوادث أزلاً وأبداً ويُعمل عقله الجبار وقلمه السيال فيها حق
يستّف المجلدات وحى ليكاد الجاهل يحسبه يتكلم يما لا يفهم ويخرض في خيط
لا يقتحم فإنما يدافع عن النقل الصحيح والعقل الصريح معاً ؛ وليس ترفاً من
إنه يدافع عن المعرفة البشرية عامة لكي تظل حرة من قيود التقليد وأسر الجمود
- دون مبالاة بقول من يقول إنه وافق الفلاسفة الدهرية أو شذ عن إجماع
الوحي بزبالات العقول الخراصة فإنه يزعزع إيبمان المؤمنين ويكون فتنة
للجاحدين وهذا - مع بالغ الأسى - ما فعله المتكلمون .
لقد أشرقت شمس الإسلام على العالم وهو يتخبط في ركام هائل من مخلفات
الأمم الغابرة » ما بين أديان محرفة وفلسفات متناقضة وعبادات باطلة أهمها هنا
واشتهر لها مذهبان أو مدرستان : -
الأول : الفلسفة الي تدعي أن وسيلة المعرفة الكشف والإيحاء » وتسمى
والأخرى : الفلسفة الي تدعي أن وسيلة المعرفة النظر والاستدلال وهؤلاء هم
أصحاب المنطق وشيخهم " أرسطو " .
وكلا النوعين ورث عن بقايا النبوات شيفاً من الحق كما ورث عن قدماء
المشركين - لا سيما الصابئة - الشرك بالله تعالى وعبادة الكواكب والسحر
وتقديس الأضرحة ؛ فلا يكاد يثبت لأي منهما في باب الإعتقاد والتأله ابتكار
أو إبداع يهتدي به الضال أو يستيقن به الشاك ؛ وغاية ما أحدثوه في الشكل لا
المضمون كما في علم المنطق .
ومن أعظم القضايا الي خاض فيها هؤلاء بل كل الفلاسفة في قدم الدهر
. حدوث العالم أو قدمه )١(
(9) إثبات النبوة أو عدمه .
وفي القضية الأولى : ذهبت المدرسة الأولى إلى أن العالم محدث بعد أن لم يكن
وإن لم تفقه قضية الخلق كما تفقهها الأمم الكتابية . في حين ذهبت الأخرى
إلى أن الأفلاك قدعة لا أول لها » ونسجت عن نشأة الوجود خرافة لا نطيل
بذكرها" » وظهر هذا الاختلاف في أتباع كلا المدرستين من متفلسفة المسلمين
)١( وهي خرافة الجواهر العقلية المجردة أي العقول أو النفوس أو الأرواح الفلكية ؛ وأن
الواحد لا يصدر عنه إلا واحد . وهذه الطاقة هي أعدى أعداء شيخ الإسلام وكتبه
يتعلق بلزاماقم للمتكلمين ومن هنا قال المفترون إن الشيخ يؤيدهم في هذه المسألة
الخطرة ؛ وقام المدافعون يجهل فسلبوا الشيخ ما هو من أجل مناقبه ! +
مثلما بين ابن رشد وابن سينا .
وحينما يتصدى المشتغلون بالكلام المذموم لهؤلاء وأرادوا إثبات حدوث العالم
لكن بغير طريق الوحي وعلى غير منهج القرآن دخلوا في المتاهات الي أشفرنا
إليها وخاضوا فيما لا طاقة للعقول بالاستقلال به ولا قبل لما بالوصول إلى
فقد تعمق هؤلاء في الحديث عن أصل الموجودات - أو الحوادث كما سموها -
وعلاقة ذلك بأولية الخالق تعاال وتفرده بالقدم » وارتكبوا خطأ قاتلاً حين قرروا
أن العقل يحكم باستحالة حوادث لا أول لنوعها - أي غير مسووقة بالعدم
المطلق - وظنوا أن الرسل جاءوا بإثبات ذات معطلة عن الخلق زماناً ثم خلقت
» وعليه فلا يصح عندهم وصف أفعال الله تعالى بأنما أزلية ! ! .
والعحب أهم يسلمون بدوالخ الحوادث - أو تسلسلها - في المستقبل لكن
حصرت عقوهم عن تحويزه في الماضي توهماً منهم أن ذلك قول بقدم العالم
وأصروا على هذا الأصل الفاسد الذي لا برهان عليه من عقل ولا نقل حئ أن
منهم من شذ فالتزم القول ممنع ذلك في المستقبل أيضاً وقال بفناء الجنة والنار أو
فناء حركاتهما !!.
ووفق الله أهل السنة والجماعة فأثبتوا أن أفعاله تعالى أزلية أبدية وأن ذلك
مقتضى اتصافه جل شأنه بصفات الكمال فكانوا بذلك أعمق اناس إقاناً
وأسدهم عقولاً وافقوا الحق ووفقوا بين العقل والنقل دون إيغال ولا تكلف ولم
يتخلوا عن بعض الحق من أجل إثبات بعضه الآخر . وحسبك بأمثال الإبام
أحمد وابن المبارك والبخاري والدارمي علماً وفهماً .
فهذا لب الصراع في القضية الأول .
وأما القضية الأخرى " إثبات النبوة " الي بها يفتح باب السمعيات كافة فتواطا
على إنكارها أو تأويلها الفلاسفة كلهم وتبعهم الباطنية وغلاة الصوفية وخيرهم
طريقة من قال : ( إن الشريعة والفلسفة رصيفان والني والفيلسوف سيان ) ولا
أخطأوا في تقرير مسألة حدوث العالم وأصلوا ذلك الأصل الفاسد جاءوا إلى
فكانت الكارثة مضاعفة .
لقد صاغ هؤلاء القوم برهان إثبات النبوة وصدق الرسول الذي هو أصل
الأصول في سلسلة من القضايا ما أنزل الله بما من سلطان ولا قام عليها من
العقل الصحيح برهان ؛ وهي : -
( أنه لا أحد يثق بصحة ما جاءت به الرسل إلا بعد المعرفة بصدقهم ولا تحصل
صدرت ممن لا يفعل القبيح - يعنون المرسل وهو الله تعالى - ولا يثبت أنه لا
قضاياهاء فمن زعم أو ادعى أن المرسل غير قدم » - أو أن العالم قدم - فقد
أبطل تلك القضايا كلها ومنها إثبات النبوة » وكذلك عندهم من زعم أنه
جسم !
1١ ١/حر انظر درء تعارض العقل رالنقل : ١/تفحك للكت )١(
وهكذا استمات هؤلاء واستبسلوا في إثبات أن الأجسام كلها حادثة » وأن
في التعطيل واتبعوا فلاسفة اليونان في وصف الله تعالى بالتجريد والإطلاق دون
حدوث العالم ومنع دوام الحوادث في الماضي ونفي حلول الحوادث بالله هو
فقد ورثوا عن اليونان أن الأجسام لا تحلو عن الأكوان الأريعة'" [وفي
الاجتماع والافتراق والحركة والسكون] وهذه الأكوان هي في الحقيقة
-١ فالمعتزلة اعتمدوا طريقة الحركة والسكون وتبعهم إمام الأشعرية
لمتأخرين الرازي ٠
*- والأشعرية كالجوي والآمدي اعتمدوا طريقة الأعراض .
»*- والأشعري نفسه والكرامية اعتمدوا طريقة الاجتماع والافتراق”.
في إثبات حدوث الأجسام : -
+ )1١7/1( انظر المصدر السابق (78/7) ومنهاج السنة )١(
() والعرض يقابله الجوهر والجوهر يشمل الجسم وغيره (انظر الاختلاف في مفهوم الجوهر
في المعجم الفلسفي ؛ حسن حنفي ص88 ) وللجسم أعراض أخرى كاللون والطعسم
والرائحة.. .والعلماء المعاصرون تاهوا في حقيقة الذرة كما تاه القدماء في حقيقة الجسم
(©) انظر درء تعارض العقل والنقل : 78/1 ١41/7 وللمسألة صباغات أخرى رهي
(التركيب ؛ الأعراض ؛ الاختصاص ) انظر المصدر نفسه 161/7
وبعد أن قررت كل طائفة حدوث الأجسام على طريقتها توصلوا إلى إثبات
حدوث العالم وقدم الخالق بأساليب مختلفة
إما بالقول ب (أن ما لم يسبق المحدث محدّث فتكون الحوادث كلها لها أول لأن
لوازم باطلة أظهرها تعطيل الالق عز وجل عن الفعل أزلاً بل وحن الكلام
والإرادة وغيرها . وإما بالقول ب ( أن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث )
فوجب عندهم تزيه الله تعالى عن أن يقوم به ما جعلوه حوادث كالكلام
والإرادة والغضب والرضا ؛ وجعلوا ذلك هو حقيقة الوحيد + وامرا من أثبت
تلك الصفات إما بانه مشرك لأنه أثبت تعدد القدماء » أو جسم مشسبه لأنه
أثبت لله ما هو من خصائص المحدثات" .
ولم توفق أية طائفة منهم إلى التفريق بين نوع الحوادث وآحادها وأن حكم
المجموع قد يخالف حكم الواحد عقلاً وشرعاً وحساً ؛ وإلى فهم ان نفي اتصاف
)١( وهذا باطل لأن حكم المجموع يفارق حكم الآحاد في أمور كثيرة انظر التفصيل في درء
التعارض 1717/4 ١9/- ومع ذلك فإن المجموع شيء والنوع شيء آخر يقول شيخ
الإسلام " الفرق معلوم بين قولنا جميع الحوادث لا أول بمعنى أن كل واحد منها له أول
وبين قولنا عن جنس الحوادث ها أول بمعنى أن الحوادث منقطعة غير دائمة ولا مستمرة
ولا متسلسلة فإن العقل يتصور أن كل واحد له أول وآخر وهي مع ذلك دائمة
حق ؛ انظر ص64 من كتاب الباحئة .
() انظر مناقشة هذه المسألة العظيمة في درء التعارض الجزء الثاني كله ففيه تفصيل القول
فيها وعلاقتها بقضية دوام الحوادث .
الرب بالأفعال الاختيارية هو تنقص لكماله شرعاً وعقلاً . بل الستزمت كل
طائفة لوازم باطلة كالقول بأنه موجب بالذات لا فاعل بالاختيار كما ذهبت
المتفلسفة . أو القول بان الفعل هو عين المفعول وأن صفاته تعالى ومنها كلامه
مخلوقات منفصلة عنه كما هو مذهب غلاة النفاة من الجهمية والمعتزلة ؛ أو أفا
وهكذا نجد أن الطريق الذي بدأ من قضية واحدة وفرض خطأ وهو أن هذا
العالم مسبوق بالعدم المطلق واستخدم ذاك البرهان المزعوم تشعب إلى متاهمات
لا قرار لها ؛ فأصبحت هذه القضية ملتقى جملة من الأصول العقدية الكبرى الي
فالحديث عن واحدة منها مستازم الحديث عن الأخريات - وهي : -
)١( حدوث العالم وطريقة الاستدلال عليه وهل هو مخلوق بالإرادة والفحل
الاختياري أم بطريقة الفيض والصدور واستلزام العلة للمعلول الخ .
(©) قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى .
(4) إثبات النبوة والطريق الحق إلى ذلك .
(5) مفهوم التوحيد أو التتزيه عند طوائف الأمة وغيرهم .
فالموضوع إذن على جانب عظيم من الأهمية ولابد لمن أراد الانتصار للحق من
)»١( أن يرفض تلك السلسلة العقلية المزعومة من أصلها برفض أن يكون