أثناء الدراسة » وبعدها » وهي الإجابة على تساؤل كان يدور في خاطري
عن سبب تعدد الروايات عن إمام أهل السنة الإمام أحمد - رضي الله عنه - .
فقد تصل الروايات عن الإمام في المسألة الواحدة إلى أربع روايات 6 أو
تزيد . والمعروف عن الإمام رضي الله عنه أنه لم يكن له مذهبان »
جديد » وقديم كما حصل للإمام محمد بن إدريس الشافعي - رضي الله عنه -
في قوليه القديم 6 والجديد .
لهذا كنت أفتش عن سبب هذا التعدد المنتشر في كتب المذهب
الروايات غالبا +. تكون حين يجتدم الخلاف في مسألة من المسائل بين
الأثمة .
وقد وقفت على كتاب جليل في هذا الموضوع لأحد أئمة الحنابلة في
عصره » هو الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه العظيم (( التحقيق ))
وهو من هو في سعة علمه ؛ واطلاعه وطول باعه في التأليف ؛ فعقدت العزم
التحقيق موضوع بحثشي لنيل درجة الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن
سعود الإسلامية « المعهد العالي للقضاء » فعرضته على شيخي الجليل /
صالح بن فوزان الفوزان مدير المعهد العالي للقضاء آنذاك والأستاذ بالمعهد
حاليا . فشجعني على ذلك ؛ وأيّد الفكرة + فقدمته لهذا الغرض ولقي
القبول » وشرعت في التحقيق . وبعد مضي مايزيد عن السنتين » تين لي أن
الكتاب سبق أن تم تسجيله في نفس الجامعة لطالب آخر لنفس الغرض .
فاستخرت الله » وتوقّفت عن الاستمرار في التحقيق ؛ وكادت
تضعف العزيمة لمشاغلي بالأعمال المنوطة بي ؛ ولبعدي عن بلادي بحكم عملي
كثيراً ”'" . إذ في أثناء الحديث عن التوقف عن هذا الكتاب لعدم نظامية
الاستمرار في البحث إذ بي أفاجاء من قبل فضيلة الشيخ عبدالعزيزبن
إبراهيم الواصل مدير إدارة ا العالي للقضاء يذكر لي أن هناك مغطوطة
قيّمة لأبي بكر الخلال ؛ وأن لدى فضيلة الدكتور عبدالرحمن السدحان مدير
المعهد العالي للقضاء علم عنها + + فسارعت إليه » فدلّني جزاه الله خيراً إلى
حسن الاستقبال » ورحابة الصدر ء فقدّم لي المعلومات الكافية عن هذه
وبتصفّحي لمذه المخطوطة تين لي أنها قطعة من جامع أبي بكر الخلآل
المشهور بين كافة العلماء » وأنها تحتوى على أربعة كتب هي :
كتاب الترجّل » وكتاب الوقوف » والوصايا وكتاب أحكام النساء »
وكتاب أهل الملل » والردّة » والزنادقة » وتارك الصلاة » والفرائض ونحو
ذلك . وفي آخره قاعدة جامعة في صفة الروايات عن الإمام أحمد - رضي الله
ولا كان كتاب الوقوف قد سبق وأن حقّق من قبل الدكتور عبدالله بن
أحمدين زيد » فلم يبق لي إلا ثلاثة كتب . وكان كتاب الترجٌ
أحكام النساء » لايصلحان لتقديمهها لنيل هذه الدرجة لقلتهها ؛ فقد وقع
اختياري على كتاب أهل الملل أو : لكونه يفي بالغرض » وثانياً : لأهنيته
ونسيان كثير من الناس أحكام هؤلاء » وما ينبغي للمسلم أن يفعله
نحوهم . فاستعنت بالله . وعرضته على شيخي الدكتور صالح فيد
الفكرة . وشجعني على المضي فيها » وتم تسجيله بتوفيق من الله لدى المعهد
العالي للقضاء كموضوع لنيل درجة الدكتوراه في الفقه المقارن
» وكتاب
14: سورة النساء آية )١(
وإنني بهذه المناسبة أتقدّم بالشكر الجزيل لشيخي الدكتور صالح لما
أسداه لي من توجيهات قيّمة أثناء إشرافه على هذا التحقيق » وما بذله من
جهد مضن ؛ وما قدمه لي من نصائح قيمة رغم مشاغله .
فجزاه الله عني المثوبة ؛ وأمدّ في عمره في طاعة الله ء ونفع الله به
المسلمين » ورقع قدره دنيا وآخرة إنه سميع بحيب .
كما أكزّر شكري لفضيلة مدير المعهد العالي للقضاء » ومدير إدارة
المعهد » ولكل من مدّ لي يد العون في هذا البحث من أساتذتي + وإخواني +
وزملائي . . فجزاهم الله خير الجزاء » وآخر دعوانا أن الحمدلله رب
العالين .
الباحث
إبراهيم بن حمد بن سلطا
خطة البحث
سأقدم بين يدي التحقيق مقدمة موجزة تشتمل على ما يأتي :
نبذة قصيرة عن أهل الملل .
نيا : ترجمة موجزة للإمام أحمد رضي الله عنه .
ثالاً : التعريف بالمؤلف على النحو التالي :
ب تاريخ ومكان ولادته .
د- ذكر بعض شيخوخه .
ه- ذكر بعض تلامذته .
ز- مكان وتاريخ وفاته .
رابعا : التعريف بالكتاب .
-١ اسم الكتاب .
7- صحة نسبة الكتاب للمؤلف .
خامسا : التعريف بالمخطوطة .
أ عدد نسخها الموجودة .
ب- مكان وجودها .
سادسا : منهجي في التحقيق :
أ- انتساخ المخطوطات .
ب المقارنة بين المخطوطات لاختيار إحداها لتكون أصلل .
ج - المقارنة بين المخطوطات الباقية مع الأصل وإثبات الفوارق في
الهوامش .
د- عزو الآيات إلى السور ورقم الآية .
ها- تخريج الأحاديث .
و- ترجمة موجزة لبعض الأعلام الوارد ذكرهم ضمن الكتاب .
ز- عمل فهارس في آخر البحث .
أهل الملل
جرت عادة العلماء الذين كتبوا في موضوع أهل الملل أن يضيفوا عليها
كلمة : وأهل النحل . كابن حزم » والشهرستاني » إلا أن أبا بكر الخلال
رفي الله عنه - اقتصر على أهل الملل . لأن بحثه يدور على أحكام
معاملاتهم فيا بينم » وفيا بينهم وبين المسلمين دون التعرض للعقائد . فهو
كتاب معاملات لا كتاب عقائد » لذا اقتصر على أهل الملل » ولاشكٌ أن
معاملتهم تبنى على نوع ملتهم ؛ لكنه ترك الخوض في العقائد وحصر بحثه في
العاملات . ثم أضاف إليهم بعض الطوائف المنتسبة إلى الإسلام » وهي
منحرفة عنه كتاركي الصلاة والمرتدّين والزنادقة .
والحقيقة أننا بنظرة شاملة نجد البشر ينقسمون إلى قسمين :
مطيع » وعاص . ومؤمن » وكافر ومصيرهم يوم القيامة : جنة أو
نار . لكن العلماء جرت عادتهم على تقسيم ملل الكفر . لأن الإسلام فرق
بينهم في بعض الأحكام . فاحل ذبائح أهل الكتاب ونساءهم للمسلمين »
وأجاز أخذ الجزية من بعضهم دون بعض ؛ لهذا جرى التقسيم فلاهل
الكتاب حكم » ولغيرهم من الطوائف الأخرى حكم آخر .
فمن هم أهل الكتاب ؟
وقد وقع خلاف بين العلماء في تحديد من يشملهم اسم أهل الكتاب »
فذهب الأحناف إلى أن كل من اعتقد ديناً سماوياً فهم أهل كتاب كاليهود »
والنصارى » أو أنزل عليهم صحف كصحف إبراهيم وشيث » أو زبور داود
الام
فهؤلاء كلهم أهل كتاب تشملهم أحكام أهل الكتاب !©
وفرق الحنابلة "" . والشافعيّة "" فحصروا أهل الكتاب في أصحاب
التوراة من اليهود » وأصحاب الإنجيل من النصارى . ومستندهم في ذلك
أن لله سبحانه وتعالل حصر إنزال الكتاب على هاتين الفرقتين في قوله
تعالى : « أن تقولوا نما أنرِل الكتابٌ عل طان
ولأن ما سوى هذين الكتابين من الكتب ليست كتب أحكام ع
وتشريعات » وإنما هي مواعظ + ل وتوجيهات . وقد تكزّر إطلاق
أهل الكتاب في القرآن الكريم عل هاتين الطان ن كقوله تعالى : ب( قل يا
شينا» 0 وهذا موجه إلى النصارى دون غيرهم ثم إن الحق سبحانه ذكر
هاتين الطائفتين » وإن متهم مؤمنين كما قال تعال : إن الذينّ ين آم
ولا ورد ذكر الصابثين مع المؤمنين » واليهود » والتصارى . اختلف
العلماء في حكمهم وتباينت آراؤهم باعتبار أن المعروف عن هذه الطائفة +
الكفر البواح » فهم يعبدون الكواكب . فمن نظر الى أن القرآن اعتبرهم
طائفة مع اليهود » والنصارى أعطاهم أحكام اليهود » والنصارى . ومن
نظر إلى حالهم ؛ والمعروف عنهم استبعدهم واعطاهم حكم المشركين »
: الفتاوى الندية » 11١ / 7 : الدر المختار : © / 2370 تبين الحقائق للزيلعي )١(
بدن
(1) صورة البقرة آية : 37 .
وعبدة الأوثان .
. وبعضهم يدين بالنصرانية . والبعض الآخر يدين
وظنّ أنهم كلهم يعملون هذا العمل » فقال : الصابثة يهود . ومن نظر إلى
فرقة أخرى تعمل مثل عمل النصارى ؛ الحقهم بالنصارى » وقال : الصابئة
نصارى . ومن نظر إلى طائفة ثالثة تعمل عمل المشركين والوثنيين من عبادة
الكواكب ؛ الحقهم بالمشركين الوثبين + وقال : الصابئة مشركون وثليّون ٠
وليسوا أهل كتاب ؛ لهذا قال ابن قدامة رحمه الله : ينظر فيهم © فإن
ا كما زلف
أهل. كتاب .
وقد ذهب الحسن البصري إلى أنهم مجوس باعتبار ما ظهر له من نوع
ديانة بعضهم + وذهب الأوزاعي + والإمام مالك إلى أنهم مشركون بين
اليهود » والنصارى وأنه ليس لهم كتاب 9 .
أما المجوس فهم طائفة معروفة يعبدون النان وينسبون الخير للنور
والشرّ للظلمة » ولكن لما أخذ منهم الرسول - و8 - الجزية وقال نوا
بهم سنّة أهل الكتاب )) اختلف العلماء فيهم » فقال البعض : إنهم كانوا
أهل كتاب + لكنه نزع منهم؛ حكي هذا القول عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي
طالب - رفي الله عنه _ ©
41/7 : أحكام القرآن للجصاص )(
43/7 اا / ١ : أحكام القرآن للجفصاص )©(
فباعتبار أن لهم أصل كتاب أُعطوا حكم أهل الكتاب في أخذ الجزية .
ولكن البعض الآخر من العلماء نفى أن يكون لهم كتاب أصلا . وإنما أعطوا
حكم أهل الكتاب في الجزية فقط 9
تخالف أحكام أهل الكتاب ؛ وإنما استثنى أخذ الجزية فقط » لذا لا يبيحون
الكفر كالدهرية التي تنكر الربوبيّة فضلاً عن الألوهية » وينسبون الخلق
والتصريف للذهر .
وهناك الفلاسفة وهم قسيان : إليّون ودهريّون » فالإطيّون يؤمنون
بوجود خالق متصرف » لكتهم ينكرون الحاجة إلى إرسال رسل ؛ لهذا فهم
لايؤمنون بالرسل » ولامما جاؤوا به . أما الدهريّون فهم لا يؤمنون بوجود
خالق أصلا .
وهناك المشركون الذين يؤمنون بالربوبيّة دون الألوهية ؛ كعبدة
الأوثانن والنجوم والشمس » والقمر ء والجنّ » والملائكة .
أمّا من انحرف من المسلمين إلى دين آخر سواء كان دين اليهود ؛ أو
النصارى ٠» أو إلى ملة أخرى ؛ فهؤلاء مرتدّون » وتجرى عليهم أحكام
المرتدين .
مرتدٌ بالإجماع » وإن لم يجحد وجوبه : فإن كان الصلاة ؛ فهل هم مرتدون أو
عصاة ؟
خلاف بين العلماء : الراجح أنهم مرتدّون ٠ حكمهم القتل إن لم
يتوبوا . أمّا إن كان غير الصلاة فهم عصاة عليهم التعزير » كمانع الزكاة »
وتارك الصيام بلا جحود . أمّا الزنادقة فهم منافقون يظهرون ما لايبطنون»
(ا) أحكام القرآن للجصاص : 3 / 77 . واللغني لابن قدامة :843/8 .
كاد