أمر الفتوى إلى ما يحختاره الخليفة ؛ وتطيب بها نفسه » ويقوى بها سلطانه
وربما حصل مثل هذا في عصرنا الذي نعيش فيه ؛ ولعل هذه الحقبة الزمنية
التي نعيشها الآن » والتي يحارب فيها العلماء المخلصون في أكثر الدول
الإسلامية ؛ لا سيما العلماء الذين يتطرقون _لعالجة القضايا الفكرية
المعاصرة ) وكشف الدسائس الغربية المسمومة » فتجدهم يتعرضون للقتل
تارة ؛ وللتشريد والنفي تارة أخرى » وللتعذيب والإهانة إلى غير ذلك مما
يحدث لهم من مصائب ومحن .
وليس بغريب أن ينبغ طلاب علم في بلاد الرافدين يعيدون للبلاد مجدها
العلمي ؛ ويكون من هؤلاء الطلاب الشيخ. أبوبكر حفظه الله ؛ فتكون
منه مشاركة علمية هو ومن معه من طلاب العلم البارزين هناك » ولا شك
أن الأستاذ الفاضل والباحث الناقد أبا بكر بن عبد العزيز البغدادي من أبرز
طلاب العلم في بلاد الرافدين فيما أعلم ؛ فمعرفتنا به قديمة جداً ؛ وهو من
لمعتنين بتحقيق وتحرير المسائل الفقهية والأصولية والحديثية » اعتناءً يؤهله
في المشاركة العلمية في ميدان طلبة العلم النابغين +
ضوء هذه المجالس تبين لي مدى ذكاء الشيخ وسعة اطلاعه وفصاحة أسلوبه +
زيادة على ذلك أن الشيخ أبا بكر له عمل جليل وكبير في تهذيب وتحرير
ثيل الأوطار للشوكاني » وأنجز منه الكثير واطلعت عل المقدمة التي كتها -
وتأتي في مجلد صغير - فكان كتاباً حافلاً .
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا هو عبارة عن تحرير مسألة أصولية
معروفة في أصول الفقه ١ النبي يقتضي الفساد » وها فروعها وتخريجاتها ؛ ويتعلق
بهذه القاعدة فساد العبادة وصحتا » فحري بها أن تفرد في مبحت مستقل +
وخلاصة ما يتضمنه بحث هذه المسألة ثلاثة مباحث .
المبحث الأول :
المعاملات مثل : النبي عن البيع بعد نداء الجمعة الثاني ممن تلزمه الجمعة +
البحث الثاني :
كان ذلك في العبادات مثل النبي عن لبس الرجال ثوب الحرير ؛ فستر العورة
أو كان ذلك في المعاملات مثل النبي عن بيع الحمل ؛ فالعلم بالمبيع شرط
لصحة البيع » فإذا باع الحمل لم يصح البيع لعود النبي إلى شرطه .
المبحث الثالث :
فإنه لا يقتضي الفساد ؛ سواء كان ذلك في العبادات » مثل : النهي عن لبس
ما يتضمنه البحث . وقد راجع البحث شيخنا الفاضل عبد الله بن يوسف بن
ولما لم يكن نمت أحد أفرد هذه المسألة في بحث مستقل - فيما أعلم -
مستقل وهو المعروف ب « تحقيق المراد في أن النبي يقتضي الفساد » » على
اختلاف في نسبة الكتاب ؛ هل هو للحافظ العلانٌ أو لتلميذه شهاب الدين
أحمد بن محمد الخليلي » فذهب صاحب كشف الظنون ( 78/١ ) إلى
أنه لتلميذه الخليلي » وفي هدية العارفين ( ١1١8 / ١ ) أيضاً كذلك . وذهب
الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد بن إسحاق آل الشيخ في تحقيقه وتعليقه
على كتاب « تلقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم » للحافظ العلاني
(ص 44 ) عندما ذكر كتاب « تحقيق المراد » قال : وأنا أميل إلى عدم
وبعد مراجعة كتب التراجم ومن ترجموا للحافظ العلاني وذكرهم لمؤلفاته
في ترجمته ؛ لم يذكروا أن تحقيق المراد » منها إلا أن بعضهم جمل الكتاب
كتابين » الأول : هو « تحقيق المراد في أن النبي يقتضي الفساد » على أنه
للعلاني . والثاني : هو ؛ تحقيق المراد في أن الرأي يقتضي الفساد » على أنه
لتلميذه الخليلي » ذكر الثاني الحنبلي في كتابه ١ الأنس الجليل في تاريخ القدس
والخليل » وتبعه في ذلك صاحب معجم المؤلفين ( 7 / 177 )
لكن أجاب الشيخ الدكتور عبد الله آل الشيخ في تحقيقه المذكور آنفاً
(ص 4 ) بقوله : إن لفظة « الرأي » التي في التسمية لا معنى لا ء إذ
أن مباحثه كلها في النبي ؛ ثم إنه ليس من مباحث أصول الفقه ما يسمى
باقتضاء الرأي الفساد . ١ه .
إلا أن محقق ١ تحقيق المراد .. » الدكتور إبراهيم بن محمد السلقيني ذهب
إل أنهما كتابان الأول : للعلا » والآخر : لتلميذه ١ه .
وسواء كان الكتاب للحافظ العلاني أو لتلميذه » مع صحة ثبوت الكتاب
كم تشير إليه المخطوطات ؛ فقد حصل إفراد المسألة في بحث مستقل .
وقد أطنب الكلام على هذه المسألة زميلنا الفاضل عبد الله بن زيد
المسلم ؛ في رسالته الماجستير في أصول الفقه بعنوان « القواعد الأصولية
المتعلقة بالأمر والنبي وأثرها التطبيقي في باب العبادات » في استة وستين
وقد أشار إل هذه القاعدة شيخنا أبو عبد الله محمد بن صالح العثيمين
في منظومته في أصول الفقه بقوله :
وما نبي عنه من التعبد أو غيره أده لاتردد
هذا وأسأل الله العلي القدير أن يجعل عمل المؤلف خالصاً لوجهه سبحانه
وتعال » وينفع به طلاب العلم » وإن كانت ثمت ملاحظات تتعلق بهذا
البحث ؛ فإن المؤلف ينشرح صدره لا » ويتقبلها ويجعلها في عين الاعتبار »
إذا كانت الملاحظة مبنية على أصل صحيح واستدلال فصيح ؛ وبشرط أن
تكون في ظل الحوار الهادى» , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين » وصلى
الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ...
العبد الفقير إل خالقه
أبو عبد الله وليد بن أحمد الحسين الزبيري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
حرر في ٠١ / 4 / 1417 ه القصم - عنيزة
مقدمة المؤلف
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره » ونعوذ بالله من شرور أنفستا
وسيئات أعمالنا ؛ من يده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له 6
وأشهد أن لا إله إلا الله » وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
وبعد
فإن « أصول الفقه » قد أرسى قواعده علماء الإسلام جيلاً بعد جيل +
فكان أول من كتب فيه الإمام الشافعي رحمه الله ؛ ثم تتابع بعده علماء
اللذاهب الإسلامية ؛ يفصلون فيه ويفرعون حتى أصبح هذا العلم من أهم
لم يحل من الاختلاف المذهبي » حتى أن لكل مذهب قواعده وأصوله التي
يتفرد بها أو بتفصيلاتها عن المذاهب الأخرى ؛ بحيث تجد أن معظم كتب
الأصول تعتمد في الغالب اختيارات أعلام المذاهب لأبواب أصول الفقه المعروفة.
ومما لا شك فيه أن الله تعالى قد تكفل بحفظ دينه وتجديده كم قال تعال :
هذه الأمة على رأس كل كل منة عام من يجدد لها دينها ؛!"؛ فقد ظهر كثير
والبييقفي في معرفة السنن والآثار ص 7 والخطيب في تاريخ بغداد ( 31/7 ) عن
أي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً .
وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة ( 543/7 ) .
من العلماء على مر الأعوام يبينون ويصححون ويجددون . ومن بين هؤلاء
العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يجدر الوقوف عند مؤلفاته التي عالجت
مسائل الدين في وقت بلغ فيه التزاع العقائدي والفقهي والأصولي حداً
مات فيه ؛ ومن جهة أخرى فإن عصر الشيخ شهد دخول التتر إلى بلاد
الإسلام ؛ وما رافق ذلك من فتن كثيرة » بحيث أصبح عصره يتاز باجتّاع
الله قوة من الإيمان والعلم
الإسلام ؛ فقد كان يقول في مواضع عدة من مصنفاته :
( العلم لا بد فيه من نقل مصدق ونظر محقق ) ٠
إن واقعنا المعاصر أشبه شيء بعصر شيخ الإسلام » من جهة كثرة المذاهب
والتناقضات والحرج ؛ ومع أن شيخ الإسلام لم يؤلف كتاباً في أصول الفقه ©
لكن كلامه فيه متفرق في مجموع فتاويه ومؤلفاته ؛ وقد عمل كثير من
الباحثين على تصنيف مؤلفات الشيخ ودراستها ونشرها أملاً في نفع هذه ١
الإسلامية بما هي في أمس الحاجة إليه من فهم للدين يقرب من فهم الصحابة
والتابعين وتابعيهم إلى يوم الدين .
إن موضوع « النبي يقتضي الفساد » هو أحد مفردات أصول الفقه
المهمة ؛ حيث ,إن ( النبي ) هو من أهم الأحكام التكليفية في حياة الفرد
المسلم » وخصوصاً في وقتنا الحاضر حيث كثرت الذنوب والمعاصي إما
بسبب ضعف الإبمان أو الجهل أو الحرج ؛ أو غير ذلك من الأسباب
والأعذار .
ولمعرفة « النبي » لا بد من معرفة أحكامه ؛ ومن أحكامه الهمة هو
عنوان هذا المبحث .
قسمت هذا المبحث إلى خمسة فصول :
الفصل الأول :
انتقيت فيه كلام الحافظ العلانٌ رحمه الله تعال في كتابه 8 تحقيق المراد
عنواناً يدل على الباب الذي انتقيته ؛ ثم أختار أهم ما في كلام الحافظ ©
بحيث لا يقصر عن بيان مراده » وقد أتصرف بكلامه طلباً لهذا المقصد .
» في هذا الفصل بيان الحافظ العلا لمذاهب العلماء في هذه المسألة - ١
وانتصاره لمذهب الشافعي رحمه الله » القائل بأن النبي يقتضي
؟ - مسألة « الصلاة في الدار المغصوبة » من حيث إنها اجتمع فيها الأمر
المطلق بالصلاة والنبي عن الغصب أو المكث في المغصوب ؛ وانتصر
© - الفرق بين كون النبي لأمر خارجي أو غيره ؛ وانتصر لتوكيد الفرق
في الحكم بينهما .
بل الصحة الملازمة للإثم .
ه - الانتصار للشافعي والرد على مذهب الغزالي وكذا يجب أن يفرق بين
ما إذا كان النبي لحق الله أو لحق العبد ؛ وهو مذهب شيخ الإسلام +
الفصل الثاني :
بينت فيه مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية من مجموع فتاويه وجعلت
١ - بينت مذهبه في أن النبي يدل على الفساد ؛ ثم التفريق في الحكم بين
ما كان حقا لله » وما كان حقا للعبد ؛ ثم بينت كلام العلماء في معنى
الفرق بين حق الله وحق العبد ليتستى فهم مذهب شيخ الإسلام .
» - ذكرت كلامه في أن المحرمات لا تكون سباً للإكرام .
الصحة » والرد على الحنفية الذين يصححون النبي للوصف اللازم .
؛ - ذكرت كلامه في المنبي عنه لمعنى مشترك كالزنا في الإحرام » فإن
النكاح المشروع بدون الإحرام يكون محرماً بالإحرام فكيف بالزنا +
كليس الحرير خيلاء .
م - ذكرت كلامه في اجتاع الأمر المطلق مع النبي المطلق والكلام في
الصلاة في الدار المغصوبة وبيان تصحيحه للفعل المأمور به إذا اجتمع
مع نبي مطلق غير معلق بهذا اللأموز » ولكن ينقص من أجره بقدر
+ - ذكرت كلامه المفصل في طلاق الحائض وأنه طلاق لا يقع .
- ذكرت كلامه في التفريق بين ترك المامور وفعل المحظور ناسيا أو مخطكاً
أو جافلاًء وهذا باب مهم أوردته هنا لبيان أن المسلم إذا وقع في
النسيان أو الخطأ أو الجهل فإن ذلك لا يبطل الفعل الأمور إذا وقع
فيه بمثل هذه الأحوال .
(أ) - ما حرم من وجه وأحل من وجه» كلبيع والتكاح +
( ب ) - ما حرم جنسه كالظهار والقذف والكذب فهذه
(ج ) - ما كان محرماً من أحد الجانبين مباحاً من الجانب الآخر
كافتداء الأسير ورشوة الظالم لدفع ظلمه .
4 - ثم بنت كلامه في أصل مهم وهو التفريق بين الإجزاء والإثابة
وأنه لا يشترط أن يكون الإجزاء قريناً للإثابة ؛ بل قد لا يكون
الفعل مجزياً مع أنه مئاب عليه » وقد يكون مزياً ولكن لا ثواب
عليه » مثل قوله عَّْةِ : ؛ من لم يدع قول الزور والعمل به
٠ - ثم بينت في الباب الأخير حكم الشرط المحرم إذا وقع ضمن فعل
مشروع وأنه بيطل العمل المشروع بقدر الشرط المحرم .
الفصل الثالث :
تعقيب على رسالة الحافظ العلاني من حيث استدلاله على أن ما كان النبي
العلماء على إئبات صحتها مع النبي » وهي : البيع في وقت النداء
وطلاق الحائض والصلاة في أعطان الإبل ؛ والصلاة مع مدافعة
الأحبثين وحكم الحا وهو غضبان .
)١( أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الصوم - باب من لم يدع قول الزور والعمل
به في الصوم - ( ١١3/4 - الفتح ) وأبو داود في كتاب الصوم - باب الغيية للصائم
137 ) والترمذي في كتاب الصوم - باب ما جاء في التشديد في الغبية للصائم
اولان