الحمد لله مستحق الحمد والثناء , وافضل الصلاة والسلام على سيد الأنبياء » محمد
المهاجر من مكة الى المدينة بوحي من رب الأرض والسماء , وعلى آله واصعابه اجمعين »
ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين ٠
وبعد , فهذا كتاب الثفتله' عن : « طريق هجرة الرسول صل الله عليه وسلم من مكة
المكرمة الى المدينة المنورة » . وارجو أن يكون قد أدى مهمته الاسلامية التراثية على خي
ما يرام ان شاء الله +
ومن قبل الشروع في الموضوع جعات نصب عيني دراسة المراجع المعتمدة مما ت
المصادر , واباحث بعض من لهم المام طيب بمصادر تاريخ تراثنا لعلي وا جد” لديهم
ضالتي ؛ مما يشفي غلتي , ويكون لى منار هداية في هذا الطريق المتعدد المداخل
بمخطوطات الكتب ومطبوعاتها , وله ولأبيه من قبله جولات” صادقة متتابعة قديمة
وحديثة في البعث , عن نفائس المخطوطات , ليعولها الى مطبوعات تزود بها 'قسراء
مكتبته التجارية : « مكتبة الخانجي” » بشارع عبد العزيز بمصر + وقد تقابلنا مصادفة
في مكتبة جامعة الملك عبد العز بجدة , وصادف أن خروجنا من مبانيها الجديدة كان في
ظرف واحد » وكان بيننا تعارف وصلة من قبل فطرحت عليه سؤالا هو : هل مسر يك
يا استاذ ؟ اسم كناب مستقل عن طريق هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! سواء اكان
مخطوطا أم مطبوعا ؟ فاجاب بعد اجالة فكره هنيهة : نعم هناك كتاب طبعه محمد مني
الدمشقي" ؛ لابن القيم , واسمه : ( طريق الهجرتين ) وهو في الموضوع الذى تسال عنه
.. وأذكر انى قد كنت اطلعت على هذا الكتاب في المدينة المنورة .. فاردت التحقق مما
ابداه لى .. فذهبت الى مكتبة الحرم بمكة المكرمة وطلبت من أمين المكتبة المذكورة
عبد الله المعلمي أن يآتيني بالكتاب , وسرعان ما أتاني به . وراجعته فاذا هو في موضوع
اسلامي هو الهجرة بالقلب الى اله تعالى ورسوله في خلوص النية وصدق العمل ؛ واطاعة
الله واطاعة رسوله / وحتى الآن لم اعثر على كتاب ١ ببحث طريق هجرة المصطفى
فعلماء الاسلام لم يتركوا بايا من ابواب المعرقة الا طرقوة .+
هذا وقد كان الباعث الذي حملني على طروق هذا الموضوع بادىء ذي بدء يتمثل في
أن وكيل جامعة الملك عبد العزيز _بجند"ة قد طلَب مني ان اقدم للجامعة بعثا تعريفياً
لمعالم طريق الهجرة النبوية شافهني بذلك الدكتور عبد الله نصيف وكيل الجامعمة : ثم
تحدث لى عنه سامي عنقاوي مدير مركز الحج للأبعاث في الجامعة باشارة من سعادة
ذ بثقل عبء هذه المهمة ؛ لما - مقلماً - من
دراسة دقيقة واسعة واعية ؛ وتحقيق 'مواسشع "متتان ء الكثير من نصوص المصادر
والمراجع المؤلفة في تفسير القرآن المجيد » وفي الحديث النبوي” الشريف » وفي السيرة
النبوية العطرة » وفي كتب اللغة , والبلدانيات » وفي التاريخ + وفي الأدب : نثره وشعره +
لما لهذه المصادر كلها من علاقة وطيدة بطريق الهجرة النبوية -
وكان يبدو لي من لمراحل هذه الهجرة الكريمة أن" معالمها ومراحلها لم
والعامة . واكثر ما قراته عنها في كتب السرة النبوية والتاريخ وفي البلدانيات وكتب
اللفة , مجرد سرد لأسماء منازلها وثناياها وجبالها وأوديتها وأنجادها واغوارها +
صاحبه الأثر : أبو بكر ال © ومولاه عامر" بن فهر ة + ومعهم دليل الطريق +
القلة للصحابة اهم" ما مروا به في هذه الطريق غيٍ العامة » والتى سلكها بهم الدليل
الخبي الأمين + حتى يبعدهم عن مواقع انظار قريش وعن أرصادها في هذه المسيرة المحفوفة
بالمغاطر » والى اذا نجعت فانها تقلب موازين حياة أعداء صاحبها الرسول الكريم ..
وتنشر اضواء دينه الجديد على ربوع مكة ثم على بلاد العرب جمعاء » ثم على آفاق العالم
الرحبة فيما بعد , بتوفيق الله الواحد القدير +
معالم الطريق , وذلك لأنها كانت قد أزمعت حينئذ أن توفد علمية من رجالها في
صبيحة اليوم التالى , 'تحللق بطائرة حو امئة 'معدكة لهذا الهدف فوق الاتجاهات المقدرة
لهذه الطريق 'قلدما صوب المدينة , لتلصورها من عل" , على مدى عرض قدره عشرة
هذا وقد استبان لى من المراجعة والتامل ان اقدم "كتئاب السيرة النبوية + أو لعله
من اقدمهم زمنا » في العناية بمواقع طريق الهجرة هو ابن اسعق في نطاق سوته الى
هذه المطبوعة أخا بالمغرب العربي ظهرت خالية من ذكر أي" ثىء عن الهجرة النبوية اللهم
« حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : أو عكرمة شك محمد بن أبي
محمد , عن ابن عباس قال : 'صيرقت القبلتة' عن الشام الى الكعبة في رجب + على رأسن
سبعة عش شهرا من مهاجر رسول الله صل الله عليه وسليرن +
وقبل ذلك ورد في سيرة ابن اسحق ذكر لهجرة أبي بكر قبل هجرته مع المصطفى عليه
الصلاة والسلام .. ولعلاقة صاحب هذه الهجرة الى لم تتم الرسول الى الدينة
فقد كان صاحبه الأول فيها راينا أن نورد ما ورد منها في مطبوعة سيرة ابن اسحق ٠
استكمالا لحلقات البعث من هذه الناحية +
قال محمد بن اسعق : « حدثني الزهري* عن عروة , عن عائشة قالت : كان
لأبي بكر مسجد بفتاء دارهر» » فكان اذا صلى فيه . وقر! القرآن بكى بكاء كثدأ
فيجتمع اليه النساء وا! والعبيد » يعجبون مما يرون من _رقّته . وقد كان استاذن
الحارث بن عبد مناة بن كنانة » وكان سيد الأحابيش ؛ فقال له : أين يا ابا بكر ؟ فقال :
منهم , فقال : ولم ؟ فوالته انك لتزين العشيرة , وتعين على النائبة » وتفعل المعروف »
وتكسب المعدم . ارجع » فانت في جواري .. فرجع ؛ فلما دخل مكة قام ابن الدغنة
يصرخ بمكة : يا معشر قريش , اني لقد جرت" ابن ابي قعافة فلا يؤذيه أحد . وكانوا
وتعليق الدكتور محمد حميد الله
ب سنة 1743 ه - 1416م ؛ الصفعة 174 +
() وصف ابن جب الرحالة دار ابي بكر المديق رضي الله عنه ومسجده على ما شاهدهما في عام
04 ه ( ص من رحلته طبع دار السعادة بمصر ) فقاا
« ومن مشاهدها أي مشاهد مكة - دار ابي بكر الصديق رضي الله عنه + وهي اليوم دارسة الآثر م
ويقابلها جدار فيه حجر .. الخ » . ولي مكان آخر قال في وصف المسجد والدار أيضا :
« وبجهة المسفل - أي السفلة - وهو آخر البلد + مسجد منسوب لابي بكر الصديق رضي الله عنه +
يعف به بستان حسن , فيه النغيل والرمان وشجر العئاب وعاينا فيه شجر الحناء » وامام المسجد بيت صقي
فيه معراب .. الخ ١» ( صفعة 84 و 44 من نفس الطبعة السايق ذكرها ) +
() هنا فراغ في الطبعة : علق عليه محقق الكتاب يقوله في الهامش : لعله آمثة أو مطمئئة ص14 +
ابن الدغنة وهو سيد القارة فاعاده معه الى مكة : ( ياب الهجرة ) في صعيح البغادي +
(9) علق على هذا اللفظ محقق الكتاب في الهامش فقال : كذا في الأصل مشكلة بفتع القاء والياه
جاشهم ص4١ +
الاستاذ محمد الفاسي ط. مطبعة
ان هذا الرجل انذي ارت" رجل له حال ما هو لفوه + انه اذا تلا ما جاء به محمد » بكى
ما هو ؟ قال : ارد عليك جوارك + وأرضى بجوار الله . فقال : نعم + فقال أبو بكر :
فتد رددت' عليك جوارك . فقال ابن الدغنة : يا معشر قريش + ان آبا بكر قد رد علي”
وأخدا عندما لم أجد في سيرة ابن اسعق المطبوعة بالمغرب طبعة مصحعة انيقة ؛ شيئا
« خرما » في المطبوعة » لم 'يعثر عليه , مَل الحديث عن طريق الهجرة وما بعدها من
أحداث حتى غزوة بدر . وقد بدا الخرم المشار اليه عقب حديث التقاء الرسول صل الله
عليه وسلم باخوانه الأنبياء في القلدرس ليلة الاسراء .. وكان ذلك الحديث بالصفعة
. واستمر الخرم الى ما قبل الصفحة 147 .. فصح أن الجزء المغروم من الكتاب وقع
فيما بين الصفحتين المذكورتين آنفا من كتاب سيرة ابن اسعق .. والسبب في وجود هذا
الخرم الكبير ليس اهمالا أو سهوا أو قصوراً من كلا معقق الكتاب الدكتور العلامة محمد
حميد الله , وا له العلامة الشيخ محمد الفاسي + وائما سببه هو عدم العثور على
هذا الجزء الكبير المفقود من الكتاب لا بالمغرب ولا بالمكتبة الظاهرية بده
ما ورد في الصفحة 140 وتصئها : « انتهت القطعة الثانية من كتاب المفازي لابن اسحق +
وبه تم كل ما 'عثر عليه في المغرب » .. مضافا اليه ما ورد في الصفعة المقابلة للصفحة
المتقدم ذكرها , ونصه : « القطعة الثانية من كتاب المفازي .. وهي في مجموعة من
مغطوطات الظاهرية بدمشق من الورقة 158/الف + الى 174/ب . وليست من رواية
يونس بن بكر كالقطعة المغربية بل رواية محمد بن سلمة . وثالثا : من متابعة نصوص
كتاب سرة ابن هشام الى رواها عن ابن اسعق فيما يتعلق بالأحداث المغرومة من سرة
ابن اسعق المطبوعة ؛ وابن هشام ثقة ثبت بروايته في كتابه لتلك الإحداث ( التي
من ضمنها حديث الهجرة وطريق الهجرة ) عن ابن اسعق ؛ ونعن نراه ينص في كل
طبعة مصطفى الحلبي وأولاده يمصر ) +
(9) سيرة ابن امسعق ص118 و24 طبعة قاس المغرب . ولي صحيج البغادي ان ايا بكر ابتى
مسجدا بقناء داره . (باب هجرة النبي صل اله عليه وسلم) .. ولعل هذا المسجد هو الموجود اليوم في السفئة
ببفكة المكومة حى
وكم كان من المفيد أن ينبه المحقق والمقدم لطبعة سيرة ابن اسحق هذه عن وجود هذا
الخرم بصراحة ؛ ثم يملا أحدهما الفراغ نقلا من كتاب سيرة ابن هشام فيما يتعلق
فيما يرويه نصا عن ابن اسحق في سورته .. وبذلك يزول الالتباس , ويتضمن كتاب سية
رم ام الاح راطا ا ال ا 8 معالم
ثم حدثني هاتفيا بعدها بليال « سباعي عثمان » أمين سر تعرير جريدة البلاد +
0 + بليلة أو ليلتين + فطلب
البلاد في مناسبة دول العام الهجري الجد؛ عام ه + وكان الوقت
الذى حدده لي ضيقاً جد لا يتسع مطلقا لكتابة بحث متوسط عن طريق الهجرة , فاحرى
كتابة بعث موسع فيها "ينشر في صحيفة سيارة ؛ وقد علمت” من آمرها ما عّلمت”
آنفا , فتاجّلت' الفكر مليا في هذا الطلب الذي تكرر مرتين في أسبوعين «تلاحقين + ومن
ثم رايت" أن اتصل تحرير الجريدة « عبد المجيد شبكشي » أباحثه في هذا الشان
واتفقنا على أن أستنا ني في كتابة البعث , ليصدر كتابا 'مستتقلا بذاته » ومن ثم"
بدات' في كتابة هذا البعث الموسّع , ووضعته في شكل كتاب » لا مقّال , مستمداً التوفيق
والمعونة من البارىء جل ذكره .. وتعالت صفاته .. فانه الربة الموفق ؛ لا رب ولا
موفق سواه ..
ومن جديد بدات' في مراجعة نصوص المصادر » أجمع بين مختلفها , واقارن” بينه
.. وهكذا تكتون” هذا المولود « الجديد » في هذا الموضوع العويص
البرك . وقد اعتبرته ( بداية الطريق الى تحقيق معالم طريق الهجرة النبوية العطرة ) +
(3) هذه الخلاصة نشرتها في مجلة المنهل بالعدد الصادر لشهر المعرم 1148 هج 04ر14 م ص١٠ +
الارهاص الأول :
اذا تَامّلنا ما ورد في « صحيح البخاري” » نجد أن أول ارهاصات
الهجرة النبوية على التحقيق حدث مع بد بة بعشّة الرسول صل الله
عليه وسلم لهداية قومه والعرب والناس كا في نواحي المعمورة . وقدا
عبر عن هذا المعنى َي تعب الشيلخ الكبير' المؤمن' الرشيك
سمع في غار حراء .. وكانت صلة” الوصل في الجمع بين الرسول
عليه الصلاة والسلام ووتراقنة ؛ أم4 المؤمنين خديجة” رضي اللّه عنها ..
. وهذا نص الحديث الذي رواه محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن
أول ما 'يدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا
الصالحة في النوم , فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح + ثم
فقال :
وز بفق” الأكدام ) فرجع بها رسول الله صل الله عليه وسلم يرجف
)١( في كتاب الاصاية للعافظ ابن حجر تعقيق علمي واسع عن اسلامه واقرار النبي صل الله عليه
وسلم ذلك ( مادة ورقة ) +
خويلد رضي الله عنها , فقال :
فقال لحديجة : وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي : فقالت
وتتحمل” الكتل* , وتكسب المهمدوم , وتقري الضيف » وتعين” على
نوائبٌ الحق . فانطلقت به خديجة حى اتت به ورقة بن نوقل بن أسد
ابن عبد العزى ( ابن عم خديجة ) , وكان امرأ تنمس في الجاهلية »
وكان يكتب الكتاب العبراني” , فيكتب من الانجيل بالعبرانية ما شاء
رسول الله صل الله عليه وسلم , خبر ما رآى . فقال له ورقة : هذا
أكون حياً , اذ يخرجك قومك .. فقال رسول الله صل الله عليه وسلم :
أو 'مخر رجي" 'هم ؟ قال : نعم ! لم يات رجل قط ؛ بمثل ما _جثت" به
يتشب) ورقة أن توفي , وفتر الوحي(9) ٠
فهذا الحديث يتحدث عن أمرين : بَداء نزول الوحي على الرسول
صل الله عليه وسلم , وما سوف يترتب على نزول الوحي عليه من
النبوية المقبلة لا محالة .
الارهاص الثاني :
وبوسمنا تاريخيثا وعلميثاً أن نقول : ان الارهماص الثاني - من
يليث +
ارهاصات الهجرة يتمثل في أمور مزدوجة , هي : دخول"' نفر من قريش
واتباعهم » وبعضس رجالات العرب في دين الاسلام بمكة ؛ وقياملهلم +
ادة الرسول صل الله عليه وسلم وتوجيهاته الخيدة , بشعائر دينهم
وخو'فهم من استفحال أمر الدين الاسلامي وشكيمة متبعيه ؛ والرغبة”
في القضاء عليه وعلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه قبل أن يغرج
والمسلمون وينحمث مستوى مجتميع قريش » ودين قريش الجاهلثي
وأموالهم .. مما كان مصدر تهديد مباشر للمجتمع القرشي” الجاهلي” +
المشرفة , وأهل الحرم المحترم .
الثاني" للهجرة النبوية » والمقدمة الايجابية الثانية لحدوثها في أي يوم
من الأيام المقبلة , وفي أي شهر من الشهور الآتية ؛ وفي أي عام من
الأعوام القادمة .
الارهاص الثالث :
جاء ثالث الارهاصات مباشرا ومتصلا من كشب , بهذه الهجرة
المرتقبة من قريش ؛ والمرجوة من _قبّل النبي واصحابه , وبخاصة
انه قد مهد لها الطريق , واثبت امكانها , ودل على نجاحها . أمور
استقبال النجاشي” لهم ورعايتله لهم ؛ وثباتله على هذه الرعاية يرغم