أهميةالبحث
)١( تعلقه بالقواعد الفقهية وهي مزيج رائع من الفقه وأصوله؛ تربط
السواء فيجد فيها العالم المجتهد بغيته كما ينال الطالب المتعلم غايته؛
يستنبط منها الفقيه الأحكام» ويحفظ فيها الطالب الفروع والجزئيات.
() تعلقه بفقه الأيمان والنذور وهما عقدان بين العبد وبين ربه وبيئه
المعاملات» وبذلك كانت أهميتهما مضاعفة ودورهما في حياة الناس
مزدوجاء فالحنث في اليمين يحمل معنى نقض الصلة بالله «الَذِنَ يَمّسُنَ
أوتبك هُمْ انكَدِرست» [لبقرة 7؟] ويحمل معنى نقض العقود
والنكث بالوعود «ِكِأيُمَا الت ءَامَثًا وت بالمُفويُةٌ [المائدة »]١ والنذر
كاليمين فاجتمع فيهما الموجبان العبادة وهي الغرض من خلق الناس كما
وإ إلا لَِبُدضْ» [الذاريات 07]؛ وتنظيم التعامل بين الناس
وقيام الروابط الفردية والدولية بينهم على الأساس الذي تتحقق به الحكمة
مسائل هذا الباب كثيرا ما يقع فيها الإشكال ويكثر فيها الاستفتاء؛ ويغلط
فيها أقوام ويسيء فهمها آخرون» ويكفي من أظهر وأشهر قضاياه مسائل
هذا السبيل والتأصيل لمسائل هذا الباب أهمية كبيرة؛ لاسيما ونحن في
زمان تهاون الناس فيه باليمين والنذر كثيرا وكثرت فيه أيمان الطلاق.
(©) تعلقه بشيخ الإسلام ابن تيمية صاحب المدرسة التجديدية الكبرى
في القرن الهجري السابع التي عاد فيها بالإسلام إلى جذوره الأولى ومتابعه
الأصيلة؛ فاغترف منها وسبك ما غرف في قوالب مميزة من فقه ثير وفكر
ثاقب» أهم ما يميزه السلفية الحقة والأصالة الفريدة والتحرر من ربقة
التقليد وتقديس الأشخاص» في ثوب كلي ونظرة شمولية أقرب إلى مفهوم
(4) وهناك فائدة أخرى مهمة لهذا البحث وهي مجيئه في منظوه
متعاقبة من بحوث هذه المسألة؛ وما يمثله من حلقة مهمة تربط بين أجزاء
هذه السلسلة التي تتناول قواعد وضوابط شيخ الإسلام أبن تيمية في شتى
أبواب الفقه ومسائله لعلها تكون في مستقبل الأيام عملا واحدا متصلا
يحل في مكانه الملائم في مكتبة علوم ومعارف ابن تيمية؛ ويعطي قاعدة
كبرى تستقى منها حلول لا تنحصر وأجوبة لا تتناهى لمسائل الناس
صعوبات البحث
واجهتني في هذا البحث صعوبات لا أزعم أنها فوق ما واجه الباحثين
غيري» ولكن ما يمكنني هو الجزم بأنه جدير بكل ما يتحمل فيه من مشاق
)١( صعوبة التعامل مع فقه ابن تيمية بل وكل آرائه وأفكاره لتشعبها
وكثرة تكرارها وعدم انتظامهاء فليس ثَمّ كتاب للشيخ بالمعنى المعروف
المنظم إلا النزر اليسير» والكثرة الكاثرة من مؤلفاته وآثاره جاءت في شكل
فتاوى ومباحث هنا وهناك يعاني المرء الأمرين من أجل لم شعثها
وترتيب مضامينها وتبويب أفكارها والمقارنة بينها ليخرج منها بفكرة واحدة
ورأي واحد» إذ كثيرا ما يوهمني كلام الشيخ في موضع خلاف ما فهمته
منه في موضع آخر فأسير في الاتجاه الأول ثم لا ألبث أن أكتشف أنني
بالنسبة لي صعوبة بالغة.
(") صعوبة جمع مادة القواعد والضوابط والتأكد من انطباق مفهوم
القواعد عليها وشرحها من كلام ابن تيمية نفسه والاستدلال عليها وجمع
أو الضابط وقد لا يقوم بأي شرح لها أو توضيح أو قد لا يقوم منه بما
يكفي» كما قد لا أظفر منه بدليل أو استدلال أو تفريع على القاعدة
فاقتضى مني كل ذلك تقليب كتب ابن تيمية مرات ومرات والاستعانة بأهل
العلم وأصحاب الاختصاص حتى يتسنى استكمال كل هذه الجوانب على
وفق المنهج الذي اخترته والخطة التي وضعتها.
00 وإنني أجد نفسي مضطرا إلى أن أجدد في بحث قديم واطور في
ميدان بلغ غاية التطور والنضوج ليس في القواعد الفقهية وحسب - وإن
على وجه الخصوص تزداد هذه الصعوبة؛ فقد تعرض لهذا البحث باحثون
كثر من شتى جوانبه؛ فهناك رسائل جامعية من مختلف الدرجات تناولت
قواعد وضوابط ابن تيمية الفقهية في بحوث متسلسلة اتخذت من أبواب
الفقه موضوعات لها حتى جاء دوري في خاتمة المطاف كمن يلهث في
أعقاب القوم يأمل اللحاق بالركب وقد أعياه الركض وتفارط عليه الأمرء
فكان نصيبي من الظفر متأرجحا بين القليل والقليل» فليس أمامي موطئ
كانت من أصعب صعوبات هذا البحث.
منهج البحث
كتبت فيه بحوث مسلسلة اتخذت من قواعد وضوابط ابن تيمية في أبواب
الفقه المختلفة موضوعات متعاقبة وتبنت جامعات منها أم القرى والإمام
محمد بن سعود تلك البحوث في رسائل جامعية؛ وكان لتلك البحوث -
مع ما لابد أن يكون من تميز كل باحث - سمات أساسية موحدة هي ذكر
القاعدة أو الضابط ثم شرحه ثم الاستدلال عليه وذكر بعض فروعه وقد
التزمت في بحثي هذا المنهج الأساسي خرصا على بقاء صورة البحث
متحدة متماسكة أملا في إمكان جمعه في المستقبل في عمل واحد
مشترك» يضم قواعد وضوابط ابن نيمية في كل أبواب الفقه؛ لعله يسد
عناية خاصة بالنقاط التالية؛ وربما كانت الجانب الذي يميزني في وتيرة
)١( أهم هدف وضعته نصب عيني منذ خطت يميني أول حرف في هذه
الرسالة إلى أن وضعت عصا الترحال فيها هو أنها منسوبة إلى ابن تيمية
تعريفات وشروحات واستدلالات وتعليلات ومسائل وقضايا وأحكام»
ي مؤلفات ابن تيمية وتحليل آرائه والوصول
مع ذلك اعتنيت بمقارنة مواقف ابن تيمية
الأحيان إلى الاستعانة بغيره في الشرح أو الاستدلال أو التفريع؛ ولكنها
كيل
الضوابط أو القواعد لم أعزها إلى مواضع معينة لدى الشيخ» لأني لم أجد
() سرت في جمع القواعد والضوابط وتنظيمها على طريقة الترتيب
الموضوعي وليس السردي» فجمعت القواعد الرئيسة التي تقع داخل نطاق
يضاعف ذلك العدد؛ وهو منهج توخيت به التنظيم والترتيب وترابط المبدأ
والفكرة» بحيث يجد القارئ والباحث عن موضوع معين أو مبدأ فقهي
أقرب إلى أسلوب ابن تيمية ومنهجه وقد سبق أن ذكرت هدفي الأول: "أن
باطمثنان وراحة بال» وأما الفروع فاكتفيت منها بقدر يكفي للتمثيل والبيان
فليس دأبها ذلك فشأن القواعد والضوابط أن يكون لها من الفروع ما لا
وتتضاعف أهميتهاء علما بأنني لم أسلك في منظومة هذه القواعد أو
الضوابط إلا ما توصلت بعد بحث وتعقيب إلى تأكد أو غلبة ظن بانطباق
مواصفات القاعدة عليه وفي سبيل ذلك عرضت ما توصل إليه بحثي
ابتداء من قواعد وضوابط على شيخي الدكتور أحمد بن حميد وهو
الأصولي المتمرس وصاحب الخبرة العريضة في ميدان القواعد الفقهية؛
التقعيد بها ليس في المستوى المطلوب فتجاوزته كذلك» ولهذا فإني هنا
جمعت كل ما تتطرق إليه هذا البحث من تلك القواعد والضوابط بشتى
أن تضم كل ما بدا فيه مفهوم القواعد وإن لم تبلغ درجة تأكد ذلك فيها
المقدار الذي شرطته في القواعد محل الدراسة؛ عسى أن يفتح ذلك
المجال لمزيد من التحقق من تلك النصوص الفقهية؛ وتوجيه البحث
(©) في التمهيد خرجت قليلا على المنهج الذي سار عليه من قبلي
رغبة في التجديدء واستكمال جوانب النقص في الموضوع؛ والبعد عن
البحث» فتناولت في ترجمة ابن تيمية الأحداث المؤرخة فقط»؛ وألقيت
بعض الضوء على تلك النواحي التي لم تبحث فيها بتكامل بعد كزواجه
وحجه وأصله» وأفضت في الحديث حول تعريف القاعدة بغية الوصول
فقه الإيمان والنذور عند ابن تيمية رأيت ضرورته للربط بين عناصر الرسالة
ومفرداتها؛ وللتمكن من فهم الضوابط ودلالاتهاء والقواعد ومضامينها.
وغير هذه النقاط الأساسية في المنهج هناك بعض النواحي الفنية
المعتادة مثل تخريج الأحاديث الذي اكتفيت فيه بالشيخين فيما خرجاه أو
أحدهما إذ به تكتمل الحاجة من الحديث عزوا وحكماء وما ليس فيهما
وكلام العلماء حوله بإيجاز عندما يرد في معرض الاستدلال خاصة؛
وعزوت الآيات باسم السورة ورقم الآية في صلب البحث وليس في
بما فيهاء وترجمت لما عدا الصحابة ومشاهير الأثمة وأكثر المعاصرين
ممن ورد في الرسالة من أعلام في أول موضع يرد ذكر العلم فيه؛ وعزوت
الإسلام فاعزوها غالبا إلى مجموع الفتاوى وأحيانا أضيف إليه غيره إن
وجدء وإذا لم يوجد النقل في المجموع أعزوه إلى مصدره من ٍ
من كتاب واحد لاختلاف طبعات كتب ابن تيمية في محتواها وتنظيمهاء
كما هو الحال في (الفتاوى الكبرى) التي تعرف بالمصرية حيث لها عدة
طبعات تختلف كثيرا في محتوياتها فيوجد في بعضها من كتب الشيخ
وفتاويه ما لا يوجد في البعض الآخرة والتزاما بمنهج العزو هذا فإني
المصدر أم حديثاء غير أنفي وضعت في اعتباري مع ذلك أن تكون نقولي
إلا في مسائل معاصرة أو آراء خاصة بهم أؤيد بها رأبي أو أنتقدها أو أقارن
بينها لاجمع في بحثي بين الأصالة والتجديد» وعساي أكون وفقت في