مقلمة
الجانب الثاني : العناية بالتفريع على هذه القاعدة وبيان
التطبيقات المندرجة تحتها .
ومن أبرز من عني بهذا الجانب: شمس الدين
ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين؛ إذ حشد لسد
الذرائع عدداً هائلاً من الأمثلة والتطبيقات؛ حيث أوصلها
إلى تسعة وتسعين مثالاً من المنهيات الواردة في الكتاب
ولم يقتصر كنم على التمثيل فحسب» بل إنه ذهب في
هذا الكتاب وفي كتابه الآخر: إغاثة اللهفان من مصايد
الشيطان إلى بيان أمر مهم يتعلق بالجانب التأصيلي لأصل
مقاصد الشريعة وأحكامها السامية.
ويحسن في هذا المقام التنويه بجهد إمامين عظيمين:
أولهما: تفي الدين أحمد ابن تيمية؛ حيث أوضح كِثمم
عند كلامه على أصل سد الذرائع العلاقة الأكيدة بين أصل
سد الذرائع وأصل تحريم الحيل في تحقيق مقصود الشارع.
وثانيهما: الإمام الشاطبي؛ إذ تعرض في مواضع متفرقة
من كتابه الاعتصام إلى بيان الذرائع التي تفضي إلى الابتداع
مقدمة ححصم
وبعد فهذه جملة نافعة من جهود الأئمة المتقدمين في
الكلام على هذه القاعدة الجليلة. والمتأمل لما درّنه هؤلاء
وغيرهم يظهر له أن تطبيقات قاعدة سد الذرائع شاملة
لأبواب الدين كافة» ولا تقتصر على باب دون آخر؛ فمنها
ما يتعلق بحماية أصل الدين من الشرك والانحراف» ومنها
ما يتصل بمسائل شتى من أبواب العبادات والمعاملات
والجنايات والحدود والآداب وغير ذلك.
وحيث إن الكلام في سد الذرائع واسع لا يكاد
يندر التعرض لها في كتب المتقدمين والمتأخرين؛ ألا وهي:
إعمال قاعدة سد الذرائع وتطبيقاتها المندرجة تحتها في باب
البدعة على وجه الخصوص.
وقد اقتضى المقام تقسيم هذا البحث إلى سبعة
١ - معنى قاعدة سد الذرائع.
- تعريف البدعة وبيان خصائصها.
© - حكم الذرائع المفضية إلى البدعة.
187/7 الفتاوى الكبرى لابن تيمية: )١(
سم مقدمة
1 شروط اعتبار الفعل ذريعة إلى البدعة.
٠ أمثلة على تطبيق قاعدة سد الذرائع في باب
البدعة لدى السلف.
+ - ذكر بعض المفاسد المترتبة على إجمال العمل
بقاعدة سد الذرائع في باب البدعة.
١ - الفروعغ المندرجة تحت قاعدة سد الذرائع في باب
يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح» وآخر دعوانا أن
المطلب الأول: معنى قاعدة سد الذرائع ببسم
المطلب الأول
معنى قاعدة سد الذرائع
وتأتي الذريعة في اصطلاح الأصوليين بمعنيين:
وقد غلب على الفقهاء والأصوليين استعمال الذرائع
708 والمصباح المثير: 77١ انظر: مختار الصحاح: )١(
77 77/7 انظر: شرح تنقيح الفصول: 408 449 والفروق: )١(
.176/7 وإعلام الموقعين:
4734/4 انظر: شرح الكوكب المثير:
2 المطلب الأول: معنى قاعدة سد الذرائع
فالذرائع بالمعنى الخاص تطلق على ما كان مفضياً إلى
ومما مضى في التعريف اللغوي والاصطلاحي للذرائع
أن الفعل المباح إذا كان ذريعة إلى محرم فالشارع
الغالب قبية إلية ١
مثال ذلك: النهي عن سب آلهة الكفار مع أن ذلك من
قال ابن تيمية: «والذريعة ما كان وسيلة وطريقاً إلى
- 178/7 وإعلام الموقعين: »770 - 311/١ انظر: إغاثة اللهفان: )١(
(©) سورة الأنعام: 1١8
المطلب الأول: معنى قاعدة سد الذرائع 7
فعل محرم - ولو تجردت عن ذلك الإفضاء لم يكن فيها
مفسدة - ولهذا قيل: الذريعة: الفعل الذي ظاهره أنه مباح
وقاعدة سد الذرائع يقابلها - على وجه الدقة - قاعدة
فتح الذرائع؛ وهي: طلب تحصيل الذرائع المؤدية إلى
والمطلوب شرعاً في الذرائع المفضية إلى المفاسد
سدها ومتعها سعياً لمنع المفاسد وإبطالهاء وهذا ما اصطّلح
كما أن المطلوب شرعاً في الذرائع المفضية إلى
المصالح فتحها سعياً لتحصيل المصالح وتكثيرها.
فتحها وتكره وتندب وتباح؛ فإن الذريعة هي الوسيلة؛ فكما
أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة؛ كالسعي
للجمعة والحج؛!".
وقد ذكر القرافي أن الذرائع تتقسم إلى ثلاثة أقسام!":
177/76 الفتاوى الكبرى: )١(
77/١ شرح تنقيح الفصول: 444 والفروق: )7(
زا المطلب الأول: معنى قاعدة سد الذرائع
وحسمه؛ كحفر الآبار في طرق المسلمين؛ فإنه وسيلة إلى
الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى
عند سبها!".
ذريعة لا تسدء ووسيلة لا تحسم؛ كالمنع من زراعة العنب
في البيوت خشية الزنى.
القسم الثالث: ما اختلف فيه العلماء: هل يسد أم
لا؟ كبيوع الآجال.
الصور مجمع على منعهاء وأنها غير داخلة تحت سد الذرائع» بل
هي من تحريم الوسائل.
تحتمل الإفضاء إلى المقصد بخلاف الوسيلة فهي تستلزم المتوسل
إليه؛ كمن حبس شخصاً ومنعه من الطعام والشراب فهو قاتل له؛
فهذا - عندهم - من تحريم الوسائل» وليس من الذرائع في شيء.
انظر: الأشباه والتظائر لابن السبكي: 0174/١ وحاشية العطار على
شرح المحلي لجمع الجوامع: 384/7
المطلب الثاني: تعريف البدعة وبيان خصائصها جسم
المطلب الثاني:
تعريف البدعة وبيان خصائصها
تأتي مادة (بدع) في اللغة"؟ بمعنى: الشيء المخترع
والبدعة في الشرع هي: ما أحدث في الدين من غير
وقد وردت في السنة المطهرة أحاديث نبوية فيها إشارة
١ - حديث العرياض بن سارية يه وفيه قوله كِن:
)١( انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: ٠07 1016/١ ومختار
الصحاح: 47 44؛ والمصباح المنير: 8» والاعتصام: 77/١
(7) سورة الأحقاف: 4.
7 - حديث عائشة ينا وهو قوله كِلة: (من أحدث في
وإليك فيما يأني ما يقرر هذا المعنى من كلام أهل
وقال أيضاً: «والمراد بالبدعة: ما أحدث مما لا أصل
وقال ابن حجر: «والمراد بقوله: (كل بدعة ضلالة)
ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا
عام
حديث حسن صحيح؛ والحديث صححه الألباني في ظلال الجنة في
تخريج السنة لابن أبي عاصم: ١7 برقم 79
() جامع العلوم والحكم: 178/1
(©) المصدر السابق: 177/7
(4) فتح الباري: 184/17