الحمد لله واهب النعم وساتر النقم » ومانح الإنسان علوم الفقه والقرآن +
الذى أيسر بفضله استنباط الفروع من الأصول وهداهم بنور الوحى إلى استخراج
مكنون العقول . وَبَعْدُ .. فإنا نستفتح على القارىء بذكر يزة عن
الحضارة العلمية والدينية فى عصر المؤلف ثم نثنى بذكر ترجمة للأئمة الأعلام
صاحب الشرح ثم يتلوه صاحب المختصر وهو أصل كتابنا » ثم ارتأينا من بت
الفائدة للقارىء أن نثلث الإمامين بترجمة لصاحب المنار الإمام التسفى -
دخل هذا القرن ودولة المماليك المراكسة مزدهرة الطالع فى ١ مصر *
والشرق» وكانت الدّولة العثمانية تنازعها النفوذ فى اشرق » وتتطلع إلى امتلاك
«مصر » © وفى بلاد « المغرب » كثرت الثورات الداخلية » وازداد الاق بين
ملوك المغرب الأقصى وبين ملوك « تونس 4 » واعتزم الإسبانيون طرد المسلمين من
«الاندلس » ؛ فاستولى البرتغاليون على « سبتة » سنة 818 ها ء واستولى
خرج حكم « الاندلس » من أيدى المسلمين بعد أن دام ثمانية قرون تقريباً +
وكانت هناك دويلات إسلامية فى ١ تونس 4 © و« المغرب الأقصى » و١ الجزائر»؛
وظهر بها كثير من علماء الأصول » كما ظهر ب « مصر » رغم الاضطرابات
والفتن . وبين أيدينا من مؤلفات هذا القرن فى علم الأصول كتاب ١ مختصر
المنار » للعلامة طاهر بن حسن المعروف بابن حبيب المتوفى اسنة 808 هاء
والتحرير لما فى منهاج الاصول +
صاحبٌ الكتاب .
هو العلامة أحمد بن محمد بن عارف شمس الدين أبو الثناء بن أبى البركات
الزيلى ثم السيواسى .
وهو من فضلاء الاحناف + ومن أدباء الروم من أهل ه سيواس © ء له
مؤلفات بالعربية والتركية : فبالعربية ١ حل معاقد القواعد اللاتى ثبتت بالدلائل
والشواهد » فى علم النحو ؛ وهى فى مكتبة الأحمدية ب ١ تونس » تحت رقم
وله « زبدة الأسرار » 6 وهو الشرح الّذى تحت أيدينا ؛ فرغ من شرحه فى
أوائل شعبان سنة 474 ها .
(ه) ولم نجد من استفاض فى ترجمة الإمام أحمد بن محمد السيواسى فى المصادر التى
نحت أيدينا » وانظر ترجمته » الإعلام للزركلى: 238/1 » طبقات الأصولين : ؟/ ب .
صاحب المختصر
هو العلامة الإمام طاهر بن الحسن بن عمر بن حبيب أبو العز بن بدر الدين
الحلبى المعروف بابن حبيب ل" » وكان مولده ونشاته ب « حلب + » وكتب بها
فى ديوان الإنشاء » وانتقل إلى « القاهرة » فناب عن كاتب السر ٠
ذيل على تاريخ أبيه » و« مختصر المنار » » وشرحه الذى بين أيدينا + وله
«وشى البردة » » شرحها وتخميسها » وكانت وفاته فى « القاهرة » عن زهاء
سبعين عاماً .
771/73 : انظر الترجمة : الضوء اللامع : 7/4 ء الأعلام للزركلى )١(
تَرْجِمَة صاحب انار
هو الإمام أبو البركات عبد الله بن أحمد المعروف بحافظ الدين اللسفى 6 أحد
الزَّعَّاد المتأخرين المتوفى فى ٠ل هاء ولد ب « تَسَف » - بفتح الأول والثانى -
وهى مدينة كبيرة » واقعة بين 3 جيحون © و3 سمرقند ٠ ١
وهو من طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين القوى والضعيف الذين من
شأنهم ألا ينقلوا فى كتبهم الأقوال المردودة + والروايات الضعيفة + وكان إماماً
كاملاً » مرجعاً فى الفقه والأصول » بارعاً فى الحديث .
تفقّه على شمس الآئمة محمد بن عبد النّتار الكردى + وعلى حميد الدين
الضرير + وبدر الدين خواهر زاد + ويروى الزيادات عن أحمد بن محمد
» - الناقع سما بالمنافع +
* - الكافى فى شرح الوافى ٠
؛ - كنز الدقائق .
© - المنار فى أصول الفقه »+ وشرحه كشف الأسرار +
- العمدة فى أصول الدين .
توفى ليلة الجمعة فى شهر ربيع الأول سنة إحدى وسبعماثة - رحمه الله -
قال صاحب « الجواهر المضيئة » : النَسَفى صاحب التصانيف المفيدة فى الفقه
والأصول » وذكر من تآليقه :
١ - إفاضة الأنوار فى إضاءة أصول المنار لأبى الفضائل سعد الدين عبد الله
ابن عبد الكريم الدهلوى .
- إفاضة الأنوار على أصول المنار لعلاء الدين محمد بن على الحصنى
الأثرى الحصكفى .
؟ - نسمات الأسحار على شرح المنار للسيد محمد أمين المعروف بابن
ومن المختصرات : مختصر المنار وهو للشيخ أحمد ستور الحجار الحلبى؛
وشرح مختصر المنار لابن حبيب الحلبى » تأليف قاسم بن قطلبوغا بن عبد الله +
ويعرف بقاسم زين الدين » وشرح مختصر المنار عبد العلى بن محمد ابن حسين
البرجندى سنة 477 ه ؛ وشرح مختصر المنار للشيخ طه بن أحمد ابن محمد
بن قاسم الكورانى » المتوفى سئة 17٠0 ه . وله غير ذلك مما حوته المكتبابت
ومن هذا يظهر لنا مدى أهمية كتاب
لصاحب المنثار .
ار » فكان حتماً علينا أن نترجم
وبعدٌ أن انتهينا من تراجم ثلاثة الأئمة فهاك مقدمة يائعة فى أصول الفقه وهى
عقد اليد وقاعدة التجويد فخذها أيها المريدُ . وقد افتتحناها بالبسملة والحمدلة
+ 784/7 ةيضملا انظر الترجمة : السلوك للمقريزى : 348/7 » الجواهر )١(
. 38-77//4 : الأعلام للزركلى
يسم الله الرَحْمَنٍ من الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره » ونعوذ بالله من شرور أنفنا
ل يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها
وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان
لكم ذنويكم + ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوز عظيماً 4 !© .
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد كَل ١ وشر الأمور
اعلم أخى القارئ إن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية قدراً وأجلها نفعاً
وأكثرها فائدة ؛ إذ هو العلم الكفيل بالنظر فى الادلة الشرعية كتاباً وسنة وإجماعاً
وقياساً من حيث تؤخذ منها الأحكام والتكاليف ؛ وهو العاصم لذهن الفقيه عن
الخطأ فى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ٠
1-7 : آل عمران » آية )١(
() النساء » آية
(© الأحزاب ؛ آية : ٠ل
0 أخرجه مسلم عن جابر رضى الله عنه : 847/7 » كتاب الجمعة » باب : تخفيف
الصلاة والخطبة + حديث : 837/43 ؛ وأخرجه النساثى : 88/9 » كتاب صلاة
وفى تقدمتنا لهذا الكتاب المشتمل على علم أصول الفقه نضع بين يدى القارئٌ
الكريم مبادئ عشرة قد اعتاد أهل العلم أن يذكروها فى مقدمة علومهم لنضع
تصوراً عاماً عما هم بصدده من العلوم » ثم نذكر طرق التأليف فى ذلك الفن ٠
إن مبادى كل فن عشرة الحد والموضوع ثم القمرة
وفضلةه ونسبة والواضع والاسم الاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى ومن درى الجميع حاز الشرفا
كلمة أصول الفقه لها اعتباران عند أهل العلم +
* الاعتبار الأول :
قبل أن تكون علماً على ذلك الفن الخصوص + وهى حينئذ مركب إضافى
تتوقف معرفته على معرفة جزءيه التى هى أصول وفقه ضرورة أن معرفة المركب
تتوقف على معرفة أجزائه .
فالأصول : جمع أصل » وهو فى اللغة يطلق على معان متعددة أقربها ما يبنى
على الدليل أو عرفياً كبناء المجاز على الحقيقة » فكل من الأساس والدليل
والحقيقة أصل ؛ لأنه بنى عليه غيره
أما أصول : اصطلاحاً فتطلق على أربعة معان :
أولاً : الراجح ٠
ثالثاً : القاعدة المستمرة +
رابعاً : الدليل +
الفقه : لغة : هو الفهم مطلقآً )١( » ومنه قوله تعالى : ( فما لهؤلاء القوم
لا يكادون يفقهون حديثا » (" » وقوله تعالى : ( وإن من شئ إلا يسبح بحمده
ولكن لا تفقهون تسبيحهم » 9 .
اصطلاحاً : هو العلم بالاحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها
ِ ّ تقاد (0)
بعضهم عملاً ليخرج الاعتقاد (9) .
«* الاعتبار النا:
وعرف بأنه معرفة دلائل الفقه إجمالاً » وكيفية الاستفادة منها » وبيان حال
أو هو القواعد التى يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها
موضوع علم الأصول على ما هو الراجح من أقوال العلماء هو الآدلة
الإجمالية من حيث إثبات الاحكام الكلية بها ليتوصل بذلك إلى كيفية استنباط
الأحكام الفقهية من أدلتها التفصيلية +
2 817 الصحاح للجوهرى : 7747/76 ؛ ترتيب القاموس ؛ ؟/ )١(
2108 : النساء » آية )(
(©) الإسراء + آية : 44
(4) نهاية السول : 23/1 ١ الاحكام للآمدى : 4/1 .
(ه) التلويح على التوضيح : 1١/١
() نهاية السول : 8/1 © جمع الجوامع : 67/1 278
فالادلة الإجمالية هى : الكتاب والسنة والإجماع والقياس » وغيرها من الأدلة
المختلف فيها كالاستصحاب والمصالح المرسلة +
ومعنى كونها إجمالية أنها أمور كلية ينضوى تحتها أمور جزئية كمطلق أمر فهو
دليل كلى يندرج تحته كل قول طالب للفعل مثل قوله تعالى : ( أقيموا الصلاة
وآنوا الزكاة 4 000 ,
ومعنى الحيثية أن البحث عن الأدلة من جهة ما يعرض لها من الأحكام الكلية
كالوجوب والندب والحرية .. إلخ +
المراد بالتوصل : التوصل القريب الذى يكون بواسطة القواعد الأصولية 6 لا
التوصل البعيد الذى يكون بغيرها من العلوم الأخرى التى تعتبر من مقدمات ذلك
العلم كعلم اللغة العربية والكلام +
وكيفية التوصل إلى استنباط الأحكام الفقهية من الأدلة التفصيلية هو أن تأتى
عمل من أعمال المكلف ومحمولها هو نفس موضوع القاعدة الأصولية التى
جعلتها كبرى قياس ٠
من فوائد ذلك العلم وثماره :
أولاً : القدرة على استنباط الأحكام الفقهية من أدلتها التفصيلية +
ثانياً : القدرة على الموازئة بين أدلة الأثمة السابقين لتطمئن النفوس إلى ما
قلدت فيه من الأحكام .
ثالثاً : العلم بالقواعد الأصولية حتى تستطيع بواسطتها أن تستخرج للناس
الأحكام الشرعية للأقضية الجديدة التى تطرأ فى المجتمع لم يكن للسابقين قول