نفس سه
شاءت ظروف كاتب هذه السطور ان يشهد
لحظة درامية مكثفة فى التاريخ العربى الحديث .
فقد امضيت عاما ونصف عام بين سنتى 1477
1470 فى العراق , وكانت تلك هى فترة انهيار
اول محاولة فى التاريخ العربى - الكردى لاقامة
حكم ذاتى للأكراد .
كان ثمة فضول يتملكنى لمعرفة المزيد عن الأكراد عندما وصلت الى
بغداد لأول مرة ..
قد يرجع هذا الفضول الى متابعة وقائع تاريخية منذ قدم محمد
على الكبير مساعدته للاكراد فى عام 1870 خلال حريهم ضد الدولة
العثمانية . ففى تلك الحقبة من القرن الماضى , ساعدت مصر -
بخبرتها - الأكراد في صناعة اسلحة منها مدافع .
ومازالت قطع مدفعية مصنوعة بالخبرة المصرية توجد حتى الآن
فى متاحف العراق .
وقد يرجع هذا الفضول الى وقفة الشعب الكردى , مع الشعب
العربى فى العراق ‎٠‏ الى جانب مصر فى معركتها ضد العدوان الثلائى
عليها وتنظيم المظاهرات ضد ذلك العدوان مما دفع السلطة العراقية
الموالية للانجليز ‏ قبل ثورة 14 تموز ( يوليو ) 1468 الوطنية في
العراق - إلى تقديم قادة الحزب الديمقراطى الكردستانى الى
المحاكمة .. ولم تمض سنوات معدودة حتى اشترك الطلبة الأكراد في
إضرابات المدارس والكليات .. دعما لنضال الجزائر الوطنى
عام 1464 .
كنت اشعر بان الشعب الكردى يمكن أن يلعب دورا حضاريا بارزا
فى هذه المنطقة من العالم ..
وقد لعب بالفعل . وأكبر دليل على ذلك هو محرر بيت المقدس ..
صلاح الدين الايوبى اشهر كردى فى التاريخ .. وعمه « شركوه ‎٠‏ .
بل ان المقاتلين الأكراد كانوا يشكلون قوة هامة فى معارك العرب ضد
الغزاة الصليبيين وضد الغزوات القادمة من آسيا ..

ويكفى لاثارة الاهتمام بالاكراد ان نكتشف أن من ذوى الأصل
الكردى عمالقة من امثال امير الشعراء احمد شوقى وكاتينا الكبير
عباس محمود العقاد واديبنا الشهير محمود تيمور والشاعرين
العراقيين الكبيرين معروف الرصاق وجميل صدقى الزهاوى والمفكر
السورى محمد كرد على وحتى فى مجال الموسيقى ؛ لا يمكن اغفال ذكر
ابراهيم الموصلى وتلميذه زرياب ..
وتكفى الاشارة الى المؤرخين الكبيرين : ابن خلدون وابن الأثير ..
الأكراد .. ؟
من هم هؤلاء الأكراد الذين ظهروا فجاة فى مقدمة مسرح الأحداث
فى المنطقة الآن واصبحت ماساتهم وحكاياتهم على كل لسان .. وف كل
وقت فى وسائل الاعلام فور سكوت المدافع فى جبهة الخليج ؟
المجتمع الكردى .. ا
بانهم « جيل شرير يحقق متعته بقتل التجار » أ! وكذلك ما نسبه
الأمريكيون الى « قول عربى مأثور » يزعم أن الأخطار الداهمة الثلاثة
التى تواجه العرب هى :
« القثئران والجراد .. والأكراد » !
وشعرت بعد التعرف على الشخصية الكردية بمدى الاجحاف
والظلم الذى تعرض له الأكراد على مر السئين ..
والأكراد يجدون أنفسهم دائما .. فى المصيدة . فهم محاصرون
بدول اقوى تحرص على الابقاء على الأوضاع كما هى . وتعقدت
المشكلة الكردية واكتسبت طابعا ماساويا أكثر فاكثر ..
من اين جاء هؤلاء الأكراد ؟ وما هى قصتهم ؟ وهل يشكلون شعبا
وقومية ؟ وماذا تعنى , كردستان » والصراع حولها ؟ وما هى قصة
محاولات إقامة دولة كردية مستقلة على مر العصور ..
انها مجرد محاولة لاستطلاع ابعاد المسالة الكردية ..

والتقيت بكل الاطراف فى العراق الحزب الديمقراطى
الكردستانى - حزب البعث - الحزب الشيوعى العراقى .
بتشجيع وتحريض من حزب البعث ؛ مثل هاشم عقراوى . التقيت
واستكشاف ما خفى من جوانب المشكلة الكردية وحقيقة الخلافات
للمحافظة على , شعرة معاوية 6 بين بعضها البعض , ولم تكن قد
قررت - بعد - تفجير الموقف بكامله وقلب الموائد على الرؤوس
واستثناف الحرب ..
وشاءت الظروف ايضا آن أشهد الانفجار - واضع يدى على حقائق
الفترة وهى أن المشكلة الكردية أصبحت من التعقيد بحيث لا يصح
اعتبار ان طرفا من الاطراف محق تماما في موقفه وان طرفا آخر مذنب
بنسبة مائة فى المائة .
الخارجية فى الصراع الكردى - البعثى داخل العراق . وجاء وقت
الكردية هى استخدام دول كبرى وامبراطوريات للأكراد كادوات
مؤقتة لتحقيق مصالح معيئة. في مراحل محددة ؛ ثم توجيه اقسى
الضربات لهؤلاء الأكراد فى مراحل أخرى . وكان من الواضح أن
جزءا من التخطيط الخارجى للمشكلة الكردية يرجع الى نفس
الفلسفة السياسية التى تعمل دوما على الدول _ليسهل
السيطرة عليها .

ومن المحتمل أن تكون المسالة الكردية جزءا من نفس خطة تقسيم
السودان الى قسمين والحد بينهما بخط عرض ‎١١‏ شمالا .. وترك
ولاية كشمير معلقة بين الهند وباكستان .. وغرس دولة اسرائيل في
قلب الوطن العربى .. مع عرقلة ممارسة الشعب الفلسطينى لحقه في
تقردي المصتير +
غير ان سقوط بيان ‎١١‏ مارس 1470 ومشروع الحكم الذاتى
لكردستان العراق يرجع الى الدسائس الأجنبية وعمليات التحريض
الخارجية من جهة بقدر ما يرجع الى إصرار حزب البعث العراقى على
احتكار السلطة باعتباره « قائد العرب والأكراد ‎٠»‏ ورفضه إقامة
الديمقراطية فى العراق سواء للأكراد أو للعرب .. وإقدامه على .
تصرقات ادت الى انهيار الثقة مثل نقل مجموعات بشرية من مكان الى
مكان كجزء من خطة لتشتيت الأكراد .
وقد اكدت التجربة أن حزبا سياسيا لا يؤمن بالديمقراطية هو
. حزب عاجز تماما عن حل مشكلة الحقوق القومية للأقليات , ولذلك
تنفجر من الداخل المجتمعات متعددة القوميات والأعراق والأديان
إذا ساد بلد ما نظام ديكتاتورى يرفض مشاركة القوى السياسية
الأخرى فى السلطة .. وإذا تبنى مثل هذا الحزب أسلوب احتكار
الاغلبية لكل شىء قى مجالات الحياة والنشاط والعمل السياسى
والاقتصادى والاجتماعى"..
كما أكدت التجربة أن القيادة الكردية سارت وراء أوهام تحالفات
‎٠‏ تكتيكية » أحيانا .. وتحالفت مع اية ‎٠‏ شياطين » في أحيان أخرى
لتساعدها على مواجهة السلطة فى بغداد .. غير أن هؤلاء الشياطين
كانوا يتحركون بدوافع وأهداف لا علاقة لها بمصلحة الشعب
‎٠‏ والدليل على ذلك أن اتفاقية الجزائر التى وقعها صدام حسين مع
شاه ايران ادت الى تخلى إيران عن أى مسائدة للأكراد . وكان الدافع
الرئيسى والمباشر للحكم العراقى من ورائها هو قمع الثورة الكردية
بالتحديد ..
وعندما وقعت الحرب العراقية - الايرانية .. عرض الحكم
العراقى المساعدة على أكراد ايران ليقاتلوا ضد حكومتهم .. وأقدمت
ايران الخومينية على نفس السلوك !

واستمر النزيف الكردى منذ منتصف السبعينات وحتى نهاية
من هاوية السقوط عقب حرب الخليج .. تفجرت المشكلة الكردية من
هل ستظل الدول الأجنبية تعمل دائما على استغلال المشاعر
والمطامح القومية الكردية المشروعة كادوات ووسائل للضغوط
والمناورات والمساومات فى سوق المنافسات الدولية أو لتمرير
مخططات معينة .. ام سيتمكن الأكراد من فرض قضيتهم على العالم
أمد إهمالها +
وهل سيتعلم الاكراد من دروس التاريخ وتجاربهم الماضية

اليس
والمة قاوه العظيم
الثلج بدا يتساقط , الفلاحون الجياع
يرتجفون من الضياع والجوع ؛ الأطفال حفاة ‎٠‏
‏عراة. جوعى , الأمهات المرضعات لاتدر
ما يملك الشعب , حتى الفتيات العذارى سلب
منهن [عز ما يملكن .. الاسواق خالية مقفرة . الرجال يتحدثون فى
همس . ويختبئون عند مشاهدة الطاغية ..
هنا تبدا ملحمة ‎١‏ كاوه , العظيم , فى مواجهة الديكتاتور الذى
يحكم إيران بالحديد والذار , وتمضى الأيام , ويسقط الطاغية صريع
مرض عضال , ويعالجه طبيب يهودى ويصف له الدواء , ويوصى
الطبيب بان يمسح الطاغية جسده يوميا بدم مخ شابين من شباب
نصيحة الطبيب اليهودى المتعطش للدماء , ويذبح شابين فى كل
يوم , ويستمر هذا الحال لعدة سئوات ؛ وتشاء الأقدار أن يجىء
دور آخر أبناء ‎١‏ كاوه , السبعة الذين ذبحهم الطاغية جميعا ..
ويخرج ‎١‏ كاوه , الحداد , حاملا مطرقته لينادى فى الناس معلنا
الثورة ..
هذا الحداد القوى البنية , الذى يحيل كتل الحديد الى فؤوس
وسيوف ومناجل , لا يخاف ولا يهاب , ورغم آن الرجال كانوا
يخشون الحديث معه حتى لا يصبحوا فريسة لغضب الطغاة ‎٠‏
‏إلا أن الحداد . كاوه , يعلمهم كيف يثورون على الظلم - اند يريدهم
أن يكونوا يدا واحدة ورآيا واحدا , لكى يتمكنوا من توجيه أعنف
طبرجة اللطاقية ‏

ثار ء كاوه . الحداد وهو يرى الاطفال العراة . والنساء الذابلات
وهن فى ربيع اعمارهن ؛ تألم واشتعل غضبا .. قال للرجال : يجب ان
يسند بعضنا بعضا بهذه السيوف , وستحرر الأرض وتنعيدها ‎٠‏
‏علينا ان نبذل الدماء سخية . ولكى يكون الموت حقا وعدلا يجب ان
تكون الحياة عادلة , وعليكم أن تسيروا معى لنحقق النصر ..
ويقدم ‎١‏ كاوه ‎١‏ السيوف والفؤوس إلى أهله وإخوانه . وتقول
الأسطورة الكردية القديمة آن ‎١‏ كاوه » كان يصرخ ق. الجبال
والوديان . ويذيب الجليد . ويسير على الأرض . فتتدقق المياه بدل
الدماء . ويلمس الاشجار اليابسة فتصبح خضراء وتعود الى
الحياة , ويمضى بين الجبال والكهوف ويحرر الارض والعبيد ويتبع
الطغاة ويلاحقهم بسيقه البتار ..
وتثور الشعوب الايرانية لثورة الحداد فى كل مكان.. وتسير
الجموع الى قصر , الضحاك ‎٠‏ ..
وتقتل الملك الطاغية ومن يتبعه من" النبلاء والوزراء وتشعل النار
فى أعلى قمم الجبال اعلانا عن الانتصار .
وبعدها يظل الأكراد يتغنون بكاوه الحداد :
العشب ينمو , وعيون المياه تنفجر تحت اقدام كاوه 6 .
وتقول الادبيات الكردية أن كاوه هو نشيد التحدى فى عنفوائه -
وانه الأمل لشعب مسحوق فى عالم مقيت ومتفسخ ؛ وأنه بين حنايا
كاوه يتفجر الحق . ومن نظراته يزغرد الأنين .. وتحت-1قدامه ينفطر
قلب الشك ومن يمناه يسطع اليقين ..
وعيد « نوروز ‎٠‏ القومى هو عيد انتصار الشعب الكردى بقيادة
كاوه البطل على حكم الاستبداد والطغيان قبل اكثر من خمسة
وعشرين قرا ‎٠‏
وهناك تفسيرات عديدة لأصل هذا العيد ومغزاه , ولكن معظمها
يشير الى ثورة الشعوب الايرانية , من الفرس والأكراد والاذربيجان
بقيادة كاوه الحداد .
ويقال ان ‎١‏ نوروز » الكردى هو ‎٠‏ اوزوريس » المصرى واه

ق الأدبيات الكردية , جاء فى تاريخ معارك الاكراد مع الايرانيين
‎٠‏ .. أخذ الطاغية يفرض ضرائب فادحة على الاهلين , وبدة
بالتعدى على عفاف النساء والفتيات . واستفحل الظلم
والطغيان والسلب والنهب والعبث بمقدرات الاكراد بشكل لم يسبق
له مثيل كان السكان هم سبايا أو رهائن ‎٠‏
‏الشسجسرة والفتسراء
ومن خلال هذه السطور , تتكشف امكانات الخيال الحاذق فى
مواجهة الموت والاستبداد , وإشراقة الحياة مع انبعاث الثورة
والانتصار على الجور والذل والمهانة
‎٠‏ ونوروز » رمز البهجة الخضراء ؛ والحياة الزاهية والانتصار
الدائم على الموت ‎١‏
‏وقد أعلن ‎٠‏ كاوه » ثورته في أول يوم من ايام الربيع ؛ ومع تفتح
الازهار , عندما تتعطر أرض كردستان بانفاس العبير , وتلبس
الطبيعة ثوبها المزركش تاركة وراءها برد الشتاء وسيوله الجارقة
لتستقبل الربيع الطلق الضاحك المشمس والدفء والحياة والأمل ..
الشعب الكردى فى تحقيق طموحاته رغم أنه لايزال يبحث فى تراثه
الادبى عن شعاع ضوء , ولو فى المستقبل البعيد .
وتقول حكمة كردية قديمة , الشجيرة تغدو شجرة وسيجلس
تحت ظلالها الفقراء ‎١‏ ..
ان اقدم القرى الزراعية التى نشات فى التاريخ كانت فى شمال
العراق قبل « الأريجية » و « تل حسونة . ببضعة آلاف من
عملة ..
غير أن الكردى يمارس رعى الماشية , وخاصة الاغنام والماعز في
الأساس , أما نشاطه الزراعى الآن فإنه محدود لأنه لا يشعر
بالاستقرار .
وتقول الأدبيات الكردية انه كان لكل أمير من أمراء كردستان
” قديما .. وزيران : وزير اليسار , وهو المستشار الذى يقدم الآزاء

والاقتراحات للحاكم , ووزير اليمين .. وهو المسئول عن تنفيذ اوامر
الحاكم وإدارة الدوائر والمؤسسات .
وتكشف القصص والأساطير الكردية عن نوع القيم التى يؤمن بها
الأكراد وحياتهم واحلامهم .
ففى أسطورة ‎٠‏ بائع العقل ‎٠‏ , يلتقى الحاكم الكردى برجل يبيع
بضاعة من نوع فريد .. انه يبيع العقل ؛ ولكل ثمن مقدار من
العقل . وق البداية يظن الحاكم أن الرجل ليس سوى محتال يردد
كلاما تافها . وينصح بائع العقل .. الحاكم قائلا ‎٠:‏ لا تجرب شيئا
لم يجربه غيرك , .. ولقاء مبلغ آخر من المال يقدم له البائع قدرا
آخر من , العقل » .. فيقول للحاكم : ؛ تعلم صنعة إن كنت
لا تعرف الصنعة ! لانك لو ملكت الدئيا كلها ؛ فلا تستغنى عن
وتمضى الايام والشهور .. ويواجه الملك مؤامرة من وزير اليمين
لقتله ولا ينقذه منها سوى انه تذكر نصيحة ‎١‏ لا تجرب شيئا
لم يجربه غيرك ‎١‏ . وتمشى الاعوام .. ويقع الحاكم ووَزير اليسار..
معا .. فى كمين أعده رجل يهودى يريد أن يحقق رغبات ‎١‏ شعب الله
المختار » فى الانتقام من الذين يحكمونه .. لان اليهود ‎١‏ هم الذين
يجب أن يحكموا العالم ‎٠‏ ! وبعد أربعين يوما من الحياة فى قاع بئر
مظلمة عمقها أربعون ذراعا .. يتمكن الحاكم ووزيره من تحقيق
النجاة بفضل استخدام ما تعلماه من صنعة قبل هذه ‎١‏ المكيدة ‎١‏ ..
وتروى أسطورة ‎١‏ الحب اقوى » قصة غرام عثمان راعى أغنام
إحدى عشائر ‎١‏ الهركى » الكردية التى امتهنت منذ القديم تربية
الاغنام والقيام برحلتين مع أغنامها سنويا .. رحلة الشتاء حيث
تنزل من اعالى الخبال الى سهول كردستان الواقعة ضمن محافظة
الموصل .. ورحلة الصيف حيث ترحل من السهول الى اعالى الجبال في
أفراد العشيرة والتى أحبت عثمان ولكن والدها يرفض زواجهما
بسبب فقر عثمان . وفى أحد الأيام تسقط ‎١‏ حليمة » من ارتفاع شاهق
قي مسقط شلال نهر الزاب الجارف فى واد سحيق . وينتزع عثمان
وعدامن والد حليمة بأن تكون له إذا استطاع إتقاذها .. وفى ختام