على ان البعض بدا التاريخ الحديث بالقرن السادس عشر» على اساس
انه القرن الذى ظهرت فيه الدولة الحديثة وحركة الإصلاح الدينى» وما نتج
وقعت فيه حرب الثلاثين عاماً؛ والثورة العظمى فى إنجلتراء وتفوق فرنساء
وحروب الوراثة الاسبانية. بل إن بعض الدارس السوفيتية حددت بداية
التاريخ الحديث بالثورة البورجوازية فى إنجلترا فى القرن السابع عشر.
وواضح ان هذه المدارس تقدم التاريخ مقلوياً على راسه. إذ تقدم النتائج
على المقدمات. كما ذكرنا - فعصر النهضة كان نتيجة وليس مقدمة للتاريخغ
الحديث, وظهور الدول القومية الحديثة وحركة الإصلاح الدينى وحرب
الثلاثين عاماً؛ والثورة العظمى فى إنجلتراء وتفوق فرنساء وحرب الوراثة
الاسبانية هذه كلها نتائج لتغيير علاقات الإنتاج التى بدات يظهور الطبقة
البورجوازية فى اورويا فى رحم المجتمع الاقطاعى, وتغييرها علاقات الإنتاج
من علاقات إنتاج إقطاعية إلى علاقات إنتاج بورجوازية. ويذلك تغير البناء
فالتاريغ الحديث هو تاريخ الطبقة البورجوازية بقدر ما يعتبر تاريخغ
العصور الوسطى هو تاريخ الطبقة الإقطاعية. والعصور التاريخية تبدا بتغير
العلاقات تمثل البناء التحتى الذى ينبنى فوقه البناء السياسى والعسكرى
والقانونى والدينى والفنى والادبى والذكرى والعلمى والعلاقات الدولية وكل
الفكر والفلسفة والعلوم والفنون والاعتفاد.
ثم ننتقل إلى حركة الإصلاح الدينى باعتبارها إحدى نتائج ظهور الطبقة
البورجوازية» وما قامت به من إعادة النظر فى الحياة الدينية التى كانت
خاضعة للكنيسة فى العصور الوسطى, بحكم سيطرتها على الدين وقراءة
الإنجيل, وامتلاكها وسائل الإنتاج.
ثم ننتقل بعد ذلك إلى ظهور الدول القومية كنتيجة لتحطيم حواجز
الإقطاع على يد الطبقة البورجوازية. واتجاه هذه الدول القومية إلى إثبات
ذاتها عن طريق التسوسع فى اورويا؛ الامر الذى يؤدى إلى «الحروب
الإيطالية»» وكذلك التوسع خارج أوروباء وهو ما يؤدى إلى حركة الكشوف
ثم يمضى تاريخ العالم الحديث على يد الطبقة البورجوازية؛ فتغير النظام
القرن السابع عشر؛ إلى نظام الملكية المستبدة المستنيرة فى القرن الثامن
عشر, والذى كان سائداً فى دول أوروبا فيما عدا فرنساء فتنشب الثورة
الفرنسية بفكر قومى واجتماعى جديد يستهدف القضاء على بقايا الإقطاع»
وهدم الطبقة الإتطاعية وإسقاط الحق الإلهى للملوك فى الحكم الذى ساد فى
القرنين السابع عشر والشامن عشس, وقيام الدولة القومية على أساس
تشخيص الشعب للدولة وليس الملك كما كان الحال منذ بداية العصر
ولكن يتسرتب على هدم الحق الإلجى للملوك فى الحكم ان تهب الدول
والاسر الحاكمة فى اوروبا التى تستشعر الخطرء لمحاربة الثورة الفرنسية,
المجال لظهور نابليون للدفاع عن مبادئ الثورة الفرنسية؛ وإعادة تقسيم
أدرويا على اساس هذه المبادئ, فتنقسم أورويا بين النظم الديموقراطية
مؤتمر فيينا الذى عقد بعد هزيمة نابليون. الاسر الحاكمة الاستبدادية
وهنا يتغير تاريخ اورويا بالحركات القومية والدستورية التى تتصارع مع
الحركات دعماً من علاقات الإنتاج البورجوازية الجديدة التى ظهرت بعد ان
هدمت الثورة الفرنسية علاقات الإنتاج الإقطاعية القديمة. فيحدث التطابق
بين علاقات الإنتاج ووسائل الانتاج» ويترتب على ذلك الثورة الصناعية التى
توحيد السوق الداخلية فى البلاد التى نضجت لهذا التوحيد؛ وتحقيق
وفى الولايات المتحدة يكون انتصار الشمال الراسمالى فى الحرب الأهلية
الامريكية بداية تحقيق الوحدة القومية الامريكية على اسس راسخة. وفى
اليابان تتمكن البورجوازية اليابائية الصناعية من نقل اليابان من مرحلتها
الإقطاعية إلى المرحلة الراسمالية.
وكل ذلك يدفع البورجوازية فى العالم الصناعى, بعد توحيد سوقها
الداخلية. إلى البحث عن أسواق جديدة, ولكنها تختلف عن الأسواق القديمة
فى المرحلة التجارية فى انها أسواق للحصول على المواد الام اللازمة
مصانع اورويا وامريكا واليابان باغلى الاسعار.
ويتطلب الصراع على الاسواق فى اواخر القرن التاسع عشر عقد
الاتفاقات الاستعمارية من جديد لتقسيم الاسواق. فيتم تقسيم افريقيا فى
مؤتمر برلين فى عام 1//:4م و144م؛ وفى الوقت نفسه تقوم التحالفات
الأدروبية وفقاً لمبدا توازن القوى. ولكن كل ذلك يفشل فى منع الحرب.
فتنشب الحرب العالمية الاولى فى عام 418١م وتستمر اربع سئوات.
وعندما تنتهى الحرب العالمية الاولى تكون قد اختفت الإمبراطوريات
وتتعلم البورجوازية الغربية الدرس, فتعيد تقسيم العالم من جديد على
أسس قومية, بعد ان أصبحت الدولة القومية لا محيص عنها لتوحيد السوق
العملاق الألمانى فى قمقم باقتطاع اطرافه وضمها إلى الدول القومية
بانتصار الثورة الاشتراكية فى أثناء الحرب.
لحماية نفسها من النظام الشيوعى. ويؤدى الصراع الاستعمارى من جديد
الحرب العالمية الثانية, بعد فشل نظام عصبة الام وعجزها عن منع الحرب.
وتنتهى الحرب بهزيمة الدول الفاشية والنازية» وانتصار الدول الليبرالية
والشيوعية. وتحاول الدول المنتصرة تقسيم العالم من جديد على اسمس
القومية, وتقيم على انقاض عصبة الامم نظام هينة الام المتحدة ومجلس
ولكن التناقض بين النظم الليبرالية والنظم الشيوعية يدقع إلى صراع
دولى على اساس جديد؛ وهو الاساس الايديولوجى» حيث تواجه البورجوازية
الغربية اكبر تحد لها على مدى تاريخها من جانب نظام يقوم على طبقة
البروليتاريا. وتكاد تتحقق نبوءة ماركس بان البورجوازية فى نموها تنمى
الحرب الباردة. وهى التى نختم بها هذا الكتاب.
وسوف يلاحظ القارئ ان هذا الكتاب, على الرغم من أنه يدور فى إطار
أيديرلوجى, فإنه يتبع المنهج التاريخى من ناحية تقسيماته التى تقوم على
اساس زمنى, وهو أمر طبييعى استلزمه تتبع النشاط السياسى والاقتصادى
والاجتماعى للبورجوازية الأوروبية, والذى كان يحدث بشكل تكاملى ومراحل
تترتب على مراحل.
وبالنسبة لكتاب فى هذا الحجم كان من الضرورى إعطاء أولويات فى
التناولء وتوسيع فى بعض الموضوعات وتضييق فى بعضها الآخر, وفقأ
لرؤية المؤرخ. كما تطلب ذلك التركيز على بعض الموضوعات والاكتفاء
بالإشارة إلى موضوعات أخرى فى شكل تحليلى. وهذا ما يميز الكتب عن
من تطور تاريخى فى إطار كتاب محدود بصفحاته وليس فى إطار موسوعة
تتكون من مجلدات.
اللاتينية. لانها الأساس فى النطق. ولآن تعريب الأسماء يخضع لاجتهادات
المؤرخين وفقاً لاتساع معرفتهم باللغات المختلفة, ويالتالى فإن معرفة الأسماء
وفقاً لحروفها العربية فيه تضليل كبير للقارئ الذى من الأفضل له أن يعرف
الشكل الاجنبى الذى هو الأساس. وإن كان ذلك لم يمنعنا من كتابة الأسماء
التى تعورف عليها بين المؤرخين وفقاً لاجتهاداتهم اعتماداً على أن إثبات
وهذا ما دعانى إلى تقديم الخرائط فى غالبيتها فى هذا الكتاب بلفتها
ولا غموض. ووجودها فى هذا الكتاب يغنى القارئ عن اللجوء إلى الكتب
الإنجليزية التى قد يصعب حصوله عليها. وقد أثرت وضع الخرائط جميعها
فى نهاية الكتاب لسهولة الرجوع إليها فى فهرس الكتاب.
وقد ذيلت الكتاب بعدد كبير من المراجع من يرغب فى الاستزادة.
ومترجمة عن الإنجليزية او الفرنسية او عربية. وقد أودعت فى هذا الكتاب
الصرية إنطلاقاً من المادية التاريشية التى ارى انها أقوى اداة لتفسير
والله الموفق ٠
.١ د. عبدالعظيم رمضان
الهرم فى ١١ يوليو 1443م
الفصلزالأول ---
ظهور
المسرح الأوروبى بداية التاريخ الحديث» والعامل الأساسى المحرك
لتاريضه. ويمكن تبين اهمية هذه الطبقة فى صنع تاريخ أوروبا
التاريخ الحديث بصبغتها بنفس الدرجة التى صبغت بها الطبقة
الإقطاعية العصور الوسطى.
من هنا إذا كان الإقطاع هو سمة العصور الوسطى
الاجتماعية التى تملك وسائل الإنتاج فى العصور الحديثة؛ فى حين
كانت الطبقة التى تملك وسائل الإنتاج فى العصور الوسطى» هى
الطبقة الإقطاعية. وحين تملك طبقة اجتماعية وسائل الإنتاج, فإنها
تتمثل فيها علاقات الإنتاج, فنقول: علاقات الإنتاج الإقطاعية»
ونقول: علاقات الإنتاج الرأسمالية.