تمهيد
يسعى هذا الكتاب إلى معالجة الصورة التي كانت عليها محاكم التفتيش
المقدس في عدد من مناطق تاج قشتالة -جزر الكتاري- المناطق الخاضعة لنيابة
الاختيار ليس اعتباطيا: فقد تم إنشاء محاكم التفتِيم » في أواخر القرن الخامس
عشر» لحل مشكلة معينة؛ وهي تلك التي كان يطرحها وجود آلاف اليهود
المتنضّرين» بشبه الجزيرة د
فمن المنطقي إذاً إعطاء الأولوية لدراسة الطريقة التي واجهت بها محاكم
من القرن السادس عشر؛ لتشمل أقليات أخرى» واستقرت بمناطق جغرافية
مقدمة
قشتالة؛ ثلاثة قرارات متكاملة هي: إنشاء محاكم التفتيش» بترخيص من البايا
وطرد اليهود؛ وإجبار مسلمي مملكة قشتالة على اعتناق الكاثوا
ويدو أن القمع والاضطهاد سحل عل التسامح مع العقائد غير اللسيحية. . في
الواقع» هذا التسامحلم يكن إل ظاهرياً. ب أن نتخلى عن ذلك التصور المسبق»
في إسبانيا المسيحية خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر. إن التسامح يعني:
عدم وجود ممييز ضد الأقليات» واحترام الآخر. وفي شبه الجزيرة بين القرئين
لمنعه. فطبيعة الأشياء هي التي جعلت وجود الطوائف المسيحية ممكنة في أرض
الإسلام؛ ووجود أقليات مدججنة -أي من المسلمين- في الممالك المسيحية»
إذا؛ أن نوضح معنى خصوصية إسبانيا في العصور الوسطى» فتحن أمام تسامح
1 التاريخ الوجيز محاكم التفتيش بإسبانيا
كان في الواقع متحَملاً أكثر منه مرغوباً.
يعاملون على قدم المساواة مع المسلمين» فقد كان اليهود والنصارى عرضة
قانونية نسبية. بينما كان غير المؤمنين يخضعون لضرائب باهظة. وسرعان
ما اندمج اليهود في المجتمع المسلم: فأقلية منهم كانت متخصصة في مجال
التجارة؛ والتمويل» والإقراض بالفائدة. ونظراً إلى أن العديد من اليهود قد
كثيرة مهاماً إدارية لا يستسيغها الشعب» مثل جباية الضرائب» وفي مناسبات
عديدة وجدنا اليهود على رأس الدولة؛ يشغلون مناصب علياء ولكن» يتعلق
الأمر بحالات خاصة؛ وفردية؛ واستثنائية؛ فالسواد الأعظم من أتباع الديانة
اليهودية كان يعيش في ظروف أكثر تواضعاً بكثير. ومن جهة أخرى؛ فإن
الحالة الاجتماعية ليهود البلاط كانت تجعلهم عرضة للحنق والانتقام الشعبي»
صريحاً لعهد أهل الذمة الذي يحرّم أن يكون لغير المؤمنين سلطة على المؤمنين+
المحَن الطارئة» وازدهار اليهود في تلك الفترة لم يكن ليكون إلا بسبب إهمال
النية؛ أي على مزاج وهوى الحكام.
في أواخر القرن الحادي عشر» ومنتصف الثاني عشر» وضعت الموجة الثانية
متشذّدين مع غير المؤمنين. فاليهود على إثر اضطهادهم» وجدوا ملجاً في
الممالك المسيحية في الشمال» حيث استقبلهم الأمراء بترحاب؛ لكونهم
فليم السياسي» والاقتصادي؛ والاجتماعي لأراضي المسلمين» وعلى علم
بالتقنيات التجارية الأكثر تطوراً؛ لذلك شجع ملوك إسبانيا المسيحية اليهود
على الاستقرار بأرضهم» على الرغم من أن الكنيسة الكاثوليكية سعت
منذ بجمع «لاتران» 12180 الرابع (1215م)؛ إلى قصر التعاملات بين اليهود
ومنعت اليهود من استخدام المسيحيين؛ ومن شَغْل الوظائف التي من شأنها أن
مربيات يهوديات؛ أو إقامة علاقات جنسية مع يهود أو يهوديات؛ بل زيادة
على ذلك؛ اقترح المجمع إجبار اليهود على حمل علامة تمييزية. وكان الملوك
نظرهم؛ مساعدين ذوي شأن في العلاقات الدبلوماسية؛ وتنمية الأراضي
أبعد ما يكون عن اعتبارهم منزلة أتباع الديانة المهيمنة؛ والمدونة القانونية
8 التاريخ الوجيز محاكم التفتبش بإسبانيا
مها 9ون:ة0- واضحة ماماً؛ في هذا الصدد: يُسمّح لليهود بالعيش
بين المسيحيين» في نمط من الأسر الأبدي؛ احتى يكون بجرد وجودهم مذكّراً
بأنهم ينحدرون من أولتك الذين الذين اتهمهم النصارى بصلب المسيح عيسى
الطقوسية التي تدعو المؤمنين» منذ القرن السابع لسنة 1959» في يوم الجمعة
المقدسة للصلاة من أجل اليهود «الغادرين» - 100815 06:55 010. صحيح
أن هذا «الغدر» كان يعني انعدام الابمان أو الكفر أو الهرطقة؛ ولكن هذا
المصطلح اتخذ بالنهاية معنى الخداع؛ مغذيا بذلك عداء الشعب المسيحي.
العربية أولاء ثم الحضارة اللسيحية. كانت الأولى الأثرى والأكثر إشراقاً إلى أن
نمحتها الثانية نهائياً؛ في القرن الثاني عشر. تأقلم البهود مع الأولى ثم مع الثانية»
تباعاًء مما أتاح لهم القيام بدور الوسطاء خلال القرنين الحادي عشر» والثاني
في إسبانيا القروسطوية الأحياء اليهودية - 05«وزله- التي مميزت باستقلالية
ومدارسهم؛ ومقابرهم. هذه الأحياء لم تكن بمثابة غيتوهات؛ فقد كان اليهود
يختارون منازلهم بحرّية؛ فإذا كانوا يفضّلون الاجتماع في بعض الأحياء
فذلك؛ لأنها أكثر راحة؛ لكونها أقرب من كنس يهودي؛ أو مدرسة تلمودية»
أو جزار كاشير» يزؤّدهم بالمؤن. كان يهود إسبانيا المائة أو المائتا ألف موزّعين
بين عشرات الأحياء؛ كان أهمها بمملكة قشتالة» حي طليطلة؛ وبورغوس؛
(1) قانون الأجزاء السبعة. (المحفقة).
سرقسطة؛ وبرشلونة؛ وبلنسية. كانوا يتمتعون بوضع قانوني يضمن لهم وجوداً
المجتمع المسيحي المسيطر» كان يشمل عدداً من الفقراء يفوق بكثير عدد
وحذّاثين» أو كتجار صغار. وهناك أقلية صغيرة من اليهود كانت ممارس تجارة
كبرى؛ وكانت تملك الثروة التي تسمح لهاء عند اللزوم» بإقراض امال إلى
الملوك» والأساقفة؛ والأعيان والخواص. وكان الحكام وأمراء الكنيسة وكبار
الإقطاعيين يعهدون إليهم بإدارة أعمالهم» وبالإشراف على جمع الأعشار»
والضرائب المختلفة؛ مطمئنين» وهذا ما أجج كراهية الشعب تجاه اليهود.
والتهجيرات «كانت دائماً تخضع لعواصف الحياة الاقتصادية وملازمة لها
ولقد عاش اليهود تجربة يوسف: عندما يكثر عدد البقرات العجاف؛ كما
حدث في مصر الفرعونية؛ يعرفون أنهم سيكونون أول الضحايا. وهذا ما
نشهده في إسبانيا خلال القرن الرابع عشر. مناخ جديد إذا؛ سيستقر بشبه
الجزيرة الأيييرية؛ وستنتقل هذه من مرحلة من الانفتاح والتسامح النسبي إلى
مرحلة من الصراع. وما قد تغيّرُ هنا ليس الذهنية وإنما الظروف» فالعصرالذهبي
لإسبانيا «الديانات الثلاث» تزامن مع مرحلة من التوسع الترابي والدبموغرافي
كان جميعهم يساهم في تحقيق الرفاهية العامة مع اقتسام المكاسب. ومن تع
فإن مناهضي اليهودية المنتسبين إلى الكنيسة والرهبان لم يكونوا يلقون صدى
كبيراً. ولكن الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ في القرن
الرابع عشرء والحروب والكوارث الطبيعية التي سبقت وتلت الطاعون (الموت
نَْ التاريخ الوجيز محاكم التفتيش بإسبانيا
الأمود) خلقت وضعاً جديداً. إذ ستبدأ مرحلة من الركود والصعوبات
بالنسبة لليهود» بوجه خاص. نحن أمام ظاهرة تتجاوز نطاق شبه الجزيرة
إسبانياء نجد الناس حائرين أمام المصائب التي لا يستوعبونهاء وعاجزين عن
وقفها. فيعتقدون بأنهم ضحية للعنة؛ وأنهم يعاقبون على أخطاء قد ارتكبوها.
وجود اليهود بين المسيحيين يبدو أمراً خزياً. في كل مكان» ينقلب الناس ضد
اليهود؛ ويتّهمونهم؛ على سبيل المثال» بنشر الطاعون؛ عن طريق رمي السم في
الآبار. انطلقت أول موجة من الاضطهادات من فرنساء وهي «حملة الرعاع»
الصليبية التي وصلت إلى منطقة نبارًا 18:8 في 1321م ول خلالها يهود
ببامبلونا. بإستيلا م[[288 عام 1328م أحدثت حصب أحد الفرنسيسكان ثورة
تم على إثرها نهب منازل يملكها يهود» بالإضافة إلى قتل بعضهم» وبعد ذلك
بعشرين سنة؛ حدثت مشاهد مماثلة في برشلونة وفي غيرها من المدن الكات
عادت الأمور بعد ذلك إلى مسارها الطبيعي؛ ولكن الانطلاقة كانت قد
يتهم اليهود منذ الآن بتدنيس خبز القربان الملقدس» وبارتكاب جرائم دينية؛
وفي هذه الفترة أيضاً سوف تطرح مشكلة التعامل الربوي لليهود.
في العصر الوسيط» كان المبدأ يقتضي عدم إقراض المال بالفائدة بين أتباع
نفس الديانة؛ بين مسيحي وآخرء ويهودي وآخر. في المقابل» كان بإمكان
عنصراً أساسياً في الحياة الاقتصادية. وفي غياب أجهزة مختصة؛ سوف تقوم
فئة معينة من اليهود بدفع المال سلفاً لأولدك الذين يواجهون صعوبات مالية»
فالتعامل بالقروض لم يكن نشاطأً تُجرَماً؛ وإنما كان منظما بالقانون الذي حدّد
سعر الفائدة في 20 / في مملكة أراغون» و 733:3 في مملكة قشتالة"؛ وما
وعلى مُدد قصيرة -ستة أشهر أو سنة-. وكان من المفترض أن يقضى الدَيْن
قبل انتهاء ست سنوات. ولكن الدائنين كانوا يستعجلون استعادة أموالهم.
في فترة الركود؛ كان يعجز الزبناء عن أداء ما عليهم؛ وكانت المحاكم ممتلئ
بالشكاوى: البعض يطالب باسترجاع ديونه؛ والبعض الآخر يدعي بأنه ضحية
للتعاملات الربوية؛ وكانت المحاكم تنقل صعوبات الفئة الثانية إلى الأول
وتطلب تأجيل سداد الديون» والنظر في إلغاء جزء منهاء
الخواص. بالإضافة إلى ذلك» فإن تعزيز السلطة الملكية يتطلب إقامة جهاز
دولة فعّال -بيروقراطية وموارد عسكرية؛ إلخ...- وذلك بدوره يتطلب
مداخيل ضريبية جد هامة؛ ومرة أخرى» اليهود هم من يحضّلون الضرائب.
وهكذا تشكلت الصورة التمطية لليهودي الذي يشرب من دماء الفقراء؛ أداة
القمع الضريبي والمستفيد منه. في الواقع» كانت الأحياء اليهودية أيضاً تعاني
من الأزمة؛ فاليهود أيضاً كانوا يرزحون تحت عبء الضرائب؛ وحتى أكثر
من المسيحيين؛ لأن وضعهم كان أكثر حساسية. الأقلية القليلة منهم هي التي
كانت تغتني» السواد الأعظم منهم كان فقيراً؛ ولكن المسيحيين كانوا يعتقدون
العكس؛ أو بالأحرى يتم حملهم على اعتقاد العكس.
وسوف تنبنى المعارضة هذه المشكلة وتستغلها سياسياً؛ وستصبح معاداة
نِ التاريخ الوجي زمحاكم التفتيش بإسبانيا
:0:16 ومن أجل كسب تأييد الشعب المسيحي؛ سيتبنون هذه المطالب.
فهنري دي تراستامار 9120026ة:7 عل 11»071 سيتهم أخاه غير الشقيق بيير
الأول بأنه يستعين بغير المسيحيين- المسلمين واليهود - ويعزز مكانتهم بكل
إن المذابح الأول في حق اليهود - بطليطلة سنة 1355م - لم تكن عفوية؛ وإنما
اركبت من قبل أنصار تراستامار 7:8813:02:6؛ عندما دخلوا إلى المديئة. وقد
كان جنود تراستامار والمرتزقة الفرنسيون -بقيادة دو كويسلين مناءو06عن0-
أيضاً من دثر الحي اليهودي في بريفييسكا 3:1:18960» في ربيع عام 1366م
وفي شهر أبريل / نيسان من سنة 1366م دخل هثري دي تراستامار نفسه إلى
بورغوس 130808 وفرض على يهود المدينة دفع جزية ضخمة؛ تحت طائلة
استعباد وبيع من لم يستطع منهم دفعها. وفي سنة 1367م اندفعت الدهماء في بلد
الوليد 172118001:4 إلى الحي اليهودي صارخة «عاش الملك هثري». لم يسفر
بعد فوزه؛ لن يتبنى هثري الثاني دي تراستامار الموقف المعادي للسامية
الذي ظهر خلال الحرب الأهلية إلا بشكل جزئي؛ وسوف يصدر قراراً بإلغاء
عام للديون. فيما يتعلق يباقي الشؤون» سوف يعهد من جديد إلى اليهود بجمع
على اليهود» فالحرب الأهلية قد غيرت من وضعية يهود مملكة قشتالة؛ ولأول
السامية كمسوغ إيديولوجي لصراع اجتماعي لم تكن له في البداية جذور
دينية. أذّت المجاعات وارتفاع الأسعار والعبء الضريبي إلى التوتر ومواجهة