تقديم
يسرنى أن أقدم للقارئ هذا الكتاب عن تاريخ أورويا والعالم الحديث. من
ظهور الطبقة البورجوازية الأوروبية إلى الحرب الباردة. ويشتمل على تسعة
التسعة تضم بين ضفتيها تاريخ العالم الحديث بكل سماته وخصائصه
ومعنى ذلك أن هذا الكتاب يختلف عن كتب المدرسة التقليدية فى كتابة
التاريخ» سواء فى أورويا أو مصر+. التى تنظر إلى التاريخ من منظور
واجتماعية فى ضوء هذا المنظورء فتقلب التاريخ رآساً على عقبء وتقدم فيه
النتائج على المقدمات, وتخلط الأحداث السياسية مع الأحداث الاقتصادية
وقد تمثل ذلك فيما جرى من خلاف بين فرق المدرسة التقليدية حول بداية
التاريخ الحديث. فالبعض بدا بعصر النهضة فى القرن الرابع عشرء على
أساس أنه مرحلة انتقال بين العصر الوسيط والعصر الحديث. والبعض
الآخر بدا بالقرن الخامس عشر على أساس أن هذا القرن هو الذى وقعت
على أن البعض بدا التاريخ الحديث بالقرن السادس عشر, على أساس
أنه القرن الذى ظهرت فيه الدولة الحديثة وحركة الإصلاح الدينى. وما نتعج '
والبعض الآخر بدا بالقرن السابع عشرء على أساس انه القرن الذى
وقعت فيه حرب الثلاثين عاماً. والثورة العظمى فى إنجلتراء وتفوق فرنسا
وحروب الوراثة الاسبانية. بل إن بعض المدارس السوفيتية حددت بداية
التاريخ الحديث بالثورة البورجوازية فى إنجلترا قى القرن السابع عشر.
وواضح أن هذه المدارس تقدم التاريخ مقلوباً على رأسه, إذ تقدم النتائج
على المقدمات كما ذكرنا - فعصر النهضة كان نتيجة وليس مقدمة للتاريخ
الحديث؛ وظهور الدول القومية الحديثة وحركة الإصلاح الدينى وحرب
الثلاثين عاماً. والثورة العظمى فى إنجلتراء وتفوق فرنساء وحرب الوراثة
الأسبانية هذه كلها نتائج لتغيير علاقات الإنتاج التى بدات بظهور الطبقة
البورجوازية فى أورويا فى رحم المجتمع الاقطاعى. وتغييرها علاقات الإنتاج
من علاقات إنتاج إقطاعية إلى علاقات إنتاج بورجوازية. ويذلك تغير البناء
فالتاريخ الحديث هو تاريخ الطبقة البورجوازية بقدر ما يعتبر تاريخ
العصور الوسطى هو تاريخ الطبقة الإقطاعية. والعصور التاريخية تبدا بتغير
العلاقات تمثل البناء التحتى الذى ينبنى فوقه البناء السياسى والعسكرى
والقانونى والدينى والفنى والأدبى والفكرى والعلمى والعلاقات الدولية وكل
الطبقة البورجوازية فى المدن التجارية فى إيطالياء وما احدثته من تغيير فى
الفكر والفلسفة والعلوم والفنون والاعتقاد.
ثم ننتقل إلى حركة الإصلاح الدينى باعتبارها إحدى نتائج ظهور الطبقة
خاضعة للكنيسة فى العصور الوسطىء بحكم سيطرتها على الدين وقراءة
الإنجيل. وامتلاكها وسائل الإنتاج.
ثم ننتقل بعد ذلك إلى ظهور الدول القومية كنتيجة لتحطيم حواجز
الإقطاع على يد الطبقة البورجوازية. واتجاه هذه الدول القومية إلى إثبات
ذاتها عن طريق التوسع فى أوروياء الأمر الذى يؤدى إلى «الحروب
بتفكيرها عن التطلع إلى ما وراء البحار.
ثم يمضى تاريخ العالم الحديث على يد الطبقة البورجوازية. فتغير النظام
القرن السابع عشر, إلى نظام الملكية المستبدة المستنيرة فى القرن الثامن
عشرء والذى كان سائداً فى دول أورويا فيما عدا فرنساء فتنشب الثورة
الفرنسية بفكر قومى واجتماعى جديد يستهدف القضاء على بقايا الإقطاع»
وهدم الطبقة الإقطاعية وإسقاط الحق الإلهى للملوك فى الحكم الذى ساد فى
القرنين السابع عشر والثامن عشرء وقيام الدولة القومية على اساس
تشخيص الشعب للدولة وليس الملك كما كان الحال منذ بداية العصر
ولكن يترتب على هدم الحق الإلهى للملوك فى الحكم أن تهب الدول
وإخماد فكرها الثورى حتى لا ينتقل إلى الدول التى تحكمهاء وبذلك تفسح
المجال لظهور نابليون للدفاع عن ميادئ الثورة الفرنسية. وإعادة تقسيم
أورويا على اساس هذه المبادئ, فتنقسم أورويا بين النظم الديموقراطية
مؤتمر فيينا الذى عقد بعد هزيمة نايليون. الأسر الحاكمة الاستبدادية
وهنا يتغير تاريخ أورويا بالحركات القومية والدستورية التى تتصارع مع
النظم الاستبدادية التى فرضت سيطرتها من جديد على أوروباء وتتلقى هذه
الحركات دعماً من علاقات الإنتاج البورجوازية الجديدة التى ظهرت بعد أن
هدمت الثورة الفرنسية علاقات الإنتاج الإقطاعية القديمة, فيحدث التطابق
بين علاقات الإنتاج ووسائل الانتاج, ويترتب على ذلك الثورة الصناعية التى
توحيد السوق الداخلية فى البلاد التى نضجت لهذا التوحيد؛ وتحقيق
وفى الولايات المتحدة يكون اتتصار الشمال الرأسمالى فى الحرب الأهلية
الأمريكية بداية تحقيق الوحدة القومية الأمريكية على أسس راسخة. وفى
اليابان تتمكن البورجوازية اليابانية الصناعية من نقل اليابان من مرحلتها
الإقطاعية إلى المرحلة الراسمالية.
وكل ذلك يدفع البورجوازية فى العالم الصناعى, بعد توحيد سوقها
فى المرحلة التجارية فى انها أسواق للحصول على المواد الخام اللازمة
مصانع أورويا وآمريكا واليابان باغلى الأسعار.
ويتطلب الصراع على الأسواق فى اواخر القرن التاسع عشر عقد
الاتفاقات الاستعمارية من جديد لتقسيم الأسواق. فيتم تقسيم أفريقيا فى
مؤتمر برلين فى عام 1//06م و85//ام. وفى الوقت نفسه تقوم التحالفات
الأوروبية وفقاً لمبدا توازن القوى, ولكن كل ذلك يفشل فى منع الحرب»
فتنشب الحرب العالمية الأولى فى عام 1416م وتستمر أريع سنوات.
وعندما تنتهى الحرب العالمية الأولى تكون قد اختفت الإمبراطوريات
رومانوف. وأسرة هومنزوليرن.
وتتعلم البورجوازية الغربية الدرس» فتعيد تقسيم العالم من جديد على
أاسس قومية. بعد أن اصبحت الدولة القومية لا محيص عنها لتوحيد السوق
الداخلى, وتأتى بنظام دولى جديد هو نظام عصبة الأمم» وتحاول وضع
العملاق الألمانى فى قمقم باقتطاع أطرافه وضمها إلى الدول القومية
باتتصار الثورة الاشتراكية فى أثناء الحرب.
لحماية نفسها من النظام الشيوعى. ويؤدى الصراع الاستعمارى من جديد
الحرب العالية الثانية. بعد فشل نظام عصبة الامم وعجزها عن منع الحرب.
وتنتهى الحرب بهزيمة الدول الفاشية والنازية؛ وانتصار الدول الليبرالية
والشيوعية. وتحاول الدول المنتصرة تقسيم العالم من جديد على أسس
القومية. وتقيم على أنقاض عصبة الامم نظام هيئة الأمم المتحدة ومجلس
ولكن التناقض بين النظم الليبرالية والنظم الشيوعية يدقع إلى صراع
دولى على أساس جديد. وهو الاساس الايديولوجى, حيث تواجه البورجوازية
الغريية أكبر تحد لها على مدى تاريخها من جانب نظام يقوم على طبقة
البروليتارياء وتكاد تتحقق نبوءة ماركس بان البورجوازية فى نموها تنمى
الحرب الباردة. وهى التى نختم بها هذا الكتاب.
وسوف يلاحظ القارئ أن هذا الكتابء على الرغم من أنه يدور فى إطار
ايديولوجى, فإنه يتبع المنهج التاريخى من ناحية تقسيماته التى تقوم على
ساس زمنىء وهو أمر طبييعى استلزمه تتبع النشاط السياسى والاقتصادى
والاجتماعى للبورجوازية الأوروبية. والذى كان يحدث بشكل تكاملى ومراحل
تترقب على مراحل.
وبالنسبة لكتاب فى هذا الحجم كان من الضرورى إعطاء اولويات فى
التناولء وتوسيع فى بعض الموضوعات وتضييق فى بعضها الآخرء وفقاً
لرؤية المؤرخ. كما تطلب ذلك التركيز على بعض الموضوعات والاكتفاء
بالإشارة إلى موضوعات اخرى فى شكل تحليلى. وهذا ما يميز الكتب عن
من تطور تاريخى فى إطار كتاب محدود بصفحاته وليس فى إطار موسوعة
تتكون من مجلدات.
اللاتينية. لأنها الأساس فى النطقء ولان تعريب الأسماء يخضع لاجتهادات
المؤرخين وفقاً لاتساع معرفتهم باللغات المختلفة. وبالتالى فإن معرفة الأسماء
وفقاً لحروفها العربية فيه تضليل كبير للقارئ الذى من الافضل له أن يعرف
الشكل الاجنبى الذى هو الأساس. وإن كان ذلك لم يمنعنا من كتابة الأسماء
التى تعورف عليها بين المؤرخين وفقاً لاجتهاداتهم, اعتماداً على أن إثبات
الإنجليزية التى قد يصعب حصوله عليها. وقد آثرت وضع الخرائط جميعها
فى نهاية الكتاب لسهولة الرجوع إليها فى فهرس الكتاب.
وقد ذيلت الكتاب بعدد كبير من المراجع لمن يرغب فى الاستزادة.ء
ومترجمة عن الإتجليزية أو الفرنسية أو عريية. وقد أودعت فى هذا الكتاب
الصرية إنطلاقاً من المادية التاريخية التى أرى أنها أقوى اداة لتفسير
التاريخ
والله الموفق ...
١ د. عبدالعظيم رمضان
الهرم قى ١١ يوليى 1447م