يخرج بانطباع مؤداه أن التركيب العسكرى لهما , إنما جاء استجابة للتحدى الذى فرضه
البصليبيون على الأمة العربية . حقيقة أن الدولتين قد حرصتا على العمل تحت لواء الخلافة
القاهرة بعد أن قضى عليها المغول ) ولكن الخلافة نفسها ؛ ككيان سياسى لم تستطع أن تفعل
ورب قائل بأن الدولة العربية الإسلامية فى بداية وجودها فى عصر الرسول ( عليه الصلاة
والسلام ) وفى عصر الراشدين كانت دولة ذات نشاط عسكرى واضح . وأن الخلفاء الأمويين
المملوكية لم تفتقرا إلى الجانب الدينى ؛ وهذه حقبقة تاريخية . ولكن النظرة المتأملة تكشف
عن أن الدولة العربية الإسلامية فى تاريخها الباكر , كانت فى حال صعودها وكان طبيعيا أن
يشكل النشاط العسكرى شطرا هاما من سياستها الخارجية ؛ بيد أن الجانب العسكرى لم يكن
هو الجانب الذى قامت عليه مؤسسات الدولة ونظمها وعلاقة الحاكم بالمحكوم . وإنما قامت هذه
العلاقات على أساس أن الخليفة هو الإمام الأكبر الذى يخلف الرسول ( عليه الصلاة والسلام)
فى حكم الأمة وفى حفظ الدين وإقامة الحدود وتنظيم علاقات أبناء الأمة ببعضهم البعض ٠ أو
ولكن العدوان الصليبي وماتبعه من زرع عدة مستوطنات لاتينية فوق الأرض العربية وما
نتج عنه من انهاك لموارد الامة العربية الاسلامية أثبت أيضاً أن الخلافة ( سواء الفاطمية أو
العباسية ) بما وصلت إليه من ضعف وتدهور وخضوع لمشيئة الوزراء أو القاده العسكربين لم
برزت الحاجه إلي الدولة العسكرية الطابع والتي يقودها زعيم سياسي وقائد عسكري وتستند
الي التأييد الشرعي من الخلافة (ولعل هذا ما يفسر لنا حرص الأيوبيين والمماليك علي تأييد
الخليفة العياسي رغم أنه لم يكن له من السلطة شيئاً) وقد أدي هذا إلي صياغة العلاقات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة الايوبية وفي الدولة المملوكية في إطار الاقطاع
العسكري بحيث يتم توجيه كافة موارد الدولة نحو العمل الحربي دفاعاً عن دار الإسلام +
من هذه الأرضية برزت الي الوجود الدولة المملوكية ؛ لكي تضطلع بدور القوة الضاربة
الحصن الأخير الذي يتولي مهمة الدفاع عن الحضارة العربية الاسلامية . وظل هذا الحصن
صامداً حتي أوائل القرن السادس عشر حين بدأت الدولة العشمانية ( وهي دولة عسكرية
أيضاً) تفرض سلطتها علي المنطقة +
أسقطها المغول سنة 184 هجرية . كانت هذه الخلافة قد فقدت أي وجود حقيقي وفعال لها
وتركوها ظلاً باهتاً جد غابر وسيادة ماضية فاذا ما طرقتها جحافل المغول في منتصف القرن
السابع الهجري ( القرن الغالث عشر الميلادي ) سقطت في سرعة تتفق وحقيقتة الخواء
والضعف الداخلي الذي كانت تعانيه . لقد بدأت الخلافة العباسية منحني تدهورها منذ زمن
طويل وتجلي ضعفها واضحاً من خلال تلك الكشرة من الحركات الثورية الداخلية التي انهكت.
مواردها مثل بابك الخرمي وثورة الزنج وثورة القرامطه التي هزت أركان الخلافة العباسية طوال
القرن التاسع الميلادي . وفي القرن العاشر صار الخلفاء العباسيون ألعوبة في أيدي الأمراء
الأتراك . بل إن كبيرهم الذي اتخذ لنفسه لقب « أمير الأمراء » بات هو صاحب السلطة
الفعلية في الدولة . وفي غضون العاشر والحادي عشر برزت النتائج السياسية لضعف
الدولة العباسية من خلال الحركات الانفصالية وقيام الأسرات الحاكمة المستقلة في الشرق
والغرب ٠
في هذه الأثناء نجح الفاطسيون سنه 414 م في الاستيلاء علي مصر وجعلوها قاعدة
الفاطمية التي اتخذت القاهرة عاصمة لها + وعلي مدي قرنين من الزمان ؛ أي منذ قيام
للخلاف بين القاهرة الشيعية وبغداد السنية . وكانت المنطقة العربية هي المجال الحيوي
الطبيعي لكل مثهنا للقضاء علي الأخري . وحين أوشك الفاطميون علي تحقيق هدفهم فن
خلال مؤامرة البساسيري الذي دعا للخليفة الفاطمي في بغداد العباسية , احتمي العباسيون
بالسلاجقة الذين بدأ تجمهم في البزوغ علي حين صار الخليفة العباسي مجود حاكم إسمي ورم
وقد تعرض حكم السلاجقة للتصدع والانقسام بعد وفاة السلطان ملكشاه ابن ألب أرسلان
تحاول استعادة سلطانها . ولكن أهم نتانج الضعف السلجوقي تثلت في ظهور الحكومات
المحلية التي عوفت باسم « الانابكيات » وهي إمارات إقطاعية محلية كانت تقع ضمن
التقسيم الإداري السلجوقي . فقد كانت الامبراطورية السلجوقية قد قسمت الي أقاليم يحكم
كلا متها فرد من أفراد الأ سرة السلجوقية الحاكمة ويعاونه في الحكم قائد عسكري عرف باسم
أتابك» ( وهي كلمة مركبة معناها الوصي أو المربي أتا<أب أو مربي بك > الأمير ) +
وقد كان تتوظيفة الأتابك هي أن يكون مسئولاً عن تربية الأمير السلجوقي تربية عسكرية
تؤهله للحكم والقيَادة., فضلاً عن القيام بأعباء مهام الإدارة والحكم لحساب الأمير ولكن
الضعف الذي أعتري الامبواطوزيه السلجوقية ؛ والتعنت والنزاع الداخلي الذي عانت منه بعد
وفاة ملكشاه , أتاح الفرصة أمام هذه الاتابكيات للاستقلال , ويهمنا في هذه الدراسة أن نركز
علي واحدة من أهم هذه الدويلات المستقلة وهي أتابكية الموصل التي أسسها عماد الدين
مؤسس الدولة الأيوبية كان واحداً من القادة العسكريين العاملين في خدمة هذه الدولة +
واذا كانت أتابكية الموصل ٠ وغيرها من الاتابكيات ؛ قد ظهر علي حساب الضعف
وبسبب ضعف حكام الموصل بعد نور الدين محمود لتتولي قيادة الجبهة العربية الإسلامية في
مواجهة الصليبيين . . . ولنبدأ القصة من أولها +
لقد تقثل الفشل الفاطمي الأكبر في مواجهة الهجوم الصليبي في أنهم لم يفهموا حقيقة
الغزو الصليبي ولم يروا فيه سوي أداة تمكنهم من سحق السلاجقة السنيين الذين كانوا عدوا
الفاطميين ليساعدوهم ضد السلاجقة . وبالفعل أرسل الفرنج سقاره الي القاهرة لبحث إمكانية
مثل هذا التحالف . وفي القاهرة كان صاحب السلطة الفعلية هو الوزير الأفضل شاهنشاه بن
التحالف مع الصليبيين لكسر شوكة السلاجقة ؛ فراودته فكرة التحالف معهم علي أساس
تقسيم بلاد الشام وآسيا الصغري بين الطرفين . وفعلاً أرسل سفارة إلي الصليبيين أثناء
حصارهم لأنطاكيه للتفاوض علي تفاصيل التحالف . واذا كانت المفارضات بين الجائيين لم
تسفر عن اتفاق فان أهم نتائجها تمثلت في إدراك الصليبيين لمدي التمزق السياسي الذي كان
وفي غمرة القتال المحتدم بين الصليبيين والسلاجقة في أعالي بلاد الشام ؛ خرج الأفضل
علي رأس الجيش الفاطمي سنة 441 ه / ٠١88 م ليستولي علي مدينة بيت المقدس من
مذبحة بشعة .
حين أدرك الفاطميون حقيقة العدوان الصليبي كان الوقت قد فات . ولكن الصليبيين كانوا
لوجودهم علي أرض فلسطين . وقبل استيلاتهم علي القدس عقدوا مجلسا حربياً في الرملة
لمناقشة مشروع غزومصر ولكن ضآلة الجيش الصليبي منعتهم من القيام بهذه المجازفة الخطيرة.
الحين و الحين فجردوا عدة حملات لمحاولة تحقيقه حتي يضمنوا أمنهم ٠
وبعد أن استزلي الصليبيون علي بيت المقدس في منتصف شهر يوليو سنة ٠١88 جرت
مذبحة رهيبة علي سكان المدينة والجيش المدافع عنها . ومع الدماء التي أريقت ؛ أريقت أوهام
جيوشاً كبيرة واساطيل قوية في حملات متتالية بفضل موارد مصر الاقتصادية والبشرية
الكبيرة فان الفشل كان دائماً من نصيب الجهود الفاطمية بسبب التفسخ والانهيار الداخلي فى
غمر اتناك .
ونتيجة للنصر الذى احرزته الحملة الصليبية الأولى + قامت فوق الأرض العربية عاصمة
أنطاكية وسوريا وفلسطين فضلا عن بعض مناطق الشاطىء اللبنائى +
بمثابة درة التاج وواسطة العقد لدى أصحاب الديانات السماوية الثلاث ؛ كما أنهم لم يكونوا
ليغضون الطرف عن وجود الكيان الصليبى فوق الأرض العربية +
وعلى الرغم من تخاذل حكام المنطقة العربية عن الاتحاد فى مواجهة الخطر الصليبى متذ
البداية ؛ فان المصادر التاريخية ( عربية ولاتينية وبيزنطية وأرمنية ) تحدثنا عن أن الحرب لم
تتوقف ضد الصليبيين منذ وطأت أقدامهم الأرض العربية . ولكن الحكام كانوا على حال من
التنازع والأنانية وقصر النظر السياسى بحيث عجزوا عن وقف المد الصليبى الذى وصل إلى
أقصى اتساع له فى غضون خمسين عاما بعد يجاح الحملة الأولى . وكانت تلك هى الفترة التى
شهدت عجز القوى العربية الإسلامية فى التعاون فى خلق جبهة موحدة ضد الصليبيين ٠ وبين
حين وآخر كانت الإمارات والدول العربية تعقد بعض الاتفاقيات بقصد العمل المشترك ضد
لميراث الشك والحقد والمرارة المتبادل فيما بينها » ونتيجة للحرص على المصالح الذاتية
والقصور السياسى الذى جعل بعض أولئك الحكام يتحالفون مع العدو الصليبى ضد الحكام
وعلى الرغم من أن الفشل السياسى فى توحيد الجهود العربية إزاء الخطر الصليبى كان
يؤدى بدوره إلى المزيد من الاخفاقات العسكرية ؛ فان الرأى العام الإسلامى بدأ يضغط بكل
قواه على الحكام . وحين فشل محور القاهرة / دمشق فى التصدى للعدوان الصليبى نتيجة
لتدهور أحوال الدولة الفاطمية وتشرذم القوى الإسلامية فى بلاد الشام - حين حدث هنا
الفشل بدأ يظهر فى الأفق دليل على أن شيا ما قد أخذ يتغير داخل المعسكر الإسلامى .
ومدى فشل القيادات الحاكمة وعجزها عن التصدى لهذا الخطر من جهة أخرى -
فقد أثارت الاعداد الكبيرة من اللاجثين الذين تدفقوا إلى سائر بلاد المنطقة العربية مشاعر
الغضب والاستياء ضد الحكام.وفى البداية عبر الناس عن مشاعرهم الغاضبة فى المساجد ومن
فوق المنابر فى صلاة الجمعة . وبدأت الدعوة إلى الجهاد تسرى بين الناس مسرى الثار فى
الهشيم؛ وانتشرت فى أرجاء العالم الإسلامى . وسرعان ما تحولت الدعوة إلى الجهاد إلى
حركة شعبية ضاغطة يقودها المفكرون وأصخاب الرأى . وسطرت الكتب وديجت الرسائل التى
تحث على الجهاد وفضل المجاهدين وعن مكانة بيت المقدس وأهميتها بالنسبة للمسلمين . وفى
ظل هذه الحركة تكون رأى عام قوى وضاغط بحيث لم يعد بوسع الحكام أن يتجاهلوه . وقيض
+ لهذه الحركة أن توجه مجرى الأحداث طوال فترة تزيد على قرنين من الزمان
فى ظل هذا البعث الأيديولوجى ظهر عماد الدين زنكى ليقود حركة المقاومة العربية
/ الإسلامية ضد الصليبيين على محور جديد هو محور الموصل / حلب بدلا من محور القاهرة
دمشق الذى أثبت فشله بسبب الضعف والتفكك الداخلى فى مصر والشام آنذاك . وقد
استطاع عماد الدين زنكى أن يخضع المنطقة الواقعة بين الموصل وحلب لسلطانه . وما لبث أن
+ صار هو أقوى حاكم مسلم فى زمانه لأنه طوع قوته وسلطانه فى خدمة المطلب الشعبى العام
+ أى الجهاد ضد الفرنج . فقد قامت المدارس والعلماء والمتدينون بخلق مناخ للرأى العام القوى
وكان من المستحيل فى ظل هذا المناخ الفكرى أن يتجنب حكام المنطقة العربية الإسلامية أن
يواجهوا التحدى الذى فرضه الوجود الصليبى بشكل مباشر . لقد كان الرأى العام يطلب
الدين زنكى كمقدمة للدول العسكرية التى يقودها زعماء عسكريون مقاتلون لقيادة المسلمين
شيتا فشيئا ؛ استطاع عماد الدين زنكى التغلب على النعرات الانعزالية فى كل من بلاد
م ) استولى على حلب مما كان له ١١77 ( الشام والعراق والجزيرة . ففى سنة 07 هجرية
أكبر الأثر فى تدغيم الجبهة الإسلامية وقيام محور الموصل / حلب الذى شكل خطرا دائما
على الوجود الصليبى لأنه قطع الصلة بين إمارة الرها الصليبية وغيرها من المستوطنات
م تمكن عماد الدين زنكى من ١777 / الصليبية فى بلاد الشسام . وفى سئة 7ه ه
م وبذلك أصبح الطريق ١١6٠“ / الاستيلاء على حمص ثم استولى على ديار بكر سنة 018 ه
٠ مهدا أمامه لتوجيد ضربة قوية للصليبيين
زنكى أن تستولى على إمارة الرها بعد حصار دام ثمانية وعشرين يوما فقط . هذه الإمنارة
+ الصليبية كانت أول كيان صليبى نجحت الحملة الأولى فى زرعه تحت سماء الشرق الإسلامى
+ وكان سقوط الرها صدمة نفسية مؤلة للصليبيين ونذير شؤم بالنسبة لهم وللغرب الأوربى
ولكن نتيجة سقوطها بالنسبة لعماد الدين زنكى كانت أكثر من إيجابية فقد عززت من مكانة
جعل وادى الفرات يخضع تقاماً للمسلمين . وضمن لهم السيطرة على طرق المواصلات التى
تربط بين الشام والجزيرة والعراق . وفى سنة ١١6 م قام الصليبيون بمحاولة فاشلة لاستعادة
الرها من أيدى المسلمين ولكن نور الدين محمود ابن عماد الدين زنكى وخليقته قضى على
حاول نور الدين محمود أن يواصل سياسة أبيه عماد الدين زنكى فى توحيد الجبهة العربية
الإسلامية لشن هجوم حاسم على الصليبيين ولكنه لم يكن فى الوضع الذى يسمح له بشن مثل
هذا الهجوم لأن سيطرته على محور الموصل / حلب لم تكن قد رسخت بعد ؛ كما أن خروج
اق سيطرته كان عاملا سلبيا فى حسابات القوة . إذ كان حكام
دمشق عقبة كؤودا قى طريق توحيد الجبهة الإسلامية فقد كانت دمشق تحت حكم معين الدين
أثر قد توصلت إلى حال من التعايش السلمى مع الصليبيين لدرجة أن حكامها استنجدوا عدة
مرات بالصليبيين فى مواجهة الزنكيين . ومن ناحية أخرى لم يكن نور الدين محمود بقادر
على أن يهاجم المملكة اللانينية ومن وراء ظهره إمارة دمشق التى لا يثق بحكامها . وفضلا
رجاء الحل السعيد على أيدى زعماء الحملة الصليبية الشانية التى جاءت كرد فعل أوربى
إزاء سقوط الرها بأيدى المسلمين . وكان التخطيط لهذه الحملة قد بدأ مع تولى نور الدين
الحكم حين وصلت حملة إلى البلاد الشام لاقت فشلا ذريعا . وبدلا من أن يحاول زعماء هذه
الحملة استعادة الرها إذا بهم يشنون هجمة خرقاء ضد دمشق وانتهت هذه الحماقة بفشلهم فى
دخول المدينة وبمجموعة من الاتهامات التى وجهها قادة الحملة إلى المستوطنين الصليبيين بقبول
الرشوة من المسلمين لإحباط الحصار حول دمشق . ولكن النتيجة الرئيسية تمثلت فى ارماء :
دمشق بين يدى نور الدين المفتوحتين ٠
محور القاهرة / دمشق عن
لم يتخل نور الدين عن خطته لتوحيد بلاد الشام ؛ ومن ثم فانه ركز على إمارة دمشق
وكان استيلاؤه عليها بمثابة الخطوة النهائية فى هذا السبيل . فقد استنجد صاحبها معين الدين
أثر بنور الدين محموة لمواجهة قوات الحملة الصليبية الثانية سئة 847 ه ١١68/ م وبعد
ذلك بعامين حاول نور الدين مرة ثانية أن يستولى على دمشق . ولكنه لم يشأ أن يهاجبها إلا
برغبة سكانها الذين حرص على أن يفهمهم أنه يحاول توحيد الجبهة الإسلامية ضد الصليبيين
الذين اتخذهم حكام دمشق حلفاء . وفى سنة 824 ه / ١١84 م اتجه نور الدين إلى دمشق
بعد أن استولى الصليبيين على عسقلان فى سنة 844 ه / ١١01“ م . ومن ناحية أخرى كان
حاكم دمشق الجديد مجير الدين خاضعا للصليبيين ويدفع إليهم جزية سنوية . وحين بدأ هجوم
نور الدين على دمشق استنجد حاكمها مجير الدين بالصليبيين ولكن الوقت كان فى صالح نور
الدين محمود الذى دخل دمشق بعد حصار عشرة أيام . ولقى ترحيبا من أهلها الذين كانوا قد
سثموا ظلم مجير الدين وعسفه -
هكذا تم توحيد الجبهة الشمالية وحشد كافة الموارد البشرية والاقتصادية والثقافية لدعم
هذه الجبهة . وبسبب تماسك الجبهة الشمالية وهجمات نور الدين المستمرة على الصليبيين اتجه
هؤلاء صوب الجنوب حيث كانت الظروف ملائسة لتحركهم . فقد كانت مصر آنذاك تحت الحكم
فقد كانت الخلافة الفاطمية عارية سوى من بعض ظلال قوتها السابقة إذ أنهكتها الكوارث
الطبيعية والخلافات والمنازعات الداخلية . وتوالى تغير الوزراء الذين كانوا هم أصحاب
السلطة الحقيقيين فى إيقاع سربع من الفقن والاضطرابات بغية الوصول إلى كرسى الحكم . وقد
أدى ذلك ؛ بطبيعة الحال , إلى ازدياد منحنى التدهور فى قوة الدولة بشكل أغرى جيراتها
على الطمع فيها .. وكانت مصر بواردها الهائلة كفيلة بترجيح كفة من يمكنه الاستيلاء عليها
أو ضمها إلى جانبه فى الصراع الدائر بين المسلمين بقيادة نور الدين والصليبيين ٠ وفى سنة
عسقلان آخر المعاقل المصربة فى الشام سنة ١١م تأكيدا لهذا الاتجاه الذى لفت انتباه ثور
الدين محمود . وحين هاجم الصليبيون العريش سنة ١١١١م ١ كا ذلك تعبيرا عن اختلال
موازين على الجبهة الجنويبة لصالح الصليبيين . وذلك أن أهم نتائج ذلك الهجوم كانت
هى الإتاوة السنوية التى تعين على مصر أن تدفعها للصليبيين ٠
وأخيرا حانت فرصة التدخل الصليبى والوصول إلى القاهرة دوقا معارك يسبب التزاع بيذ
شاور وضرغام . فقد جا أحد الوزيرين المتنافسين إلى طلب مساعدة أمالريك ( عمورى ) ملك
بيت المقدس على حين لجا الثانى إلى الاستنجاد بنور الدين محمود . وخلال السنوات الست
ينشدون وقف الخطر المصرى ؛ إما بغزو مصر وضمها لأملاكهم وإما بعقد معاهدة مع المصريين
لتحييدهم . ومن ناحية أخرى أبدى البيزنطيون استعدادهم لمعاونة الصليبيين ضد مصر +
ولكن الصليبيين الذين كانوا يشقون فى قدرتهم على تحقيق النصر دون مساعدة ويحدوهم
الأمل فى الانفراد بشمار هذا النصر المرتقب رفضوا المساعدة البيزنطية . وحين قدمت قوات
الصليبيين لنصرة أحد الوزيرين المتنافسين قدمت قوات نور الدين محمود لنصرة الوزير الآخر +
كان هذا هو السبب المعلن ولكن الحقيقة أن كلا من الطرفين كان يسعى إلى ضم مصر +
فلا شك فى أن نور الدين محمود قد ادرك أنه لن يستطيع توحيد الجبهة العربية الإسلامية
دون مصر وأن ضمها هو السبيل الوحيد لتحقيق انتصار كامل على الصليبيين . ودار القتال
القوات العربية الاسلامية بطبيعة الحال . كما اضطر الصليبيون إلى الانسحاب فى نهاية
المطاف ولكن الاستيلاء على مصرظل سرابا يجذبهم تجاهه بين الحين والحين +
فقد تسببت فى تقلص الموارد البشرية والمادية لمملكة بيت المقدس اللانينية من جهة كما
أدت إلى تغيير الخريطة السياسية لصالح القوى العربية الإسلامية من جهة أخرى . فقد صار
أسد الدين شيركوه قائد نور الدين وزيرا للخليفة العاضد الفاطمى فى مصر وبعد موته سنة
4م خلفه ابن أخيه صلاح الدين يوسف الأيوبى ؛ ثم اختفت الخلافة الفاطمية من الوجود
سنة الا١ام ... بدأ تاريخ الدولة الأيوبية +
.... وتلك قصة تستحق أن تروى .