إليه كل المعطلة من هذه الأمة ؛ ومن فروع هذه البدعة : بدعة القول بخلق
أن وهي التي امتحن أئمة السنة بسببها حين تصدوا بها بالمعارضة والتكير » ومن
الصادق المصدوق كل فرقة تدعوا إلى طريقتها » وتنافح عن مذهبها » وإلى جانب
هذه الطوائف كانت الطائفة المنصورة والفرقة الناجية » والتي تترسم خطى السلف
الصالح من الصحابة والتابعين ؛ وهي الوارثة لعلمهم والسائرة على مناهجهم ©
خامسًا : شبهات لبعض المخالفين لعقيدة السلف +
وقد زعم بعضهم أن أدلة القرآن خطا؛ ة تثير العاطفة ولكن لا تقنع العقل وأنها
يلزم منه الكفر الصريح بكثير من الآيات القرآنية » والكفر بأن محمدًا كي ؛ بين
الآيات وعلم الحكمة والكتاب ؛ وأن ما جاء به يزكي القلب والنفس والعقل ؛ وكل
هذا أدى بهم إلى هجر القرآن » ونبذ السنة وتمجيد البدعة » ولا شك أن هذا من أشد
البدع فتنة وفكًا باليقين » وزعم الذين ابتدعوا ذلك المن المنهج أن تعلم هذه الطريقة هي
ببعض غلاتهم إلى أن كفروا عوام المسلمين لعدم سلوكهم هذه الطريقة في
الاستدلال .
واستطاعوا أن يسيطروا على عقول الكثير من الناس بسحر دعواهم التي يزعمون
فيها أنهم على عقيدة أهل السنة والجماعة ؛ واستطاعت كتب متأخري أهل الكلام
أن تستحوذ على عقول كثير من المنتسبين إلى العلم ؛ حتى ساد القول ( إن العدول
عن مذهب الأشعري ولو قيد شبر كفر » ومباينته ولو في شيء نزر ضلال وخسر) .
فجثم على صدور وقلوب أجيال خلال قرون متطاولة » وحرم على طلبة العلم أن
يستقوا عقائدهم من القرآن والسنة ؛ وبلغت الصفاقة والوقاحة بأولتك إلى أن قالوا :
(طريقة السلف أسلم » وطريقة الخلف أعلم وأحكم ) ويكفينا مقولتهم هذه دليلًا
على مباينتهم لمنهج السلف وعدولهم عنه .
والحقيقة أنتي أعجب من أولتك الذين يدعون الإسلام » وهم يزعمون أن فن
الكلام أسلم وأحكم وأعلم وأعلى من كلام الله تعالى وكلام رسوله كله .
وغيرهم من أساطين الكلام جعلوا من كلام هؤلاء حاكمًا على كلام الله © بل
تعالى وأسمائه وصفاته .
سادسًا : نصيحة باتباع منهج السلف :
في الحقيقة فأنا أوجه هنا سؤالًا لكل من سوغوا الانحراف عن عقيدة السلف
ومنهجهم وهو : هل من الله علينا بنعمة العقل لكي نتخذه وسيلة إلى سب الله تعالى
وشتمه ؛ والتطاول على مقامه الجليل » ثم أي فرق بين ما دعا إليه هؤلاء وبين ما عليه
إبليس حينما دعاه الله إلى السجود لآدم » فأنى واستكبر وكان من الكافرين ؟
لقد آن الأوان لأولفك كي يرجعوا إلى الطريق القديم » ويسلكوا الطريق
المستقيم الذي سلكه سلفنا الصالح في الدعوة إلى الله ؛ فهدوا بالقرآن العرب
والعجم » ووجدوا له آلاف الأنصار المؤمنين به المقاتلين في سبيل إعلائه ؛ وذلك
من بين أهل الملل المختلفة » والثقافات المتباينة +
فإن السلف الصالح قد نجحوا في الدعوة إلى القرآن » ليس بين العرب فقط +
ولكن بين غيرهم كذلك من أهل اللغات والثقافات الأخرى » يما أصبح مثلًا
لاتصلح لهذا الزمان » زمان الحضارة والتقدم » ولا تهدي إلى الغاية » إن من يقول
تقهره » وهذه الحقيقة مضمونها عدم الإيمان بالقرآن » ولا بمن أنزل القرآن .
آن الأوان لكي نقاوم التيار الجارف من أمواج البدع والإلحاد نقاومه بجيش
مدرع ومسلح بأسلحة القرآن » من عقائده وبراهينه واستدلالاته » فبهذا الجيش القوي
نستطيع أن نفتك بكل بدعة وخرافة ؛ بل سوف تنفتح قلوب الخلق جميعاً للإسلام
على اختلاف أماكتهم ولغاتهم وثقافتهم +
قضينا به لأنفسنا وللناس في أمور العقائد والإيمان » وهل اتبعنا طريقة الرسول وأهل
الإيمان » أم سلكنا طريقة إبليس وأهل الشك والنكران والطغيان من أهل هذه الدع +
إن الأمر جد خطير » وإن وراءنا يوم عظيم الهول » فالبدار البدار » والرجوع
0 الله قبل فرات الأوان ؛ وقبل أن يقول الة 0
يما تَيُكُ » فيقال له ا نما َه
أما موضوعه فهو المسائل التي انفردت بها الأشعرية والماتريدية عن أهل السنة
والجماعة » وأهل البدعة من المعتزلة وغيرهم + » فلم يقل أحد قبل الكلا الأشعرية أن الله
يرى بلا إلبات العلو » وأن الله يتكلم بالكلام النفسي » فأحدثوا قولًا ثالقًا بين القولين »
ومذهًا ملفقًا بين مذهب أهل السنة والجماعة ؛ ومذهب أهل البدعة ٠
ويتألف هذا البحث من : تمهيد ؛ وأربعة فصول ؛ وخاتمة :
فأما التمهيد فهو : لمن أوجه مادة هذا الحوار .
وأما الفصل الأول فهو بعنوان : التعريف بالأشعرية إجمالً وبيان
موقف السلف من علم الكلام » وفيه إحدى عشر مبحنًا :
المبحث الأول : التعريف بالمذهب الأشعري إجمالًا .
المبحث الثاني : علم الكلام الأشعري بين القبول وا
المبحث الثالث : تحريف الأشاعرة لكلام الأكمة في التحذير من علم الكلام +
المبحث الرابع : موقف أئمة السنة من سلف الأشاعرة
المبحث الخامس : موقف أئمة السنة الذين عاشوا قبل ابن ت
المبحث السادس : موقف علماء السنة الذين عاشوا بعد ابن
المبحث السابع : توبة أبي الحسن الأشعري من علم الكلام .
المبحث الثامن : انقطاع الصلة بين الأشعرية والأئمة الأربعة في كثير من الأصول +
المبحث التاسع : متابعة الأشعرية لمذهب المعنزلة في بعض الأصول +
المبحث العاشر : حيرة بعض علماء الأشاعرة واضطرابهم +
المبحث الحادي عشر : نصيحة تائب من علم الكلام الأشعري .
وأما الفصل الثاني : حوار حول دعوى الأشاعرة من أن الله ليس
داخل العالم ولا خارجه ؛ ويشمل تمهيد ومبحثين :
أما التمهيد فهو : ببان أن النصوص الشرعية متواترة في علو الله تعالى على عرشه .
وأما المبحث الأول فهو : في الرد على الأشعرية في دعواهم أن الله لا داخل
بة من الأشاعرة
مية من الأشاعرة .
وأما المبحث الثاني : فيه ذكر شبه الأشعرية في صفة العلو » والرد عليهم +
وأما الفصل اثالث فعنوانه : حوار حول دعوى الأشعرية أن الله يرى
بدون إثبات صفة العلو » وفيه تمهيد وثلاثة مباحث :
أما التمهيد : ففي بيان تواتر الكتاب والسنة وإجماع الأمة على إثبات الرؤية +
والمبحث الأول : عرض أقوال الأشعرية والماتريدية في مسألة الرؤية .
والمبحث الثاني : الرد على الماتريدية والأشعرية في مسألة الرؤية .
والمبحث الثالث : بعض شبهات الأشعرية والماتريدية والرد عليها
وأما الفصل الرابع : حوار حول دعوى الأشعرية : أن الله يتكلم بكلام نفسي »
المبحث الأول : الرد على الأشاعرة والماتريدية في قولهم بالكلام النفسي +
المبحث الثاني : نقض حجج وشبه من قال بالكلام النفسي ٠.
وسأقف من عقائد الأشعرية موقف الحياد والإنصاف » فلا غلو ولا تقصير +
ولست أخاطب شخصًا بعينه » وإنما ما سطر في كتبهم مما يخالف النصوص
الشرعية وعقيدة السلف » بل أسأل الله للأموات منهم المغفرة ولأحياء الأشاعرة
الهداية والتوفيق والسداد .
ولا شك أن القارئ الذكي الفطن ذا الفطرة السليمة والعقل السليم فضلًا عن
المؤمن المستنير بنور الوحي يدرك فساد هذه الآراء والمذاهب والاصطلاحات
الدخيلة » فلو أفنى “الرجل عمره في قراءة كتب علم الكلام والبحث ما احتوته +
لخرج منها بالحيرة والأسى على ضياع العمر دون طائل يتمنى أنه لم يخض في غمار
تلك الموروثات » وفي بحر ذلك العلم الذي سموه علم الكلام .
فلم يفهم أهل الكلام من نصوص الصفات الشرعية إلا بما يليق بالمخلوقين
بالتأويل الكلاني لتكييف الصفة » بينما كان منهج القرآن والسنة هو إثبات وجود
الصفة كما وردت لا إثبات كيفيتها ؛ لأن الكيف هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله +
فترك الوحي واتباع الرأي والتأويلات الفاسدة عزل للكتاب والسنة كمصدرين للهداية
في واقع الحياة ؛ وليس بعد الهداية إلا الغواية قال تعالى : ف قَمَاذًا بد لي إلا
وأهل الكلام الذي يتهمون أهل السنة بالتشبيه والتجسيم هو اتهام باطل شنيع
ويلزم منه القول بأن الله تعالى أنزل لعباده نصوصًا في القرآن » يحرم الأخذ بظاهرها
دون أن يرشدهم إلى تحريم ذلك ؛ ودون أن يعرف رسوله والمؤمنون كيف يفسرون
هذه النصوص + وكيف يفهمون معانيها الحقيقية ؛ وذلك لأننا لا نجد في القرآن
والسنة ما يحرم الأخذ بالظاهر » أو يوجب التأويل الكلامي » وهذه اللوازم التي
إن مقتضى كلام المعطلة من الفلاسفة أن الرب عدم محض ليس له اسم ولاصفة
واتحادية الصوفية جعلوا الرب عين كل شيء ؛ فهو كل كائن حتى فرعون وإبليس هو
الله » تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا ؛ وحلولية الصوفية جعلوا الله في كل شيء فهم
أخبث من النصارى ؛ لأن حلول النصارى مقيد وحلول هؤلاء الزنادقة مطلق .
ومقتضى مقالات أهل الكلام من المعتزلة والماتريدية والأشعرية أن الله تعالى
بصفات ممتنع بحت » ولهذا يسميهم شيخ الإسلام أهل الجحود والإنكار»؛ وسبب
تناقضهم واضطرابهم يلزمهم أن الرب تارة موجود ؛ وتارة معدوم » فبعضهم يثبت له
فهم مختلفون في مقالاتهم ومتناقضون ؛ وكلهم يدعي أن صريح العقل معه .
والصواب الذي عليه أهل الحق أن النصوص الشرعية لم تأت بمحالات العقول »
وانما أنت بمحارات العقول » فالعقول قد تتحير في تفسير شيء » لكنها لا تحيله »
ولا يمكن وجود تناقض بين صحيح النقل » وصريح العقل » والواجب على العاقل أن
يقف عند حدود ما ورد في القرآن والسنة » ولا يزيد عليهما ؛ فذلك هو طريق
السلامة والهدى .
ثم لقد آن الأوان أن ينبذ المسلمون علم الكلام وراء ظهورهم » فلم يتعبدهم الله
به » ولم نره يومًا كان سيهًا في هداية ضال ؛ أو تعليم جاهل » بل هو الجهل والضلال
بعينه ؛ وهو خلاف الطريق التي أرشدنا الله إليها ورسوله » وطريقة مبتدعة لتعليم
يتعبدنا رب العباد بمذهب النسفي أو الإيجي أو الآمدي » بل بما ورد في الكتاب
والسنة .
آن الأوان لترجع العقيدا لطر متف تا قمع أعيل
والله أسأل أن يكون هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم ؛ ويوفقنا جميعاً للاهتداء
يكتابه والسير على سنة رسوله كَيةِ » والله من وراء القصد ؛ وهو حسبنا ونعم
مادة هذا الحوار أخاطب به المسلم الذي وقع في التناقض نتيجة التزامه بعلم
الكلام » لذا تجده يصرح بأنه على عقيدة الأشعري في الأصول ؛ وعلى مذهب مالك
والشافعي في الفروع » فلطالما يتساءل الإنسان : هل اتباع الأكمة الأربعة المعاصرون
متبعون لهم في الاعتقاد كما هم متبعون لهم في الفروع » أم مخالفون لهم ؟ وهل
أصول مذاهب مختلفة نتج عنها ميراث الخلاف المذهبي الذي يعيش فيه المسلمون
اليوم بما له من آثار سيعة على الأمة والمجتمع الإسلامي ؟
وللأسف إن الكثير من أتباع الأئمة على خلاف عقائد أثمتهم » والرزية كل
الرزية أن من تلبس بشيء من البدع فإنه يبسب ذلك إلى الأئمة » وهم برآء قال شيخ
الإسلام : « فما من إمام إلا وقد انتسب إليه أقوام وهو منهم بريء » فقد انتسب إلى
وانتسب إلى أبي حنيفة أناس هو بريء منهم ؛ 9 .
وقال أيضًا : ١ وكذلك أهل المذاهب الأربعة وغيرها » ولا سيما وقد تلبس
بمذهب مالك والشافعي وأحمد شيقًا من أصول الأشعرية والسالمية » وغير ذلك
ويضيفه إلى مذهب مالك والشافعي وأحمد 6 .
+ )168/( انظر : مجموع الفتاوى » ١517 العقود الدرية » ص )١(
وقال أبو المظفر الإسفرابيني : « قد نبغ من أحداث أهل الرأي من تلبس بشيء
من مقالات القدرية والروافض مقلدًا فيها ؛ وإذا خاف سيوف أهل السنة نسب ما هو
وقال ابن أبي العز رحمه الله : « ولا يلتفت إلى من أنكر ذلك - يعني علو الله
إليه طوائف معتزلة وغيرهم مخالفون له في كثير من اعتقاده ؛ وقد ينسب إلى مالك
والشافعي وأحمد - رضوان الله عليهم - ومن يخالفهم في بعض اعتقاداتهم ؛ وقصة
أبي يوسف في استتابة بشر المريسي لما أنكر أن يكون الله عز وجل فوق العرش
مع أن عقائد الأئمة الأربعة واحدة في أصول الدين وهو ما نطق به الكتاب
والسنة » وما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ؛ وليس بين هؤلاء الأكمة ولله
الحمد نزاع في أصول الدين » بل هم متفقون على الإيمان بصفات الرب » وأن
القرآن كلام الله غير مخلوق » وأن الإيمان لابد فيه من تصديق القلب واللسان ؛ بل
كانوا ينكرون على أهل الكلام من جهمية وغيرهم ممن تأثر بالفلسفة اليونانية
والمذاهب الكلامية .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
ولكن من رحمة الله بعباده أن الأثمة الذين هم في الأمة لسان صدق
كالأئمة الأربعة وغيرهم ... كانوا ينكرون على أهل الكلام من الجهمية قولهم في
القرآن والإيمان » وصفات الرب » وكانوا متفقين على ما كان عليه السلف من أن الله
يرى في الآخرة » وأن القرآن كلام الله غير مخلوق ؛ وأن الإيمان لابد فيه من تصديق
القلب واللسان ... » 9 .
+ ؛ تحقيق : الكوثري ١١4 التبصير في الدين + ص )١(
+ شرح العقيدة الطحاوية + ص 707 ؛ ط دار البيان )(
كتاب الإيمان » ص 760 - 701 ؛ تعليق : محمد الهراس » دار الطباعة المحمدية )©(