الفصل الخامس والستون
ظفور دولة الموحدين المحامدة
آمنوا «بمهدويته وعصمته» والذين أصبحت تنظيماتهم المحكمة بطبقاتها من الأصحاب
يعود؛ بل كانت آثاره العلمية وماسن من عمل جليل تمثل في قراءة جزء من القرآن
العظيم بعد صلاة الصبح, وآخر بعد صلاة المغربء تجعله دائم الحضور بينهم؛ كما ترك
«المهدي» من الآثار العطمية ما جعل أتباعه يحفظون عهده ويتمسكون بتوجيهاته التي
كيف وهو الذي كان يردد في حق عبد المومن ماقيل عن قوله شعرا مما نغتبره مصنوعا
لكنه يؤدى المهمة التي نهدف إليها .
تكاملت فيك أوصاف خصصت بها .| فكلنا بك مسرور ومغتبط
السن ضاحكة والكف مانحة . والصدر متسع والوجه منبسطر3ا5)
ناهيك وأن عبد المومن بعد الونشريسي أبو محمد البشير هو أكثر الاصحاب
علماًء وأنه آخر من قاد المعركة الأخيرة كقائد وأمير للجيش, بالإضافة إلى معرفته
لنفسه أن يلعب ذلك الدور الخطير الذي نسب فيه للمهدي مانسبء ولنفسه ماب
بعدما «غسل الملائكة صدره» وعرفوه مالم يكن يعرف» وأن ابن تومرت هو المهدي القائم
(313) الحلل 98 والقرطاس 127/2
عبرة لغيرهم؛ وبهذه المكيدة قتل الكثيرين من الذين كانوا يتظاهرون ولايؤمنون بمهدوية
ابن تومرت. أو ربما كانوا ينقمون على قيادة أمثال الونشريسي للمصامدة في المعارك
من الطريق, وأصبح عبد المومن في مقدمة الأصحاب الذين هم الجماعة التي بيدها
التنفيذ, والتي أصبحت بعد موت المهدي أكثر حاجة إلى وحدة الصف وبذل الجهد» بل
وإلى القيادة الحكيمة حتى يتم القضاء على الخصوم الذين هم بقايا: المرابطين هنا
يقدر على مزاحمة عبد المومن الذي وإن كان يفتقد العصبية القبلية بين المصامدة. فهو
بالعصبيا وهي أقوى وأحسن, بل وأقدر على الصمود والاستمرار, كما
أكد ذلك واضع علم الاجتماع عبد الرحمن ابن خلدون. خصوصا بعد بيعة عبد المومن
زالت دولة المرابطين بعد أقل من مائة عام عرفت الدولة فيها حكماً قويا دام ستين
سنة؛ وإذا كانت دولة المرابطين قد زادت في زمن دولة الإسلام بالأندلس أكثر من أربعة
كان يوسف قد خطط لمن يأتي بعده طريق الفتح والتمهيد. وكان بحكم خبرته
الطويلة وتمكنه من معرفة البلاد التي خضعت لحكمه قد ترك لولده علي دستوراً سياسيا
يتمثل في الوصايا الثلاث المشار إليها قبل نحو بني هود والمصامدة أهل درن. وحاميات
الجند بالأندلس, وإذا ما طبق علي واحدة من تلك الوصاياء وهي ترتيب الحاميات
بالأندلس. فإنه بالنسبة والثالثة لم يوفق, والسبب في عدم توفيقه ماجد من حياة
وهكذا إذا ما أصبحت دولة الموحدين في طريقها للقضاء نهائيا
الذي ساعدها ومكن لخطتها هو التعرف على الأخطاء التي
عجلت بانهيار المرابطينء ومن جانب آخر هو أسلوبً وتنظيم المؤسس الذي يختلف جملة
وتفصيلا في تكوينه وأسلوب عمله عن عبد الله بن ياسين رحمه الله؛ ذلكم هو محمد بن عبد
بالمهدي والمعروف بابن تومرت الذي عرفنا به قبلء وليس هذا فحسب
ب الثاني أنفسهم يختلفون كل الإختلاف عن أصحاب الأولء فأصحاب آبن ياسين
لم يكونوا مثل أصحاب «ابن تومرت» الذين تعرفوا على ما لم يتعرف عليه سلفهم في
مختلف مظاهر الحياة, سواء في أسلوب العيش أو العلاقات البشرية. بل إن مغالات أشياخ
أتباع ابن تومرت من المصامدة الذين اعتبروا الملثمين فيما يرجع إلى
من المجسمة تجب معاملتهم في دار الحرب كمعاملة غير المسلمين, أي مثل ما كان
ّ من ابن تومرت الذي بلغه ماكان المرابطين
ينعتونه به وقومه؛ وأنهم من الخوارج فأطلق على جماعته اسم الموحدين تأكيدا لتوحيدهم
وتعريضهم بمن جنح إلى التأويل ووقف عند الظاهر, فأوقع نفسه في القول بالتجسيم»
يضاف إلى هذا الهجوم العنيف الذي تولات عنه عقدة في نفوس المشمين أن مؤسسي دولة
الموحدين. من أول أمرهم لم يسلكوا نهج المرابطين في نظرتهم إلي الحضارة المستجدة في
حياة الدولة, بل دولة الموحدين طبعت من أولظهورها بنوع من التقدم والتطلع في كل
وعبد المؤمن هذا هو ابن علي بن مخلوف, بن يعلى» بن مروان؛ أبو محمد الكومي»
المولود بقرية تاجرا من أعمال تلمسان « ندرومة اليوم» سنة 487ه/ 1094م؛ وعند ابن
زرع يكون ميلاده ما بين 494و 495ه, وهو من أصل زذ
(114) راجع العبر 127-118 وابن الأثير 201/10- 209/11 واين خلكان 310/1 واخيار الهدي١2 ديفي
جنوة الاقتباس 1974/2 ط الرباط جاء نسب عبد المومن بن علي بن
في أعمال الاعلام ص (127 !
ال النسب الشريف لعيد المومن عن طريق
عبد المؤمن بن علي الرفيق الأول هو المرشح بعد صاحبه المهدي محمد بن عبد الله
بوتامارت «ابن تومرت 315 وقد رأيناه بويع بعد وفاة صاحبه يوم الخميس 14 رمضان
28ده/34ا 1م317) لكن لماذا هذا الفارق بين وهل صحيع فكرة الطائر وشبل
الأسدء وماقيل أن عبد المومن استعمله من تحايل ليتمكن من بيعة الموحدين. حتى إن
الحسن ابن الاشيري التلمساني وهو العالم المتضلع الذي كتب لتاشفين ملك المرابطين»
ثم للموحدين كذلك, قال في الموضوع شعرا أوردته المصادر رغم رائحة الوضع18):
التي تفوح منه إن لم نقل التملق والنفاق الملكشوف في قوله:
ودعىالطائر بالنصرلكم | فقضىحقكملماوفد
أنطق الخالق مخلوقاته | بالشهادات., فكل قد شهد
أنك القائم بالأمر له .| بعدما طال على الناس الأمد
ولماذا لاتقول كان المهدي. وكما أقر بذلك علماء لمتونة, ذا قدرة على الاقناع بأهدافه
ومقاصده التي بهرت مالك بن وهيب, وقد استطاع بدهاء أن يفعل بعقول القوم ما لم
يسبق لغيره حتى أصبح كما عرفناء فكيف يحتاج عبد المومن إلى استعمال الطائر الذي
يردد على مسامع القوم «العز والتمكين. والنصر المبينء لعبد المؤمن أمير المؤمنينه؟؟ ولا
عقول قومه نحو عبد المومن الذي قال في حقه وقد قتل من أنصار ابن تومرت في معركة
يما بمصطفورة. وهي بطن من بني فاتن بن تامصيت بن ضري بن زجيك. وعنهم يقول ابن خلدون إن لهم
الصنعة والتكلف يظهران في أقوال كل الذين تناولوا نسب عبد المؤمن ثم أرادوا إبعاده عن كومتيه وأصالته في زناتة.
المعجب 184 وابن خلكان مما اختلاقا من الأنصار, وكذا ما أورده صاحب الجنوة عن تربية عبد الومن لشبل
الأسد والطائر الذي علمه ما ينطق به يوم أراد إعلان وفاة ابن تومرت الجذوة 417-46/2 ط الرباط.
(316) المصدر السابق. وفي أعمال الاعلام 70/3 يوم الخميس 25 رمضان.
(317) أعمال الأعلام لابن الخطيب 271/3 .27 ربيع الأول الحلل 107 والقرطاس 132/2
(318) الجذوة 447, والقرطاس 131/2 ط الرباط 1936 راجع التعليق في المصدر المذكور القرطاس.
إن ابن تومرت في كل ماكان كما سبق يكتب وينشر بين قومه من أفكار سياسية وتوجيهء
كانت أملاء وبعدما أصبحت حقيقة. ولاشك في إقبال قيادة الموحدين على عبد المومن
سواء من ذلك جماعة العشرة أو الخمسين أو السبعينء وقد سجل التاريخ أنه كان في
مقدمة القبلين عمر أزناكء وعمر ومزالء وعبد الله بن سليمان التينمليء لكن ما الذي
خصل بعد موت «الإمام المعصوم؟ هل ظهرت دعاية ضد عبد المؤمن الذي لم يكن
بامهدي ولا بالمعصوم, أم هل ظهرت فكّرة عنصرية من بين المصامدة ضد إسناد القياذة
لقد استطاع عبد المؤمن أن يملك قلوب كبا القوم من المصامدة الذين لم يقدم
على عمل دون الرجوع إليهم» سواء فيما يرجع لتخطيط المعارك أو الجهة التي يتوجه
إلى الشمال والشرق فلماذا كانت البيعة الأولى, ثم الثانية؟ هل دخل عبد المومن هو
الأخرشك أو ريب في أحد من العشرة؟ ولزيما هو عبد الله بن ملوية كما عند البيدق الذي
قال إنه اتصل بعلي بن يوسف ضد عبد المومنء لكُنه
الذين قادهم ضد عبد المومن. ثم صلب على أحد أبواب تيتمل
إلا أن ماحصل بعد يؤكد لنا أن المهدي محمد بن عبد الله لم يكن له السلطان على كل
بن عبد الله بن هود الماسي» الذي تسمى بالهادي وادعى الهداية اقتداء بالمهدي محمد
وعشرين سنة, فوجه إليه عبد المومن عسكراً فهزمه الماسي المذكور وعاد إليه خاسراً
واستعدوا للقائه بالسوس غاية الاستعداد؛ فانهزم وقتل هو وكثير من أهل عسكره».(619.
كان القضاء على الهادي محمد بن عبد الله الماسي 220 ثم المعركة التي خاضها
راجلء هما المعركتان اللتان صفى بهما عبد المومن كل المعارضة في المغرب الأقصى إلا
أهل اشبيلية الذين ناب عنهم وفد من كبار العلماء» يتقدمهم أبو بكر بن العربي المعافري»
والخطيب أبو عمر بن الحاج, والكاتب أبو بكر بن الجدء وأبو الحسن الزهري؛ وأبو
الحسن بن صاحب الصلاة المؤرخ, وأبو بكر السجرة. والباجيء والهوزني. وابن القاضي
شريح. وعبد العزيز الصدفيء وابن السيدء وابن ابراهيم وغيرهم(321) قدموا عليه سنة
147/2 ام حيث استقبلهم يوم عيد الأضحى بالمصلىء ثم عقد معهم مجلسا اهتم فيه
عبد المومن بتوجيه السؤال إلى أبي بكر بن العربي المعافري. الذي كان قد صحب والده
إلى الحج سنة 485ه /1092م سأله عن المهدي «وهل لقيه عند أبي حامد الغزالي أم لا5»
يقول: إن هذا البربري لابد سيظهرم022 ولقد كان صدى أثر هذا الوقد الذي حصل
(619 الطل 121 ط الرباط 1936؛ والقرطاس 134-133-132/2, والمعجب 114-113- والعبر232-171/6»
(320) هو ابن دلال يبيع » كان مع عبد المومن ثم خرج عليه وقد تله عمر الهنتاتي بيده في شهر
ذي الحجة عام 542 راجع القرطاس 140/2 وأخبلل المهدي ١22-106 والعبر 308/1.
(321) الحلل 122 والقرطاس 141/2
أبا بكر رجع من المشرق إلى الأسكندرية بعد موت والده سنة 493 هه
اج. وفي هذا التاريخ لم يكن المهدي قد رحل إلى المشرق راجع نفع
اليب 339-136/1.واين خلكان 489/1 اثناء الرحلة مرض وتوفي ثم دقن يمقيرة خارج باب امحروق بقاس حيث
أعضاؤه على صك الأمان لأنفسهم ويلادهم أن أصبحت إشبيلية مدينة الموحدين بالأنداس
وعاصمتهم المفضلة بهاء وتلك بشارة حملها أعضاء الذي آنصرف من مراكش في شهر
جمادى الثانية سنة 43ه //148ام.(323وفي نفس المدة تلقى عبد المومن بيعة أهل
سجلماسة وأهل الصحرآء؛ بل وفي هذه المرحلة التي نظم فيها عبد المومن جيشه التظامي
من مجندين إجباريا ومتطوعة ومرتزقة, في الوقت نفسه كون مدرسة حربية لتكوين الضباط
قوامها ثااثة آلاف في مقدمتهم الحفاظء وهم طلبة الموحدين, كما أصبحت المراسي والقلاع
التي أنشأها في جهات مختلفة » عبارة عن خليات نحل تعمل وتثمر ماعرفه المغرب في عهد
عبد المومن من انطلاقة تمثلت في البنيان الذي عم البلاد. حيث أصبحت الموانئ كلها دور
صناعة للسفن, بواسطة الأخشاب التي كانت تنقل من غابات المغرب الكبيرء إلى موانئ
التمرد التي ظهرت في تامسنا وسبتة. الأولى بقيادة ابن هود المشار إليه, والثانية في نفس
السنة 542ه/ 47م بتو من القاضي عياض .24م لأهل سبتة التي هدم عبد المومن
, لقد استطاع عبد المومن بعد هذه المرحلة أن يدخل الرعب في قلوب كل الشوار
والخصوم الذين ظهروا بعد بسبب تصرف أخوي المهدي عبد العزيزء وعيسى اللذين
أسند لهما حكم إشبيلية فظهر بذاك الشوار (كالبطروجي بلبلة؛ ومحمد بن الحجام
(121) القرطاس 141/2
عد اك حدر ضاق الي واج لزي بات الام 0ن
لتعريف إلى فقدها.
عبد المومن كما بايعه أهل سبته بتاريخ الأربعاء 3 جمادي الأولى سنة 543 ه/
روى صاحب الحللء عن الإمام أبي يحيى بن إليسع, فإن عدد الجند يكون من الكثرة
كان عبد المومن قد استولى على جنوب الأنداس بما أرسل إليها من جنود بقيادة
ولده يوسف ومساعدة يوسف بن سليمان بن مخلوف. بعدما استمرت الحروب إلى سنة
45ه/0اام. استولى على كثير من مدن الأنداس بعدما أوقف زحف الاسبان على
الثغور, فدانت له جزيرة طريف والخضراء وإشبيلية التي قتل بها عبد الله بن العربي
نجل أبي بكر قبل سنة 1دكه وقرطبة» ورندة؛ وحتى يقضي على كل أثر للمعارضة في
الأنداس وجه إليها سنة 546ه//ا5! ام عمر بن يحي الهنتاتي ومعه ابن سعيد بن عبد
المومنء فكان الهنتاتي هو الذي اثر على بقية المرابطين واسترجع ما كان ابن غانية قد
سلمه للإسبان من معاقل وحصون. بياسة وألمرياء لكنه عاد عليه الندم بسبب طمع
بدر اللمتوني, فتوفي بها في شعبان 543ه,؛ وهنا كان على عبد المومن بعد تصفية جميع
المشكوك فيهم من بقايا المرابطين أن يقوم بجولة انتهت إلى قرب مضيق جبل طارق»
حيث حشد من الجند ما غطى بسيط سبتة, وطنجة؛ ثم أقام بقصر المجاز ثلاثة أيام
استعرض أثناءها الجند والسلاحء وفي ليلة اليوم الرابع أمر المنادي أن ينادي في الناس
بعد جمعهم على قرع الطبول الهائلة التي لم تعرف قبل ضخامة. وبعد صدى, ثم نادى
المنادي حسب أمر عبد المومن... برئت الذمة ممن قال إلى أين نحن متوجهون326)
(325) القرطاس 144/2
(326) المصدر السابق الترجمان.
الفصل السادس والستون
توحيد أقطار المغرب وتحرير شواطئه
كان عبد المؤمن قد خطط لرحلته الطويلة نحو شرق البلاد إلى حيث بني حمود»
لكنه قتل بعد سنة 568ه/1172م وفي هذه المرحلة دخلت جيوش عبد المومن في حرب
الثغور وإلى نهر تاجة فراراً من العواصف, وقد كانوا يجربون حظهم بمقاتلة الأطراف
إلى أبي سعيد ابن عبد المومن فإن هذا الأخير قد صمم العزم على التوجه نحو شرق
تربطهم وإياهم صلة القربى ووحدة الأصلء وإذا ما سقط الحموديون وماكان تحت
سلطانهم من جزائر بني مزغنة؛ إلى بجاية؛ وقسنطينة؛ وبونة سنة 547ه/152١م؛ رغم كل
معه في إمكان عبد المومن أن يتعرف على أحوال المملكة. ناهيك وقد توفرت المواصلات
(127) الترجمان المصدر السابق.