أسطورية تمثلت فى نواة تاريخية محملة بالكثير من الخيال والتصورات
"المنهج” بمعناه العلمى موجودا وإنما وجد بشكل بدائى ؛ إذ كان الهدف
هو رسم صورة للماضى تروى ظماً الإنسان وتعطشه إلى المعرفة
"التاريخية" . فالإنسان مولع بمعرفة الماضى لكى يفهم أصول الحاضر ٠
من القراءة الأسطورية للتاريخ فى محاولة للاجابة على السؤال المضنى
والظواهر والعلاقات داخل الكون ؟ ولأن المعرفة التاريخية كانت ناقصة
العلم التاريخى ومنهج البحث التاريخى .
ثم مضى زمن حمل بعض التطورات فى مسيرة الإنسان ؛ وتقدم
العقل البشرى خطوة إلى الأمام بحيث بات مستعدا لقبول رسالة
السماء. وقدمت الأديان إجابتها على السؤال المضنى "لماذا؟" ومن هتا
اختلفت من دين إلى دين آخر ؛ فقد ركزت القراءة اليهودية للتاريخغ على
فكرة "شعب الله المختار” والأرض الموعودة ومن ثم جاءت “القراءة”
غائية تهدف إلى تطويع التاريخ لصالح اليهود ووضعه فى قالب يحقق
رؤية اليهود لأنفسهم ودورهم فى العالم الذى رأوه "دور تاريشيًا*
ينفردون به وينفرد بهم ؛ وهنا لم يكن ثمة منهج علمى يدرس حقائق
التاريخ الموضوعية وإتما صياغات تخدم فكرة التاريخ اليهودية ؛ وبقدر
ماكانت الكتابات التاريخية اليهودية منحازة وغير موضوعية على نحو
مايظهر فى أسفار العهد القديم كان "المنهج” غائبًا أو مشوشًا على
أحسن الفروض . إذ لم تكن الحقيقة هدف من كتيوا التوراة وصاغوا
الروايات التاريخية حول تاريخ اليهود ؛ وإتما كان هدفهم تأكيد فكرة أن
الله قد اختارهم وتدخل فى أحداث التاريخ لصالحهم بغض النظر عن
طاعتهم له أو تقردهم عليه .
للتاريخ + فكانت قراءة غائية أيضا ولكن فى سياق مختلف ؛ فالإنسان
من وجهة نظر المسيحية يحمل ذنب الخطيثة الأولى ؛ وماحياته فى الدنيا
سوى رحلة تتوسط مجىء المسيح الأول ومجيثه الشاتى . وعلى الإنسان
أن يسعى للحصول على الخلاص . وقد جاء المسيح لخلاص البشرية +
وعلى المؤمتين به أن يتبعوا تهجه فى العضحية بالجسد والمادة وصولاً إلى
الخلاص والسعادة الروحية . ومن ثم رأت المسيحية أن تاريخ البشرية
قبل المسيح تمهيد لقدومه ؛ وأن تاريخ البشرية بعده سعى للخلاص
وانتظار لقدومه الغاتى .. وهكذا ؛ رأت المسيحية فى التاريخ كتابًا
كتبا الزب فصوله وليس للإنسان فيه أى دور إيجابى وعليه انتظار
ماتسفر عنه إرادة الرب . وترتب على ذلك أن تمت صياغة التاريخ
الإنسانى صياغة غائية وتم استبعاد الحقائق التاريخية الموضوعية التى
التاريخية . وجاءت القوالب المسيحية لتصب التاريخ قى إسارها بصرف
النظر عن حقائق التاريخ . ويرز هذا الاتجاه فى كتابات أيوزييبيوس
أسقف قيصرية ؛ وأوغسطين معلم المسيحية الكاثوليكية , وحوليات
الرهبان . ا
وفكرة التاريخ فى الإسلام تختلف ماما عنها فى اليهودية
والمسيحية. إذ إن الإسلام يأخذ موقفا إيجابيًا من الإنسان الذى كرمه
الله وجعله خليفة فى الأرض وسكّر له مظاهر الكون والمخلوقات الأخرى
فى هذا الكون . "والتاريخ” فى القرآن الكريم له غرض تعليمى ؛ فهو
يسرد قصص الأمم والشعوب السابقة من منطق العظة والعيرة . والهدف
فالحضارات لاتقوم بالصدفة ولاتسقط بلاسبب ؛ فثمة قانون أخلاقى
بحيث يستطيع أن يشيد الحضارة ؛ إذا ما أخذ طريق الخطأ وابتعد عن
القانون الأخلاقى الذى حدده له الله سقطت الحضارة وتخلفت الأمة .
فالإنسان , الذى ميزه الله بالعقل والحرية ؛ هو المسئول عن مصيره فى
الكون . وهنا أيضا كان "المنهج” أكثر تقدمًا , ولكنه لم يكن منهج
ناحية ؛ ومن حيث "منهج البحث" من ناحية أخرى . وتبلورت فكرة
التاريخ الإسلافية فى نظرية ابن خلدون وفى كعابات المؤرخين الذين
كتبوا عن تاريخ الكتابة التاريخية وأماطها من أمثال الكافيجى
ثهايات القرن الشامن عشر ؛ وواصلت تقدمها عير «القراءة العنصرية» ,
ثم «القراءة الاستعمارية» للتاريخ لكى تصل فى نهاية الأمر إلى
مستوى راق ومتقدم . وبذلك تقدمت المعرفة التاريخية فى تراكمها
المعرفى من ناحية؛ وتطور منهج البحث فى الدراسات التاريخية من
ناحية أخرى . وقد حدثت فى نصف القرن الأخيرة ثورة صامتة فى مجال
السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والعسكرية وغيرها . ومن
جيث المنهج تنوعت مناهج الدراسات التاريخية مابين المنهج الوصفى
والمنهج التحليلى والمنهج الإحصائى والمنهج الكمى , فضلاً عن استخدام
وهذه الدراسة تحاول رصد تطور الدراسات التاريخية ؛ من حيث
التراكم المعرفى وتطور مناهج البحث منذ البداية وحتى القرن التاسع
عشر . وهى نواة لدراسة شاملة وتفصيلية أرجو أن يعيتنى الله على
إنجازها والله الموفق والمستعان ٠
دكتور قاسم عيده قاسم
الهرم سبتمير ١844
القسم الأول
فى ماهية التاريخ
31-10051313070 يبصيحيا :10
ماهية التاريخ
تعريفات (المعتى اللقوى - المعنى
الاصطلاحى) - أركان الظاهرة التاريخية -
الإنسان والتاريخ : علاقة جدلية) - ضرورة
الدراسة التاريخية
يقال إن المؤرخين غير واثقين ماما من قدرتهم على تحديد ماهية
التاريخ بالضبط . ويقال أيضاً إن الفلاسفة أكثر استعداداً للكلام عما
يفعله المؤرخون أكثر من استعداد المؤرخين أنفسهم لتحديد ماهية العمل
الذى اضطلعوا بد( ويعنى هذا . ببساطة أن التاريخ علم متنوع
المشارب والمقاصد ؛ معقد ومركب ومحير ؛ شأته قى ذلك شأن البشر
الذين يتم التاريخ بتسجيل فعالهم . وعدم قدرة المؤرخين , وغيرهم +
على التحديد الدقيق لكلمة «تاريخ» ينبع من حقيقة أن التاريخ مغل
الأدب ؛ والفلسفة والفنون ؛ طريقة للتظر إلى التجربة الإنسانية - سواء
فى حياة الأفراد الذين يشكلون أجزا ءها ؛ أو إلى حياة المجتمع الذى يمثل
المجموع .
ويرى كولينجوود أنه على الرغم من الاخعلاف بين الناس فى
إجاباتهم على السؤال المتعلق بماهية التاريخ «فإنهم متفقون فيما بينهم
تستبعد أية إجابة يدلى بها غير الملتخصصين فى الموضوع . إن مثل
التاريخ كمثل فلسفة الأديان أو التاريخ الطبيعى ؛ فى أنه يمثل لوناً
وعلى الرغم من أن أفاطاً مختلفة من الناس تستخدم كلمة «تاربخ»
فى متاسبات مختلفة وفى ظروف متبايتة , فإن كل فريق منهم قد يقصد
بالكلمة نفسها معنى يختلف عن المعنى الذى يقصده الفريق الآخر . ومن
المعانى المتنوعة لكلمة «تاريخ» ومن ثم ؛ فإننا نجد أنفسنا بالضرورة
فى مواجهة سؤال بطرح نفسه ؛ ماهو التاريخ ؟
يبدو منطقيا أن نحاول - بداية - أن نتعرف على المعنى اللغوى
مشكلات متشابهة ؛ ولأن الكلمة تحمل عدة معان ؛ متباينة أحيانا
ومتقاربة أحياناً أخرى . وقد عرف التراث التاريخى العربى هذه المشكلة
)١( ر. ج. كولنجوود ؛ فكرة التاريخ (ترجمة محمد بكير خليل ؛ لجنة
التأليف والترجمة والتشر 1438م) ص" .
وكلمة «تاريخ» فى اللغة العربية تعنى عدة أشياء . وأوضح
السخاوى هذا التعدد فى معانى الكلمة فى كتاب الإعلان بالتوبيخ لمن
ذم التاريخ ؛ إذ يقول «.. التاريخ فى اللغة هو الإعلام بالوقت ؛ يقال
تعريف الوقت والتوريخ مثله ؛ يقال : أرخت وورخت وقيل اشتقاقه من
الأرخ , بفتح الهمزة وكسرها ؛ وهو صغار الأنثى من بقر الوحش لأنه
شئ حدث كما يحدث الولد . وقد فرق الأصمعى بين اللفعين ؛ فقال :
بنو قيم يقولون ورخت الكتاب توريخا ؛ وقيس تقول أرخته تأريخا ١
الحسن الجواليقى فى كتابه «المعرب من الكلام الأعجمى» : يقال إن
التاريخ الذى يؤرخه الناس ليس بعربى محض وإغا أخذه المسلمون عن
أهل الكتاب وتاريخ المسلمين أرخ من سنة الهجرة فى خلاقة عمر رضى
الله عنه . قال أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب فى كتاب الخراج :
)١( السخاوى , الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ (تحقيق فرائز روزنتال ؛ ترجمة
التعليق «كتور أحمد صالح العلى ؛ بقناد 1487) ١ صءاحص١١ ؛ حاجى
خليفة. كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون ؛ جدا (استنبول 461ام) +
حول أصل كلمة تاريغ +