مشاريع الاستيظان اليهودي
المجاورة. لم يأت دون سابق إعداد وتخطيط. فالتهيئة العملية لإنشاء «دولة
الدراسة هذه «التهيئة. ضمن إطار زمني تعود بنا بدايته إلى أواخر القرن
الثامن عشر وتستمر لتنتهي بنا عند نهاية الحرب الكبرى.
على هذه الصلة من طرح للمشاريع الاستيطانية اليهودية في فلسطين
وخارجهاء
وتعزو الدراسة في فصلها الأول نية اليهودية إلى
توطين اليهود في فلسطين يؤدي خدمات جليلة لمصالحهما في الشر:
ولذا فإنها بدآت تتسابق في استغلال جميع الوسائل التي تساعدها
للاستثمار بتأييد اليهود بشكل عام والمتفذين منهم؛ بشكل خاص, لمشاريمها
المتعلقة بتوطين اليهود . ويصبح هؤلاء المستوطنون.بالتالي -مجرد أداة من
أدوات الدولة المهيمنة عليهم يؤمنون مصالحها ويحرسون مواقعها. وبالإضاطة
اختيار فلسطين.أو غيرها عند الضرورةملجاً تتجه إليه هجرات فقراء
الهجرات ومشاكلها. ولم يكن يهود أوروبا الغربية اقل رغبة من غيهم في
التخلص من هذه الهجرات وإيجاد مكان آخر تتجه إليه وتستقر فيه
أما التبني اليهودي للنزعة الاستيطانية؛ فقد جاء في أعقاب الاتدفاع
الإمبريالي الغربي في طرح المشاريع الاستيطانية اليهودية في فلسطين.
وستتناول هذه الدراسة في فصليها الثاني والثالث هذه المسألة, فتبين أن
الاستجابات اليهودية الأولى للمشاريع الاستيطانية لم تتخذ طابعا جماهيريا
المتداخلة مع مصالح الفئات الحاكمة في الدول الغربية الكبرى. ثم
الدراسة بعد ذلك لتعرض لجوء البرجوازية اليهودية إلى سلاح فعال يت
في تبني كوادر فكرية يهودية في أوروبا بغربيها وشرقيها تعمل في خدمتها
تقديم
وتعبر عن مصالحها من خلال استثمار قوة الكلمة بأعماقها وأبعادها المختلفة
بين الجماهير اليهودية البسيطة؛ أول ضحية من ضحايا الوهم الصهيوني
الاستعماري 0
ويتناول الفصل الرابع أهم الأفكار والآراء التي طرحها تيودور هرتزل
مؤسس الصهيونية السياسية وتبرز من خلال هذه الأفكار والآراء آهم
الملامح الاستعمارية التي تميزت بها الحركة الصهيونية. وبعد استعراض
برنامج بازل الصهيوني وقيام المنظمة الصهيونية العالمية؛ ينتقل بنا هذا
الجزء من الدراسة إلى تحليل أهمية الدور الذي قام به هرتزل في المجالين
الدبلوماسي والسياسي ونجاحه في توثيق عرى التحالف بين البرجوا
اليهودية والرأسمالية الغربية بحيث أصبحت المسالة اليهودية قضية عالية
ومثار اهتمام الكثير من الحكومات والدول الغربية»
وتنتقل الدراسة بعد ذلك في فصلها الخامس لاستعراض مشاريع
الاستيطان اليهودي التي تعرضت لها مناطق متعددة خارج فلسطين, بعضها
في العالم العربي وبعضها خارجه.
لاستعمار أرض مدين في شمال الحجاز ومنطقة العريش وسيناء. والجبل
الأخضر في ليبيا. والبحرين والاحساء في منطقة الخليج العربي بالإضافة
إلى قبرص و يوغندة. ويتناول هذا الفصل أيضا محاولات الاستيطان التي
ى كالأرجنتين وإقليم اضنة التركي بالإضافة إلى
أما الفصل السادس والأخير, فيتناول بشيء من الإيجاز الاستيطان
اليهودي في فلسطين وهجراتهم إليهاء ولا يتسع المجال لتناول هذين
الموضوعين بمزيد من الإسهاب والتفصيل نظرا لوقوعهما خارج النطاق
المرسوم لهذه الدراسة. وينتقل هذا الجزء من الدراسة بعد ذلك إلى مناقشة
المواقف التي اتخذتها الدول الكبرى إزاء قضية الاستيطان اليهودي في
فلسطين, ويبين أهمية الدور الذي قامت به الإمبريالية البريطانية خلال
الحرب العالمية الأولى في تبنيها للحركة الصهيونية وإصدارها وعد بلفور
الذي كان بمثابة أول اعتراف دولي بالصهيونية السياسية ومشاريمها
قامت محاولات صهيونية جادة
لقد سمت الدراسة جاهدة
إلى رصد الأهداف الحقيقية للتحالف
مشاريع الاستيطان اليهودي
الإمبريالي الصهيوني وكشف الكثير من مخططاته التي لا يزال العديد من
الناس يجهل عمقها وأبعادها. وإن كانت فلسطين هي الضحية الأولى.
فهناك أجزاء من ديارنا العربية لا زالت محط أطماع هذا التحالف الحاقد ..
والله أعلم بما يخبئه لها القدر ١
على اختلاف آنواعها . فبالإضافة إلى الوثائق البريطائية والصهيونية
لجأت الدراسة إلى مؤلفات ومذكرات العديد من الزعماء الصهاينة والساسة
مطلع القرن الحالي. كما حرصت الدراسة على الاستفادة من شتى الكتابات
الأوروبية أو اللغة العربية. وقيما يتعلق بما ظهر من كتابات بالعربية حول
كان لها كبر الأثر في فتح العديد من الآفاق الجادة أمام هذه الدراسة. أما
كتاب «تاريخ الصهيونية؛ لصبري جريس ففائدته تكمن في تسجيله الدقيق
للتطورات الداخلية لحركة الصهيونية وإبزاز أهمية الدور اليهودي فيها.
وقد أشارت الدراسة في أكثر من موضع إلى العديد من الدراسات الأخرىق
المسيري وأسعد رزوق وخيرية قاسمية وغيرهم.
ولا يفوتني في هذا المجال أن أعبر عن تقديري وامتناني للصديقين
واحتمالهما جلسات النقاش الطويلة حول الكثير من أفكار هذه الدراسة.
كما أتوجه بالشكر للدكتور فؤاد زكزيا على قراءته للمخطوط وتقديمه
الكثير من الاقتراحات البناءة. وكذلك للأستاذ توفيق أبو بكر على جميع
التحليلات والملاحظات القيمة للصديق عبد الله أحمد علي رضا حول
العديد من أفكار هذه الدراسة. أما الأخ الدكتور عبد السلام المجالي فلا
يسعني إلا أن أتوجه إليه بالشكر والعرفان على كل ما قدمه لي من عون
ومؤازرة لإنجاز هذا الكتاب وإخراجه إلى حيز الوجود.
تقديم
رك هذه الدراسة
وإن كان للباحث مآ يتمتاه في هذا المجال فمسى أن
القدس طويل وشاق.. . وبحاجة إلى المزيد من التضحيات والكد الدائب
الكويت في أول نوفمبر 1983
بح ميب تليسيد
الاستيطان اليهودي الغربي
في ظل التوسع الإمبريالي
الغربي (قبل ام 1839
يعود تاريخ الأطماع الأوروبية في فلسطين خلال
عاسم (المطهرون) آنذاك لا يشكلون الطبقة
وإنما كانوا هم أيضا القوة الاقتصادية المنفذة فعنهم
كان كبار التجار ورجال الأعمال. ونظرا للصلة
الوثيقة التي كانت تربط البيوريتانية باليهودية فقد
تهياً لليهود مجال واسع للمساهمة في النشاط
التجاري دون خوف أو وجل من البيوريتائيين. ولم
اوليفر كرومويل أن يدرك مدى الفائدة المادية التي
كان بمقدور اليهود تقديتها لاقتصناديات لدم
اهتماما كبيرا بشئون اليهود وأخذ يقدم الكثير من
مشاريع الاستيظان اليهودي
التسهيلات لهم. وقد نظم عدد من البيورويتانيتن الإنجليز «حركة,"' بهدف
مساعدة اليهود على الاستيطان في فلسطين وقاموا عام 1649 بتقديم
عريضة إلى الحكومة الإنجليزية جاء فيها :»إن الأمة الإنجليزية مع سكان
الأراضي المنخفضة سيكونون أول الناس وأكثرهم استعداذا لنقل أبناء
إسرائيل وبناتها على سفنهم إلى الأرض الموعودة لأجدادهم إبراهيم وإسحاق
!' وبالرغم من أن هذه الحركة ودعوتها
مؤشرا للقوى الحاكمة في بريطانيا وغيرها كي تولي فلسطين مزيدا من
اهتمامها وتدرس بجدية مدى الفائدة المجنية من وراء توطين اليهود فيها
سواء كان ذلك في المجالات الاقتصادية أم السياسية. وبالفعل فإن فلسطين
ابتداء من منتصف القرن الثامن عشر وبشكل أوضح في القرن التاسع
عشر شهدت نشاطا مكثفا واكب التوسع الإمبريالي الغربي قامت به
مجموعات من التجار وعلماء الآثار والمبشرين والرحالة والمفامرين وسنتناول
الدراسنة هذا النشاط مبينة أهم ما ترتب عليه من نتائج.
كانت فرنسا أول من طرح بشكل جدي فكرة توطين اليهود في فلسطين.
فقد أعدت حكومة الإدارة الفرنسية عام ١798 خطة سرية لإقامة«كومنولث
يهودي في فلسطين,"' حال نجاح الحملة الفرنسية في احتلال مصر والمشرق
العربي «بما فيه فلسطين» وذلك مقابل تقديم الممولين اليهود قروضا مالية
والمساهمة في تمويل الحملة الفرنسية المتجهة صوب الشرق بقيادة نابليون
بونابرت. وأن يتعهد اليهود ببث الفوضى وإشعال الفتن وإحلال الأزمات في
المناطق التي سيرتادها الجيش الفرنسي لتسهيل أمر احتلالها. ودعا أحد
زعماء اليهود الفرنسيين إلى تكوين مجلس يضم جميع الطوائف والفئات
اليهودية ويتخذ من باريس مقرا له ليعمل بالتنسيق مع حكومة الإدارة
الفرنسية من أجل «إعادة بناء وطن يجمع شمل اليهود وينظم حياتهم .,!*"
ومضى هذا الزعيم اليهودي في دعوته التي تضمنها منشور أصدره غفلا
من التوقيع قائلا فيه
»« إن عددنا يبلغ ستة ملايين أ" في أقطار العالم وفي حوزتنا ثروات
طائلة.. . فيجب أن نتذرع بكل ما لدينا من وسائل لإنشاء وطن لنا.. .
الاستيطان اليهودي الغربى فى ظل التوسع اباميريالى الغربى (قيل عام 18517).
وهذا الوطن الذي ننوي قبوله بالاتفاق مع فرنسا يشتمل على مصر السغلى
اميت ومن جنوب هذا البحز إلى البحر الأحمر. وموقع هذا الوطن من أنفع
المواقع في العالم؛ ويمكننا من السيطرة على ملاحة البحر الأحمر قابضين
على ناصية تجازة الهند وبلاد العرب وأفريقيا الجنوبية والشمالية وأثيوبية
والحبشة؛ ثم إن مجاورة حلب ودمشق لنا تسهل تجارتنا ؛ وموقع بلادتا على
البحر المتوسط يمكننا من إقامة المواصلات بسهولة مع فرنسا وإيطاليا
يهود فرنسا وحكومة الإدارة الفرنسية. واتضح له مدى الخدمات ١
بمقدور اليهود عامة ويهود فرنسا والشرق خاصة-تقديمها له. ولذا فاته
أصدر - بمجرد وصوله إلى مضر عام 798 - بيانا حث فيه جميع يهود آسيا
على الالتفاف حول رايته من أجل إعادة «مجدهم الغابره وإعادة
بناء «مملكة القدس القديمة» ".وما لبث تابليون أن وجه لليهود نداء آخر
أثناء حصاره مدينة عكا وذلك في الرابع من أبريل عام 1799. وكان مما ورد
وهي التي ستجعله بعد قليل في دمشق التي يضيرها جوارها لبلد داود»
وتابع نابليون نداءه مخاطبا اليهود بقوله:«يا ورثة فلسطين الشرعيين
فدعاهم لمؤازرته طالبا منهم العمل على «إعادة احتلال وطنهم؛ ودعم «آمتهم
والمحافظة عليها بعيدا عن أطماع الطامعين لكي يصبحوا أسياد بلادهم
ويمزو المؤرخ بارون فط :5.19 أسباب إصدار تابليون هذا النداء إلى
لتحارب ممه؛ وتكون عونا له في دعم نفوذء وتثبيت سلطاته . " وبالإضافة
ودعمهم المادي. في صراعه الذي بات وشيك الوقوع مع حكومة الإدارة
الهيذ على ,الانفيطان في للننظين يفية إيجاد حاجز مادي بتري يفضل
مشاريع الاستيطان اليهودي
مابين مصر وسوريا . واستغلال ذلك في تسهيل وتدعيم الاحتلال الفرنسي
إغلاق طريق مواصلاتها المؤدى إلى الهند . وهناك إشارات أخرى في بعض
المصادر إلى أن نابليون كان يهمه كسب رضا وتأييد حاييم فارحي اليهودي
تزويدها بالمؤن
الذي كان يتمتع بنفوذ مالي في عكا ويتولى مسؤوا
ولكن دعوة نابليون هنه. سرعان ما فقدت قيمتها بمجرد أن لحقث
الهزيمة بالحملة الفرنسية أمام أسوار عكا . ومما يسترعي الانتباه في هذا
جديا بدعوة نابليون المتضمئة وعدا بإقامة وطن لليهود في فلسطين. وهذا
يؤكد أن التفكير اليهودي باستيطان فلسطين لم يكن قد تبلور بعدء وأن جل
اهتمام اليهود في هذه الفترة كان يرتكز على تثبيت أوضاعهم الاقتصادية
قد تعرض وجودهم للخطر»
وبالرغم من تلاشى مشروع نابليون إلا أنه أظهر بوضوح أن محاولات
التوسع الإمبريالي الغربي في الشرق العربي بعد نابليون. ستتخذ من مشاريع
توطين اليهود في فلسطين ذريعة للتدخل في مصير هذا الجزء من العالم؛
وستعمل جاهدة على تحقيق هدفها الكبير بإيجاد كيان يهودي حليف يتم
تسخيره لخدمة مصالح الإمبريالية الغربية نفسها
كان تابليون يدرك بفطنته ودهائه ما يجول في أذهان الزعماء اليهودء
للزحف على روسيا عبر المسافة الطويلة التي تفصلها عن فرنسا. وترتب
على ذلك أن الحاجة قد برزت من جديد للمساهمة اليهودية في تمويل
على كسب تأييد وولاء اليهود الروس واستفلالهم كطابور خامس خلال
الحرب. !''" من أجل ذلك دعا نابليون اليهود في سبتمبر عام 1806 إلى
عقد السنهدرين «:5801:0 وهي الهيثة القضائية العليا لليهود التي كانت
الاستيطان اليهودي الغربى فى ظل التوسع ابامبريالى الغربى (قيل عام 18517).
قائمة في الأزمنة القديمة. واستمر اجتماعها حتى نهاية فبراير عام 21807
حين أعلن تابليون أن اليهود أصبح لهم كيان رسمي داخل الدولة. وأآن
الدياتة اليهودية أصبحت إحدى الديانات الرسمية في فرنساء وإن من حق
المؤسسات الدينية اليهودية فيها أن تحظى برعاية وحماية الدولة. وتمهد
نابليون بإجبار حكام الدول الأوروبية التي يحتلها على منح اليهود من سكاتها
الحقوق التي منحتهم آ إياها فرنسا كما حدث في هولندا وسويسرا . غير
أن هذه الوعود والتعهدات سرعان ما تلاشت بهزيمة نابليون في واقمة
واترلو عام 18١5
ويلاحظ أن تبني فرنسا لفكرة توطين اليهود في فلسطين قد بدأت
أعقاب الفترة النابليونية. وذلك لأتشفال فرنسا عن الشرق
بمشاكلها الداخلية واتجاه توسعها نحو مناطق أخرى. مما لل من حاجتها
بعدفات اليف
لدى الدوائر البريطانية الحاكمة آنذاك. ولعل أهم أسباب الاهتمام البريطاني
بالاستيطان اليهودي هو ظهور محمد علي في مصر ومحاولاته التوسعية
الرامية آنذاك إلى إقامة إمبراطورية عربية قوية تحل محل السلطنة العثمانية
المتهالكة. وكان هذا بالطبع يتعارض مع السياسة البريطانية الرامية إلى
عدم المساس بممتلكات الدولة العثمانية. سواء أكان ذلك عن طريق غزو
خارجي آم ثورة داخلية. أ*'' واستطاعت بريطانيا بالتحالف مع النمسا
وبروسيا وروسيا وفرنسا. أ*'" وقف التوسع المصري وإرغام محمد علي
على سحب قواته من سورياء وحصر تفوذه بمصر يحكمها هو وأسرته
كمنحة من السلطان العثماني . (*'! وقد كتب جورج اتطونيوس يقول: إن نمو
سلطان محمد علي في مصر ثم امتداده إلى الجزيرة العربية والبحر الأحمر.
أكسبه سيطرة في تلك المناطق الواقعة على طريق من أخطر الطرق التجارية
في العالم؛ وله في الوقت نفسه قيمة خاصة بالنسبة للتجارة الإنجليزية.")
وزير خارجية بريطانيا ورئيس وزرائها فيما بعد؛ موجهة إلى سفير بلاده
في نابولي بتاريخ 21 مارس عام 1833: «إن هدف محمد على الحقيقي هو
إقامة مملكة عربية تضم جميع البلاد التي تتكلم العربية. وقد لا يحوي هذا