غير الأخلاقية على طريقة مكيافيللي في “يهودي مالطا” (1584م) وهناك أمثلة
أخرى عديدة.
ولم يقتصر الأمر على المسرح الأوروبي القديم والحديث» بل امتد إلى
المسرح العربي الحديث أيضاء حيث ترددت العبارات التالية في كثير من
الرخيص” وغيرها من العبارات التي لا تحمل أي معنى للشهامة » أو الثبل ؛
أو الصدق » أو الوفاء. |
وعلى الرغم من أن فرنسيس بيكون (وهو معاصر لشكسبير قد حاول
توضيح أن مكيافيللي يتناول الأشخاص كما هم ؛ وليس كما يجب أن يكونواء
الشيطان مفستوفاليس في مسرحية فاوست الشهيرة»؛ والتي ترجمت للعديد من
ومما ساعد على تفشي السمعة السيئة للكتاب ولصاحبه أنه قد صدر قرار
في عام 1504م بإدراج جميع أعمال مكيافيللي في قائمة الكتب الممنوع نشرهاء
كما أن كثيرا من الجبابرة والطغاة كانوا يحبون قراءة كتابه “الأمير”. فيقال :
لكنى وبعد دراسة شاملة للأمر » وقراءة غالب ما كتب من تحليلات عن
هذا الكتاب وبعض ما صدر له من ترجمات للغة الإنجليزية - قررت بلا تردد
ومن بين تلك الأسباب أيضاً أن هناك مواقف مذكورة بالكتاب يمكن
تطبيقها على ما يحدث في عالمنا الحالي سواء في الشرق أو الغرب» وذلك رغم
أخلاقياتنا العربية السمحة التي تعارض مبدأً مكيافيللي على طول الخط وتقول
وقد وجدت أن الكتاب ؛ وبشهادة كثير من المؤرخين ؛ يعتبر أول ما كتب
في علم السياسة الحديث ٠» الذي تفرع » وتشعب » وتعدد في عصرنا الحالي
وأصبح علوماً سياسية تدرس في جامعات العالم. وقد وضع الكتاب الأسس التي
قليلاً ونتجنب ما فيه من شر. فترجمته للعربية ستكون مفيدة للكثير من
تفاصيل بعض المواقع أو الأحداث التاريخية » والمعارك التي قد تكون مجهولة
بالنسبة لقارئ الكتاب» بينما يتحدث عنها مكيافيللي وكأن الجميع يعلمها علم
للإسكندر والسلطان العثماني » وإلى المماليك قِ مصر وغيرهم من القادة القدامى
والقادة المعاصرين له. وهذا قد يجعل القارئ يَبَحت عما تحدث عنم مك اف يللي
من أحداث تاريخية » ومواقع حربية ومعارك ليقراً عنها بِالتفِصيل فتكون ماك
كما أني رأيت ألا نخشى ترجمة كتاب لمكيافيللى لمجرد ما فيه من أفكار
شريرة وقاسية وقد قرأنا من قبل كتباً مترجمة عن الماركسية والشيوعية وغيرها
للاطلاع والمعرفة» وحتى نعي ما يحدث عندما تتسلل بعض مبادئها إلى شبابنا
أو تدس له عن قصد. فليس جميع من بالمشرق والمغرب مؤمنين بضرورة الحوار
الشريف مع الآخر» وليس جميع المثقفين في دول العالم المتقدم مستعدين لنقل
ما يفيد للآخرين من أبناء الشعوب الأخرى في دول العالم الثالث؛ بل إن
الكثيرين منهم مستعدين لنقل ما يضر من مبادئ وأخلاقيات عن قصد إلى أبناء
هذا العالم الثالث المسكين حتى يظل في مرتبة تالية ولا يرقى إلى ما يعتبرونه
ومن أجل كل ذلك» استعنت بالله وشرعت في ترجمة هذا الكتاب الذي
هو بين يديك الآن وكل ما أقصده هو العلم بما فيه وتناول موضوعاته مع عدم
(مثل الحديث عن فنون القتال والتحصن من الأعداء)؛ وما فيه من شر هو أكثر
بعض الحكام. كما يمكننا أن نقارن بين ما ينصح به مكيافيللي أميره المحبوب
وبين ما يحدث في بعض أركان عالمنا اليوم. ولن يكون صعباً علينا أن نجد
بعض الطغاة يعملون بما جاء به ؛ ويستفيدون منه قِ البطش بالضعفاء المسالمين
وسنجد بصمات مكيافيللي أيضاً في طريقة قيام بعض الحروب العدوانية والإبادة
الجماعية لبعض الطوائف وغيرها من أمثلة كثيرة.
وخلاصة القول هي أنني لم أقصد من وراء هذه الترجمة إلا المصلحة
أكرم مؤمن
لم يكن نيقولا مكيافيللي مجرد كاتب أو فيلسوف أو صاحب نظرية؛ بل
مدينة “فلورنسا” في الفترة التي عاش فيها.
ولد ليقو مكيافيللي عام 1474م في أسرة عريقة»؛ وكان “المديشيون” قد
أقاموا حقياً استبدادياً؛ لكنه حافظ على الأنظمة الجمهورية القديمة» في حين
أما عن حياة ةا كشاب؛ فإن المتوفر عنها من معلومات قليل جداً.
على أنه من المفترض أنه قد تثقف ثقافة أبناء الطبقة المتوسطة المعتادة في عصره.
فقرأ ف تاريخ الرومان والترجمات اللاتيتية لمختلف أمهات الكتب الإغريقية
شب مكيافيللي في عهد أمير مديشي أطلق عليه أهل “فلورنسا” اسم
راهب دومنيكاني اسمه ”سافونارولا”» وتمكن من إصلاح الجمهورية؛ ونجح في
إقامة حكومة دينية ما لبثت أن انهارت» وأعدم الراهب وأحرقت جثته في عام
1448م. وبعد بضعة أشهر انتخب مكيافيللي سكرتيراً للمستشارية الثانية
لجمهورية "فلورنسا” وهي تشرف على الشئون الخارجية والعسكرية. وقد
استمر "مكيافيللي' ' في الحكم ثلاثة عشر عاماً. ثم حدث ما لم يكن متوقعاً.
استدعاء أسرة مديشي» وبالتالي خرج "مكيافيللي' “ مثقياً من مديثته.
اعتمد “مكيافيللى” أثناء حياته في منفاه الريفى على دخل بسيط من
ممتلكاته التي توجد في بعض الضواحى. وكان يستيقظ مبكراً ويخرج إلى الغابة
يتحدث للحطابين ويتبادل معهم الأقاويل والشائعات. ثم يذهب إلى أحد
يتناول غداء خفيفاء يمضى إلى الحانة فيتحدث مع الطحان والقصاب وبعض
دراهم معدودة.
قد أصابتها الأوساخ والقاذورات أثناء جولته. ويرتدي ملابس البلاط
والتشريفات لكي يكون في صحبة من أحبهم. ويدخل إلى مكتبته الخاصة.
كتاب صغير أسماه “الأمير”.
اعتزم “مكيافيللى” بعد ذلك أن يهدي كتابه “الأمير” إلى أحد أفراد أسرة
ميديشي آمل أن ينعموا عليه بمنصب جديد فيعود إلى حياة الخدمة العامة.
وقد كتب بالفعل إهداء عنونه :
إلى لورنزو» الابن العظيم لبيرو دي ميديشي
وهناك شك في أن يكون الكتاب قد قدم فعلاً إلى “لورنزو” قبل وفاته في عام
4م . ولكن من المؤكد أن هذا الكتاب قد وزع بشكل ملحوظ وطبع مرات
عديدة؛ لكنه لم يطبع إلا بعد خمس سنوات من وفاة “مكيافيالي” أي في عام
أوفد في بعض البعثات غير ذات الشأن الكبير. كما أن الكردينال دي مديشي
وتعقد ما تعاني منه من مشاحنات وخصومات. كل ذلك ساعد على مضاعفة
شقاء مكيافيللي وتعاسته. فقد بدأ “لوثر” حركة الإصلاح الديني وتنافس “شارل
الخامس” إمبراطور ألمانيا مع “فرنسوا الأول” ملك فرنسا من أجل السيطرة على
مديشي مرة أخرى من فلورنسا.
وقد أعيدت طباعة كتاب “الأمير” عشرين مرة خلال عشرين عامًا. وإذا
كان هناك بطل لهذا الكتاب فهو قيصر “بورجيا” الذي يخصص الفصل السابع
ذلك الاختيار الخاطئ في تعميق اكتساب مكيافيللي للشهرة السيئة بعد وفاته؛
وقد أصبح هذا الكتاب الصغير منذ ظهوره في القرن السادس عشر مثار
جدال كبير. كما أصبح مادة ضرورية لدراسة علم السياسة في عصر النهضة.
وعلى الرغم من كل ذلك استمر الجدال الحاد والخلاف الكبير حول الكتاب.
وهو على الرغم من اشتماله على عدد كبير من المبادئ والمفاهيم السياسية
ومنذ طهور الكتاب في طبعاته الأولى والخلاف يدور حول ما فيه من
مضامين أخلاقية. وقد تطور هذا الخلاف إلى ما هو أبعد من مجرد تناول
أغراضه العملية وعلاقته بالمستقبل السياسي لعاثلة مديشي. وقد اعتبره علماء
الأخلاق وخاصة في بريطانيا وفرنسا كتابًّا مناسبًا فقط للطغاة الأشرار.
معروفاً للقراء الأوروبيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر. وكثرت الإشارة
إليه في الأدب المسرحي في تلك الفقرة. بل إن شخصية مكيافيللي نفسها قد
استخدمت في بعض الأعمال المسرحية كشخصية شريرة بما يتناسب مع هذه
إلا أن تناول مكيافيللي لتضارب المصالح بين العامة والحكام؛ كان موفقاً
للغاية ويعتبر إنجازاً حقيقياً » وهذا تضارب يحدث عادة بغض النظر عمن هم
أطرافه أو عن الفترة الزمنية التي يحدث فيها هذا التضارب» فالتاريخ يعيد
“الأمير” عقب طباعته. فهو لم يحاول تنظيم أفكاره ولا تفسير مصطلحاته
سيصلح الهيثات الفاسدة وبين النظام الجمهوري الذي كان هو من الدعاة إليه.
وعلى كل حال فإن الترجمة التالية للكتاب ستوضح للقارئ كل أفكار
خبيثة؛ فذلك واضح وضوح الشمس. ولا يحتاج إلى تعليق في أي موضع من
الكتاب. ويمكننا أيضاً الاستفادة مما في الكتاب من خير وإن قل وتواري بين
ويستطيع القارئ بنفسه تكوين فكرة صائبة عن الكتاب وعن مؤلفه. فالمؤلف لم
يجهد نفسه بتزيين أفكاره لتبدو طيبة ورائعة من الخارج فقطء وقد ذكر ذلك في
الإهداء الذي صدر به كتابه. ولكنه كان مباشرًا وصريح في كل ما كتب في هذا
الكتاب. وأتمنى للقارئ العربي أن يستمتع بقراءة هذا الكتاب ويقارن ما قرأه
فيه بما يحدث في كثير من بقاع الأرض في عالم اليوم.
الممترجسم