هو وجود كتاب ربها وسنة رسولما نُكت واستغفار الصالحين من
ولعل من أخطر ما أصييت به الأمة الإسلامية من أمراض هو داء
«الاختلاف» أو «المخالفة» . ذلك الداء المستفحل المتفشي الذي شمل كل
والعقيدة والتصور والرأي والذوق والتصرف والسلوك والحخلق واتمط
الحياتي وطرائق التعامل وأساليب الكلام والآمال والأهداف والغايات
يغيوم أوهام أمطرت وابلها على القلوب المجدية. فأنبتت لفيفاً من الأقوام
يحثها على الاختلاف ويرغب بالتدابر والتتاحر!!
والأمر عكس ذلك تماماً؛ فإن كتاب الله وسنة رسوله نكت ما
حرصضا على شيء .. بعد التوحيد حرصهما على تأكيد وحدة الأمة
ونبذ الاختلاف بين أبنائها ومعالجة كل ما من شأنه أن يعكر صفو
العلاقة بين المسلمين » أو يخدش أخوة المؤمنين. ولعل مبادىء الإسلام
ما نددت بشىء بعد الإشراك بالله تنديدها باختلاف الأمة
وتنازعهاء وما حضت على أمر بعد الإيمان بالله. حضها على الوحدة
والائتلاف بين المسلمين. وأوامر الله ورسوله واضحة في دعوتها الى
وحدة الصف؛ وائتلاف القلوب» وتظافر الجهود؛ وتساند المساعي.
إن الإسلام ما أكد على شىء مثل تأكيده على «كلمة التوحيدة
«وتوحيد الكلمةه؛ فالأول تدعو الى الانمان بالله ماناً نقياً خالياً من كل
لابد بالضرورة ان تكون كلمتهم واحدة.
ولكن المسلمين للأسف أخلّوا بكلمة التوحيد» وزهدوا بتوحيد
ومن هنا يأتي هذ الكتاب مساهمة في تحقيق الوعي ومحاولة صادقة
لرأب الصدوع ومعالجة جذور الأزمة وإيقاظ البعد الإماني في نفوس
المسلمين بعد أن كاد يغيب عن حكم علاقاتنا وتوجيبها الوجهة
الصحيحة بسبب من الفهم العوج والممارسات الخاطكة ومن ضغوط
المججمعات غير الإسلامية. ذلك أن حضور البعد الإيماني وتحقق الفهم
السليم هو الضمانة الحقيقية لشرعية علاقاتناء والملاذ الأخير لتصفية
خلافاتنا ونزع أغلال قلوبنا. إن المشكلة التي نعاني منها اليوم هي ضعف
فهمنا لمرامي ما نعلم وقصور إدراكنا لغاياته ومقاصده؛ ا أننا افتقدنا
وافتقدنا خلقهاء وامتلكنا الوسيلة وضيعنا الهدف والغاية. وما أكار
وأخلافيّاته», فكان أن سقطنا فريسة سهلة للتأكل الداخلي » والتنازع
والحذر فيّن كيفيّة هوض الأنم وبناء الحضارات وجل لنا أسباب
التدهور والإنحطاط وحلّونا من السقوط في عل التفرق؛ وداء الخلاف
وعد الخلاف الذي يودي إلى الافتراق والتفرق ابعاداً عن هدى
ذلك أن أهل الكتاب لم تُوْتوا من قل علي وضآلة معرفق وإلما
فهل ورثنا علل أهل الكتاب بدل أن نرث الكتاب؟
وهل ورثنا البغي بدل أن نرث العلم والمعرفة ونلتزم بأخلاقهما؟
إن الاختلاف والبغي وتفريق الدين من علل أهل الكتاب التي
للدرس والعبرة لمن ورثوا الكتاب والنبوة؛ ذلك أنه لاسبيل للإستبدال
والنسخ في عالم المسلمين + وهم أصحاب الرسالة الخاتمة؛ وإنما هي
والتتاحر الذي أورثا معيشة
الأمراض التي لانقضي على الجسم نا فإسًا أن تستمر فعيش الأمة
ويكون النبوض وإيقاف التآكل الداخلي» وهذا من خصائص الرسالة
إن الإختلاف في وجهات النظرء وتقدير الأشياء والحكم عليه أمر
فطري طبيعٌ وله علاقة بالفروق الفرديّة إلى حد كبير» اذ يستحيل بناء
الحياق» وقيام شبكة العلاقات الاجتاعية بين الناس ذوي القدرات
المتساوية واتمطية المتطابقة » إذ لامجال عندئذ للتفاعل والإكتساب
والعطاء! ذلك أنه من طبيعة الأعمال الذهنيّة والعمليّة اقتضاء مهارات
بفروقهم الفردية سواء أكانت خلقية أم مكتسبة وبين الأعمال
والمؤمنون درجات؛ فمنهم الظالم لنفسه» ومنهم المقتصد ومنهم السابق
ونما يؤسف له أن تحول الاختلاف بوجهات النظر من ظاهرة
صحة تغني العقل المسلم بخصوبة رأي» وعمق تمحيص» واطلاع أوسع
على وجهات نظر متعددة وزوايا رؤية مختلفة وإمعان نظر وتدقيق وقدح
لزناد الفكر تحول عن كل هذه الإيجابيات عند مسلمي عصر التخلف
إلى مرض عضال وسم زعاف أدى إلى التآكل والتفتت والتشتت والتدابر
الجسدية؛ وتطرف البعض الآخر منهم حتى أخذ يرى - بقايسات
محزنة أن أعداء الدين وأهل الكتاب أقرب اليه من المخالفين له بالرأي
التوحيد. ولفذا في التاريخ القريب والبعيد شواهد كثيرة
ويتحسر على طاقات الأمة المائلة التي أهدرت وقوداً لنار الفتن
كثيراً ما يعجز الانسان عن النظرة الكلية السوية للأمور » والرؤية
الشاملة المتزنة للأبعاد المتعددة للمسائل فيضيق ذهنه على جزئيّة صغيرة
يضخمها ويكيرها ويقبع وراءها وينفخ فيها حتى تستغرقه» وتأخذ لباب
فيفاصل عليهاء ويوالي عليهاء ويحب وييغض فيا وقد يستنصر ويتقوى
بأعداء الدين على صاحب الرأي المخالف.
«يروى ان واصل بن عطاء أقبل في رفقة فأحسّوا الخوارج» فقال
أنت وأصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله ويعرفوا
لقد وصلت حدة الاختلاف إلى مرحلة أصبح المشرك معها يأمن
أكثر من المسلم المخالف لا بوجهة النظر والاجتهاد في مسائل فرعية
وجزئية حيث أصبح لا سبيل معها للخلاص من الأذى والعذاب إلا
بإظهار صفة الشرك!!.
إنه الاختلاف الأهوج؛ والحوى الغالب الذي يتطور ويتضخم
وتتعمق أخاديده في القلوب فيسيطر على الشخص ويتملك عليه حواسه
المشترك والغايات والمقاصد والقواعد الأصيلة للإسلام. فيعدم صاحبه
البصيرة والإبصار وينسى أبجديات الخلق الإسلامي فتضطرب الموازين
وتحتل الرؤية وتختلط الأوراق وتتفي الأولويات ويسهل القول بغير علم
والفتوى بغير نور والعمل بغير دليل وينتشر التفسيق والتكفير والاتهام»
ويسقط ذلك المريض في هاوية التعصب الأعمى السحيقة وتظلم الدنيا
من حوله فلا يكاد يرى إلا سواداً وظلمة كالحة وماهي في حقيقة
الأمر إلا انعكاس لنفسيته المظلمة التي انطفاً فيها نور العلم وخبت
منها جذوة التعقل «ؤومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور».
وقد تنقلب الآراء الاجتهادية والمدارس الفقهية التي علها أهل
النظر والاجتهاد» على أيدي المقلّدين العوام والأنباع الطغام إلى ضرب من
التحزّب الفكرى والتعصب السياسٌ تؤول الآيات والأحاديث وفقاً
لنهجها وتلوي أعناقها نتصبح كل آية أو حديث لايوافق هذا اللون من
التحزب الفكري إمّا مؤولة أو منسوخة؛ وقد يشتد التعصب فعود إلينا
مقولة الجاهلية «كذّاب ربيعة أفضل من صادق مضر..»
لقد اختلف السلف الصالح رضوان الله عليهم » ولكن اختلافهم
وحدة القلوب والغايات والأهداف كانت أكبر من أن ينال منها شىء» إنهم
الرجل الذي بشتر الرسول تيل الصحابة بطلعته عليهم وأخبرهم أنه من
مظاهر التوحد والدعوة إليه والانتصار له إنما هي عبارة عن مخادعة
للنفس» ومظاهر خارجية قد لانخلف فيها كثيراً عن غيرنا والله تعالى
بعد أن كان دولة واحدة تدين بالمشروعية العليا لكتاب الله تعال وسنة
رسوله أصبح اليوم سبعاً وتمانين دويلة أو يزيد © والاختلافات ينهم
لايعلم مداها إلا الله وكلها ترفع شعارات الوحدة؛ بل قد توجد ضمن
الدولة الواحدة كيانات عدة. وليس واقع بعض العاملين للإسلام اليوم
أحسن حالاً من مؤسساتهم الرسعية.
إن أزمتنا أزمة فكرء ومشكلتنا في جدية الانتاء» والأمة المسلمة
للكتاب والسَّة استطاعت أن تحمل رسالة؛ وتقيم حضارة على الرغم
من شظف العيش وقسوة الظروف المادية؛ فكان مع العسر يسر» ذلك
أن الحيدة» عن الكتاب والسئَّة موقعة في التتازع والفشلء قال تعالى:
الأنفال:47. لقد أوقف الإسلام التشرذم والتاكل الداخلي ووجه العرب
إل توحيد الإله الواحد الحق» وألغى الآلحة المزيفة حيث كان لكل قبيلة
أما اليوم» فلا يشكو المسلمون من قلة مادة؛ أو ضنك عيش أو
قصور في الموارد ومع ذلك فهم في صدر الأم المستبلكة سواء على
مستوى الأفكار أو السلعات المعاشية. وحقيقة الداء تكمن في افتقادهم
للمعاني الجامعة؛ والقواسم المشتركة ؛ والغايات الموحدة» فقابت عنهم
المشروعية الكبرى في حياتهم وأصاب الحلل بنيتهم ولحمتهم الفكرية.
إنه مامن سبيل للخروج من الحلل الفكري الذي أصاب العقل
المسلمء والأزمة الأخلاقية التي يعافي منها السلوك المسلم» إلا بمعالجة
جذور الأزمة الفكريّة وإصلاح مناهج التفكير» فلابد من إعادة الصياغة
الفكريّة للعقول» وإعادة الترتيب الفقود للأولويات وتربية الأجيال
المسلمة على ذلك ؛ ولا سبيل إلى ذلك إلا بالرجوع إلى ماكان عليه
الصدر الأول من أسلافنا في نمسك يكتاب ربهم وسنة رسوغم َل
ووضع ضوابط وقواعد للمقايسة والاستنتاج لضبط الرأي» وضمان
مسار الفكر؛ وقرن العلم بأخلاقه» والمعرفة بآدابها. م لابد من تنمية
الدرانات التي تؤكد وحدة الأمقه وقوامها المشتركة » وغاياها
)١( من الحيد بمنى اليل أو شدة الاعو-