أخلاقياً تربوياً » فأصبح من السهل قراءة مثل هذا الكتاب ؛ وأصبح يمثل عشر حجم
نشره فرصة سائحة للفائدة منه في المدارس الشرعية الدينية » ثم وقعت بيدي نسخة
وقررته في جميع مدارسها في دمشق وحلب وحمص وحماة ثم انتشر في جميع العالم
هذا وقد سمحت للسيد بشير عيون صاحب مكتبة دار البيان بدمشق أن.
ونظراً لمرضي الشديد وضعف نظري » فق قام الأستاذان شعيب الأرنؤوط وعبد القادر
الأرنؤوط اللذين عرفا بتمكنهما من علوم السنة ؛ وصناعة التحقيق بتعليق حواشيه +
وبتخريج ما ورد فيه من الأحاديث الضعيفة ؛ وبيان ضعفها فجزاهما الله تعالى خير
الجزاء » ونفع بهما . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
واليك ترجمة :
في الحروب الصليبية كانت مقاطعة نابلس من نصيب أمير فرنسي ظالم كان اسمه
باليان بن بارزان ؛ وكان يعامل أهل مقاطعته أسوأ معاملة » فحينما يفرض جيرانه من
على من تحت يده ديناراً أخذ هو من كل واحد منهم أربعة دنائير , وهكذا
جماعين فقيه صالح يقرأ للناس دروس العلم ويعظهم في بعض الأحيان . وبلغ الأمير
الفرنسي ما يقوم به الشيخ أحمد بن قدامة من هذه الدروس فعزم على قتله ؛ وبلغ ذلك
الشيخ أحمد بن قدامة فلم ير أمامه إلا الفرار الى مدينة دمشق والالتجاء الى ملكها
نور الدين محمود بن زنكي وفي سنة 01 ه فر الشيخ أحمد بن قدامةمن جبل نابلس إلى
مدينة دمشق مع بعض أقاربه » ونزل هو وأقاربه بمسجد خارج الباب الشرقي أحد
أبواب دمشق في مسجد يقال له : « مسجد أبي صالح » ؛ وأخذت الهجرات أبع بعد
الجهة رديثاً وأصابهم الوباء » وأخذوا يتوفون الواحد تلو الواحد » وضاق صدر الشيخ
أحمد بن قدامة من هذا الحادث . فأرسل رسلاً من جماعته يفتشون على محل هواؤه
نهر يزيد . وكان الناس يبرونهم ويهدونهم الطعام والملابس ويدعونهم بالصالحين
فسموا بالصالحين وسمي لحف جبل قاسيون بالصالحية من ذلك الوقت . وأنشأ الناس
بين أحدهما الشيخ أبوعمر والآخر
وانجب الشيخ أحمد بن قدامة ولدين
موفق الدين
أما أبوعمر واسمه محمد فتولى شؤونهم الادارية » وأنشأ الدير الحنبلي والمدرسة
العمرية ؛ ولد بجماعيل ( 018 ) ه وتوفي بدمشق سنة ( 08 ) ودفن بالصالحية .
أما موفق الدين + فاسمه عبد الله وهو الأخ الأصغر ولد سئة ( 1ه ) بجماعيل
وهاجر مع أبيه الى دمشق + وسكن داراً قرب الجامع الأموي ؛ ويقيم بهذا الجامع في
قاعة الحنابلة قرب محرابهم ؛ وهو مؤلف كتاب « المغني » الشهير بالفقه الحنبلي وغيره
كثيراً من المؤلفات ؛ وتوفي بدمشق سنة ( 370 ) ودفن في الصالحية قرب مقبرة أهله
وله أولاد وبنات ماتوا في حياته وانقطع عقبه .
وما خرج من العلماء من بني قدامة منهم من سلالة الشيخ أبي عمر .
مختصر هذا الكتاب :
ورد في أول هذا الكتاب من نسخة ( 1 ) بأن مؤلفه نجم الدين أبو العباس أحمد ابن
عز الدين أبي عبد الله محمد بن شمس الدين أبي محمد عبد الرحمن بن شيخ الاسلام
أبي عمر ؛ وهذا ما يجعل هذه النسبة مشكوكاً فيها . فنجم الدين أبو العباس أحمد
يعرف بابن شيخ خطيب الجبل أي جبل الصالحية - وأبوه قاضي القضاة شيخ الجبل
عبد الرحمن + وهو الاسلام أبي عمر الذي بنى وأنشاً مدرسة العمرية في
الصالحية ذات المكتبة القيمة الشهيرة » ولذلك ظهر لنا أن ما ورد في أول الكتاب من أن
أباه عز الدين أبي عبد الله محمد هوخطأً » وأنه يجب حذفها لأن نجم الدين أبا العباس
أحمد هو ابن قاضي القضاء عبد الرحمن بن أبي عمر » وهذا ما جعل التباساً لدى بعض
الناس بسبب هذه الزيادة + والمختصر نجم الدين أبو العباس أحمد هومعروف ومشهور
ومترجم في كثير من الكتب ؛ وهو مثبت بأن أباه عبد الرحمن ابن أبي عمر +
هو نجم الدين بن الشيخ قاضي القضاة أبو العباس أحمد بن شيخ الاسلام شمس
الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي
الحبلي ؛ ولد في شعبان سنة احدى وخمسين وستمائة ؛ وسمع الحديث ولم يبلغ أوان
الرواية » وتفقه على والده وولي القضاء في حياة والده باشارته
قال البرزالي : كان خطيب الجبل ؛ وقاضي القضاة ؛ ومدرس أكثر المدارس +
وشيخ الحنابلة وكان فقيهاً اضلاً + سريع الحفظ جيد الفهم كبير المكارم ؛ شهماً
شجاعاً ؛ ولي القضاء ولم يبلغ ثلاثين سنة » فقام أتم قيام . وقال غيره : درس بدار
الحديث الأشرفية بالسفح + وشهد فتح طرابلس مع السلطان الملك المنصور ء وكان
مليح البزة ذكياً مليح الدروس له قدرة على الحفظ ومشاركة جيدة في العلوم +
توفي يوم الثلاثاء ثانفي عشر جمادى الأولى بمنزله بقاسيون ودفن عند أبيه وجده .
وكان عمره ثمانية وثلاثين سنة .
8 شوال 1748 ه- ١ تشرين الأول 1478م
محمد أحمد دهمان
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الامام العالم الزاهد العابد الأوحد العلامة ؛ نجم الدين أبو العباس
أحمد » بن الشيخ الامام العالم العامل الزاهد العابد العلامة ؛ عز الدين أبي عبد الله
محمد ؛ بن الشيخ الامام العالم العامل الزاهد العابد العلامة شيخ الاسلام مفتي الاثام +
سيد العلماء والحكام + شمس الدين ؛ أبي محمد عبد الرحمن ؛ بن الشيخ الامام
العالم العامل العارف الزاهد الورع شيخ الاسلام » أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد
الحمد لله الذي عم برحمته جميع العباد وخص أهل طاعته بالهداية الى سبيل
الرشاد + ووفقهم بلطفه لصالح الأعمال » ففازوا ببلوغ المراد .
أحمده حمد معترف بجزيل الارفادلا" وأعوذ به من وبيل الطرد والابعاد ؛ وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك ١١ ؛ شهادة أدخرها ليوم المعاد .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله موضح طريق الهدى والسداد ؛ قامع الجاحدين
والملحدين من أهل الزيغ والعناد ؛ صلى الله تعالى عليه وعلى آله الأكرمين الأجواد +
صلاة تبلغه بها نهاية الأمل والمراد .
وبعد : فاني كنت وقفت مرة على كتاب : « منهاج القاصدين » للشيخ الامام العالم
الأوحد » جمال الدين ابن الجوزي + رحمه الله تعالى » فرأيته من أجل الكتب
وأنفعها ؛ وأكثرها فوائد . فحصل عندي بموقع + ورغبت في تحصيله ومطالعته » قلما
)١( الارفاد : الاعطاء والاعانة
منه هذا المختصر الذي قد احتوى على أكثر مقاصده » وأجل مهماته وفوائده سوى ما
ذكر في أوائله من مسائل ظاهرة تتعلق بالفروع » فانها مشهورة في كتب الفقه المستفيضة
بين الناس » اذ كان المقصود من الكتاب غير ذلك .
تعالى أعلم .
قال المصنف [ابن الجوزي] رحمة الله عليه بعد فراغه من هذه الخطبة :
التخلي عن فضول الدنيا الشاغلة » وعزمت على الانقطاع الى الآخرة » علماً منك أن
مخالطة الخلق توجب التخليط » واهمال المحاسبة للنفس أصل التفريط » وأن العمر إن
لم يستدرك أدركه الفوت » وأن مراحل الأنفاس تسرع بالراكب إلى منزل الموت .
أما بعد
(1) هذه الخطبة موجودة في نسخة (1) + وفي نسخة رب ) بدلا عنها الخطبة الدرجة هنا وهي هذه بعد البسملة
« الحمد لله منبه الراقدين في غفلاتهم بمزعجات الايقاظ ؛ ومنزه الاين من فواتهم بملاطفات الوعاظ وحدث العارفين
في خلواتهم بأحلى الكلمات والألفاظ , وعذر الزاهدين بأشرف شهواتهم تأدباً حتى فرقوا عن الظاهرين اللحاظ ؛ وقاموا
:+ دا كثياًفاات العدد دائم الألفاظء وأصل واسلم على نيه محمد الذي أعجز الفصحاء مما جاه به قساقيس يوم
عكاظ؛ وعل آله واصحابه اهل اليقين والتغى والاستيقاظ ؛ صلاة أتقي بها يوم البعث حر للى والشواظ » ناراً وقودها
الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ ًّ
قال مؤاضه عبد الرحمسن بن علي بن محصد بن الججوزي رحمنه الله : سميت كتابي هذا : « منهاج القاصدين ومفيد
واسأل لله تعالى أن ينفعنا به ومن قرا + أو سمعه . أو نظر فيه . وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم » وأن يختم لنا بخير
خلقه » فانه حسبنا ونعم الوكيل
أنت تؤثر كتاب « إحياء علوم الدين » وتزعم انفراده في جنسه + ونفاسته في نفسه .
فاعلم أن في كتاب « الاحياء » آفات لا يعلمها إلا العلماء . وأقلها الأحاديث
افتراها ؛ ولا ينبغي التعبد بحديث موضوع » والاغترار بلفظ مصنوع .
وكيف أوثر أن يطرق سمعك من كلام المتصوفة الذي جمعه" وندب إلى العمل به
مالا حاصل له من الكلام في الفناء » والبقاء . والأمر بشدة الجوع ؛ والخروج الى
عواره”"" في كتابي المسمى ب تلبيس ابليس" » .
الأصح والأشهر + ومن المعنى الأثبت والأجود . وأحذف ما يصلح حذفه ؛ وأزيد ما
يصلح أن يزاد .
ثم قال بعد ذلك [ابن الجوزي] : واذ قد صح عزمك على العزلة لاستيفاء حق
الحق من النفس ؛ والأخذ على يدها . فليكن وكيلك عليها العلم ؛ وكن باحثاً عن
دقائق هواها لعلك تسلم ؛ واحذر سبيل أحد رجلين :
عالم عرف الجدال في الفقه واقتنع برئاسته ؛ أونال القضاء فسعى في حفظ منزلته +
زخرف الوعظ فضيق أعين شبكته .
أو زاهد يتقلب برأيه الفاسد في جهالته ؛ ويتقرب بتقبيل يده واعتقاد بركته +
ويعمل بهواه دون شرع الله وسئته .
فهذان عادلان عن منهاج الصواب . مقتنعان بقشور الأعمال عن خالص اللباب +
خادعان للمبتدثين بلامع السراب » وطريقهما بمعزل عن سنن السلف الصالح الذي هو
جادة الاستقامة وطريق السلامة .
(ا) أي صاحب الاحياء .
() العوار بالفتح : العيب وقد يضم
طبع مكتة دار الببان بدمشق بتحقيق الاستاذ خير الدين وائلي
وسأدرج لك في هذا الكتاب إن شاء الله من أخبارهم ما يدل على آثارهم 2
العبادات ؛ والتحذير من آفات المعاملات . وقد جعله المصنف أربعة أرباع :
الأول : ربع العبادات .
والثاني : ربع العادات .
والثالث : ربع المهلكات .
والرابع : ربع المنجيات .
وكل واحدة من هذه الأقسام الأربعة يشتمل على كتب » وأبواب ٠ وفصول ؛ فمن.
أقسام الربع الأول :
الربع الأول من الكتاب : ربع العبادات
كتاب العلم وفضله وما يتعلق به
6 [الزمر: 4] وقال
ابن عباس رضي الله عنهما : للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعماثة درجة » ما بين
الدرجتين مسيرة خمسماثة عام ؛ وقال الله تعالى :نما يَخْشَى الله من عبادم الُلَمَاءُ »
[فاطر : 98] +
وفي « الصصحيحين » من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال : سمعت
رجلان : أحدهما : عابد ؛ والآخر : عالم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم : « فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم » ثم قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم : د إن الله وملائكته » وأهل السموات والأرض » حتى النملة في
جحرها ؛ وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير » رواه الترمذي وقال :
وفي حديث آخر : « فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على ساثر
وعن صفوان بن عسال رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
وابن ماجه .
قال الخطابي : في معنى وضعها أجنحتها ثلالة أقوال :
أحدها: أنه بسط الأجنحة .
الثاني : أنه بمعنى التواضع تعظيماً لطالب العلم +
الثالث : أن المراد به النزول عند مجالس العلم وترك الطيران +
سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً الى الجنة » رواه مسلم +
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « من جاءه الموت وهو يطلب العلم
ليحي به الإسلام » كان بينه وبين الأنبياء في الجنة درجة واحدة 16" ؛ وفيه أخبار كثيرة +
وكان بعض الحكماء يقول : ليت شعري ؛ أي شيء أدرك من فاته العلم » وأي
شيء فات من أدرك العلم .
ومن فضائل التعليم ما أخرجاءه في « الصحيحين » عن سهل بن سعد رضي الله
بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم » .
وقال ابن عباس : الذي يعلم الناس الخير تستغفر له كل دابة حتى الحوت في
البحر » . وروي نحو ذلك في حديث مرفوع الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فان قيل : ما وجه استغفار الحوت للمعلم ؟
فالجواب : أن نفع العلم يعم كل شيء حتى الحوت ؛ فإن العلماء عرفوا بالعلم ما
الله تعالى الكل الاستغفار لهم جزاءاً لحسن صنيعهم +
مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم . كمثل غيث أصاب أرضاً ؛ فكانت منها طائفة
طيبة قبلت الماء » فأنبتت الكلاأً والعشب الكثير . وكان منها أجادب!" أمسكت الماء +
فنفع الله بها الناس ؛ فشربوا وسقوا وزرعوا ؛ وأصاب منها طائفة أخرى ؛ انما هي
)١( حديث ضعيف رواء الدارمي ٠٠٠ /١ عن الحسن مرسلاً واخرجه الطيراني في « الأوسط» عن ابن عباس مرفوصاً
ينحوه ؛ وفيه محمد بن الجعد وهومتروك
() في الامش : كما في حديث « إن الله كتب الاحسان على كل شي»»
© جمع أجدب وهي الارض التي لاتبث