الجامع تشعب الإيان ا ا سل »)
بحليلة الممحفق.
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب اللهء وأحسن الهدي هدي محمد قي وشر
أما بعد !
فهذا هو كتاب «الجامع الصنف في شعب الإييان» للإمام الحافظ أبي بكر أحمد ابن
التراث الإسلامي وإشاعة السنة النبوية والجهاد ضد البدع والخرافات.
والكتاب يتناول موضوعًا هامًا يمس حياة المسلم على وجه هذه الأرضء فالله
تبارك وتعال خلق الجن والإنس ليعبدوه؛ وأرسل الرسل والأنبياء لهدايتهم إلى ما فيه
صلاحهم وفلاحهم؛ وختم هذه الحلقة ببعث أفضل الأنبياء وسيد الرسل محمد فَيْةٌ
الذي جاء يعلم البشر طر؛ إقامة الصلة المطلوبة بين العبد وربه؛ كما أوضح معالم
الحياة السعيدة ونبه على أن مناط الفوز والخسران في الدار الآخرة يكون على نجاح
عبارة عن التفوّه بكلمة الشهادة؛ ولا هو عبارة عن مجرد الطقوس والعبادات الظاهرة
«الإييان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله؛ وأدناها إماطة الأذى عن
كتاب بعض العلماء وأحسن ما آلف فيه على طريقة المحدثين هو هذا الكتاب الذي بين
أيديكم الآن. وهو يطبع لأول مرة بالتحقيق العلمي.
والفضل يرجع في إخراجه إلى جهود الأخ الفاضل الشيخ مختار أحمد الندوي
صاحب الدار السلفية الذي عرف بجهوده المخلصة لإشاعة السنة النبوية وهدم البدع
وأريد أن أعبر عن خالص شكري للاخ الفاضل الشيخ مختار أحمد الندوي الذي
رآني أهلّا لهذا العمل ووضع ثقته فيّ. وأرجو أن أكون وفقت في إنجاز ما عهد لي
من العمل .
كما أشكر أولاده الثلاثة -أسلم وأكرم وأرشد - الذين قاموا بجانبي طوال مدة
العمل يحاولون تذليل الصعاب وإزالة العقبات التي كانت تعرقل سبيلناء كما حاولوا
النجاح والسعادة.
وأود أن أشكر الأستاذ الفاضل الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي - حفظه الله -
الذي قام بالتعاون معنا في إخراج هذا الكتاب» وأخبرنا عن نسخ الكتاب ومواضع
وجودهاء وساعدنا في الحضول على صور منها. وكان لتوجيهاته ونصائحه المخلصة
فائدة كبيرة في عملنا. فجزاه الله أحسن الجزاء وأفادنا بعلمه.
الجامع لشعب الإيان ا ل )
وكذلك أشكر الأستاذ الفاضل صبحي السامرائي - حفظه الله - الذي تكرم
بإهداء صور «الجامع المصنف لشعب الإيان» من مكتبته الخاصة كما زودنا بكتب
أخرى هامة استفدنا منها في إخراج هذا الكتاب.
كما أشكر الزملاء الذين اشتركوا معي في العمل وهم: السيد/ ضياء الحسن
السلفي الذي قام بنسخ الكتاب من المخطوطات» وقام بعمل فهارس ومراجعتها
لتخريج أحاديث شعب الإييان» والسيد/ زكي إختر الذي قام بإعداد فهرس كامل
مائتي شيخ؛ وساهم في البحث عن تراججهم في كتب التاريخ.
والسيد خورشيد أنور الذي قام بصف الحروف على الكمبيوتر وإعطاء الكتاب
شكله النهائي .
أشكر كل هؤلاء وغيرهم ممن ساهم في إخراج هذا الكتاب . وأدعو الله أن يثييهم
على ما قاموا به من عمل ويكتب لهم والسعادة.
وضعت في أول الكتاب فصلين يتناول أحدهما ترجمة المؤلف والآخر كتابه الذي نحن
بصدد نشره. وقد كتب كثير من العلماء» الذين قاموا بتحقيق كتب البيهقي ونشرها -
أخيرًا - ترجمته؛ ولكن أحسن ما رأيت هو ما كتب أستاذي الجليل السيد أحمد صقر في
مقدمة كتاب «معرفة السنن والآثار» ولقد استفدت من كلامه واقنبست منه.
كل شيء قدير.
عبد العلي عبد الحميد حامد
الجامع لشعب الإيان ا ا ا ا دو)
الفصل الأول
ترجمة المؤلف
ونسبته إلى بيهق» قال ياقوت : ناحية كبيرة؛ وكورة واسعة» كثيرة البلدان
والعيارة من نواحي نيسابور»؛ وتشتمل على ثلاثماثة وإحدى وعشرين قرية بين
وأول حدود بيهق من جهة نيسابور آخر حدود ريوند إلى قرب دامغان خمسة
والأدباء؛ ومع ذلك فالغالب عل أهلها مذهب الرافضة الغلاة!"».
ولد الإمام البيهقي في سئة أربع وثمانين وثلائماثة في شعبان؛ وتوفي سنة ثان
ذلك القناعة باليسير. والتجمل بالزهد والورع» كانت نفسه أشربت حب العلم
والمعرفة فأحاطها من جميع أقطارهاء وملك خوف الله عز وجل ومحبة دينه قلبه من
.)078-077//1( «معجم البلدان» )١(
)ااا اس الجامع لشعب الإيان
وكان في ذلك كله متدرعًا بسلاح من التقوى والورع والتواضع وكسر النفس+ مع
نزاهة القصدء وخلوص النية؛ وسعة الاطلاع» وقوة الحفظ» ودقة الفهم.
كان أول سماعه للحديث في سنة تسع وتسعين وثلاثماثة وهو ابن خمس عشرة
سنة!'" ورحل وطوف الآفاق في طلب العلم» فسافر إلى العراق والجبال والحجاز
موطنه؛ وعكف فيه يبث ما كان جمعه من العلوم فأقبل على التأليف والتصنيف
والبحث والتدريس بنفس مطمثنة راضية لا يقلقها طلب معاش» وفكر متجمع لا
يشوشه فكرة مال ولا تجارة» ولا التقرب إلى ذي سلطان. وهذه ميزة يتعجب منها
الإنسان حينيا يرى أن العصر الذي عاشه كان يسوده قدر غير قليل من الفتن
كانت بلاد المسلمين كلها تموج بالفتن؛ وكان الوضع السيامي غير مستقرء فضعف
الخلافة المركزية في بغداد أتاح لكل مغامر فرصة للوثوب على الحكم؛ واقتطاع جزء
من الأرض لإقامة دولة جديدة. وهكذا كثرت الدويلات في طول البلاد وعرضهاء
ولم تكن العلاقات بينها تقوم على مودة وصفاء؛ وتفاهم وتعاون» بل كان يجري بينها
حروب متواصلة مما قضى على الأمن والسلام؛ وأصبح الناس يعيشون في خوف دائم
وقلق مستمر. وصار بلاط الأمراء والوزراء مسرح مؤامرات ومكيدات. ولم يكن
يهم الإمام البيهقي ما كان يجري في الدوائر السياسية؛ ولكن كان عصره يموج بنوع
الجامع لشعب الإيان اس لي)
آخر من الفتن كان كل عالم مخلص يقل لها. كانت الأمة الإسلامية انقسمت إلى
في مناظرة مع المعتزلة+ وأهل السنة أنفسهم لم يكونوا متوافقين فيا بينهم؛ مجتمعين
على كلمة واحدة. فكانت العلاقات بينهم عبارة عن مطارحات ومناقشات كانت
سرعان ما تتحول إلى قتال دام وكانت الوحدة التي دعا إليها الإسلام اختفت؛
والألفة بين الناس تلاشت؛ وعواطف الأخوة والمحبة انعدمت؛ ومات الشعور
بالتعاون والتضامن» وحل مكانه الشعور بالأنانية. والتفرق والتشتت والكراهية
وانعدم ذلك الرعب الذي نصر الله به الأمة؛ وذهبت ريح المسلمين طبقا ما أنذر
وكان العلماء أهملوا واجبهم» فبدلا من أن يعملوا على تأليف القلوب والإصلاح بين
الناس» صاروا في مقدمة الذين يوقدون نيران الفتن» أو ينضمون للقائمين عليها .
وهذا التشتت في صفوف الأمة أدى إلى ضعف بين أدركه أعداء الإسلام الذين
المسلمين أنواعا من العذاب من القتل والأسر والتشريد.
وكان الخلفاء والأمراء والسلاطين يخوضون أحيانا غيار هذه الفتن. و
لأقصى المحن والبلايا على أيديهم . فمثلا كان هوى الخليفة القادر بالله مع أهل السنة
وقام بنصرتهم في أكثر من موقع» ففي سنة ثمان وأربعماثة وقعت فتنة عظيمة في بغداد
بين أهل السنة والشيعة قتل فيها عدد كبير من الخليقة؛ فتدخل الخليفة؛ وطرد زعماء
الباطنية والجهمية والمشبهة؛ واستتاب فقهاء المعتزلة فأظهروا الرجوع؛ وتبرءوا من
)١( انظر «الكامل» لابن الأثير و «البداية والنهاية» لابن كثير و «شذرات الذهب» حوادث سنة
() الأتفال (45/8) ١
الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام - وتبع السلطان محمود بن سبكتكين-
وهو الحاكم على خراسانء خطوة الخليفة؛ فسعى في قتل المعتزلة والرافضة
على المنابرة وأبعد جميع طوائف أهل البدع»؛ ونفاهم عن ديارهم.
ولم يكتف الخليفة على ما فعل من استتابة المعتزلة و طرد زعماء أهل البدع؛ فجمع
كتابا في مظاهرة أهل السنة؛ فيه الرد على على أهل البدع وتفسيق من قال بخلق القرآن»
وأمر بج بجمع العلماء والأعيان من كل الفرق؛ وقرئ عليهم الكتاب؛ وأخذت
عهودهم ومواثيقهم بالموافقة عليه .
ثم تقدم الخليفة خطوة أخرى فعزل خطباء الشيعة وولى خطباء السنة وعلى تشجيع
من الخليفة اضطهد السلطان محمود بناحية من الري بطائفة من الباطنية؛ وأحل بهم
وهكذا تمتع أهل السنة بنوع من حماية الدولة وأفادوا منها وانتفعوا بها في تنكيل
لهم؛ وزالت دولة بني سبكتكين» واستولى آل سلجوق على الملك في خراسان»
ووجدت أهل التشيع والرفض والاعتزال الفرصة فانتصروا من أهل السئة؛ وكالوا
حدث ذلك في سنة خمس وأربعين وأربعماثة وكان طغرلبك سلطان الوقت وكان
رجلا سنيا حنفيا. والأحناف كانوا معروفين بلين الجانب مع المعتزلة بخاصة"؟
فانتهز هؤلاء الفرصة وتقربوا إلى وزيره عميد الملك أي نصر محمد بن نصر الكندري
)١( انظر «السنة و مكانتها في التشريع الإسلامي» (ص747)
الجامع لشعب الإييان ...ا ا ا م هو)
خبيث العقيدة. كان جمع أنواعا من النقائص والنقائض» فكان يقول بخلق الأفعال
الروافض» وتشبيه الله بخلقه وغير ذلك من قبائح الكرامية والمجسمة.
فاجتمع حوله طوائف من القدرية والباطنية وتظاهروا بالانتساب إلى المذهعب
السلطان» وإقناعه بسب المبتدعة على المنابر في أيام الجمع » فأصدر أمره بذلك . فاتخذ
الكندري ومعارضو الأشعريين ذلك وسيلة إلى سبٌ أبي الحسن الأشعري عل المنابر
وأحلوا بأصحابة من الشافعية أنواعا من التكال بالإهانة والأذى. والضرب
والسجن» والمنع من الوعظ والتدريس» والإقصاء عن الوظائف ولاسيا الخطابة
وإحلال الأحناف محلهم. ونسبوا إلى الأشعري أقوالا لم يقلهاء فقالوا إنه يقول إن
ولا يعذب الكفار والعصاة على كفرهم ومعاصيهم؛ وإن موسى عليه السلام لم يسمع
كلام الله عز وجلء وإن القرآن لم يكن بين الدفتين+ وليس القرآن في الصحف
واتهموا الأشعري أيضا بأنه يقول بتكفير العوام.
وقد ردّ على هذه الاتهامات الباطلة أبو القاسم القشيري في رسالة وجهها إلى علماء
مشاعر العلماء فكتبوا إلى الوزير يطلبون منه إخماد نيران هذه الفتنة التي طار شررها في
الآفاق في خراسان والشام والعراق والحجاز ومن الذين كتبوا إليه أبر إسحاق
الشيرازي؛ والقاضي الدامغاني. والبيهقي» دل يكن لهذه الرسائل أثر في نفس
السنة الأرض بها رحبت واضطروا إلى الفرار بأنفسهم وأهاليهم فمنهم من خرج إلى
العراق» ومنهم من ذهب إلى الحجاز وكان فيمن ذهب إلى الحج الحافظ أبو بكر
البيهقي» والأستاذ أبو القاسم القشيري؛ وإمام الحرمين أبو المعالي الجويني. ويقال
188-1175 /1( انظر نص هذه الرسالة في المرجع المذكور )١(
)ااا الى لس الجامع لشعب الإبيان
بلادهم بسبب عدوان الوزير الكندري وعملائه.
وقدر الله أن يموت السلطان طغرلبك في عام 488ه وأن يتولى الملك بعده ابنه
الوزارة مكانه نظام الملك» وأمره بالقبض على الكندري» وسجنه ومصادرة أمواله ثم
قتله. وأبطل الوزير الجديد ما كان بدأ الكندري من سبّ الأشاعرة على المنابرء
وانتصر للشافعية وأكرم علمائهم.
في هذا العصر المليء بالمحن والفتن عاش الإمام البيهقي» وجاهد وكافح في سبيل
مناصرة السنة. وألف كتبا في علوم الحديث والفقه وأصول الدين والزهد. وهذه
النواحي الأربعة هي أبرز ما عنده ولذلك نود أن نخصص كل واحد منها بالكلام
على وجه الاختصار.
يبدو أن علم الحديث كان أول ما استرعى انتباه البيهقي وجذبه إليه فاندفع في
مقتبل الشباب في الخامسة عشرة من عمره؛ واستمر يقصد الشيوخ الكبار ويضرب
أكباد الإيل إلى المدن البعيدة في طلب الحديث النبوي حتى تم له ما أراد» وأتقن علم
الحديث وتبحّر فيه وصار له في ذلك مكانة مرموقة ومنزلة عالية؛ وقد اعترف
بفضله» وعلو درجته في علم الحديث؛ ومعرفة الوجوه والأسانيد؛ وإتقانه صناعة
المحدثين الشيخ أبو محمد الجويني والدي إمام الحرمين أبي المعالي الجويني الذي كان
بدأ بتأليف كتاب سماه «بالمحيط» وعزم فيه على عدم التقيد باللذهب؛ فلا اطلع
إليه يبين له ذلك» ويوضح ما كان خفي على أبي محمد من معرفة علوم الحديث. فلا
.)1777/7( نفس المرجع )١(