التي تدل على معان قريبة من الشكر .
بيد أن المؤلفين القدماء من لغويين ومحدثين ومفسري التنزيل عرضوا لألفاظ
تدل على معان متقاربة أومترادفة ؛ وميزوا مابينها من فروق » وهي الشكر والحد
والمدح والثناء والرضا . وهي ألفاظ قد يقع بعضها في مواقع بعض ؛ وقد تختلف
مواقعها فتختلف الدلالة . ومن الماسب أن نجلو هذه الفروق في شتى المجالات ؟ا
وردت في التراث العربي نفسه استكالاً للموضوع :
يرى الزمخشري في الكشاف : أن الشكر هوالثشاء على النعمة خاصة ؛ وهو
بالقلب واللسان والجوارح ويستشهد بقول الشاعر :
أفادتك النعاء مني ثلاثة . يدي ولساني والضير الحجيا
فالشكر هنا في البيت قد أطلق على أفعال الموارد الثلاثة وهي اللسان واليد
والضمير أو القلب ؛ وجعل بإزاء النعمة جزاءً هما متفرعاً عليها » وكل ماهو جزاء
النعسة عرفاً يطلق عليه الشكر لغة . قال الشريف الجرجاني في حاشيته على
الكشاف : « فإن قلت : الشاعر جعل المجموع بإزاء النعمة » فالشكر يجب أن
يطلق عليه ؛ وأما على كل واحد من الثلاثة فلا » قلت : لاشبهة في أن الشكر
يطلق على فعل اللسان اتفاقاً . وإنما الاشتباء في إطلاقه على فعل القلب
والجوارح » حتى توهم كثير من الناس أن الشكرفي اللغة فعل اللسان وحده . وذا
جع الشاعرٌ الأول مع الأخيرين وجعلها ثلاثة » عَم أن كل واحد شكر للنعسة على
وبالغ في ذلك حتى جعل مواردها واقعة في مقابلة النعياء ملكا لأمحابها مستفاداً
الضمير بالحجب إشارة إلى أنهم ملكوا ظاهره وباطنه » +
أما الحد فباللسان ا جاء في الكشاف « فهو إحدى شعب الشكر ؛ ومنه قوله
عليه الصلاة والسلام : « الجد رأس الشكر , ماشكر الله عبد لم يحمده » وإنما جعله
رأس الشكر لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها أشيع لها + وأدل على مكانها
من الاعتقاد وآداب الجوارح » لخفاء عمل القلب ومافي عمل الجوارح من الاحمال +
بخلاف عمل اللسان وهو النطق الذي يفصح عن كل خفي ويجلي كل مشتبه ٠
ويعقب الجرجاني على قول صاحب الكشاف إن الحمد إحدى شعب الشكر
٠ أي باعتبار المورد ( اللسان واليد والقلب ) وإن كان الشكر باعتبار المتعلق
إحدى شعب الإيمان » : ذلك الحد هو الثناء والنداء على الجيل من نعمة وغيرها
تقول : حمدت الرجل على إنعامه » وحمدته على حَسبه وشجاعته . في الكشاف .
والمد والمدح أخوان عند صاحب الكشاف » أي هما مترادفان » وقيل : أراد
أنها أخوان في الاشتقاق الكبير » ويشهد له وجهان ينقلهها الجرجاني :
الأول : أن الشائع في كتب المصنف استعبال الأخوة فيا بين لفظين يتلاقيان
في الاشتقاق الكبير أو الأكبر » أما الكبير فبأن يشتركا في الحروف الأصول من غير
ترتيب مع اتحاد في المعنى أو تناسب فيه كالجذب والجيذ » وكالجد والمدح ؛ وأما
الأكبر فبأن يشتركا في أكثر تلك الحروف فقط ؛ ويتناسبا في الباقي مع الاتحاد أو
التناسب في المغنى كأله ووله » وكالفلق والفلج .
الثاني أن الجد مخصوص بالميل الاختياري » والمدح يعسه وغيره ؛ يقال :
مدحت اللؤلؤة على صفائها » ولا يقال ؛ مدتها . هذا رأي التفتازاني أي في تخريج
كلام الزمخشري الذي ورد في الكشاف وفي الفائق أيضاً ٠
ولكن الجرجاني يذهب إلى أن المدح وامد مترادفان عند الزمخشري « إما بعدم
قيد الاختيار في المد أو باعتباره فيهها » ا كتب أبوالبقاء في كلياته
هذا والثناء هو الذكر بالخير , وقد عقبه صاحب الكشاف بالنداء وهو رفع
ونقيض الحد والمدح الذم . ونقيض الشكر الكفران . ولكن المدح ا يطلق
على الثناء الخاص ؛ آي الوصف بالججيل قد يُخَصٌبعدّ المآثر » وعندئذ يقابله المجو
أي عد المثالب
هذا وذكر القرطبي : أن الحجد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان »
والشكر ثناء على المشكور بما أدلى من إحسان +
ويهذا الاعتبار يكون امد أع من الشكر ؛ وهذا يتفق مع ما سبق من أن
الشكر باعتبار المتعلق إحدى شعب الحمد -
وقد جاء في القرطبي : « ويذكر الحد بمعنى الرضا ؛ يقال : بلوته فحمدته أي
رضيته ؛ ومنه قوله تعالى :3 مقاماً جوداً > .
وفي القرطبي : « الحمد في كلام العرب معناه الثناء الكامل
وأمج محود الثناء خصصته بأفضل أقوالي وأفضل أَحْمّدي
وفي القرطبي أيضاً : ٠ ذهب أبو جعفر الطبري وأبو العباس المبرد إلى أن الححد
والشكر بمعنى واحد سواء . وليس بمرضي . وحكاه أبوعبد الرحمن السلمي في
( كتاب الحقائق ) له عن جعفر الصادق وابن عطاء . قال ابن عطاء معناه ( معنى
الطبري على أنها معنى » بصحة قولك : الجد لله شكراً . قال ابن عطية : وهوفي
الحقيقة دليل على اختلاف ماذهب إليه ؛ لأن قولك شكراً نما خصصت به الحد
لأنه على نعمة من النعم *
ضير النصب عن ضير الرفع وهو جائز +
ثم يعرج القرطبي على مثل ماجاء في قول الزخشري فيورد : « وقال بعض
العاماء : إن الشكر أم من الجد لأنه باللسان وبالجوارح والقلب ؛ والحد إنما يكون
باللسان » .
شكرله وشكره وتشكرله بمعنى ٠
إن هذه الألفاظ المتقاربة المعاني قد ينوب بعضها عن بعض سلف وإن كان
بينها بعض الفروق التي اتضحت . وأكثر العلماء في التراث العربي الإملامي
يتناولون معاني هذه الألفاظ عند المد والشكرلله +
نعود إلى الحديث الذي سلف ذكره « ما شكرالله عبد لم يحمده » يعقب
أن نة الشكر إظهار النعمة والكشف عنها ؛ ا أن كفرانها إخفاؤها وسترها .
ماقصد به . فإنك إذا قت تعظهاً لأحد احمّل القيام أمرا آخر » إذ لم يتعين للتعظيم
فالحد وهو النطق والثناء باللسان ا سبق « أظهر أنواع الشكر وأشهرها
وأشملها على حقيقة الشكر والإبانة عن النعسة حتى لوفقد كان ماعداه بنزلة
العدم »
وهذا عندنا يدل على شرف الحرف » وصدق النطق به في الحضارة العربية
الإسلامية » لأن النطق شاهد على التصديق مبدئياً ؛ وتصديق القلب يستلزم
العمل بمقتضاه وهو من دلالات التوحيد .
وقد عمد السيد الشريف الجرجاني في تعريفاته إلى قسمة الشكر شكراً لغوياً :
« وهو الوصف بالجميل على جهة التعظم والتبجيل على النعسة من اللسان والجنان
جميع ما أنعم الله عليه من السمع والبصر وغيرهها إلى ما خُلق لأجله » .
« فالجد هوالثناء على الجيل من جهة التعظم من نعمة وغيرها +
الحد القولي : هو حمد اللسان وثناؤه على الحق مما أثنى به على نفسه على لسان
الجمد الفعلي : هو الإتيان بالأعمال البدنية ابتغاءً لوجه الله تعالى
الحد الحالي : هو الذي يكون بحسب الروح والقلب كالاتصاف بالكالات
العامية والعملية والتخلق بالأخلاق الإهية
اد اللفوي : هو الوصف بالجيل على جهة التعظم والتبجيل باللسان
وجدة .
اد العرفي : فعل يشعر بتعظم المنعم بسبب كونه منعاً أ من أن يكون
فعل اللسان أو الأركان » ٠
وقد أ أبو البقاء في كلياته ذه الأقسام » وأعادها بيسير من التغيير » وعرض
لما في قضية الشكر والجد من علاقة بعلم الكلام :
جاء في الكليات أن « الشكر العرفي هو المراد يعدم وجوب شكر المنعم عقلاً إذ
قبل الشرع لقوله تعالى : 3 وما كنا معذبين حت نبعث رسولا 6" هذا عند
الأشاعرة القائلين بعدم وجوب الإيمان قبل البعثة » إذ لا يعرف حكم من أحكام الله
© الإساء :15
تعالى إلا بعد بعشة ني . فن مات ول تبلفه دعوة رسول فهو ليس من أهل النار
بعض الأحكام قد يُعرف قبل البعثة بخلق الله تعالى العلم به ؛ إما بلا سبب كوجوب
تصديق النبي وحَرمَةٍ الكذب الضار » وإما مع سبب بالنظر وترتيب المقدمات »
وقد لا يعرف إلا بالكتاب كأكثرالأحكام » فيجب الإمان بالله تعالى قبل البعشة
عقلاً حنى قال أبو حنيفة : لولم يبعث الله رسولاً لوجب على الخلق معرفته بعقوهم
لما يرى في الآفاق والأنفس "١
ولا عرض أبو البقاء أقسام الحد , كا جاء في تعريفات الشريف الجرجاني دون
أن يذكره كا هي عادته , أضاف في بحث الحد الحالي لله : « فحمد الله عبارة عن
لأن صفات الكال أ من صفات الذات والأفعال والتعريف با أم منه باللسان
أو بالجنان أو بالأركان » .
اء : « وأما الحد الذاتي فهو على ألسنة المكلين ؛ ظهور
والحد الحالي : اتصافه بصفات الكال .
والمد الفعلي : إيجاد الأكوان بصفاتها حسبا يقتضيها في كل زمان ومكان -
ونفس الأكوان أيضاً محامد دالة على صفات ميدعها » سوابقها ولواحقها , مثل
الأقوال » .
© انظر أيضاً الفريدة الثالثة والمشرين في كتاب + نظم الفرائد وجع الفوائذ في بيان المسائل
التي وقع فيها الاختلاف بين الماتريدية والأشعرية في المقائد » لشيخ زاده .
وقد عمد الصوفية إلى الشكر فأدخلوه في عباراتهم واعتباراتهم وجعلوه ممة
لنصيب من السلوك الإنساني الاجتاعي فقد ورد في ككلامهم : « شكرالعينين أن
عال في السلوك والأخلاق . قال الجنيد ٠: كان السري السقطي ٠ ( أي خال
الجنيد ) » إذا أراد أن ينفعني يسألني فقال لي يوماً + يا أبا القادم أيش الشكر ؟
. وهذناشأو
فقلت : ألا يستعان بشيء من نعم الله تعالى على معاصيه ؛ فقال : من أين لك
وفرقوا بين موقع الحد وموقع الشكر فقالوا : « امد على الأناس والشكر
على نعم الحواس "١ كا قالوا : 0 المد على ما دفع والشكر على ما صنع »""
إحسانه له . وشكر العبد على الحقيقة إنما هو نطق اللسان وإقرار القلب بإنمام
الرب تعالى ." .
كأنهم يتذكرون بيت الشعر الذي استشهد به ال زمخشري فيفصّلون أقسام
الشكر فهو : « ينقسم إلى شكر باللسان وهو اعترافه بالنعمة بنعت الاستكانة »
وشكر بالبدن والأركان وهو اتصاف بالوفاق والخدمة ؛ وشكر بالقلب وهو
اعتكاف على باط الشهود بإدامة حفظ الحرمة . ويقال : شكرّ هو شكر العالمين
يكون من جلة أقوالهم ومشكر هو نعت العابدين يكون نوعاً من أفعاهم ؛ وشكر
هو شكر العارفين يكون باستقامتهم له في موم أحولهم "١ .
ولم في باب الشكر وفي غيره نبذ لطيفة +
وقد فرقوا بين الشاكر والشكور . والشكور صيفة مبالغة لانم الفاعل
ية ياب الفكر
9) (ه) (1) 0 (4) (0) الرسالة ١|
يستوي فيها المذكر والمؤنث : « قيل : الشاكر الذي يشكر على الموجود ؛ والشكور
الذي يشكر على المفقود » ويقال : الشاكر الذي يشكر على الرفد , والشكور الذي
يشكر على الرد » ويقال : الشاكر الذي يشكر على النفع ؛ والشكور الذي يشكر
على المنع » ويقال : الشاكر الذي يشكر على العطاء , والشكور الذي يشكر على
البلاء » ويقال : الشاكر الذي يشكر عند البذل ؛ والشكور الذي يشكر عند
المطل " .
ويشعر مطالع هذه الأقوال إلى أي حد بلغ هؤلاء في السيطرة على نوازع
نفوسم وسبل تصرّفهم ٠
من مزايا الحضارة العربية الإسلامية هذا التواصل بين الإنسان وربه » فكا أن
ووصف نفسه جل وعلا : ل ومن يقترف حسنة نزد له فيها حُْاً ؛ إن الله غفور
قال الإمام القشيري : « حقيقة الشكر عند أهل التحقيق الاعتراف بنعمة
المنعم على وجه الخضوع ؛ وعلى هذا القول يوصف الحق سبحانه بأنه شكور
وجاء في تاج العروس : « وأما الشكور في صفات الله عز وجل فعناه أنه
الرسالة القشيرية باب الشكر .
() البقرة : 188
)١( النساء ١67:
() الشورى :©
يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لم الجزاء » وشكره لعباده مغقرته
وقال شيخناً : الشكور في أسمائه هو معطي الثواب الجزيل بالعمل القليل
لاستحالة حقيقته فيه تعالى . أو الشكر في حقه تعالى بمعنى الرضا . والإثابة لازمة
للرضا . فهو مَجَازٌ في الرضاثم تجوز به إلى الإثابة . وقوهم : شكرالله سعيه »
ومهها يرد من تفسير شكر الحق للإنسان فإنه يكفي الإنسان شرفاً وعلواً أن
الحق يشكر له سعيه الصالح الحسن 3 ومن أراد الآخرة وسعى لما سعيها فأواشك
وليس فوق هذا حث على السعي الصالح والعمل الفاضل في المجمع الإنساني +
وتعظم شأنه , وغالبية العبادات إن لم نقل كلها تتعلق بتحسين القع وتجويد
العلاقات الإنسانية والتعاون والتضامن بين بني الإنسان . وقد ورد في الجزء الذي
ينشره السيد مد مطيع الحافظ رواية الأثر : « لم يشكر الله من لم يشكر الناس » +
ومعناه عندنا أن الخير إغا يأتي بتعاون الناس » فإذا تعاونوا شكر بعضهم لبعض
سعيهم في الخير ؛ وكان ذلك شكراً لله على هذا التعاون . وقد ورد الحديث في
كشاف اصطلاحات الفنون نقلاً عن أسرار الفاتحة : « من لم يحمد الناس لم يحمد
الله » .
() ذكر الزييدي أيضاً : ٠ اللحياني ممن سوّى الحد بالشكر ول يفرق بينهها » وذكر أقوال غيره
(ه1) الإمراء 1١
(7) الدهر :77