الحمد لله الملك الحق المبين» إلله الأولين والآخرين؛ وقيوم
السملوات والأرضين» والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين+
المبعوث رحمة للعالمين؛ وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
فإن شرف العلم من شرف المعلوم» وعلم العقيدة له المكانة العليا
بين العلوم الشرعية لدلالته على المعبود بحق جل جلاله وتقدست أسماؤه.
ومن هذا المنطلق اهتم علماء السنة على مر العصور بتدريس هذا العلم
والتصنيف فيه؛ والدفاع والمنافحة عنه؛ والرد على أهل الأهواء المخالفين
وكان لمعالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ قصب
السبق في زماننا بالاهتمام بهذا العلم وتدريسه وحل معضلاته وكشف مبهماته
والتأصيل فيه؛ فإنه وفقه الله هذِّب كلام المتقدمين؛ ورد شبه المتكلمين؛
ومهد قواعد السلف بيقين؛ كيف لا وهو خريج مدرسة شيخي الإسلام: أ
العباس ابن تيمية الحفيد» وأبي عبدالله محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله
وكان من بين تلك الشروح؛ شرحه العظيم على عقيدة أبي جعفر
الطحاوي التي بدأها حفظه الله - في ذي القعدة لعام سبعة عشر وأربعماثة
وألف من هجرة المصطفى. وانتهى منها في ذي القعدة أيضاً لعام عشرين
وقد تميز شرحه بمميزات كثيرة منها:
١ - الترتيب الدقيق» وجودة التقسيم»؛ سواء لمسائل المتن أو للمباحث
؟ غزارة المسائل والفوائد المطروحة في الشرح.
تبسيط العبارات المشكلة؛ وتوضيح الألفاظ المبهمة؛ وحل كثير
من المعضلات والمشكلات في كلام السلف المتقدمين.
؛ ربط المخالفات العقدية بمذاهب الإسلاميين» وتبيين الشبه والرد
* - التحقيق والتدقيق في المسائل العقدية ذات الأصول اللغوية
وخلال ذلك كله؛ كان حفظه الله يتدرج في توضيح المسائل
وتبيين المذاهب بحسب حاجة الطلبة إلى ذلك.
وفضيلته - وفقه الله شهد له بعلو الكعب في العلم عامة وعلوم
العقيدة خاصة والاطلاع الواسع على مذهب السلف وعلى أقوال أهل العلم
وتصانيفهم وردودهم» وكذلك اطلاعه على مذاهب المخالفين وفهمه الدقيق
لهاء مما جعل هذا الشرح مرجعاً لفهم كثير من المسائل العقدية.
إخواني طلبة العلم؛ وذلك أن النفس تكسل أحياناً عن الاطلاع على
المطولات فتسعد بوجود مختصر يعتصر ما في المطوّل من غرر الفوائد
ونفائس التعليقات. وأقول كما قال الأول: «وبحسبك أنك تستطيع أن تقرأ
وقد سلكت في الاختصار المنهج التالي:
حالة استحالة الجمع بين اللفظ والمعنى؛ حافظت على المقصود بأقرب
- حذفت الاستطرادات التي لا تكون من صلب الشرح.
© - حذف المكرّر من الألفاظ التي يقتضيها إلقاء الدروس في
4 الاقتصار على دليل واحد غالباً في حالة تعدّد أدلة المسألة.
ومما ينبغي التنبيه إليه أن أصل هذا المختصر عبارة عن مجموعة
دروس ألقيت على الطلبة شفوياً؛ وهذا يقتضي تسهيل العبارة وتكرارها لكي
يفهم المتلقي الكلام ويستوعبه؛ والشارح - حفظه الله - لم يرد بهذا الشرح
التصنيف الذي يقتضي اختيار العبارات البليغة؛ والألفاظ العالية؛ والمعاني
الفخمة واستيعاب الأدلة والردود والأقوال» فعلى هذا ينبغي أن ينتبه القارئ
لهذه النكتة المهمة خلال قراءته لهذا المختصر.
وقد أشار وفقه الله بتسميته ب «الوافي في اختصار شرح عقيدة أبي
جعفر الطحاوي».
أسأل الله الكريم أن يرفع درجة شيخنا العلامة صالح بن عبدالعزيز آل
١4ص تهذيب سيرة ابن هشام: هارون )١(
فهذا شروع في شرح مختصر في العقيدة مهم؛ لأن أهل العلم
يحبذون إقراءه وشرحه. وهذه العقيدة هي عقيدة العالم المحدث أبي جعفر
أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي؛ والمسماة بالعقيدة الطحاوية
نسبة إليه.
وهي عقيدة موافقة في جل مباحثها لما يعتقده أهل الحديث والأثرء
أهل السنة والجماعة؛ إلا في مسائل تبع فيها مرجئة الفقهاء في تعريف
الإيمان؛ حيث قال: «والإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان». وقال:
شرحه طريقة شيخ الإسلام وابن القيم - رحمهم الله - وأجاد في ذلك.
أخذ على هذه الثقثنة أن مؤلفها لم يرتبهاء وكذلك وقع للشارح حيث ٍ
المؤلف. وقد رأيت أن أجعل الشرح على هذه العقيدة على طريقة مرتبة
أولاً: بألفاظ المصنف.
بالمسائل التي أوردها المصنف.
ثالقاً: بتحقيق القول في أن ما ذكره هو مذهب أهل السنة والجماعة.
رابعاً: في أدلة ما ذكره من المسألة.
خامساً: في ذكر تفريعات تلك المسألة على اعتقاد أهل الحديث
سادساً: في ذكر أقوال أهل الفرق المخالفة وأدلتها والرد عليها
القول والفهم والعمل إنك على كل شيء قدير.
** [الحمد لله رب العالمين: قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق
الطحاوي بمصر رحمه الله هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة
والجماعة على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت
الكوفي؛ وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري؛ وأبي عبدالله
محمد بن الحسن الك اني - رضوان الله عليهم أجمعين - وما
يعتقدون من أصول الدين ويدينون به لرب العالمين:
نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له...]
المسألة الأولى: المسائل منقسمة إلى أخبار وأحكام؛ كما قال جل
التصديق والإيمان ولا دخل للعمليات به فإنه يسمى عقيدة؛ لأنه معقود عليه
القلب» يعني كأنه دخل للقلب فعقد عليه. وأما العمليات فهذه من الإيمان
لكن موردها عمل الجوارح؛ ولذلك لم تدخل في العقيدة. وهناك ألفاظ
مرادفة للعقيدة في الدلالة على ما ذكرناء وهي التوحيد؛ السئة؛ الشريعة.
المسألة الثانية: قوله: «أهل السنة والجماعة» هذا اللفظ أطلق في
أواخر القرن الثاني الهجري على اتباع الأثر المخالفين للفرق المختلفة الذين
خرجوا عن طريقة الصحابة والتابعين»؛ وأول من استعمله بعض مشايخ
البخاري - رحمهم الله . وجمع بين اللفظين السئة والجماعة؛ لأن هناك
من يدّعي اتباع السنة ولكنه لا يكون مع الجماعة؛ وهناك من يدعو إلى
الجماعة بلا اتباع سنة. وكل منهما في الحقيقة لازم للآخر. ومعنى أهل السنة
والجماعة أنهم أصحاب السنة الذين لزموها في اعتقادهم ولزموها في أقوالهم
على نهجهم.
وهذا اللفظ يطلق ين: يطلق ويراد به من خالف الشيعة والرافضة
وما تفرع منهم. فيدخل في هذا الإطلاق أهل الأثر والأشاعرة والماتريدية. ثم
يطلق باعتبار آخر وهو أنهم أهل اتباع النبي كيه في الأقوال والأفعال
والتقريرات؛ الذين لا يقدمون شيئاً من العقول على سنة النبي
في الأخبار أو الأحكام أو في السلوك والأخلاق.
وأما الجماعة: فقد جاء في استعماله في الحديث. والنصوص في ذكر
الجماعة كثيرة وفي الحث عليها والحض على لزومها والتحذير من مخالفة
الجماعة. وقد اختلف أهل العلم؛ من المتقدمين؛ في معنى الجماعة ففسرها
طائفة بأنها هي: السواد الأعظم؛ وتُسّرت الجماعة: بأنهم أهل العلم والسنة
الجماعة هم أصحاب رسول الله يَيْ. والتفسير الرابع وهو قول نذكره لكن
لا دليل عليه؛ أن الجماعة هي أمة الإسلام عامة وهذا باطل ومناقض
لحديث الافتراق. والتفسير الأخير: أن الجماعة يراد بها عصبة المؤمنين
الذين يجتمعون على الإمام الحق فيدينون له بالسمع والطاعة ويعقدون له
البيعة الشرعية؛ وتحقيق المقام أن الأقوال الثلاثة الأول متقاربة وهي من
جماعة باعتبار الآراء والأديان» وهذا الاجتماع لا يكون إلا باتباع منهج
الصحابة وهم السواد الأعظم قبل أن يفسد؛ ومن قال: إنهم أهل العلم
والحديث والأثر؛ فلأنهم تابعوا الصحابة وساروا على نهجهم. والمعنى الثاني
للاجتماع: اجتماع في الأبدان والأشخاص وهو معنى التفسير الأخير
للجماعة؛ وهذا مأمور به في نصوص كثيرة وهو مما تميّز به الصحابة وأهل
السنة في كل عصر. فباجتماع هذه الأقوال يحصل لنا المعنى الصحيح لأهل
السنة والجماعة. وقد غلط من أدخل في معنى أهل السنة والجماعة بعض
الفرق الضالة كالأشاعرة والماتريدية. 0
المسألة الثالثة: هذه العقيدة بنيت على مذهب فقهاء الملّة أبي حنيفة
دأبي يوسف ومحمد بن الحسن. وهؤلاء وافقوا أهل السنة والجماعة في
أكثر المسائل» ولكنهم خالفوهم في أصل عظيم من أصول الدين ألا وهو
الإيمان» فإن كلام المصنف في الإيمان هو كلام المرجئة.
"من أصول الدين» يعبر بها عن العقيدة. والتعبير عن العقيدة صار فيه
المخالفين بعلم الكلام. والذين تركوا الفلسفة وما أصله علماء الكلام إلى ما
دل عليه كلام معظميهم كالأشعري والماتريدي عدلوا عن علم الكلام إلى
أصول الدين. ولهذا إن كان هذا اللفظ دليله ومأخذه هو مأخذ التوحيد
والسنة والعقيدة والشريعة فلا بأس باستعماله.
فإذن (وما يعتقدون من أصول الدين) المقصود بها أصول الإيمان
** [نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له].
قول اللسان. ِ
وقوله: «معتقدين». يعني أقول حالة كوني معتقداً هذا الكلام عاقداً
عليه قلبي غير متردد فيه ولا مرتاب. وقوله: «بتوفيق الله» استعانة بالله تعالئق
أن يوفقه إلى القول الحق. والتوفيق اختلفت فيه التفسيرات ويأتي ب
شاء الله . وقد اشتملت الجملة السابقة على ذكر التوحيد وعلى تفسيرة.
وكلمة التوحيد جاءت في السنة؛ والتوحيد مصدر وحد توحيداً يعني جعل
الشيء واحداً. فتوحيد الله معناه: أن تجعل الله واحداً فيما وحد الله نفسه فيه
أولاً: توحيد في المعرفة والإثبات.
ثانياً: توحيد في القصد والطلب.
وعنى بقوله في المعرفة والإثبات في معرفة الله جل وعلا بأفعاله وهذا
هو الربوبية. والإثبات له فيما أثبت لنفسه وهذا هو الأسماء والصفات. وعنى
بتوحيد القصد والطلب؛ توحيد الألوهية. وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام
جاء في عبارات المتقدمين من أئمة الحديث والأثر كالطبري وابن بطة وابن
مندة وابن عبدالبر وغيرهم. ومعنى توحيد الربوبية: اعتقاد أن الله واحد في
أفعاله سبحانه وتعالئ لا شريك له. وتوحيد الإلهية: توحيد الله بأفعال العبيد
عباداته. وتوحيد الأسماء والصفات: هو جعل الله جل وعلا واحداً لا مثيل
أسماء الله الحسنى كما قال تعالئ: طهر أنه الْوَجِدُ آلنَكَادُ [الزمر: 6]