وهذه الرسالة ترد على الفريقين كل بحسبه؛ وتبين أن مصطلح « القشر
واللب » ظاهره فيه الرحمة » وباطنه من قِبلهِ العذاب ؛ ولذا انخدع به بعض
الطيبين الذين ابتلعوا الطعم » فاستحسنوه » وصاروا يرؤّجون له » دون أن
يدركوا أنه قناع نفاق قبيح» وأنه من لحن قول العلمانين الذين يتخذونه قنطرة
يهزبون عليها من الالتزام بشرائع الإسلام دون أن يُخْدَش انتاؤهم إليه © نعم
قف القضية عند حسنى النية من المسلمين المخلصين عند بذ ما أسموة
على اقتلاع شجرة الإسلام من جذورها ؛ مجرد مدخل إلى نبذ اللب والقشر
معًا ؛ تمامًا كا يرفعون شعار الاهتام ؛ بروح النصوص وعدم الجمود عند
منطوقها » ؛ ومع أن هذا كلام طيب إذا تعاطاه العلماء ؛ وطبّقه الأسوياء )
لكنه خطير إذا رفعه أصحاب العاهات الفكرية والنفسية » والمشوهون عقديًا ؛
إذ يكون مقصودهم حينعذ هو ١ إزهاق » روح النص + بل اراح منطوقة
إنهم يريدون ديثًا ممسوئا كدين الكنيسة العاجزة المعزولة عن الحياة +
يسمح لأتباعه بكل شى» مقابل أن يسمحوا له بالبقاء حي على هامش الحياة ؛ بوسًا
فى الأققاص الصدرية » لا يترك أى بصمة على واقع الناس وممعاتهم ٠
ولو كُره الكافرون . هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الح
َرَهُ على الدين كُلْهِ ولو كره المشركون »" .
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون »” .
الإسكندرية فى الجمعة ١١ شوال ١497 ه الموافق 7 أبريل كخحاعم
) 4 - 87 ( العقلانية هداية أم غؤاية » للأستاذ عبد السلام بسيونى ص ١ : انظر )١(
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله :
( يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا
بجميع عرى الإسلام وشرائعه ؛ والعمل بجميع أوامره ؛ وترك جميع
ثم نقل عن ابن عباس وغيره أنهم قالوا : ف ادخلوا فى السلم »
يعنى : الإسلام ؛ ف كافة # يعنى : جميعًا ؛ وقال مجاهد ؛ أى اعملوا
بجميع الأعمال ووجوه البر » ؛ وقال الألومى رحمه الله :
ظاهركم وباطنكم إلا والإسلام يستوعبه بحيث لا يقى مكان
وقال أيضًا : ( وقيل : الخطاب للمسلمين الخْلّصٍ » والمراد من
« السُلّم »؛ شعب الإسلام » و د كافة » حال منه » والمعنى د ادخلوا »
أيها المسلمون المؤمنون بمحمد عه فى شعب الإممان كلها ؛ ولا تُجِلُوا
م (البقرة : 308 )
١ )9( تفسير القرآن العظيم 6 ( 351/1 )
(©) « روح امعان 6 ( 37/7 )
3 تقسم الدين إلى قشر ولب بذعةٌ وضلالة 8
نبغ فى هذا العصر أقوام تلقوا هدى الإسلام من واقع حياتهم ألا » ولم
يحيوا فى جو علمى يتأثرون به فى حكمهم على الأمور ؛ فراحوا يحتجون
ببعض النصوص لإثبات عكس ما وضعت له » ويسمون الأشياء بغير اسمها +
ويتضح هذا جليًّا فيمن لا ييتمون ببعض الشرائع الظاهرة التى يسمونها
( شكليات ) أو ( قشورًا ) ويدندنون فقط حول اسك ( باللباب ) .
يقول الشيخ محمد إبراهيم شقرة حفظه الله ما ملخصه :
[ لقد صارت هذه المقولة المغرضة شعارًا له أنصار ودعاة وأقلام وصحف
ومناهج وعقول .
- وبالرغم من هذا الحشد الذى التف حول هذا الشعار فإننا لم نجد
الحادثة » رغم تأكيدهم عليها » والإكثار من الحديث عنها فإنهم لم يضعوا
باللباب وحده دون القشر .
بإحسان » وإنما ههى من نتاج أفكار المنهزمين المستعبدين للشرق أو الغرب .
« اللباب فى المأمورات الشرعية هو ما يدخل تحت الحكم الواجب 6
والقشر هو ما جاوز دائرة الحكم الواجب » واللباب فى النواهى هو ما يدخل
تحت الحكم الحرام ؛ والقشر هو ما لم يتناوله الحرام الصريخ فى النواهى +
وعلى ذلك : فالقشور فى اللأمورات : كل متدوب أو مباح » وفى التواهى :
المكروهات ؛ وبناءً عليه يجتمع لدينا من القشور ما يزيد على نصف الدين »
ويقى من لبابه أقل من النصف » فهل يعقل أن ندع أكثر من نصف الدين
وأين سيضعون المسائل المختلف عليها بين الواجب والمندوب كصلاة الوتر
- إلا ويدخل تحت حكم الله وخطابه المتعلق بأفعال المكلفين على
سبيل الاصطلاح الذى افترضتاه ؛ ولا على سبيل التهوين والغض من شأنه .
لقد أنزل الله سبحانه دينه على نبيه ع ليينى به الإنسان المسلم ؛ فيسعد
به فى الدنيا والآخرة ؛ ولا يخفى على ذى عقل أن كل أمر ونبى من أوامر
المكروهات أم من المحرمات ؛ لأن جميع هذه الأحكام هى شعب الإيمان الى
قال فيها عليه الصلاة والسلام : ١ الإمان بضع وسبعون شعبة » فأفضلها قول
لا له إلا الله » وأدناها إماطة الأّذتى عن الطريق » والحياء شعبة من
التزمها المسلم كانت زيادة فى إمانه ؛ لأن الإمان يزيد وينقص لقو
والعمل ؛ وهذا من شعائر أهل السنة ؛ وهو مذهب السواد الأعظم من
الأمة؛ قال رسول الله عَل: « لَنْقَضَنٌ ً
)١( البخارى فى الإمان : باب أمور الإيمان ( 48/1 49,6 ) : بلفظ : « الإمان بضع
وستون شعبة 4 » ومسلم فيه: باب بيان عدد شعب الإبمان رقم ( © ) ١ وأبو داود
فى السنة : باب فى رد الإرجاء رقم ( 4577 ) » والترمذى فى الإيمان » والنسانق
فيه : باب ذكر شعب الإيممان ( ١١/8 ) » وأخرجه اين ماجه فى المقدمة رقم
سحا
الصلاة )".
نبيتكم عنه فاجتنبوه ؛!"", والاستطاعة فى إنفاذ الأمر إما أن تكون فى الفعل
الواحد » كالصلاة مثا » فإذا لم يستطع المسلم أن يصليها وهو قائم ؛ وجب
عليه أداؤها على الوجه الذى يستطيعه من قعود أو اضطجاع أو غير ذلك .
وإما أن تكون الاستطاعة فى مجموع الأفعال ؛ فقد لا يستطيع المسلم أن
يصوم لمرض ؛ فى حين يكون قادرًا على أداء الصلاة على كل حال » فوجبت
شفائه ؛ وقد لا يقوى المسلم - لعذر من الأعذار - أن يصلى فى المسجد »
وهو مأمور بأدائها فيه » فلا يقال : ما دام أنه لا يستطيع أن يصليها فى المسجد
فلا يصليها » بل يقال : يفعل ما يقدر عليه » ويُعذر فيما لا يقدر عليه .
أما المنهيات » فقد أمر النبى لله أمته أن تجتنبها كلّها ؛ من غير فرق
بين واحدٍ وواحد » فكما أنه نبى عن الزنا ؛ نهى عن النظر المحرم إلى المرأة »
وك أنه نهى عن شرب الكثير من الخمر » نبى عن شرب القليل منها » وكا
أنه نهى عن سرقة المال الكثير » فإنه نبى عن سرقة الدرهم والدرهمين ؛ وكا
)١( واه من حديث أفى أمامة رضى الله عنه الإمام أحمد (351/5) » والحاكم
( 4/4 ) + وقال : 3 إسناده صحيح ؛ ولم يخرجاه » ورواه ابن حبان ( موارد :
رقم /781) ؛ ص ( 87 ) ؛ وصححه الألبانى فى ١ صحيح الجامع 8 ( ١5/5 )
() رواه من حديث أنى هريرة رضى الله عنه البخارى ( 714/17 77006) فى
الاعتصام : باب الاقنداء بسنن رسول الله عل ؛ ومسلم - واللفظ له - فى الفضائل
وعلق امتثال الأوامر على الاستطاعة » ولم يعلقه بكونها قشرًا أو لا على زعمهم +
وتقسيم الدين إلى « قشر ولب » تقسيم غير مستساغ » بل هو محدث
ودخيل على الفهم الصحيح للكتاب والسنة ؛ ولم يعرفه سلفنا الصالح الذين
كل الخير والنجاة فى اتباعهم واقتفاء آثارهم ف( إن هى إلا أسماء جيتموها
أنم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان »'" وهذه القسمة إلى قشر
ولب ؛ ظاهر وباطن - يتبعها المناداة بإ همال الظاهر احتجاا بصلاح
المعاصى بغير اسمها فيقولون - مثلا - إن إعفاء اللحية من سنن العادة » بل
عد بعضهم إعفاء اللحية وقص الشارب من الأموز العادية التى لا صلة لها
بتبليغ الرسالة وبيان الشرع ؛ وعد ذلك من قبيل المندوب بل فى ثالث مراتبه
بعد ال السنن المؤكدة وغير المؤكدة » بل قال : ( ومن أخذ به على أنه جزء
ما ليس منه )!" اه .
(ا) من «توير الأفهام لبعض مفاهيم الإسلام؛ للأستاذ محمد إيراهم شقرة
© والقول بأن إعفاء اللحية من العادات التى قد تجرى بها أعراف الناس باطل ؛ لأن
ما نجرى به العادة قسمان : قسم سكت عنه الشارع ؛ ولم يتعرض له بوجوب ولا
تحريم فهذا مباح لا لوم على فاعله » والثانى : ما أوجبه الشارع وأمر به أو حرمه
ونبى عنه » فهذا القسم لما تعرض له الشارع بالإيجاب أو التحريم صار من الدين +
وما أكثر الأعمال التى كانت تجرى مجرى العادات قبل البعئة » ثم دخلت فى حدود
المناهى التى حرمها الشارع فأصبح اجتنابها من الذين ؛ كالوشم والتتميص. ووصل
الشعر والنباحة والميسر وغير ذلك » وهب - جدلًا - أن إعفاء اللحية عادة فلم لا
نتأسى بعادة النبى محمد كَل والخلفاء الراشدين والصالحين من هذه الأمة المحمدية ؟!
وقد نقل اين الحاج عن الغزال رحمه الله قوله فى « كتاب الأربعين » : ( اعلم أن
مفتاح السعادة: فى اتباع السنة ؛ والاقنداء برسول الله مَل فى جميع مصادره وموارده؛ <
وقسمة الدين إلى قشر ولب تؤثر فى قلوب العوام أسوأ تأثير » وتورثهم
الاستخفاف بالأحكام الظاهرة » وينتج عنها الإخلال بهذه الأمور التى
القلبى الذى هو فرض عين على كل مسلم تجاه المنكرات .
والتفريط فى مُحَفَّراتِ الأعمال يؤدى إلى التفريط فى عقائمها ؛ لأن
استمرار هذا التفريط يتحول مع الزمن إلى عادة تتى بصاحبا إلى قلة
الاكثرات بأمور دين والتهاون بها
ومن هذا القبيل : تقسيم الدين إلى أصول وفروع » فإن العلماء الذين
الأصول » ثم التسامح مطلقًا فى الفروع » كا يظن بعض متفقهة هذا الزمان
فتراهم يميعون كل فرعية يحوي أن اخلاف الأم ما دام ق الفروع
فى آدابه فقط ؛ لأنه لا وجه لإهمال السنة الواردة فيا » بل ذلك فى جميع أمور
العادات » فيه يحصل الاتباع المطلق » ا قال تعال : ف قل إن كنم تحبون الله فاتبعوق.
يحبيكم الله ( آل عمران : ©٠ ) ؛ وقال تعال : ف وما آتام الرسول فخذوه وما
نهاك عنه فانتهوا » ( الحشر : 7 ) ... فلا ينبغى التساهل فى امتثال ذلك ؛ فتقول :
من أبواب السعادات ) اه من « المدخل ؛ ( 147/1 6 144 )+
وهذا بدوره قد أدى ببعضهم إلى اتباع الهوى والترخص دون تحرى
الدليل » ويلزم من ذلك القول بأن الاتفاق سخط ؛ وهذا ما لا يقوله
مسلم » ولو أنهم كانوا يرون أن « الخلاف شر » كا قال ابن مسعود
رضى الله عنه وغيره ؛ بل ا دلت عليه نصوص الكتاب والسئة ؛ لَسَعَوَا
إلى الاتفاق ؛ ولأمكنهم ذلك فى كثير من هذه المسائل المتناقضة التى لا يمكن
التوفيق بينها ؛ إلا بِرَدّ بعضيها ا للدليل وقبول البعض الآخر الموافقٍ له +
وإلا فقد نسبوا إلى الشريعة التناقضٌ » الله عز وجل يقول :
فإذا كان الاختلاف ليس من الله فكيف يصح جعله شر.
لواحب التخلص من لحلاف ما أمكن + أو تطييق دائرته عملا بقولة
عت : « سَدَمُوا وقاربوا ؛”"؛ وهذا ممكن فى كثير من المسائل بما
نصب الله تعالى عليها من الأدلة التى يُعرف بها الصواب من الخطاأً ؛ والحق
من الباطل » ثم بعد تحرى الدليل والعجز عن التخلص من الخلاف يعذر
على بدعتهم ببعض النصو ل
متبعةً , ورحمة منزلة ؟
باب تمنى المريض الموت » وفى الرفاق +) 108/٠0 ( البخارى فى امرض )(
) 1817 ( ؛ باب القصد والمداومة على العمل ؛ ومسلم رقم ) 154 - 187/1١ ١(
177 6 171/8 ( فى صفات المنافقين ؛ باب لن يدخل أحد الجنة بعمله » والنسان
فى الإيمان باب الدين يسر
(©) انظر : « الإحكام فى أصول الأحكام » لابن حزم ( 34/6 لاح ء 18 ٠») إعلام
الموقعين » ( 84/7 ) + « جامع ببان العلم » ( 81/7 - 84 ) » « المسودة » لآل
رسول الله عَكهِ يقول : « إنما الأعمال بالنيات » وإنما لكل امرىء ما
نوى "١ الحديث .
# ومنها : ما رواه النعمان بن بشير رضى الله عنهما قال : سمعت
مشتبيات لا يعلمهن كثير من الناس » فمن اتقى الشببات فقد استيراً لدينه
وعرضيه ؛ ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام ؛ كالراعى يرعى حول الحمى
الجسدُ كله » ألا وهى القلب ".
)١( رواه اليخارى ( 1/1 - ١8 ) فى بدء الوحى » وف الإيمان ؛ باب ما جاء أن الأعمال
بالنية والحسبة ولكل امرى* ما نوى ؛ وفى العتق باب الخطأ والنسيان فى العتاقة
والطلاق ونحوه ؛ وفى فطائل أصحاب النبى عله ؛ باب هجرة النبى عَكْتِ وأصحابه
إلى المدينة » وف التكاح ؛ باب من هاجر أو عمل خيرًا لتزوي امرأة فله ما ثوى +
وف الأيمان والنذور » باب النية فى الأيمان » وفى الحيل » باب فى ترك الحيل وأن لكل
أمرى»ء ما نوى » ومسلم رقم ( ١8017 ) فى الإمارة » ياب قوله تَهْث: وإثما الأعمال
والترمذى رقم ( 1147 ) فى فضائل الجهاد باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا +
والنساف ( 4/1 + 30 ) فى الطهارة » باب النية فى الوضوء
البيوع : باب الحلال بين » والحرام بين ؛ وبينهما مشتبيات ؛ ومسلم ( ١544 ) في
(©) أخرجه مسلم ( 7574 ) 24 ) فى البر والصلة باب تحريم ظلم المسلم وخذله +
وأخرجه الإمام أحمد ( » / 785 + 074 ) » وابن ماجه ( 4147 ) فى الزهد :
باب القناعة .