رآه في زمان الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان » وتحديد ذلك إلى نباية
الدولة الأموية » وقد يلتحق به زمن الخلفاء الأولين من بني العباس الذين تربوا
في البيئة الأموية . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (ج لاص 4): اتفقوا
أي اتفق أئمة الإسلام أن آخر من كان من أتباع التابعين ثمن
من عاش إلى حدود سنة 7780 ؛ ثم ظهرت البدع + وتغيرت الأحوال تغيراً
وكان ذلك من أعلام نبؤته ؛ هي عصور الإسلام الذهبية التي لم ير الإسلام
وفيها انتشر َفَظَةُ القرآن في أنحاء المعمورة ورحل شباب التابعين إلى كل بقعة
تموت بموته ؛ ثم رحل تابعوهم إلى كل بقعة فيها أحدٌ من كبار التابعين يحفظ
وصلت أمانة السيّة إلى رجال التدوين من أمثال مالك وأحمد وشيوخهم
الحافظين إلى الأمناء الحافظين » فكان من ذلك أثمن تراث للمسلمين بعد
كتاب الله عز وجل ؛ فبهمة هؤلاء حفظ الله لنا هذه الكنوز» وبسيوفهم فتح
الله للإسلام هذه الممالك ؛ وبدعوتهم المباركة نشر الله دعوة الإسلام » فكان لنا
اليوم هذا العالم الإسلامي بأوطانه وشعوبه وما فيه من علوم وعلماء كانوا في
عصور الإسلام الأولى ملح الأرض وزينةً الديا وبصلاحهم وعودتهم إلى الله
في أيامنا والأيام الآتية سيعود إن شاء الله لهذا الإسلام مجدّه وسلطانه ؛ وستحيا
بنبضتهم أنظمته وسننه » وما ذلك على الله بعزيز .
السراة وأهل السعة يرثون عن آبائهم أملاكهم وأموالهم فتكون
كذلك هذا المجد الإسلامي الذي ورثناه عن الصحابة والتابعين لا نعلم
لأمة من أمم الأرض مجدآً يضارعه في مواريث الإنسانية » وأثمن هذا الممراث
وأعظمه قدسيةٌ وبركةً اهتام أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بجمع
القرآن » وتوحيد تلاوته , وحفظه في المصاحف + ولو أن كل مسلم على وجه
الأرض دعا لهم بالرحمة والرضا وعظيم المثوبة آناء الليل وأطراف النهار على
لهم سيتولى الله عنا حسن مكافاتهم عليها ؛ ثم من أعظم كنوز هذا الميراث
العظيم عناية كل صحابي بصيانة ماحفظه عن رسول الله كيةِ من أحاديثه
ورضي عنهم هذه الأمانة إلى إخواتهم وأبنائهم والتابعين لهم بإحسان مما لم
يُمهد مثله عن أصحاب نبي غيره من الأنبياء السايقين » فكان ذلك من أعظم
مواريث الإنسانية كلها في الأخلاق والتشريع وتكوين الأمم الإجتماعي
والتقريب بين البشر في طبقاتهم وأجناسهم وأوطانهم وألوانهم » ولا يُغمط جيل
الصحابة فيا قاموا به للإنسانية من ذلك إلا ظالٌ يغالط في الحق إن كان غير
مسلم » أو زنديقٌ يُبطن للإسلام غير الذي يُظهره لأهله إن كان من المنتسبين
الجليلة الرحيمة » فحبّبوه بذلك إلى الناس » وعرّفوهم به من طريق القدوة
والأسوة ؛ فكان ذلك سببٌ دخول الأمم في الإسلام إلى أقصى آفاق المعمورة
المعروفة في أزمنتهم . وهذه الفضيلة قد شارك عمال الخلفاء الراشدين فيها من
جاهد بعدهم من الصحابة والتابعين تحت رايات الخلفاء من قريش الذين كان
من أعلام نبوّة النبي َيه أيضآ التنويةً بهم في حديث جابر بن سمرة في
الصحيحين ؛ ورؤيا النبي #8 في قباء عن جهاد معاوية رضي الله عنه في
البحر » ورؤياه الثانية يومئثذ عن حملة ابنه في حصار القسطنطينية » وهؤلاء
الخلفاء من فُريش الذين ورد النص عنهم في الصحيحين من حديث جابر بن
سمرة هم الذين جاهدوا وجاهد رجالهم تحت كل كوكب » وو آفاق الأرض
يجملون هذه الدعوة إلى أقاصي المعمور من بلاد آسيا وإفريقية وأوريا » ومهما
تنبض قلُوبنا بشكرهم والوفاء لهم والثناء على مانشروا في الدنيا من ألوية
جهادهم لن تُونيهم عُشر معشار ما كان ينبغي لنا أن نفعله » وإلا فأين هي
الدراساتٌُ العلمية الصحيحة التي قمنا بها لتدوين أمجادهم العظمى وبطولتهم
الكبرى » وأين هي المؤلفات العصرية التي كان ينبغي أن تكون في أيدي
الشباب في جميع أقطار الإسلام » والتي تبعل القارىء منا كأنه معاصر لتلك
في كل نصر أحرزه الإسلام في الدنيا على أيدي الصحابة والتابعين وأتباعهم
الذين ألف الجاهل الزنديق ابن المطهر كتابه (منهاج الكرامة) ليملأه سب لهم
وذمآً الجهادهم , وتشويا لمحاستهم » وغمطا لفضائلهم وكريم أخلاقهم +
وقلبآ لحسناتهم مما يَجِلُ محاربوهم من المجوس والروم والترك والديلم أن
يزعموا مثله لو أنهم دونوا أعمال أسلافنا عندما كانوا معهم في عداوة الحرب
وعداوة الدين . ويوم كنا لا نزال أصحابٌ السلطان على إسبانيا كان أخبارٌ
النصارى من الإسبانيين يحتجون على الإمام ابن حزم بدعوى الروافض تحريف
القرآن » فكان يُضطر عند رده عليهم أن يقول ماذكره في كتاب (الفِضَل)
ج 7 ص 18: « وأما قوم في دعوى الروافض تبديلٌ القرآن فإن الروافض
ليسوا من المسلمين» . واغلب الظن أن أحبار النصارى كانوا يحتجون
بالأكاذيب الواردة في كتاب الكافي للكليني ؛ كالذي ورد في ص 04 منه (طبعة
سنة 177/8) عن جابر [الجعفى] قال : سمعت أبا جعفر يقول « ما ادعى أحدٌ
الله إلا علي بن أبي طالب والأثمة من بعده ». وفي ص لاه عن أبي بصير قال :
فاطمة عليها السلام . . . قلت : وما مصحف فاطمة ؟ قال : مصحف فيه مثل
قرآنكم هذا ثلاث مرات » والله مافيه من قرآنكم حرف واحد ». وكتاب
الكاني للكليني المشحون بمثل هذا الكفر المفترى يعتبره الشيعة في أحاديثهم
بمنزلة صحيح البخاري في أحاديث المسلمين . أما ابن المطهر المردود عليه في
الأعلام » ومركز داثرة الإسلام » آية الله في العالمين » ونور الله في ظلمات
الأرضين + وأستاذ الخلائق في جميع الفضائل باليقين » جمال الملة والحق
والدين . الخ 6
وفي رأبي أن كتاب ابن المطهر (متهاج الكرامة) ؛ وكتاب مُعاصره شيخ
الإسلام ابن تيمية (متهاج الاعتدال) أو (متهاج السنة) : ليس الغرض منيا
المناظرة في اختلافات مذهبية يطمع منها ابن المطهر في أن يجعل المسلمين
روافض » أو يطمع منها شيخ الإسلام ابن تيمية في أن يرد الروافض إلى
الإسلام ؛ فإن هذا وهذا من المستحيلات ؛ لأن الأسس التي يقوم عليها بنيان
واحد ومعصوم واحد وهو النبي محمد قي ؛ وأنه لا معصوم بعده ولا مشرّع
غيره وهم يقولون بإثنى عشر معصوماً كلهم مصادر تشريع , ونحن نقول إن
حتى ثبت له ولنقباء الطالبيين في زمنه وبعده أن الحسن العسكري لا ولد له .
وهم يقولون وأنف التاريخ راغم إن للحسن العسكري ولدآ اختبا في
سرداب بيت أبيه منذ أكثر من أحد عشر قرناً » وأنه لا يزال حيآً ؛ وأنه هو
الحاكم الشرعي في الإسلام ؛ وأن كل حاكم مسلم على وجه الأرض من ذلك
الوقت إلى الآن إنما هو متغلب مفتثت ويدُّعى الولاية ظلما وبلاحق على
من له الولاية علئهم من المسلمين . بل كل حاكم أو إمام أو خليفة مسلم قبل
ذلك منذ توفي النبي فَيةِ إنما كان متغلباً مفتئتآ ظالمآً وهو حاكم غير شرعي +
وأن إمامهم الثاني عشر الذي لم يلد ولم يولد سيقوم في وقت ما ويعيد الله له
خَلْتى أبي بكر وعمر وكل خلفاء المسلمين وولاتهم فيحاكمهم ويصدر عليهم
المسلمين منذ بضعة عشر قرنآً إنما قام بأمر جمعه في هذه المصاحف وأشرف على
ذلك أبو بكر وعمر وعثمان ورجال آخرون من علماء الصحابة ؛ وأن الأحاديث
التي بني عليها التشريع في الإسلام إنما رواها هؤلاء الصحابة ؛ وأن علياً كان
الإنسانية بكمال الصدق والإستقامة على طريق الحق » كما سيرى القاريء
تفصيل ذلك في (الفصل الختامي) لهذا الكتاب » وقد أوردنا آنفاً الحديث
كانوا خير أمة محمد كَيةٍ كما ورد في حديث « خير القرون » وإذا كان أعظمهم
وأجلهم أبا بكر ثم عمر كما كان يقول أخوهما علي بن أبي طالب على منير
الكوفة : فيكون اعتقادنا نحن المسلمين في الصحابة موافقاً للحديث النبوي
وللثناء العلوي ولا تحقق فعلا من أحداث التاريخ © ويكون تعديلنا لحم
طريق هؤلاء البررة الأخيار رفي الله عنهم . أما ابن المطهر وسائر الشيعة
الإمامية الذين سياهم الإمام زيد بن علي بن الحسين « رافضة » فإن حكمهم
على أصحاب رسول اله يي يخالف حكمنا عليهم » وسترى تفصيل ذلك في
الأحاديث النبوية التي هي بعد كتاب الله عياد التشريع في الإسلام نتحرّى
نحن أخذها عن العدول الأمناء الضابطين الذين راقب تُقاد هذا الفن سيرتهم
وأطوارهم ودنتهم في التلقي والتلقين » فأسقطوا رواية من يتساهل في روايته
ولو كان من كبار العباد المتفردين في التقوى والصلاح » وميزوا بين من كان في
تقدّمت به السن وصار يعرض له الخطأ والتخليط والنسيان » فقبلوا ما كان
يرويه عند سلامة شروط الرواية فيه » وأسقظوا ما رواه بعد أن اختل فيه بعض
تلك الشروط » أما الشيعة فلا يعبأون في الحديث وروايته بشيء من أمر
الأمانة والعدالة والحفظ ويروون في الكافي وأمثاله من كتبهم المعتبرة
عندهم عن أكذب الناس » لأن مَدار التوثيق عندهم على العصبية والتشيّع
والحب والبغض + وقد تقلنالك آنقا بعض أحاديك من كتابهم الكافي تضمنت
الطعن في صحة القرآن » وليس بعد هذا محل للمراء والجدل فييا نحن
بصدده . ولذلك لم يتردّد ابن حزم في أن يقول لأحبار النصارى من الإسبانين
زرعة الرازي أنه قال : « إذا رأيت الرجل ينتقص أحدآً من أصحاب رسول
الله كَةِ فاعلم أنه زنديق » لأن الرسول بي عندنا حق » والقرآن حق » وإغا
أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله كِيةٍ ؛ وإغا يريدون أن
يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة » والجرح بهم أول + وهم زنادقة 6 .
ومما افترقوا به عن المسلمين زعمهم أن الإسلام لا يكفي لتوجيه الإنسانية
إلى سعادتي الدنيا والآخرة » وأن الأمة الإسلامية محكوم عليها بأن تكون في
حُكم القاصر إلى يوم القيامة » فتحتاج في حُكمها وأحكامها إلى أئمة معصومين
بعد النبي كي تكون لهم الولاية عليها ؛ أما المسلمون فيرون الدين الإسلامي
أسمى من ذلك لق وأن النفس الإسلامية 0 على الله من ذلك
0 « فلإسلام بكتابه ؛ وبالصحيح
الثابت من سنة نبيه كل هو الإمام المتبع الذي لانحتاج معه الأمة وأئمتها إلى
معصوم بعد انتقال نبيها كي إلى الرفيق الأعلى . وتلك هي (سنة) الإسلام
المعصوم في هذه الأمة الراشدة , ولذلك عرف جهور المسلمين في أدوار
الإسلام لا يكفى لتوجيهها ؛ بل لابد معه من أئمة معصومين تكون لهم
الولاية عليه وعلى الناس » فقد عرفوا في التاريخ باسم (الإمامية) ولم يتول
الإمامة النافذة عليهم إلا إمام واحد كانوا مشاغبين له ومتمردين عليه » وإن
واتباعه . وما انتهت الإمامة الشلاء المعطلة بموت الحادي عشر منهم عقيماً
ثيل
واعتبروه كالآلهة الوهمية في القرون الخالية حياً لا يموت ! وهذا المذهب في
الإنكار على الإسلام أن يكون كافيآً لحكم هذه الأمة اعتراف فاضح منهم
بنقص الإسلام ؛ وبأن أهله في حكم القاصر . وكتاب (ابن المطهر الحلي) يدور
حول الدفاع عن هذه النظرة الخبيثة للإسلام وأهله ؛ كما أن كتاب شيخ
الإسلام ابن تيمية يدور حول الاحتجاج لكمال الإسلام وأن أهله يستطيعون أن
يكونوا به من أهل الرشد ؛ فلا يحتاجون هم ولا أئمتهم إلى أئمة معصومين بعد
نبيهم صلوات الله وسلامه عليه ؛ لأن في الإسلام الكفاية والكمال الذي وصفه
الله في الآية الثالثة من سورة المائدة » وأن أئمة المسلمين كسائر المسلمين -
مأمورون بالعمل بهذا الإسلام الكامل , وأن على المسلمين لأثمتهم الطاعة
بالمعروف ؛ ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
ومما يدخل في هذا الفارق بيننا وبين الرافضة إنكارهم على الإسلام أنه (دين
جماعة) وعلى المسلمين أ نهم أهل للإجماع فيا لم برد فيه نص جلي من أمور
الأثمة , أما نظامنا التشريعيّ معشر أهل (السئّة) و (الجماعة) فيعترف بأن
(إجاع) أعلام العلماء بالفقه والتشريع يعتبر دليلاً على شرع الله ورسوله ؛ لأن
النبي يَقةِ قال فيا رواه الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنا « لا بجمع
فيا رواه عنه أبو ذَرٌ: « من خالف جماعة المسلمين شيراً فقد خلع ربقة الإسلام
من عنقه حتى يراجعه » ؛ وقال:« عليكم بالسواد الأعظم © ومن شذ شذ في
التار»» ولان الله عز وجل قر سبيل المؤمنين » بطاعة رسوله في قوله عز وجل
الله ورسوله » ونجرموا ماحم الله ورسوله ولا يجوز عليهم إجماع السكوت عن
الحق » ولو فعلوا لكانوا قد أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف ؛ وهو خلاف
الإسلام عندنا (دين جماعة) » ولذلك عُرف ججمهور المسلمين في أدوار التاريخ
بأنهم أهل (السة) و(الجماعة) » بينا الرافضة لا يقولون بإجاع الأمة ؛ لأن
الأمة عندهم قطيع لا نظام له ؛ ولا ينبغي له أن يحيا إلا بقيادة معصوم غير
النبي قَلةِ وشريعته الكاملة .
ونقطة أخيرة من نقط الخلاف بيننا وبينهم أن للمسلمين كعبةٌ واحدة
وعبادتهم أما هؤلاء الشيعة فيُشركون مع الكعبة بيتٍ الله الحرام كعبات
أخرى متعددة منها قب المغيرة بن شعبة في النجف الذي زعموا بعد دهر
طويل من شهادة سيدنا علي ودفنه بين مسجد الكوفة وقصرها أنه مدفون في
غيرة بالنجف + وقد اتخذوه كعبة لا يمكن أن يعرف قدرها عندهم إلا من
شاهد تهافتهم عليها وما يصنعونه عندها ؛ ومنها القبر المكذوب على سيدنا
الكتاب :
أرض ولكنما السبع الشداد لها دانت وطأطأ أعلاها لأدناها