القسم الأول المقدمة
لتأليف مثل هذه الرسالة » ولكن الله تبارك وتعالى إذا أراد أمراً هيا أسبابه »
وذلك أنني في أوائل جمادى الأولى سنة (1747ه) وصل بي التحقيق
لكتاب «الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الضغيرة وفصلة إلى
ككابين : «صحيح الجامع الصغير . :© » واضعيف الجامع الصغير . ٠ لي
حديث أبيرأمامة الباهلي رضي الله عنه في تحذير النبي 8 أمته من
الدجال » ووصكه ون ١| وحمي قلف قل على اللوالسلة
والسلام له في (اللد) من فلسطين » وغير ذلك من الحقائق المتعلقة بمسيح
الهدى ومسيح الضلالة ؛ وبحكم التحقيق الذي جريت عليه في الكتابين
اللذكورين اقتضى الأمر دراسة إسناد الحديث المشار إليه والنُّظر فيه » فوجدته
ثابت في «الصحيحين» وغيرهما من كتب السنة +
وما كان من البدهي أنه لا يمكن بمجرد مثل هذه النظرة العاجلة أن أحكم
بالصحة على الحديث بتمامه ؛ وأن يورد بالتالي في الكتاب الأول من الكتابين
السابقين : «صحيح الجامع . ..» ؛ بل لا بد من إمعان النظر في سائر فقراته ؛
بل وألفاظه » وتتبعها في بطون كتب السنة ومختلف الأحاديث الواردة فيها ؛ مما
له علاقة قريبة أو بعيدة بعيسى عليه الصلاة والسلام ؛ والدجال الأكبر لعنه الله
تعالى » وما يتعلق بهما » ودراسة أسانيدها بتحقيق مطوّل على نحوما جَرَينَا
القسم الأول المقدمة
حتى نستطيع في النهاية من القطع بصحته كله أو جله ؛ وبعد ذلك يورد في
فتوجهت الهمة لدراسة الحديث المذكور فقرة فقرة ؛ بل ولفظة لفظة » وذكر
الكلام على أسانيدها تصحيحاً وتضعيفاً . على ما تقتضيه قواعد علم الحديث
من التصحيح أو التحسين أو التضعيف وتتبع المتابعات والشواهد لها ؛ مما يساعدنا
على تخليص ما أمكن من فقراته من الضف الملازم لها من قبل ذات الإسناد »
والذي روي به من حديث أبي أمامة رضي الله عنه المشار إليه .
فتبين لي بعد هذه الدراسة الدقيقة أن الحديث بجميع فقراته إلا قليلاً
منها هو من الصحيح لغيه ؛ بل إن كثيراً منها من قبيل المتواتر امقطوع ثبوته
عن رسول الله فلغ ؛ ومن ذلك ما يتعلق بخروج الدجال الأعور » ونزول عيسى
عليه السلام من السماء » وقتله إياه
الفوائد المتعلقة بعيسى عليه السلام والدجال الأعور ما لم يرد في حديث
أبي أمامة مطلقاً الشيء الكثير ؛ لا سيما وقد بلغ عدد الأحاديث قريباً من
ثلاثين حديثاً ؛ عن أكثر من عشرين صحابياً ؛ للحديث عن بعضهم أكثر
من طريق واحد » وبخاصة حديث أبي هريرة ؛ فقد استخرجت له وحده
عشرة طرق » وفي كل طريق منها أحياناً ما ليس في الطريق الأخرى من
الفوائد والزيادات .
القسم الأول المقدمة
ولذلك ؛ فإني بعد أن انتهيت من دراسة الحديث وفقراته ؛ وتخريج
شواهدها من الأحاديث المشارة إليها » وأودعته في كتابي «سلسلة الأحاديث
الصحيحة» برقم (14010) ؛ فقد بدت لي فكرة جميلة ؛ ألا وهي تتبع تلك
الفوائد المشار إليها ؛ وضمها إلى مواطنها المناسبة لها في حديث أبي أمامة
في كتابي «حجة النبي 8 كما رواها جابر رضي الله عنه» ؛ مع اختلاف
جوهري بين الحديثين » فالكتاب المذكور خاص بروايات حديث جابر وحده
دون سائر الصحابة ؛ تتبعتها ووضعت كل زيادة صحيحة في المكان المناسب
لسياق حديثه رضي الله عنه من رواية مسلم عن أبي جعفر الباقرعنه .
من الصحابة رضي الله عنهم ؛ وقد تجاوز عددهم العشرين صحابيا ؛ كما
سبقت الإشارة إليه .
ولم تزل تراودني تلك الفكرة ؛ وأجيلها في ذهني المرة بعد المرة ؛ حتى
يسهل تناوله على الناس جميعاً على اختلاف ثقافاتهم ومراتبهم - وب
لهم شتات ما تفرق في الأحاديث من الفوائد التي لا يمكن لأكثر الخاصة
استخراجها منها ؛ فضلاً عن عامتهم .
القسم الأول المقدمة
الأول : شك كثير من ينتمون إلى العلم بل وإلى الدعوة إلى الإسلام ؛
فضلاً عن غيرهم من لا ثقافة إسلامية عندهم من الشباب المثقف وغيرهم من
العوام في عقيدة نزول عيسى عليه الصلاة والسلام ؛ وقتله للدجال في آخر
الأزهر هم من هؤلاء الشاكين إن لم يكونوا من المنكرين لها وقد عرفت ذلك
وتعليقات آخرين منهم على بعض الكتب .
ومن أشهر هؤلاء الشيخ (محمد عبده) ؛ فإنه يقول في حديث نزول
عيسى عليه السلام تارة : بأنه حديث آحاد ! وهذا حسب علمه بالحديث +
وهو من أبعد العلماء المعاصرين عنه في نقدي » وتارة يتأْوّلُ نزولهُ وحكمَهُ في
الأرض بِعَلَبَة روحه وسِرٌّرسالته على الناس » وهوما غلب في تعليمه من الأمر
بالرحمة وامحبة والسلم . . . حكاه السيد رشيد رضا في «تفسيره» (317//1) ؛
«ولكن ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك تأباه» ؛ فإنه رد هذا الاستدراك
«ولاهل هذا التأويل أن يقولوا : إن هذه الأحاديث قد نقلت بالمعنى كأكثر
الأحاديث » والناقل للمعنى ينقل ما فهمه . وَسَْلَ (يعني : محمد عبده) عن
القسم الأول المقدمة
السيح الدجال وقتل عيسى له؟ فقال : إن الدجال رمز للخرافات والدجل
والقبائح التي تزول بتقرير الشريعة على وجهها ...6 !
ومن الغريب أن هذا التأويل سبقه إليه مدعي النبوة (ميرزا غلام أحمد
لآيات كثيرة من القرآن ؛ يحرّفها ويستدل بها على نبوته ؛ كتأويله لقوله تعالى
أنه هو المقصود بقوله : #أحمد» ! وله من مثل هذا الشيء الكثير » وفي غاية
السخف ؛ كما قال السيد رشيد نفسه في صدد الرد عليه في موضع آخر من
«وقد جرى على طريقة أدعياء المهدوية من شيعة إيران كالبهاء والباب -
من سورة الفاتحة ! وله في تفسيرها كتاب في غاية السخف يدعي أنه معجزة
له !! فجعلها مبشرة بظهوره » وبأنه هو مسيح هذه الأمة !8 +
قال السيد رشيد عقبه :
«و إنما فتح على هذه الأمة هذا الباب الغريب من أبواب تأويل القرآن »
تناسبها ؛ أولثك الزنادقة من المجوس وأعوانهم الذين وضعوا تعاليم فرق
الباطنية ؛ فراجت حتى عند كثير من الصوفية» .
قلت : فما الفرق بين تأويل هؤلاء الباطنية للقرآن ؛ وتأويل القاديانية
و(محمد عبده) ومن تَبِعَهُ لأحاديث النزول والدجال بذلك التأويل الباطل
بداهة؟! وكيف سكت عليه السيد رشيد رحمه الله ؛ بل تأول لهم تأويلاً
مثلاً: إذا تواترعن الصحابة أن النبي َل نهى عن شيء كلحوم الحمر
من النهي بطري قٍ ما من طرق التأويل ؛ بحي يُعطل هذا النَّهِي ويصير كأنه لم
يرد مطلقاً؟! اللهم ! إن هذا لهو الضلال المبين » نسأل الله تعالى أن يحمينا منه ٠
وإليك مثالاً آخر من أمثلة التأويل الذي بلي به بعض الكتاب المعاصرين
من الأزهريين : قال الشيخ (محمد فهيم أبوعبية) في تعليقه على «نهاية
البداية والنهاية» (11/1) :
الدعوة إلى دين الله بنفسه؟ أم أن المراد بنزول عيسى هو انتصار دين الحق
وانتشاره من جديد على أيد مُخْلصة تعمل على تخليص المجتمع الإنساني من
الشرور والآثام؟ رأيان ( ! ) ذهب إلى كل منهما فريق من العلماء (!) +
وهذا هوما يقال بالنسبة إلى الدجال : هل هو شخص من لحم ودم ينشر
الفساد » ويهدد العباد » ويملك وسائل الترغيب والترهيب والإفساد ؛ حتى يقي
القسم الأول المقدمة
له عيسى عليه السلام فيقتله؟ أم إنه َم لانتشار الشر » وشيوع الفتنة ؛ وضعف
نوازع الفضيلة » تهب عليه ريح الخير المرموز إليها بعيسى عليه السلام » فتذهيه
وتقضي عليه ؛ وتأخذ بيد الناس إلى محجة الخير ومنهج العدل والتديّن؟) !0 .
قلت : ولا يكتفي هذا الأزهري (الفهيم) بهذا التعطيل لنصوص السنة
وتأويلها على طريقة الرمز الذي هو مذهب الباطنية اللحدة ؛ كما سبق
حكايته عن السيد رشيد رضا نفسه - بل إنه يوهم القراء بأن هذا التعطيل هو
رأي لبعض العلماء يقابل الرأي الأول ! والحقيقة أنه لم يقل به أحد ممن له
ذكر بالعلم في أهل الحديث والسنة ؛ وإنما قال به بعض الخوارج والمعتزلة من
الفرق الضالة ؛ قال القاضي عياض :
«في هذه الأحاديث حجة لأهل السنّة في صحة وجود الدجال » وأنه
يقتله (فقرة ١17 و18 أبو أمامة »18 السياق) » وظهور الخصب ؛ والأنهار
والجنة والنار » واتباع كنوز الأرض له ؛ وأمره السماء فتمطر » والأرض فتنبت
ثم يعجزه ؛ فلا يقدر على قتل الرجل ولا غيره ؛ ثم يبطل أمره ؛ ويقتله عيسى
ابن مريم » وقد خالف في ذلك بعض الخوارج والمعتزلة والجهمية ؛ فأنكروا
وجوده » وردوا الأحاديث الصحيحة» !
+ )188 وذكر نحو هذا (ص )١(
القسم الأول المقدمة
لسلفهم من الخوارج والمعتزلة ؛ وأخيراً القاديانية كما سبق - تارة بطريق
التشكيك في صحة الأحاديث بزعم أنها آحاد كما فعل الشيخ (محمود
شلتوت) في بعض مقالاته ؛ تبعاً للشيخ (محمد عبده) كما سبق وتارة
بطريق التأويل والتعطيل كما فعل هذا (الفهيم) ! وهو وإن كان اقتصر في
كلامه السابق على حكاية الرأيين بزعمه - دون أن يحدد موقفه بوضوح
ما سيرجحه هو فيما بعد ! فاسمع إليه وهو يقول في تعليقه على الفقرة الآنية
«اختلف العلماء في الكتابة هنا : هل هي حقيقة ؛ أم أنها كناية عن
ما يبصرها الحقيقة دون امتراء . . . ولعل هذا التأويل هو الأقرب وهو الأسلم»"!
ترجيحه ؛ قال الحافظ في «الفتح» (17/م):
«قال النووي : الصحيح الذي عليه المُحفّقون أن الكتابة المذكورة حقيقة ؛
جعلها الله علامة قاطعة بكذب الدجال ؛ فيظهر الله المؤمن عليها » ويخفيها
على من أراد شقاوته» . قال الحافظ :
+ )144 وذكر نحوه (ص )١(
القسم الأول
عليه ؛ وهو مذهب ضعيف» .
به بعد عدة صفحات ؛ فيقول (ص )١١8 :
«اختلاف ما روي من الأحاديث في مكان ظهور الدجال . . . يشير إلى أن
وهذا هو الذي جزم به في تصديره للكتاب ؛ فقال (ص 6) :
«ثم سرنا مع القائلين بأن ظهور المهدي ونزول عيسى عليهما السلام هما
رمزان لانتصار الخير على الشر » وأن الدجال زَمَرّ لاستشراء الفتنة » واستيلاء
الضلال فترة من الزمان . ..»!
قلت : وهذا (الفهيم) هو رئيس بعثة الأزهر الشريف ب (لبنان) ؛ كما طبع
ولقد أساء جداً في تعليقاته على الكتاب المذكور إلى مؤّفه وكتابه من جهة ؛
و إلى الحديث النبوي من جهة أخرى ؛ مما يدل على جهله البالغ به ! فإنه قطع
بتضعيف أحاديث صحيحة ؛ لعدم اتساع قلبه لها ! ولم يسبقه إلى ذلك أحد من
أهل العلم كحديث الجساسة ؛ انظر (ص6 و47 و١١٠) »؛ وقد رواه مسلم »
وحديث المهدي (ص )77 غير مبال بتصحيح المؤلف ابن كثير لبعضها (ص47
و47) ؛ بل جزم بوضع حديث آخر رواه مسلم في «صحيحه» (ص 8ه -64) !