بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي الكتاب :
إن الحمد لله © نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ؛ ونعوذ بالله من
هادي له ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده
وأدى الأمانة » ونصح الآأمة ؛ وتركها على المحجة البيضاء . ليلها كنهارها لا
والتابعين » ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وبعد :
يما بيان : الفتن » تلكم التي ثأتي على الايمان من جذره ؛ فتترك صاحبها
والفتن : جمع فتنة ؛ وأصل الفتن : ادخال الذهب في النار لتظهر
جودته من رداءته » ويستعمل في ادخال الانسان النار ء ويطلق على العذاب +
وعلى ما يحصل عند العذاب » وفيما يدفع اليه الانسان من شدة ورخاء ؛ وفي
الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا +
وقد تخصص الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان بمساءلة رسول الله َي
ورسوله » وصفيه وخليله ؛ بعثه الله كافة للناس
عن الفتن وأنواعها وطرق تجنبها والخلاص والنجاة منها . روى البخاري في
« صحيحه » 19 : 9© عن حذيفة بن اليمان قال : « كان الناس يسألون
رسول الله بةٍ عن الخير ؛ وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني . فقلت :
الخير من شر؟
فاعتزل تلك الفرق كلها ؛ ولو أن نَعَضٌ بأصل شجرة حتى يدركك الموت
وروى البخاري في « صحيحه ١# : 48 عن أبي وائل ١ شقيق بن
حالف قال ؟ ممع حلي يقول : « بينما نحن جلوس عند عمر إذ قال :
أيكم يحفظ قول النبي يَف في الفتئة ؟ قال : فتنة الرجل في أهله وماله وولده
وجاره يُكثَّرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ قال :
بأس يا أمير المؤمنين » إن بينك وبينها باباً مغلقاً . قال عمر : أَيُكسَر الباب أم
يُفتح ؟ قال : لا بل يكسر . قال عمر : إذن لا يغلق أبداً ؛ قلت : أجل . قلنا
لحذيفة : أكان عمر يعلم الباب ؟ قال : نعم ؟ كما يعلم أن دون
فسأله ؛ فقال : من الباب ؟ قال : عمر» » -
والفتن من الغيييات والأمور المستقبلة ؛ لا تعلم الا بنص ونقل عن
الصادق المصدوق تَية ؛ الذ:
تأخذ حذرنا منها + وت
على أمته يه » كي يستنقذها من النار ء ويدلها على الطريق المستقيم
المتباعد عن الفتن والأهواء » الموصل الى جنة عرضها كعرض السموات
والأرض
ا للنجاة . وهذا من تمام رحمته وكمال شفقته
والساعة كذلك من هذا القبيلٍ ؛ فهي غيب من الغيب الذي استأثر الله
كما في قوله تعالى في سورة لقمان آية 4* : ( إن الله عنده علم الساعة +
وينزل الغيث » ويعلم ما في الأرحام » وما تدري نفس ماذا تكسب غداً » وما
تدري نفس بأي أرض تموت . إن الله عليم خبير ٠
وعلامات الساعة على ضربين ؛ علامات صغرى » وهي التي تتقدم
الساعة بأزمان بعيدة متطاولة » وتكون معتادة الوقوع في ذاتها ؛ وعلامات
كبرى ؛ وهي التي تقارب الساعة مقاربة وشيكة » وتكون غير معتادة الوقوع في
العلم والنكاح 178/1 130/4 ) عن أنس بن مالك قال : سمعت
رسول الله يله يقول : « إن من أشراط الساعة أن يَقِل العلم ؛ ويكثر الجهل +
ويفشو الزنا . ويشرب الخمر ؛ ويقل الرجال ؛ ويكثر النساء ؛ حتى يكون
لخمسين امرأة القيم الواحد » -
والعلامات الكيرى عشي وردت مفرقة في أحاديث كثيرة ؛ وذكرت
سيد الغفاري رضي الله عنه حيث قال : اطلع
النبي فَيةٍ علينا ونحن نتذاكر ؛ فقال : ما تذاكرون ؟ قالوا : نذكر الساعة .
قال : انها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات . فذكر : الدخان . والدجال +
والدابة ؛ وطلوع الشمس من مغربها ؛ ونزول عيسى ابن مريم ؛ ويأجوج
مجتمعة في حديث
ومأجوج ؛ وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ؛ وخسف بالمغرب ؛ وخسف
بجزيرة العرب ؛ وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد اشاس الى
محشرهم » . أخرجه مسلم وسيأتي برقم 464 +
ومن الأمور التي تتعلق بعلامات الساعة الكبرى ظهور المهدي . بعض
العلماء عدّ ذلك من العلامات الكبرى والأغلب منهم عد ظهوره بين يدي
العلامات الكبرى . لأن له علاقة ومشاركة في بعض أحدائها . فهو الرجل
الصالح الذي ينزل عليه عيسى ابن مريم عليه السلام ؛ ويأتيه الى بيت
المقدس ؛ ويساعد عيسى في قتل الدجال . وقد علمنا أن ظهور الدجال +
ونزول عيسى عليه السلام من علامات الساعة الكبرى .
والمهدي رجل صالح من آل رسول الله 8 » ومن ذرية سبطة الحسن »
يملك سبع سنين أو تسع سنين ؛ ويبعث الله تعالى من يمهد ويوطىء لبيعته
وإمامته » وذلك عند موت خليفة » حين تكون رقاب الناس خالية من بيعة
وقد وردت أحاديث كثيرة في المهدي ؛ كثير منها غريب وضعيف +
وبعضها حسن وقليل منها صحيح . قال الشوكاني في « التوضيح في تواترما
جاء في المنتظر والدجال والمسيح » فيما نقله عنه في الإذاعة ص ١١7 السيد
محمد صديق حسن » قال : والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف
عليها منها خمسون حديشاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر » وهي
متواترة بلا شك ولا شبهة . بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على
جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول . وأما الأثارعن الصحابة المصرحة
بالمهدي فهي كثيرة أيضاً ؛ لها حكم الرفع » اذ لا مجال للاجتهاد في مشل
قال ابن حجر في كتابه شرح نخبة الفكر ص 7ه : ٠ ومثال المرفوع من
لا مجال للاجتهاد فيه ؛ ولا له تعلق ببيان لغة أو شرح غريب ؛ كالإخبار عن
الأمور الماضية من بدء الخلق » وأخبار الأنبياء أو الآتي كالملاحم والفتن
وأحوال يوم القيامة . وكذا الأخبارعَما يَحَصَلَ بفعله نوات حخَصوص أو عقاب
وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موققفاً للقائل به . ولا موقف للصحابة إلا
النبي فَله ؛ أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة . فلهذا وقع الاحترازعن
القسم الثاني . وإذا كان كذلك فله حكم ما لو قال : قال رسول الله ف +
مما تقدم نعلم أن هذه الآثار الكثيرة المروية عن الصحابة في المهدي
إذا توفرت فيها شروط الصحة من اتصال السند ؛ وعدالة الرواة » وضبط
الرواة ؛ وعدم الشذوذ » وعدم العلة ولم يكن صحابيّها ممن يروي
الإسرائيليات فإن لها حكم الرفع , أي كأن الصحابي يقول : قال
رسول الله فَهةِ . وذلك لأن قضية المهدي مما لا مجال للرأي والاجتهاد فيها +
وكذلك ليست من قبيل شرح الغريب ؛ أو بيان اللغة ؛ إنما هي اخبارعن أمور
غيبية مستقبلية ستقع في آخر الزمان » تور في معظمها ضوابط المرفوع حكماً
التي وضعها الحافظ ابن حجر - في النقل المتقدم من شرح نخبة الفكر لذا
في المهدي ؛ الله أعلم .
ويعتقد أهل السنة بأن رجلا صالحاً من نسل رسول اله بَفةٍ سيظهر في
آخر الزمان » ليرشد الناس الى الحق ؛ ويردهم عن الضلال ؛ الا ان هذا
الاعتقاد لا يُعدَ عندهم من أصول الدين الهامة ؛ وانما هو أمر فرعي . وقد عدٌ
السفاريني في عقيدته المسماة « لوامع الأنوار البهية » 7 : 70 الايمان
بالمهدي من جملة عقيدة أهل السنة والجماعة فقال : وما أتى بالنص من
أشراط فكله حق بلا شطاط » منها الامام الخاتم الفصيح : محمد المهدي
والمسيح .
وقال السفاريني أيضاً ؟ : 84 : « قد كثرت الأقوال في المهدي حتى
قيل : لا مهدي إلا عيسى . والصواب الذي عليه أهل الحق : أن المهدي غير
عيسى + وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه السلام . وقد كثرت بخروجه
الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي . وشاع ذلك بين علماء السنة حتى
عذّ من معتقداتهم »
ثم سرد مجموعة أحاديث عن جملة من الصحابة وقال : « وقد روي
عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة
فالايمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم » ومدون
في عقائد أهل السنة والجماعة » .
وذكر مثل هذا الشيخٌ الحسن بن علي البربهاري الحنبلي المشوفى سئة
4*ه في عقيدته المثبتة ضمن ترجمته في كتاب طبقات الحنابلة لابن أبي
يعلى الخنبلي .
وقال أبو محمد بن قدامة المقدسي في كتابه لمعة الاعتقاد : « ويجب
على حقيقة معناه . مثل : حديث الاسراء والمعراج . ومن ذا أشراط الساعة
مثل خروج الدجال » ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله ؛ وخروج
يأجوج ومأجوج » وخروج الدابة ؛. وطلوع الشمس من مغربها ؛ وأشباه ذلك
ويدخل في قول ابن قدامة هذا وجوب الإيمان بالمهدي بناءً على قوله :
الواردة في المهدي » .
وكذلك قوله بعد أن ذكر أشراط الساعة الكبرى : « وأشباه ذلك مما صح
به النقل » لأن الأحاديث الواردة في المهدي التي صح بها النقل تبين أن
المهدي بين يدي الأشراط » لأن له مشاركة في بعض أحدائها ؛ فهو الإمام
الذي ينزل عليه عيسى عليه السلام ويساعده في قتل الدجال كما جاء في مسند
اترأ معنوياً » كما نقل عن غير واحد من
-١ الإمام أبو الحسين الأبري السجستاني - وهو محمد بن الحسين بن
إبراهيم الأبري نسبة الى آبر من قرى سجستان » المتوفى سنة 777 - قال في
كتابه مناقب الشافعي : « وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله فَه
يذكر المهدي » وانه من أهل بيته ؛ وأنه يملك سبع سنين ؛ وانه يملا الأرض
نقل هذا عنه : الإمام ابن القيم في كتابه المثار المنيف + وسكت عنه +
وكذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري + : 447 » وفي تهذيب التهذيب في
ترجمة محمد بن خالد الجندي » وسكت عليه ؛ والقرطبئ في التذكرة في .
أحوال الموتى وأمور الأخرة , وأبو الحجاج المزي في كتابه تهذيب الكمال +
والسيوطي في العرف الوردي في أخبار المهدي ؛ ومرعي بن يوسف الكرمي
في فوائد الفكر كما نقل عنه صديق حسن في الإذاعة .
7 والشيخ محمد البرزنجي المدني المتوفى سنة 7١١١ه قال في
كتابه الإشاعة لأشراط الساعة » ص ١١7 : « قد علمت أن أحاديث المهدي
وخروجه آخر الزمان » وأنه من عترة رسول الله فَيةِ من ولد فاطمة عليها السلام
بلغت حد التواتر المعنوي ؛ فلا معنى لانكارها » . وقال في ص 184 :
« وغاية ما ثبت بالأخبار الصحيحة الصريحة الكثير: الشهيرة التي بلغت التواتر
المعنوي وجود الآيات العظام التي منها ؛ بل أولها خروج المهدي » وأنه يأتي
© والشيخ العلامة محمد السفاريني الحنبلي المتوفى سئة 11848ه »
قال في كتابه د لوامع الأنوار البهية » 7 : 84 : « وقد كثرت بخروجه الروايات
حتى بلغت حد التواتر المعنوي » ؛ ثم سرد مجموعة من الأحاديث عن بعض
الصحابة وقال : « وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي
الله عنهم بروايات متعددة ؛ وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم
القطعي والذي يفيد العلم القطعي هو التواتر فالايمان بخروج المهدي
واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدوّن في عقائد أهل السنة والجماعة » .
؛ والعلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 17858ه
في كتابه « التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدّجال والمسيح » بعد أن
ساق الأحاديث الواردة في ذلك قال : « فتقرّر أن الأحاديث الواردة في المهدي
في نزول عيسى ابن مريم متواترة » ؛ كما في التصريح ص 84 نقلا عن
« عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام » للشيخ عبد الله بن
الصديق الغماري .
« والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون
حديثاً , فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر » وهي متوائر: بلا شك ولا
شبهة » بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات
المحررة في الأصول .
وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جداً ؛ لها حكم
الرفع اذلا مجال للاجتهاد في مثل ذلك .
* والشيخ صديق حسن القدوجي المتوفى سنة 707١ه في كتابه
« الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة»ص ١١7 قال : « والأحاديث الواردة
في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً ؛ تبلغ حد التواترء
وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام . من المعاجم والمسانيد ؛ 6 ثم
قال ص 3:146 لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان, من غير تعيين لشهر
وعام ؛ لما تواتر من الأخبار في اباب » واتفق عليه جمهور الأامة خلفا عن
سلف, إلا من لا يُعتد بخلافه » ثم قال ص 146 : « فلا معنى للريب في أمر ذلك
الفاطمي الموعود » المنتظر ء المدلول عليه بالأدلة » بل إنكار ذلك جرأة
عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة » البالغة إلى حد التواتر» +
+ والشيخ العلامة محمد بن جعفر الكَّانِيي المتوفى سنة 1740ه في
كتابه و نظم المتناثر من الحديث المتواتر » ص ١46 قال : « وتتبع ابن خلدون
في مقدمته طرق أحاديث خروجه ؛ مستوعباً لها على حسب وسعه ؛ فلم تسلم
والحاكم والطبراني وأبي يعلى الموصلي والبزار وغيرهم من دواوين الإسلام
بالشواهد والمتابعات .
وأحاديث المهدي بعضها صحيح ؛ وبعضها حسن ؛ وبعضها ضعيف .
وأمره مُشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الأعصار » وأنه لا بد
في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت النبوي يؤيد الدين » ويظهر
العدل ؛ ويتبعه المسلمون + ويستولي على الممالك الإسلامية ؛ ويسمى