لب لسر المكتوم: مقدمة التحقيق
وذلك كثير شهير في الكتاب والسئة» وسيأتي بعضه عند المصنف.
- ما فيه من التعرض لطول الحساب في الآخرة؛ وقد جاء : «إن حلالها
حساب» وحرامها عذاب»”". والعاقل يعلم أن طول الحساب نوع من العذاب»
وأن سرعة الانصراف من الموقف إلى الجنة من أعظم المقاصد؛ وإن المال صا
)١488 أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب الزكاة (باب الصدقة على اليتامى) (رقم )١(
وكتاب الرقاق (باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها) (1774) من حديث أبي سعيد الخدري.
(؟) سيأتي تخريجه في التعليق على رسالة المصنف.
(©) أخبرنا النبي © أننا سنتبع سننهم -اعني: اليهود والنصارى-؛ وهم منغمسون بالملذات؛
وهذا واقع اليوم بلا دافع؛ وهذه المضاهاة هي أخطر ما تصيب الأمة على الإطلاق؛ وعدم معرفة (فقه
المفاضلة) المذكورة يسبب ويلات على الأمة؛ سلباً وإيجاباً؛ ولذا فهزة أمتنا ورفعتها بتعلّم أحكام
دينهاء والخطورة كل الخطورة في تناول الأحكام تناولاً أولياً من نص واحده وإهدار سائر النصوص؛
أو عدم اعتبار ما جاءت به الشريعة من تحقيق مقاصد معتبرة؛ وتامل ما سياتيك تجد مثالا مهما على
الس المكتوم: مقدمة التحقيق باب
يعلمون أن المال محمود من وجوه كثيرة» منها:
- إنه نعمة من الله -عز وجل- كسائر النعم» يجب شكرهاء والواجب
- إنه يستعان به على الطاعات؛ وهو ذريعة في بعض الأحايين إلى تحقيق
«نعْم المال الصالح للرجل الصالح»”"'"؛ وفي الحديث الآخر: «ذهب أهل الدثور
بالأجور والدرجات العلا والنعيم المقيم....» .إلى أن قال: «ذلك فضل الله يؤتيه
أكل كذاء وله مقدمات وشروط ولواحق لا بد من مراعاتهاء فإذا رُوعيت صار
ذلك وسيلة إلى العبادات والطاعات» وإن لم تُراع كان التسبب والتناول فيه
سؤبلا عنه.
)١( سياتي تخريجه في التعليق على رسالة المصنف.
(1) إذ هو عند المحققين الأصوليين (فعل)؛ ولذا من عمل الصالحات من أجل الناس فهو
المرائي» ومن تركها من أجلهم فقد أشرك فكان الترك شرعه من أجلهم» على ما ذكر الفضيل بن
سيم السَّرْ المكتوم: مقدمة التحقيق
وتأمل حادثة سلمان وأبي الدرداء. فيما أخرج البخاري (1474 1174)
يتبين لنا من هذا أن الفعل والترك يتعلق بهما الحساب؛ وإذا كان كذلك؛
#ا فصل النزاع:
والصواب في هذا الباب: أن تناول المباح؛ وتحصيل المال من حله؛ لا
يصح أن يكون صاحبه محاسباً عليه بإطلاق» وإنما يحاسب على التقصير في
الشكر عليه؛ إما من جهة تناوله واكتسابه؛ وإما من جهة الاستعانة به على
ذلك وعمل على ما أمر به؛ فقد شكر نعم الله
)١( اشدُ واجب وأهمه في شرع الله تعالى -في نظري-: إعطاء كل ذي حت حقه. فالنفوس
ترغبء والأهواء تميل» وقد يكون ذلك مع شيء يحبه الله -تعالى-؛ ولكن (إعطاء كل ذي حق حقه)
السّرُ المكتوم: مقدمة التحقيق -١١-
وهذه النعم هدايا من الله للعبد؛ وهل يليق بالعبد عدم قبول هدية السيد؟
هذا غير لائق في محاسن العادات» ولا في مجاري الشرع؛ بل قصد المهدي أن
تقبل هديته؛ وهدية الله إلى العبد ما أنعم به عليه فليقبل» ثم ليشكر له عليها.
والخلاصة؛ إنّ المال لا بد أن يكون خادماً لأصل ضروري أو حاجي أو
فعله؛ وذلك أن التمتع بما أحل الله -عز وجل- من المأكل والمشرب ونحوهما:
الحياة'"» فهو معتبر ومحبوب بالنسبة إلى حقيقته الكلية؛ لا إلى اعتباره الجزثي؛
أما إن عاد المال لنقض أصلٍ من أصول الشرع؛ والاعتداء على المقاصد
ولذا فالفصل في المسألة: أن ذم المال بإطلاق لا يستقيم؛ كما أن مدحه
موضعه”"؛ ومسألة النفقات وأحكامها فالقاعد عن العمل معرض نفسه للمسألة؛
يوم القيامة» وإليه يرجع قوله -تعالى :قلسن اين أَْسِلَ إ
)١( قال ابن حزم في «الأخلاق والسير» (ص 179- ط. عبدالحق):
ا اصلاً». فلله در ما أدقّه! وأبعد غوره وفهمه!
(1) من بديع ما يذكر في هذا الباب: ما قاله ابن حزم في «المحلى» (18/ 1100
«فإضاعة المال حرام» وإثم وعدوان بلا خلاف». وقال عن إهمال (إصلاح المال)؛ ِ
سالاب السْرْ المكتوم: مقدمة التحقيق
مسألة التبذير والشح؛ فكلاهما مذموم» وهما طرفان؛ والعدل والخير بينهما.
#« الصحابة والمال:
)١( أخرجه مسلم في «صحيحه» في كتاب الزكاة (باب النفقة على العيال والمملوك وإثم من
ضيعهم أو حبس نفقتهم عنهم) (7/ 147 رقم 447) من حديث عبدالله بن عمرو بلفظ: «كفى بالمرء
حبان في «صحيحه» (4740- «الإحسان»). والقضاعي في «مسند الشهاب» (1411: 4)1417
في «الحلية (7/ 06 17).
وأخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (١1081)؛ والنسائي في «الكبرى» (8// 11/4 رقم 41707-
في «مكارم الأخلاق» (رقم 1309)؛ والحاكم في «المستدرك» (800/1)؛ والقضاعي في «مسئد
الشهاب» (رقم ؟141) بلفظ: «يعول» بدل «يقوت»؛ جميعهم من طريق أبي إسحاق السبيعي؛ عن
معين؛ والعجلي؛ وابن حبان (484/8)؛ ونقل الذهبي في «الميزان» (5/ + 0©) جهالته عن ابن
السرُ المكتوم: مقدمة التحقيق - ١“
وأورع الناس في كسبه.
فربما سمع أخبارهم في طلبه من يتوهم أنهم طالبون له من جهة ملذاته
إليه جعله لأصحابه؛ وإقامة الدين» فكاني به -بابي وأمي 4- مع كونه المتسبب
ما احتاج» وهو أقل مرتبة من هذاء
#ا مراتب الناس في حظوظهم في المال:
السموات والأرض» وهو حسيبهم لا يخيبهم» فصارت الشهوة والنزوة والحظوة
عندهم من قبيل ما قد ينسى؛ ويأئف الواحد منهم إلى الالتفات إليها على وجه ما
فيها مزاحمة لحق الله -تعالى-» وهذه نماذج للتدليل على ذلك:
- صح عن عائشة -رضي الله عنها- أن ابن الزبير بعث لها بمال في غرارتين
-١4- السْرُ المكتوم: مقدمة التحقيق
بدرهم لحماً تفطرين عليه؟ ا
- وروي عنها أنها قسمت سبعين الفا وهي ترقع ثوبهاا""؛ وباعت ما لها بمشة
17 أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (37//8)؛ والدارقطني في «المستجاد» (رقم )١(
17 /4( -ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (17/ ق 778)- » والحاكم في «المستدرك» )17/
وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 48:57 والبغوي في «الجعديات» (17772) بإسناد صحيح. بالفاظ مقاربة.
المصنف (ص 198)؛ وتعليقنا عليه.
() إنفاق الأموال في وجوه الخير عظيم» وهو عنوان الثقة بالله وتفويض الأمر إليه؛ وهذا ما
الشرع ويستدعيه الاحتفاظ بعزة النفس وشرفهاء ولا يحق للرجل أن ينكث يده من العمل وهو قادر
لسر المكتومُ: مقدمة التحقيق -١٠-
- ومنهم من يعد نفسه كالوكيل على مال اليتيم”'"؛ إن استغنى استعفً وإن
احتاج أكل بالمعروف» وما عدا ذلك صرفه كما يصرف مال اليتيم في منافعه؛ فقد
يكون في الحال غنيا عنه؛
الإمساك؛ وإن احتاج أخذ منه مقدار كفايته بحسب ما أذن له من غير إسراف ولا
لحبى نفسه دو ير وه لم يغلي بل جعل نفسه كآحاد الخلق» فكأنه قسَّام في
وفي «الصحيح» عن أبي موسى قال: قال رسول الله 48: «إن الأشعَرئين إذا
ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد؛ فهم مني وأنا منهم»”"".
- عليه بدعوى أن تدبير الله له خير من تدبيره؛ ومن يفعل ذلك؛ فليس من الفضيلة في شي» وليست
هذه الدعوى إلا من مظاهر الكسل والإخلاد إلى الرضا مما تجود به أنعم العاملين؛ فترجع في الحقيقة
إلى معنى أن تدبير الخلق له خير من تدبير نفسه
)١( أخرج ابن شبة في «تاريخ المدينة» (1/ 340-144 01) وسعيد بن منصور في
14٠ وابن جرير في «التفسير» (90/ 0/87 رقم /8047)؛ وابن سعد في «الطبقات؟ (4)177/3
والنحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص 7١١)؛ والبيهقي في «شعب الإيمان» (1/ 5-4 304)) وابن
الجوزي في «مناقب عمر» (ص )٠١ من طرق عن عمر؛ قال: لإني أنزلتُ نفسي من مال الله منزلة
بمجموع طرقه إن شاء الله تعالى. وفي رواية أنه قال ذلك لعمار وابن مسعود -رضي الله عنهم- حين
ولاهما أعمال الكزفة؛ وفيها: «إني وإياكم في مال الله... وذكر نحوه.
)١( أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب الأشعريين (باب الشركة في الطعام
والعروض) (178/8 رقم 14/87))؛ ومسلم في «صحيحه» في كتاب فضائل الصحابة (باب من فضائل
الأشعريين -رضي الله عنهم -) (4/ 1446-١444 رقم 1608) من حديث أبي موسى الأشعري
-رضي الله عنه-.
بن السْرُ المكتوم: مقدمة التحقيق
وفي حديث المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار هذا" '"؛ وقد كان عليه الصلا
والسلام يفعل في مغازيه من هذا ما هو مشهور""؛ فالإيثار بالحظوظ محمود غير
على الاستقامة في حالتين.
)١( أخرج البخاري في «صحيحه» في كتاب مناقب الأنصار (باب إخاء النبي © المهاجرين
والأنصار) (رقم 7/87) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال
وأخرج البخاري في اصحيحه» (رقم 718١ في الكتاب والباب السابقين» وفي (باب كيف
آخى النبي © بين أصحابه) من الكتاب نفسه (رقم 7477 ومسلم في «صحيحه» في كتاب النكاح
(باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن...) (رقم 1477)؛ وغيرهما من حديث أنس؛ قال: «قدم
وماله؛ فقال عبدالرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك؛ دلي على السوق؛ فربح شيئاً من إقط
سمحن
(1) قلت: أكتفي هنا بذكر مثال واحد وقع في غزوة تبوك؛ فقد أخرج مسلم في #صحيح» في
كتاب الإيمان (باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً) (1/ 01-00 رقم /7؟) بسنده
فقال عند ذلك: «أشهد أن لا إله إلا الله؛ لا يلقى بهما عبد غير شاك فيهما إلا دحل الجنة».
وأخرجه أحمد في #مسنده» (7/١١)؛ وقد تكلم بعضهم في صحة هذا الحديث بكلام
متعقب. انظر: «شرح النووي على صحيح مسلمة (171/1-؟7؟).
(©) أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب الزكاة (باب لا صدقة إلااعن ظهر غنى)
( 1 رقم 1477)؛ ومسلم في «صحيحه» في كتاب الزكاة (باب بيان أن اليد العليا خير من اليد