والإيمان بالقدر أمر فطري» والعرب في جاهليتها وإسلامها لم
تكن تنكر القدر كما صرح بذلك أحد أئمة اللغة وهو أحمد بن يحبى
ثعلب بقوله: «ما في العرب إلا مثبت القدر خيره وشره» أهل الجاهلية
وأهل الإسلام)""..
ظهرت تلك البدعة التي تعد أول شرك في الإسلام في البصرة ودمشق؛
وقد كان وقت ظهورها في عهد صغار الصحابة كابن عباس وابن
عمر رضي الله عنهما -.
وتكاد مصادر أهل السنة تجمع على أن أول من تكلم بالقدر رجل
نصراني من أهل البصرة يعمل بقالا يقال له: (سنسويه)؛ وبعضهم يسميه:
وتلقاها عن معبدٍ غيلاُ الدمشقي من أهل دمشق .
وقد جاء ذلك بحن تير واحد من أئمة اسلف كالأوزاعي. وحمة
الله !". ِ
وقد أنكر الصحابة الموجودون آنذاك هذه البدعة» وأعلنوا البراءة
)١( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي 4/4 :8-17 لا
() انظر الشريعة للآجري ص 747 وشرح أصول اعتقاد أهل السنة 169/4
ثم جاء من بعدهم علماءٌ السلف» فتتابعوا على إنكار البدع في
القدر» وبيان الحق فيه.
ومن أولئك العلماء الأجلاء شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم ابن
عبدالسلام بن تيمية الحراني - رحمه الله فله في هذا الباب وغيره ب
طولى» وقح مُعلَىئ؛ حيث تعرض لباب القدر» ويه وانتصر لمذهب
السلف فيه وأجاب عن أدق مسائله؛ وتفاصيله. وكشف عن وجه
الصواب فيما أثير حوله من شبهات؛ وصاول الفرق الضالة والمذاهب
وكلامه في القدر مبثوث في ثنايا كثير من كتبه؛ وخصوصاً المجلد
الثاممن من مجموع الفتاوى الذي جمعه الشيخ عبدالرحمن بن قاسم
وابنه الشيخ محمد عليهما رحمة الله -.
وإن من أبدع ما خطته براعة شيخ الإسلام من الأجوبة في هذا
الباب ما أجاب به عن السؤال الذي أورده بعض علماء الذمة؛ أو على
لسان علماء الذمة كما سيأتى بيان ذلك .
حيث أورد ذلك السؤال في ثمانية أبيات تتضمن شبهاً عظيمة في
أيا علماءً الدين ذم ديكم تحير لوه بأوضح حجةٍ
فأجابه شيخ الإسلام على البديهة مرتجلاً بمائة وخمسة وعشرين
بيتاً فصل من خلالها الرد على هذا السائل» وأتى بالعجب العجاب
سؤالك يا هذا سؤالٌ معاند . مخاصم رب العرش باري البرية
ولقد يسر الله مقابلة نص السؤال وجواب شيخ الإسلام على عشر
وسيأتى الحديث إن شاء الله مفصلاً عن هذه القصيدة؛ ووصف
أبواب العلم عظيم.
وما من ريب - أيضاً أن الحاجة إليه ماسة سواء كان ذلك للأفراد
ولهذا ما تخلف المسلمون في عصورهم المتأخرة إلا لأسباب أبرها
جهل أكثرهم وانحرافهم في باب العقيدة عموماً - وفي باب القدر
على وجه الخصوص.
لعجزهم؛ وإخلادهم إلى الأرض تاركين الأخذ بالأسباب» ناسين
- أو متناسين أن أقدار الله عز وجل - إنما تجري وفْقّ سئنه الثابتة
لحال المسلمين في عصورهم المتأخرة: «طبيعة المسلم التسليم لإرادة
في الجندي روح الفداء.
وفي العصور المتأخرة كانت سبباً في الجمود الذي حيِّم على العالم
الإسلامي؛ فقذف به إلى الانحدار» وعزله وطواه عن تيار الأحداث
هي مصدر مجدهاء ومنبع عزها.
وقبل الشروع في شرح هذه القصيدة يحسن الوقوف عند تمهيد
- التمهيد: وتحته ترجمة يسيرة لشيخ الإسلام ابن تيمية .
- الفصل الأول: دراسة عامة لباب القدر:
المبحث الأول: مسألة في حكم الحديث عن القدر
المبحث الثانى: تعريف القضاء والقدر والعلاقة بينهما
المبحث الثالث: أدلة الإيمان بالقضاء والقدر
المبحث الرابع: معالم عامة في باب القدر
المبحث الخامس: ما الواجب على العبد في باب القدر؟
40 الإسلام قوة الغد العالمية ل: باول شمتز ص )١(
المبحث السادس: حكايات تتعلق بالقدر.
وتحته ستة مباحث :
المبحث الأول: تعريف بالقصيدة.
المبحث الثاني: اسم السائل وعدد أبيات السؤال والجواب.
المبحث الثالث: شروح القصيدة.
المبحث الرابع: مجمل ما احتوت عليه القصيدة؛ وطريقة شرحها.
المبحث الخامس: وصف السخ.
المبحث السادس: ملحوظات وتنبيهات حول نسختي مجموع الفتاوى
والدرة البهية .
وذلك بإيراد نص السؤال ثم شرحه؛ ثم تشرح أبيات القصيدة حسب
المنهج الذي سيرد ذكره في المبحث السابع.
عليه؛ إنه جواد كريم سميع قريب.
كما أتقدم بالشكر الجزيل لكل من أعان على إخراج هذا الكتاب
تمهيد
ترجمة يسيرة لشبخ الإسلام ابن تيمية . رحمه الله -
هو تقي الدين» أبو العباس» أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام
ة الحرانى» ولد سئة 171ه» وتوفي سنة 8؟لاه.
والحديث عن جوانب النبوغ والألمعية في سيرة هذا الإمام يطول
والمقام لا يتسع للإسهاب والإطناب؛ لأن جوانب العظمة في شخصيته
قال الحافظ البزار رحمه الله : «أما غزارة علومه فمنها ذكر
معرفته بعلوم القرآن المجيد» واستنباطه لدقائقه» ونقله لأقوال العلماء
وفنون حكمه؛ وغرائب نوادره» وباهر فصاحته» وظاهر ملاحته؛ فإنه فيه
فينقضي المجلس بجملته» والدرس بِرْمٌبّه؛ وهو في تفسير بعض آية
ابن
وكان مجلسه مُقَذَرًاً بقدر ربع النهار» يفعل ذلك بديهة من غير أن
بل كان كل من حضر يقرأ ما تيسر له؛ ويأخذ هو في القول على تفسيره.
وكان غالباً لا يقطع إلا ويفهم السامعون أنه لولا مضي الزمن المعتاد
لأورد أشياء أخر في معنى ما هو فيه من التفسير» لكن يقطع نظراً في
مصالح الحاضرين.
وقوله تعالى -: الرحْمَن على القْش اتوئ (عه: ] نحو خمس وثلائين
وغزواته؛ ومعرفته بصحيح المنقول عنه وسقيمه» وبقية المنقول عن
الصحابة رضي الله عنهم في أقوالهم» وأفعالهم» وفتاويهم» وأحوالهم»
وأحوال مجاهداتهم في دين الله؛ وما خصوا به من بين الأمة فإنه كان
- رضي الله عنه من أضبط الناس لذلك؛ وأعرفهم فيه؛ وأسرعهم
أو استشهد به؛ أو استدل به إلا وعزاه في أي دواوين الإسلام هو
ومن أي قسم من الصحيح» أو الحسن» أو غيرهماء وذكر اسم راويه
)١( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للبزار ص17-77.
وقلّ أن يسأل عن أثر إلا و
الأولى بمصر لما أخذ وسجن» وحيل بينه وبين كتبه صنف عِدَةٌ كتبٍ
وأقوال العلماء» وأسماء المحدثين» والمؤلفين» ومؤلفاتهم» وعزا كل
شيء من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم» وذكر أسماء الكتب التي
عنده حينئذ كتاب يطالعه.
ونقبت» واختبرت»؛ واعتبرت فلم يوجد فيها - بحمد الله - خلل
قال: «حكى من يوثق بنقله أنه كان يومآً بمجلس؛ ومحدث يقرأ
عليه بعض الكتب الحديثية؛ وكان سريع القراءة» فعارضه الشيخ في
اسم رجل عن سند الحديث» وقد ذكره القارئ بسرعة» فذكر الشيخ
(1) الأعلام العلية ص 74-1
(9) الأعلام العلية ص4١
00 الأعلام العلية ص١7
(4) أخرجه أحمد 448/1 + 437 ؛ والنسائي 144/7 » والدارمي 904/1» والترمذي