ولهذا فإنني عندما أتيحت لي الفرصة لمواصلة دراساتي العليا في مرحلة الدكتوراه
وجدتني أهتبل هذه الفرصة لأتناول في شخصية ابن تيمية جانبا لا يقل أهمية عن بقية جوانب
فكره؛ وأطروحاته فيه متوفرة وناضجة حتى لا يعد افتثاتا ولا مبالغة عده ضمن علماء هذا
القسم في التشريع الإسلامي وهو القسم الأصولي؛ وهو أمر لمسته بقوة أثداء رحلتي مع
الشيخ؛ وعندي عليه براهين شتى ؛ وسأسعى من خلال هذا الموضوع -إذا يسر الله وكتب لي
المعونة والتوفيق- إلى إثبات ذلك ببرهان حق لا يقبل الجدل ولا المماراة.
وقد اخترت جانب القواعد الأصولية لدى ابن تيمية لأدرس من خلاله أصوليته وفكره
الدراسة أسلوب الجمع الاستقرائي للقواعد الواردة ضمن باب المعاملات كوحدة فقهية
متصلة؛ من خلال (مجموع الفتاوى) التي جمعها ابن قاسم النجدي في خمسة وثلاثين جلداء
التوصل من خلالها إلى بعض أصولية الشيخ من خلال قواعده الأصولية التي يبني عليها
فروعه الفقهية ؛ استنباطا من النصوص الشرعية والأدلة التفصيلية.
وقد اخترت لهذا البحث العنوان التالي؛
وأصل هذا البحث عبارة عن أطروحة دكتوراه تقدمت بها لدى جامعة أم درمان
الإسلامية بجمهورية السودان؛ وثلت بها الدرجة ولله الحمد في الشريعة والقانون؛ شعبة
أصول الفقه؛ بتقدير (ممتاز) سنة /1477ه - 06٠1م؛ وتكونت لجنة المناقشة من كل من:
الأستاذ الدكتور التيجاني أبو بكر علي» رئيس قسم أصول الفقه بالجامعة» مشرفاء والأستاذ
الدكتور علي أحمد محمد بابكر الرئيس السابق للجامعة؛ ورئيس مجمع اللغة العربية؛ مناقشا
خارجيا ومقررا؛ والدكتور عباس إبراهيم أحمد محمود ؛ عضو هيئة التد ريس بقسم أصول
وفيما يلي أذكر جائبا من أسباب أهمية هذا البحث وطرفا من صعوباته؛ ومنهجي فيه
ببيان الخطوط العريضة للخطة التي رسمتها لتنفيذ هذا المنهج» فأقول بالل التوفيق:
أهمية البحث
أهمية هذا البحث تكمن في جوانب متعددة منها على سبيل الإجمال :
أولا: تعلقه بالقواعد الأصولية وهي عبارة عن أوعية شديدة للاتساع للمعلومات
والمعرفة ؛ فهي أشبه ما تكون بالحواسيب الآلية التي تحوي كما هائلا من البيانات+؛
قدرا لا يتحصر من الفروع والجزئيات غير المتناهية؛ في عبارة موجزة ومختصرة»؛
فقاعدة مثل (الأمر للوجوب) تشمل ما لا يتحصر من الأوامر الشرعية ؛ أي الواردة في
نصوص الشرع : وكذا تلك التي تجري تعاملات الناس» وهنا تأتي أهمية إضافية
لبذا النوع من العلوم الشرعية ؛ فهي فوق خدمتها التخصصية للنص الشرعي »
وتعلقها المهني من هذه الجهة بالمجتهد والأصولي؛ تقدم كذلك خدمة جليلة للفقيه بل
وحتى العامي بوضع إمكانية التطبيق بين يديه على جزئيات غير منحصرة في التعاملات
اليومية بين الناس» ومن هنا تأتي أهمية اختيار موضوع المعاملات كجانب تطبيقي
للبحث .
المسمى الشرعي لما يعرف عصريا بالجانب (الاقتصادي)» بكل ما يحويه من أهمية بالغة
في حياة الناس» إذ على المال كما لا يخفى تقوم الحياة؛ وتبنى الدول» وعليه تدور
الصراعات الكبرى بين الأفراد والشعوب؛ وللإسلام نظرته الخاصة» ورؤيته المتميزة
لهذا الجانب الحيوي في حياة البشر؛ وهي النظرة التي يقدم فيها حلولا تعجز عنها
العقول؛ وتقف الأفهام أمامها إجلالا وإكباراء لولا ما يحول بينها وبين الحق من رين
جزءا من روافدهاء ويقدم من خلال هذه القواعد الكلية حلولا لقضاياهاء وبقدر
أهمية هذا الجانب في بقاء الإنسان؛ وقيام الدول؛ يكون لمثل هذا البحث أ
ثالثا: ومن أسباب أهمية هذا البحث كذلك أنه يتعلق بشيخ الإسلام ابن تيمية؛ وهو
شخصية فريدة من شخصيات الزمن؛ ورجل خاص من رجالات التاريخ؛ وظاهرة
من الظواهر البشرية التي تستحق أن تدرس ؛ ليتأمل من خلالها صنع الخالق وعظيم
قدرته ؛ في دقة وعبقرية مخلوقاته ؛ فعقلية ابن ته على العجب في قدرته على
الحفظ البائل» والفهم الدقيق؛ والوصول إلى المعاني المبتكرة؛ وصوغ النظريات
لشخص واحد أن يتمكن من كل هذا الذكاء؛ والقدرة على الفهم؛ والوصول إلى
المعاني الخفية ؛ من خلال المقارنة الواسعة بين جملة غير منحصرة من النصوص +
والاستعراض الواعي لجملة وافرة من الآراء والمعتقدات؛ والنقد الفاحص لكل ذلك ؛
وتسجيل موقف شجاع وموضوعي في كل قضية ؛ مصحوبا بكل المعطيات الضرورية؛
والحجج اللازمة؛ التي تجعل قضية التشريع الإسلامي ومسلماته العقدية فوق كل
وأنت تقر لابن تيمية ترسم لوحة فنية تجري أحدائها بين حرتي طيبة الطيبة؛ ورسول
الله # حاضر فيها؛ وحوله أبو بكر وعمر وابن مسعود؛ وأولئك الأجلة من خيرأمة
أو قول رسوله 8# أو أفعاله أو أخلاقه؛ أو كل ذلك من أصحابه ؛ أو تابعيهم من أهل
قرون التفضيل بنص الرسول 88؛ فكان ابن تيمية بفكره وشخصه برهانا صادقا ودليلا
خريتا نحو التطبيق الصحيح للإسلام في صورته النقية ؛ ومعناه الصحيح ؛ ولهذا كانت
ية فوق ما تبعث إليه من تمجيد للخالق ؛ وتقدير للبيئة والثقافة التي
دراسة اب
التجديد والإبداع في جيل مل النوم والدعة؛ من خلال ابن تيمية نموذجاء فهل يكون
رأبي ؛ والله أعلم .
صعوبات البحث
*؛ ولذا لم يكن بلوغ المجد
لكل جهد بشري صعوبات ومشاق لابد أن تواكب
أمرا متاحا لكل أحدء فدون الشهد وخز النحل» كما يقال» وسأذكر جريا مع المعتاد بعض
الاطلاع على منهجه؛ وتتبع مسائله الأصولية كغيره من الأصوليين؛ رغم أنه لا
من خلال المسائل الفرعية والفتاوى الجزئية والموضوعات الجانبية التي يطرقها
الشيخ ؛ وجمع ما له علاقة بموضوع البحث من خلال نظام البطاقات أو الأنظمة
الشبيهة؛ الأمر الذي يتطلب أكثر من قراءة فاحصة لأكثر من كتاب؛ ولعدة مراجع »
ومع ذلك قد توجد المعلومة حيث لا يتوقع وجودها؛ الأمر الذي يتطلب مراجعات
متعددة؛ قد تنقض بعض ما سبق بناؤه نتيجة لغياب معلومة ثم تظهر بعد أوانهاء
بسبب هذا النشعب والكثرة التي تميز مؤلفات ابن تيمية.
()_ثانيا: القواعد عموما ذات طابع خاص يتميز بالدقة والحساسية؛ وليس من طبيعة
ابن تيمية ولا غيره من العلماء المتقدمين النص على اعتبار عبارة ما قاعدة؛ وإن
كانت كذلك في الواقع؛ فيحتاج تحديد كون نص ما قاعدة كلية إلى درية طويلة
وحصافة بالغة؛ تحتاج إلى وقت وجهد طويل؛ واستشارة عدد من التخصصين؛
وكل تلك معوقات في سبيل الإنجاز السريع والدقيق للبحث بالصورة الملائمة ؛
ولهذا أجدني في رحلة هذا البحث قد مارست عدة عمليات من الغريلة والتصفية لما
أو نفي هذا الوصف عنها؛ فأسأل الله أن يكون التوفيق في هذا الاجتهاد حليفي+
والله المستعان.
الها: موضوع المعاملات الذي اخترته مجالا تطبيقيا للقواعد الأصولية محل
الدراسة ليس له أبعاد محددة اصطلاحيا؛ وإطاره الموضوعي ليس متفقا عليه ؛ الأمر
الذي فرض علي كذلك الاجتهاد في هذا المجال؛ وقد أسهم غياب دراسات
موضوعية تتناول التبويب الفقهي وأسسه في مفاقمة هذه المشكلة ؛ فاصبح علي أن
أقوم بهذا الجانب بنفسي» فأقارن من خلال المدونات الفقهية التقليدية والعصرية بين
الاصطلاحات المعتمدة لدى كل مذهب؛ أو كل مدرسة أو نظرية فقهية؛ لأخرج
بتصور شامل حول الأمرء أبني على أساسه عناصر البحث» وإن كان الإطار الذي
حدده للدراسة يتمثل في (المعاملات) من خلال (مجموع الفتاوى)؛ غير أن هذا
المجموع بدوره لم يحدد من بين موضوعاته ما يشمل المعاملات؛ وما لا يشملهاء
خاصا مني بنيته على أساس كل تلك المعطيات؛ التي لم يغب عنها استشارة سعادة
المشرف؛ فعسى أن يكون الله قد وفقني في إصابة الحق في هذا الجانب أيضاء فهو
ولي التوفيق سبحانه.
(©) رابعا: وتأتي بعد هذا الصعوبات الفنية المعتادة؛ والأخطاء النسخية +
والمراجمات؛ وما قد أضطر في أحيان كثيرة لإعادته نتيجة لمشاكل الطباعة +
وتصرفات الحاسوب الهوجاء أحيانا؛ وهي أمور عانيت منها كثيرا؛ حتى أيقنت أن
مشاكل الحاسب - هذه الآلة التي جاءت برفاهية كثيرة؛ ومعونة واسعة- أن ذلك
له ضريبة كبيرة قد تكون وقتا موازيا للوقت الذي توفره؛ وذلك عشته في كل مراحل
عانيت فيها الكثير رغبة في الدقة البالغة؛ والجمع الشامل لكل ما أرى ضرورة
كل مواده وموضوعاته إلى أقصى درجة ممكنة ؛ وذلك أمر كلفني جهدا كثيرا ووقتا
منهج البحث
حرصت بعون الله وتوفيقه على أن ألتزم منهجا موضوعيا يتميز بالسبر والاستقراء
إجمالا ؛ مع مقارنة وتحليل النتائج ؛ وصولا إلى الحقائق وتسجيلها بصدق وثبات؛ وعملت
على أن تكون كل فرضيات البحث (القواعد الأصولية وما يبنى عليها) معرضة لامتحان
البحث والتجرية ؛ حتى يمكن الصدور عن هذه القواعد- بعد تعرضها لأقصى أنواع السبر»
وأقسى درجات التجربة- عن ثقة بصحة بمحتواها وثبات نتائجهاء كما ينبغي أن تكون
القواعد؛ ليكون البناء عليها قويا راسخاء
وههنا بعض عناصر رئيسة أشير إليها في هذا المنهج :
١ استقرأت المجلدات الثلاثة التي يقع فيها باب المعاملات من مجموع الفتاوي؛ وهي
بطاقات مستقلة لكل قاعدة؛ ثم فرزتها وصنفتها بحسب موضوعات أبواب الأصول.
". قمت بدراسة هذه القواعد دراسة مستقلة لكل قاعدة مع التمهيد بدراسة مشتركة لكل
مجموعة مترابطة منها على أن تكون الدراسة التفصيلية لكل قاعدة تشمل ما يلي
* شرح القاعدة وبيان المقصود منها ومصدر استمدادها في فقه ابن تيمية +
وربطها بالتصوص مجال تطبيقها؛ مع التزام كلام ابن تيمية في كل ذلك.
* الاستدلال للقاعدة -ما أمكن- من خلال استدلالات ابر
بدو لام حصر ليع بل أكي فهاما تدعو الحاجة
في الغالب أن أدخل في مناقشات تفصيلية قد تخرج بالبحث عن مقصوده الأصلي.
ت في التطبيق بالقضايا العصرية والنوازل -بين فيئة وأخرى- لبث الحياة في هذا
الفقه؛ ولربط الأصول الفقهية بثمرتها النهائية ؛ وهي الفروع ال:
عن حياته الشخصية ؛ ولنحة دراسية حول أصوليته؛ وتحليل مختصر عن نظريته في العقود
كمدخل إلى فقه المعاملات عنده؛ كما تناولت في التمهيد التعريف بفقه المعاملات+؛
وبأصول الفقه وقواعده؛ كل ذلك توطئة للموضوع الرئيس محل الدراسة ؛ والله الموفق.
7. ختمت الدراسة ببضعة أسطر ضمنتها بعض خواطري التي علقت بذهني أثناء رحلة
بحثي » فشكلت انطباعاتي الشخصية فصغتها على شكل نتائج وتوصيات؛ ولكن لم
أستطرد في وصف كل ما يعتلج في نفسي ؛ وتزدحم به مخيلتي من آراء وأفكار تشكلت بها
ذلك ما أمكن ؛ فعمسى أن يكون الله قد وفقني في إيصال بعض من ذلك؛ فهو ولي
التوفيق والسداد.
ع قمت يعزو الآيات القرآنية في صلب البحث؛ كما قمت بتخريج الأحاديث النبوية مع
بيان درجة ما ليس في الصحيحين منها؛ وشرح المصطلحات الغريبة وترجمت لغير
المشهورين من الأعلام الواردين في أصل البحث؛ وخصصت لذلك هوامش الرسالة؛
للآيات وآخر للأحاديث والآثار. والأعلام الوا؛ الرسالة مع الإشارة إلى كل موضع
تكرر فيه ورود الآية أو الحديث أو العلم؛ كما وضعت ثبتا للمراجع التي اعتمدت عليها
ذلك ؛ ثم ختمت بفهرس مفصل لكل محتويات الرسالة ؛ والله الموفق؛ 6 +
خطة البحث
في ضوء ذلك المنهج الذي وصفت جاءت خطة الرسالة كما يلي +
المقدمة
وفيها وصف الرسالة وعملي فيها ومنهجي وخطتي ؛ وهي هذه.
التمهيد ؛ ويشمل:
المبحث الأول: التعريف بابن تيمية ومنهجه الأصولي
الطلب الأول: ترجمة مختصرة لابن تيمية
المطلب الثاني : نحة عن منهج ابن تيمية ومدرسته الأصولية
المبحث الثاني : التعريف بالمعاملات وفقه اب
المطلب الأول : المعاملات في الفقه التقليدي
الطلب الثاني: المعاملات في النظرية العصرية
المبحث الثالث: التعريف بالقواعد الأصولية
الطلب الأول: معنى القواعد الأصولية لغة واصطلاحا
الطلب الثاني : الفرق بين القواعد الأصولية والفقهية
الفصل الأول الأدلة الشرعية وقواعدها؛ ويشمل:
المبحث الأول: النصوص
المطلب الأول: تمهيد حول المراد بالنصوص
المطلب الثاني : في قواعد النصوص وتطبيقاتها
المبحث الثاني : الإجماع
المطلب الأول: تمهيد حول الإجماع
الطلب الثاني : في قواعد الإجماع وتطبيقاتها
المبحث الثالث: القياس
المطلب الأول: تمهيد حول القياس
المطلب الثاني : في قواعد القياس وتطبيقاتها
المبحث الرابع : الاستصلاح
الطلب الأول: تمهيد حول الاستصلاح
المطلب الثاني : في قواعد المصالح وتطبيقاتها
الفصل الثاني الأحكام الشرعية وقواعدهاء ويشمل:
المبحث الأول: تمهيد حول الحكم الشرعي وأقسامه
الطلب الأول: معنى الحكم الشرعي
الطلب الثاني : أنواع الحكم الشرعي
المبحث الثاني : في قواعد الحكم الشرعي وتطبيقاتها
المطلب الأول: في قواعد الحكم التكليفي
المطلب الثاني : في قواعد الحكم الوضعي
الفصل الثالث اللغة وقواعدهاء ويشمل:
المبحث الأول: تمهيد حول اللغة ودلالاتها
الطلب الأول: معنى اللغة والمراد باللغات في مباحث الأصول
الطلب الثاني : أقسام اللغات ودلالاتها
المبحث الثاني : قواعد اللغة ودلالاتها
المطلب الأول: قواعد عامة في اللغات
الطلب الثاني : قواعد النص والظاهر والمجمل والمبين
الطلب الثالث: قواعد الأمر والنهي
المطلب الرابع : قواعد العام والخاص