الحمد لله رب العالمين واللصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
فإن الغاية العظمى من خلق الناس عبادة الله وحده كما قال عز
السيوف للجهاد في سبيل الله؛ ولأجلها افترق الناس إلى شقي
وسعيد وإلى مؤمن وكافر فكان فريق منهم في | في المبين
ومن هنا كان على العاقل أن يسعى في معرفة ما خلق لأجله
وإذا كان من المتقرر أن أصل الحركة من القلب» لأن العاقل
متحرك بالإرادة» والإرادة محلها القلب؛ فالقلب كالملك والأعضاء
جنوده فإذا استقام القلب استقامت الجوارح والعكس بالعكس إذا
كان من المتقررهذا فإن على المسلم أن يكون شديد العناية والرقابة
لقلبه: تزكية ومجاهدة وإخلاصاً؛ وإصلاحاً لأن بصلاحه تصلح سائر
الأعمال كما قال الرسول كَيةٌ: «ألاوإن في الجسد مضغة إذا صلحت
إن عملية تزكية القلب عملية شاقة ومنزلة عالية تحتاج من
الشخص مجاهدة ومراقبة دائمة؛ وصدق توجه إلى الله تعالى؛
واستشعار الذل والافتقار والحاجة لعون الله وتوفيقه. وعدم الاغترار
والشُجب بالعلم والعبادة ولا بالقوة والسلطان؛ ولابنشاء الناس
وتبجيلهم. فالله أعلم بمن اتقى» والإنسان لايأمن على نفسه أن يسبق
رسول الله كَل يقول: «ما من قلب إلاوهوبين أصبعين من أصابع رب
يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك»("".
)١( رواه أحمد 134/4 والترمصذي في كتاب البيوع؛ باب ما جاء في ترك
الشبهات /١ 1 وغيرهماء وصححه الألباني كما في صحيح ابن ماجه
)١( رواه أحمد 4/ 187؛ وإسناده صحيح؛ وانظر صحيح (الجامع الصغير)
والله عزوجل إذا علم من عبده صدق توجهه وإخلاص قلبه
وفقه وأعانه وسدده؛ ويسرله طرق الهداية والفلاح كما قال
والمقصود أن على المسلم أن يسعى في صلاح قلبه وسلامته
من أدران الشرك والمعاصي والإرادات الفاسدة؛ لأنه لانجاة يوم
القيامة إلابسلامة هذا القلب كما قال تعالى: أيوم لاينفع مال ولا
بنون إلامن أتى الله بقلب سليم [سورالشعراء: 88 44]. وعليه أن
يستعين بالله في ذلك وأن يكثر من دعاء ربه لهداية قلبه وأن يرزقه
نعم المولى ونعم النصير.
ولقد مرت بي أثناء قراءتي لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله كلمات متينة وجمل عميقة في تقرير معاني عبودية القلب لله
تعالى إخلاصاً ومحبة وخوفاً ورجاء وتوكلاً وغير ذلك من أنواع
العبودية التي تعبرعن حقيقة لاإله إلالله.
وهي كلمات مستقاة من محكم التنزيل» وسنة سيد المرسلين
فرأيت في جمعها وترتيبها والربط بينها فائدة عظيمة لإبراز
'جهد الشيخ في هذا المجال» وللتذكيربشيء من معاني العبودية
والأعمال القلبية؛ فإن الناس بحاجة ماسة إلى ترسيخ حقيقة
بكمال توحيدهم» أو توقعهم في بعض أنواع الشرك من حيث
يشعرون أو لايشعرون؛ لاسيما مع طغيان الحياة المادية والتنافس
نسأل الله الهداية والسداد وصلاح القلوب» وأن يوفق المسلمين
لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة؛ إنه ولي
هذا وبعد أن جمعت جملة من كلام الشيخ في هذا الموضوع
مصدره ليرجع إليه من أراد الاستزادة» والله أسأل أن يجعل عملي هذا
خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به إنه سميع مجيب. وصلى الله
منزلة العبودية والحاجة إليها
إن الغاية من خلق الجن والإنس هي تحقيق العبودية لله
تعالى بجميع أنواعها كما قال تعالى: #وما خلقت الجن والإنس
الاليعبدون4 [سورة الذاريات: 97]. وأهل الإيمان يوقنون في قرارة
ومحبته والإخلاص له؛ فبذكره تطمشن قلوبهم» وبرؤيته في الآخرة
تقزعيونهم؛ ولاشيء يعطيهم في الآخرة أحب إليهم من النظر إليه»
ولاشيء يعطيهم في الدنيا أعظم من الإيمان به؛ وحاجتهم إليه في
متحركين؛ ولاصلاح لهم ولافلاح ولانعيم ولالذة بدون ذلك بحال»
بل من أعرض عن ذكرربه #فإن له معيشة ضتكاً ونحشره يوم
أحسن الحسنات؛ وكان التوحيد بقول: «لاإله إلاالله» رأس
«ولايحصل صلاح القلوب إلابعبادة الله وحده لاشريك له؛
فإذا لم تكن القلوب مخلصة لله الدين عبدت غيره من الآلهة التي
يعبدها أكثر الناس مما رضوه لأنفسهم» فأشركت بالله بعبادة غيره
واستفائت» فتعيد غيره وتستعين به لجهلها بسعادتها التي تنالها
وبالاستعانة به تستغني عن الاستعانة بالخلق» وإذا لم يكن العبد
الناس فليتوكل على الله؛ وبالاستغفا ريغف رله ويدفع عنه عذابه
)١( قا توحيد الألوهية /١ 17 ضمن مجميع الفتاوى.
(1) قاعدة في توحيد الألوهية /١ 97-88 ضمن مجموع الفتاوى.
إخلاص عبودية القلب لله تعالى
والواجب على العبد أن يخلص عبادة قلبه لله تعالى وأن
تتضمن إخلاص الإلهية له» فلا يجوز أن يتأله القلب غيره لابحب
ولاخوف ولارجاء ولاإجلال ولاإكرام ولارغبة ولارهبة؛ بل لابد أ
يكون الدين كله لله كما قال تعالى: أوقاتلوهم حتى لاتكون فتنة
لله وبعضه لغير الله كان في ذلك من الشرك بحسب ذلك؛ وكمال
وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان؛!"'...»"".
«والإسلام هو: أن يستسلم لله لالغيره» فيعبد الله ول يشرك به
)١( واه أبوداود في كتاب السنة باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه
4 0 وأحمد 440/7 والحاكم في كتاب النكاح ٠64/7 وقال:
وصححه الألباني في صحيح الجامع ؟/ ٠١74
(؟) اقتضاء الصراط المستقيم 874/7
أعمال القلورب
ويعادي لله فمن استكبرعن عبادة الله لم يكن مسلماً؛ ومن عبد
رسله؛ ومن يطع الرسول فقد أطاع الله("
«والناس وإن كانوا يقولون بألسنتهم: «لاإله إلاالله» فقول
العبد لها مخلصاً من قلبه له حقيقة أخرى» وبحسب تحقيق
التوحيد تكمل طاعة الله.. وكلما حقق العبد الإخلاص في قوله
ل(لاإله إلا الله) خرج من قلبه تأله ما يهواه وتصرف عنه المعاصي
والذنوب كما قال تعالى: #كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء
إنه من عبادنا المخلّصين» [سورة يوسف: ؟؟] فعلل صرف السوء
وقال الشيطان: #فبعزتك لأنوينهم أجمعين إلاعبادك منهم
المخلصين 6 [سورة ص: 47 ؟م].
وقد ثبت في الصحيح عن النبي كَة أنه قال: «من قال لاإله
94 النبوات ص )١(
أسباب دخول النان فمن دخل النان من القاثلين: لاإله إلاالله؛ لم
يحقق إخلاصّها المُحَرِمٌ له على النان بل كان في قلبه نوع من
الشرك الذي أوقعه فيما أدخله الدار والشرك في هذه الأمة أخفى
(إياك نعبد وإياك نستعين »"" [سورة الفاتحة:8].
«والله سبحانه أرسل الرسل بأنه لاإله إلاهو فتخلوالقلوب
بما سواه بالاستعانة به..(0.
يُتوكل عليه؛ ويُستعان به؛ ويُستغاث به؛ ويُخاف
)١( رواه بنحوه البخاري في صحيحه كتاب العلم؛ باب من خص بالعلم
قومادون قوم 41١ وأحمد 7177/8
111-138 /١ مجميع الفتاوى )١(
(©) مجميع الفتاوى /١١ 014 وانظر المرجع نفسه 484/1
(4) اقتضاء الصراط المستقيم 878/7