العدو بصلابة ؛ والأدلة النقلية لتمكين العقيدة في نفوس المسلمين + وحمايتها
من الشوائب الوافدة إليها من الخارج ٠
هذا ولا بد من الإشارة إلى أن كتب العقيدة التي ألفت امتازت ببيان الأدلة
العقلية والنقلية ؛ وهناك كتب قد أفردت لسرد الأدلة العقلية فقط في مواجهة
الخصوم مثل كتاب « المطالب العالية من العلم الإلهي » للإمام الفخر الرازي +
وهو يقع في أحد عشر جزءاً ؛ ومثل كتاب « شرح المواقف » لعضد الدين
الإيجي ؛ ومثل كتب الإمام الغزالي ١ الاقتصاد في الاعتقاد » و« فيصل التفرقة
بين الإسلام والزندقة » و« مقاصد الفلاسفة » و١ تهافت الفلاسفة » و١ المنقذ
من الضلال » وغيرها ؛ فهذه الكتب كان أكثر اعتمادها على الأدلة العقلية ؛
لإقناع الخصوم من جنس ما يعترفون به ٠
وبالمقابل : فهناك كتب أفردت للاعتماد على الأدلة النقلية من الكتاب
والسنة أكثر من اعتماد الأدلة العقلية ؛ من أجل تثبيت العقيدة في قلوب
المسلمين » مثل ما كتبه الإمام ابن تيمية ضمن فتاواه عن العقائد الإسلامية .
وهناك كتب جمعت بين الأدلة العقلية والنقلية معاً ؛ مثل « شرح الفقه
الأكبر » للإمام مُلا علي قاري ؛ وكتاب « شرح العقائد النسفية » للإمام سعد
الدين التفتازاني و« شرح العقائدة الطحاوية » للإمام عبد الغني الغنيمي
الحنفي الدمشقي وغيرها .
الفلاسفة ؛ إذ أن استخدامه للفلسفة لم يكن إلا من أجل دحض حجج الفرق
آخر حياته لأنه لم يثمر لديه ولجأً إلى الكتاب والسنة ؛ فكتابه ١ الإحياء » شاهد
علئ عدم تركه للتصوف » ومن قال ذلك . . فعليه بالدليل ٠
وهنا تجدر الإشارة إلى أن التصوف لم يخرج يوماً عن الكتاب والسنة » بل
هو مستمد منهما ؛ وقواعده مبنية عليهما ؛ يقول إمام التصوف الإمام
أبو القاسم الجنيد رضي الله عنه : علمنا هذا مبني على الكتاب والسنة + فمن
ادعئ شيئاً ليس في الكتاب ولا السنة. . فقوله مردود عليه ٠
ولقد كان لكتب التصوف النصيب الأكبر من التشويه والدسائس ؛ لأن
أعداء الدين رأوا أن التصوف هو روح الإسلام . . فدخلوا من خلاله كي يشوهوا
صورة الدين عامة .
الرجوع إلئ كلام هذا العالم المثبت في كتبه ومؤلفاته ؛ فقد كثر الدس والكذنب
على العلماء من أجل تشويه صورهم » وبالتالي تشويه صورة الإسلام بصورة
ومن أمثلة الدس الذي وقع في كتب الفقه : ما ذكره الإمام الشعراني في
كتابه « تنبيه المغترين » من أن الحاسدين له في عصره زوّروا كتبه ؛ وأدخلوا
فيها مسائل مخالفة للمذاهب الأربعة ؛ وقصصاً عن جحا وغيره ؛ كي يشوهوا
صورة هذا العام » وبالتالي صورة العلم والإسلام » وقد قيض الله لهذا العالم
فكيف بعد وفاته؟!
لذا : لا يجوز التسرع بالحكم على الأشخاص بناءً على الدعاوي
المشهورة المذاعة بين الناس » فلا بد من الرجوع إلى المصادر في كل ما
يقال » ولا بد من التثبت قبل نشرها بين الناس ؛ لأن ذلك يسيء إلى العلماء +
ويحرم الناس من الانتفاع بعلومهم ومعارفهم » ومن ناحية أخرئ هو نشر
للكذب وافتراء على العلماء » وهذا لا يجوز شرعا ولا خُلْقا .
وعلئ ذلك : فينبغي أن يقوم الحوار بين المسلمين أنفسهم قبل أن يمتد إلى
غيرهم . . كما أن عليهم أن ييدؤوا رحلتهم إلى الفهم الصحيح من خلال إقامة
الحوار فيما بينهم » ويجب أن يقوم هذا الحوار لا على أساس الأسماء
والألقاب والشعارات » ولكن تحت الاسم الذي اختاره الله لهذه الأمة حين
قال : حر َك ا يه الث يتعكر
شب عل لين ؛ وعلى أساس أن الفهم له بداية وتوسط ونهاية ؛ وكل يأخذ
منه قدر اتساع أفقه + ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ٠
إن الصراع الذي كان ولا يزال يحدث بين مختلف أطياف المسلمين إنما
كان منشؤه سوء الفهم لهذا الدين ؛ وسوء الفهم إنما يكمن في ظن هذا الفريق
ذلك تطبيقياً في مسلك صاحبه علئ شكل تعصب شديد للرأي يحول دون فهمه
الي دون فهمه للدين ٠
وهم موزعون علئ سلم الإدراك والفهم بين بداية وتوسط ونهاية ؛ كل بحسب
سعة أفقه كما ذكرنا آنفاً ٠
ونحن نرئ خبراً يظهر في الصحف اليومية يقرأه العامي فيدرك منه ما
المتخصص فيستنتج منه ما يستنتج ؛ فلا هذا ينكر علئ ذاك فهمه » ولا تقوم
خصومة بين أحدهم والآخر ؛ هذا يكون في شأن مسألة دنيوية بسيطة ؛ فكيف
إذاً بالأمر حين يتعلق بنص من نصوص الدين؟! هل يمكن لأحد أن يزعم أن
الناس كلهم في هذا الأمر سواء؟ أو هل يمكن لأحد أن يلزم غيره بما فهم هو من
والدليل على مستويات الفهم وتباينها ما قيل في الأثر عن ابن عباس
رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : «أمرنا أن نكلم الناس
على قدر عقولهم»!) .
إن روح هذا الدين إنما تكمن في صدق الاعتقاد بأسسه ومقتضيات هذه
الأسس ؛ فكيف يسوغ لأحد من الناس أن
(1) انظر «القردوس»*(1111)
البعض ذريعة لتأصيل التفريق بين المسلمين » ونعتهم بألقاب وأسماء تكرس
الشقاق والتفرقة بينهم -
فمن ذلك : ما يسلكه البعض في فهمهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
البحث عن صفات هذه الفرق » وتحديدها والخوض في أهلها ؛ عوضاً عن
النظر في صفات الفرقة الناجية والتي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
أصل الدين « ما أنا عليه وأصحابي » ؛ ثم معاملة فروعه بقدر اقترابها من هذا
الأصل .
وكل فرقة انحرفت عن الأصل الصحيح لهذا الدين. . إنما بدأت انحرافها
بتركيز على فرع من فروعه » ثم تضخيم أهمية هذا الفرع حتئ يستولي علئ عقل
صاحبه ؛ ويحل عنده محل الأصل فيحصل الخلل .
فالحديث يحذر من هذا الانحراف المتلبس بثوب الدين المتخفي تحت
رداء فروعه ولعل صعوبة إجراء الحوار اليوم بين المسلمين أنفسهم إنما تكمن
في اشتغال كل فريق منهم بالفرع الذي هيمن علئ تصوره لحقيقة الإسلام »
فأصبح كل فريق يحاور الآخر وفي يده جزء من الحق يظنه الحق كله. . فيحول
هذا الظن دون انتفاعه بما لدئ غيره من الحق » ويصبح الحوار من قبيل ضرب
الح بالحقى ؛ والذي هو من أكبر أنواع الباطل الذي حذرنا منه الحبيب
المحبوب صلى الله عليه وسلم ؛ كما إن المقصود من قوله صلى الله عليه
وسلم : « كلهم في النار » هو تنبيه المسلمين إلئ ترك الصفات والسلوكيات
والكبائر التي توجب لصاحبها أو مرتكبها دخول النار ء لا ليحكموا على
بعضهم البعض بها » وإنما ليسلكوا طريق الاقتداء ؛ وهو الطريق الموصل إلى
ومن سوء الفهم أيضاً لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم : ما يفهمه
البعض من قوله : « سألت ربي عز وجل ثلاث خصال. . فأعطاني اثثتين
فأبئ على »!' . فيعتبرون الخلاف والقتال بين المسلمين ضربة لازب لا فكاك
ضمن لهذه الأمة أمرين : أحدهما : أن لا يستأصلها عدو من غيرها +
وثانيهما : أن لا يهلكها بسنة عامة » وترك الثالثة لاجتهاد المسلمين ؛ تنبيهاً
لهم علئ خطرها ؛ وتوجيهآ لهم إلى العمل في تأليف القلوب وتقريب الآراء »
لا ليتخذوا من هذا الحديث ذريعة لهم للاستكانة وقبول ما هم عليه من تفرقة
وتمزق ؛ ولو صح هذا الفهم على أنه إخبار عن قدر غالب على الأمة لا يمكن
لها تجاوزه في أي عصر من العصور أو دولة من الدول بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم لما وجد عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ وعهد عمر بن عبد
العزيز » وغيرهما من العهود والفترات التي استقرت فيها الشؤون السياسية
لدولة من الدول في تاريخ الأمة الإسلامية ٠
فالحديثان أعلاه يدعوان إلى الاجتماع لا الفرقة » ويوجهان إلى الرجوع
إلى أصل هذا الدين » وعدم الاشتغال بفروعه دون أصله » وفي مقابل ما
تكفل الله به لهذه الأمة من حفظ من الاستئصال الخارجي ؛ وحفظ من البوائق
الكونية . . فقد تكفل لها بالحفظ من الضلالة في الفهم والتقدير متى اجتمعت +
اختلافاً. . فعليكم بالسواد الأعظم #*'" » وقد ركز الفقهاء على الاجتماع
بمعنى الإجماع ؛ فيكون معنى « لا تجتمع » : أي لا تُجمع ؛ ولكن الحديث
أمراً. . إلا وكان الحق في جانبه » وكأن مجرد اجتماع أهل الحل والعقد في
مكان ما. . كفيل بأن ينال حظه من العصمة فيما يخلص إليه المجتمعون +
وبذلك يكون حديث : « لا تجتمع أمتي علئ ضلالة » مكمل لحديث :
الاختلاف والفرقة ؛ ولكنه ضمان مشروط باجتماعها وسعيها ؛ وبذلها الوسع
في التقارب والاجتماع المتجرد من الأهواء ؛ لأنه متئ حصل هذا الاجتماع +
ومتئ خلا من الأغراض والأهواء . . فإن العصمة لما يتمخض عنه من تصورات
وقرارات قائمة بنص الحديث الشريف .
هذا ما أردنا أن نشير إليه ؛ كي يعرف المسلم العقيدة الخالصة » ويبلغ
الفهم الصحيح للنبوة والرسالة ؛ معنىٌّ ومبنىّ وصورة » فتكون نفسه بالحق
معمورة » لأن النبوة والرسالة هما طريق العبودية الخالصة لله تعالئ » والحق
أحق أن يتبع + والله تعالى أعلم » وصلى الله علئ عبده النبي الأمي سيدثا
محمد ؛ وعلى آله وصحبه وسلم .
أ. د هاشم محمد علي مهدي
مستشار الدراسات والبحوث
برابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة
في غرة رجب سنة (1476ه)
شكر ودعاء وتقدير
إن من لا يشكر الناس لا يشكر الله » ومن لا يدعو لمن أحسن إليه لم
وإني لا أرضئ بواحدة من هئذه لأحد من المسلمين .
لذا فإنني بعد حمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات ؛ وشكره علئ ما أعان
وهيًاً من سبل المكرمات + والصلاة والسلام علئ سيد السادات محمد وآله
مضيافا ؛ وأدعو للجميع بالتوفيق والعافية والسداد
وأشكر علئ وجه الخصوص جامعة أم القرئ ورابطة العالم الإسلامي علئ
تكاتفهما لصالح استكمالي للدراسات العليا +
صلاح عبد العليم إبراهيم الذي تشرفت بإشرافه علي حين اختياري لهذا
الموضوع والموافقة عليه . فرحمه الله من أستاذ ناصح مشفق » جعله الله مع
العلماء العاملين » وحشره في زمرة الصالحين » وإنا لله وإنا إليه راجعون +
وإني إذ أدعو له وأترحم عليه لأشكر وأدعو وأقدر لأستاذي الكريم الأستاذ
وقام بواجب القراءة والتصحيح والتوضيح » فله مني الشكر الجزيل والدعوة
الخالصة بدوام العافية وطول العمر مع حسن العمل ؛ والفوز بجنات عدن
تجري من تحتها الأنهار » فجزاه الله عني خيرا من عالم يشجّع عند الكسل +
عند الوجل » ويحفّز لبلوغ الأمل +
هنذا وإني لأقدر جهود كل من أعانني بعرية كتاب » أو دلالة علئ مقال +
أو مذ لي يد العون والمساعدة ؛ وأخص بدون ذكر اسم : إخواني وجيراني في
العزيزية الشرقية +
والله الهادي إلى سواء السبيل +
الباحث
المقدمة
الحم لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه » ونعوذ بالله من شرور
له » وتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له 6 ونشهد أن محمدا عبده
سخطه فإنما نحن به وله .
وبعد فهلذه مقدمة نبين فيها أسباب اختيار هلذا الموضوع الميمون ©
ونستعرض خطة بحثه ؛ وتوضح المنهج الذي سلك في كتابته -
أسباب الاختيار :
إن المسلم يتطلع دائما إلئ ما يزيد إيمانه » وإن النبوة هي أصل الدين
وطريق الإيمان وزيادته ؛. ذلك أن معرفة الله تعالئ وما يطلبه من عباده
عن طريقها ؛ محبة لمعرفة أخبار المصطفين لها +
قدوة كل مسلم وأسوة كل مؤمن في الاعتقاد والعلم والعمل والشفقة على
الخلق والصبر علئ أذاهم ودعوتهم والمبالغة في نصحهم وإرشادهم .
ولما كانت هنذه الرغبة لابد من أدلاء علئ طرق تحصيلها من العلماء
العاملين أحبيت أن أحققها بواسطة علمين مشهورين هما الإمام الغزالي ؛
وشيخ الإسلام ابن تيمية إذ جهودهما في مجال العلم والعمل بما جاء به الأنبي