هو كتاب «شرح حديث جبريل 8# في الإسلام والإيمان والإحسانة
فاستبدلته بالعنوان المشهور «الإيمان الأوسط» وذلك لأسباب عدة موضحة
في المبحث الأخير من مباحث الدراسة.
أما الأسباب التي دعت إلى اختيار هذا الكتاب فهي على قسمين؛
أسباب عامة؛ وأسباب خاصة.
أما الأسباب العامة فهي:
أولاً: نفاسة المؤلفات التي خطتها براعة شيخ الإسلام اين تيمية؛ إذ
كانت وما زالت مؤلفاته محط أنظار الباحثين» ومنتهى آمال الدارسين»
بالإضافة أن ما كتبه شيخ الإسلام في موضوع الإيمان خصوصاً يتصدر قمة
هذه المؤلفات أهمية ومكانة.
ثانياً: أهمية موضوع الإيمان بين موضوعات العقيدة». وخطورته»
وضلال كثير من الفرق في بابه؛ مما يجعل من الأهمية بمكان إبراز منهج
السلف الصالح في هذا الموضوع؛ وتحديد معالم ذلك المنهجء وهو ما
نجده مكنوزاً بين دفي هذا السفر النفيس «شرح حديث جبريل؟.
ثالثاً: ضرورة تحديد كثير من المصطلحات المهمة المتصلة بالعقيدة+
والفاسق وغيرها» والتي كثيراً ما وقع اللبس وسوء الفهم فيها -
أما الأسباب الخاصة فهي:
أولاً: العثور على نسخة جديدة نسخت بعد موت المؤلف - كلم
بخمسة عشر عاماً فقطء أي في عام (47لاه).
ثانياً: أن النسخة المطبوعة الموجودة في مجموع الفتاوى نسخة ناقصة
ومخرومة من نهايتهاء كما أشار إلى ذلك الشيخ عبد الرحمن بن
قاسم يطل(" .
)١( الإيمان الأوسط (177/97) + ضمن مجموع الفتاوى.
يبلغ تسع لوحات من الموضع الذي أشار إليه ابن قاسم حتى نهاية الكتاب؛
وبهذا النقص فإن كلام المصتف عن الإحسان يكتملء وبالتالي يكون
الكتاب كاملاً.
وتمثل كل لوحة من المخطوط ثلاث صفحات من المطبوع؛ فتكون
هذه الزيادة في الكتاب على هذا الحساب (77) صفحة طباعية.
ثالقاً: كثرة الفروق بين المطبوع والمخطوط» فبالإضافة إلى هذه
سقط في المطبوع» يصل في بعض الأحيان إلى أربعة أسطر متتابعة؛ هذا
عدا التحريفات في المطبوع.
ويتكون البحث من مقدمة وقسمين:
المقدمة: وفيها أهمية الموضوع؛ وأسباب اختياره؛ ومنهج التحقيق.
التمهيد: موضوع الإيمان ومذاهب الطوائف فيه؛ وبيان الراجح منهاء
وقد تم فيه تعريف الإيمان في اللغة؛ وذكر مذاهب الناس فيه.
المبحث الأول: دراسة مو.-
الكثيرين .
هو أهم مباحث الدراسة على الإطلاق» وقد جاء في سبع مسائل أصلية؛
وعدة مسائل فرعية.
أما المسائل الأصلية فقد رتبت على النحو التالي:
المسألة الأولى: أقسام الناس في عهد النبي كَمة؛ وهم المؤمنوت
زة عن المؤلف»؛ وقد قمت بترجمة
المسألة الثانية: تعريف النفاق والكلام عليه
المسألة الثالثة: وجوب التفريق بين أحكام الظاهر وأحكام الباطن.
المسألة الرابعة: الخلاف في الإيمان» وكانت هذه المسألة أبرز
المسائل الواردة في الكتاب؛ وقد تبلورت في تسعة موضوعات هي:
أولاً: أصل الخلاف في الإيمان.
تحليلية لمذاهب المرجئة الذين أخرجوا الأعمال من
سادساً: الرد على من قال بالمجاز في الإيمان.
سابعاً: حكم ترك جنس الأعمال.
ثامناً: موقف المصنف من الخلاف بين السلف وبين مرجئة الفقهاء
زيادة الإيمان ونقصانه؛ والاستثناء في الإيمان
المسألة الخامسة: تقرير مذهب السلف في الإيمان.
المسألة السادسة: الفرق بين الإسلام والإيمان.
المسألة السابعة: الكلام على الإحسان.
الأولى: تضمنت بعض الردود على الملاحدة من المتفلسفة وغلإة
الثانية: كلام المصشف عن الأحاديث التي ذكر فيها الإسلام
والإيمان؛ وتأصيل فهمها .
المبحث الثالث: المقارنة بين الكتاب؛ وبين كتاب «الإيمان الكبير»؛
وقد دارت معالم هذه المقارنة. حول الأسبق تأليفاً من الكتابين؛ وعرض
المسائل فيهماء وما تميز به كتاب «شرح حديث جبريل» (الإيمان الأوسط)
عن كتاب «الإيمان الكبيرة؛ وختمت هذا المبحث بجواب على تساؤل
يقول: هل هناك كتاب في الإيمان للمصنف يسمى «الإيمان الصغير»؟ .
المبحث الرابع: دراسة عن نسخ الكتاب المطبوع منها والمخطوط.
بالإضافة إلى نسخة المكتبة المحمودية؛ هذا مع النسخة المطبوعة التي اعتمد
عليها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في مجموع فتاوى شيخ الإسلام كله .
وهناك أيضاً نسخة تمثل «مختصر الكتاب» لم أتمكن من معرفة
وقد رمزت للنسخ بالرموز التالية: النسخة المحمودية: «م8» والنسخة
أما عملي في المخطوط فقد كان على النحو التالي:
-١ عزو الآيات؛ وتخريج الأحاديث من مصادرها الأصلية؛ والحكم
عليها من خلال أقوال أهل العلم.
- إثبات الفروق بين المطبوع ونسخ المخطوط» وإكمال الناقص في
*- تصحيح بعض الكلمات؛ وحل بعض العبارات المشكلة.
؛ - التعليق الموجز على أصول المساثل المهمة الواردة في الكتاب.
9 - ترجمة الأعلام غير المشهورين الذين ورد ذكرهم في الكتاب؛
والتعريف ببعض الفرق والنحل والعقائد الباطلة الواردة كذلك.
+ - عمل الفهارس العلمية.
وفي الختام: فلا يسعني إلا أن أرقع أكف الابتهال والحمد والشكر
الموضوعات؛ ولمؤلف يتسابق الدارسون إلى دراسة كتبه» وخدمة تراثه»؛
هو شيخ الإسلام ابن تيمية كلة.
توفيق الله عزّ وجل - خير معين لي في فترة إعداد هذا البحث؛ أن يمد الله
في عمرهماء وأن يبارك فيهما؛ وأن يكتب لهما موفور الصحة والعافية
أن الشكر والتقدير والعرفان في هذا البحث»؛ لأستاذي وشيخي ومشرفي
الكبير محمد قطب» والشيخ أمين سراجء والدكتور حمدي أرسلان»
فجزى الله الجميع أفضل الجزاء.
كما لا يفوتتي أن أشكر أيضاً أستاذنا الدكتور علي بن عباس الحكمي
الذي تفضل مشكوراً غير مرة؛ بإعطائي بعض المراجع الهامة في البحث؛
ووفر لي صعوبة الحصول عليها؛ ولكل من مذَّ يد المساعدة والنصح:
مشكورين مأجورين إن شاء الله تعالى - بقبول مناقشة هذه الرسالة مع كثرة
الأعمال التي يقومان بها وهما:
فضيلة شيخنا: الأستاذ الدكتور علي بن نفيع العلياني» أستاذ العقيدة
وفضيلة الأستاذ الدكتور: عطية بن عتيق الزهراني» أستاذ العقيدة
الإسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنرة؛ على صاحبها أفضل
كما أشكر كل من تكرِّم بحضور المناقشة؛ وأخص بالذكر منهم عمي
للباحثين أيسر الوسائل للبحث والدراسة ممثلة في ذلك الصرح الشامخ»
تخرج عشرات من الدعاة والدارسين والمتخصصين في الكتاب والسنّة
صراط مستقيم .
اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل +
اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن تعلم ونعوذ بك أن نشرك بك
سبحان ربك رب العزة عما يصفون» وسلام على المرسلين» والحمد لله
تمهيد
مسألة الإيمان» ومذاهب الطوائف فيهاء وبيان الراجح منها:
تعد مسألة الإيمان من أهم مسائل العقيدة الإسلامية على الإطلاقء
ومسألة الإيمان هي الأصل العظيم» الذي يخرج به الناس من
الظلمات إلى النور» وبه يتميز السعداء من الأشقياء؛ وأولياء الله من
أعدائه»؛ وبه تنال الحياة الطيبة في الدنياء والجزاء الحسن» والأجر العظيم
ولقد أفسد الخلاف فيها بين الفرق المحدثة على المسلمين كثيراً من
معانيها العظيمة؛ وأحالوها في كثير من الأحيان إلى مجرد قضية عقلية باهتة؛
لا علاقة لها بالحياة؛ وعظم الخطب حين نادت بعض هذه الفرق بفصلها - فعلاً -
عن الحياة؛ وذلك يوم أصرّت على إخراج الأعمال من الإيمان»
وإننا لنريد أن تعود هذه القضية الكبرى رائدةً للقضايا الإسلامية
المعاصرة؛ على منهج خير القرون» وأن تكون هي الأصل الأصيل الذي
وقبل معرفة مذاهب الطوائف والفرق في مسألة الإيمانء لا بد من
إطلالة موجزة على معنى هذه الكلمة في اللغة فنقول:
الإيمان لغة:
يقول الأزهري: «اتفق أهل العلم من اللغويين وغيرهم أن الإيمان
معناه التصديق؛ قال تعالى حكاية عن إخوة يوسف: رن أت بِعْؤينٍ 5
لم يختلف أهل التفنير أن معنا
ويقول الجوهري في باب النونء فصل الألفء عن معنى كلمة أمن:
ويقول الراغب الأصفهاني: «آمن إنما يقال على وجهين: أحلمما:
ويقول صاحب القاموس المحيط: «آمن به إيماناً. صدقة؛ والإيمان
الثقةء وإظهار الخضوع» وقبول الشريعةة!.
وعلى هذا نجد أن من معاني هذه الكلمة في اللغة الأمن»
وإلى ذلك أشار القاضي أبو بكر بن العربي؛ واستدل على المعنى
الأول بقول النابغة:
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية كللهء أن هناك من يقول: إن معنى
الإيمان في اللغة هو الإقرار".
)١( تهذيب اللغة (017/16). الصحاح (2)30701/5
(© المفردات في غريب القرآن (37)- (4) القاموس المحيط (1518).
(ه) لسان العرب (11/17) مجمل اللغة -)1٠١7/1(
(2) أحكام القرآن (807/7). © الإيمان الكبير (101).
بل إن شيخ الإسلام ليذهب في الكتاب الذي نقوم بتحقيقه إلى أن
الإيمان «ماخوذ من الأمن» الذي هو الطمانينة. كما أن لفظ الإقرار مأخوذ
من قر يقر وهو قريب من آمن يأمن. . . فالمؤمن داخل في الأمن»".
وذكر صاحب لوامع الأنوار هذه الأقوال الثلاثة!" .
على أن بعض علماء اللغة ذكر الاتفاق على أن الإيمان في اللغة هو
ودعوى الاتفاق ومن باب أولى دعوى الإجماع محل نظرء فقد رأينا أن
بعض علماء اللغة ذكروا أن من معاني كلمة الإيمان في اللغة الأمن.
على أن هناك مسألة هامة ينبغي التنبه لها في أثناء الخوض في هذه
القضية؛ وهي أن كثيراً من علماء اللغة خصوصاً المتأخرين منهم -
متأثرون بعلم الكلام واصطلاحات المتكلمين»؛ ومن هنا وجب الحذر في
النظر فيما يتكلمون فيه من ألفاظ ومعانٍ تعلق بمصطلحات العقيدة.
وأما الإيمان في الاصطلاح:
فقد تعددت الأقوال فيه!*:
١ - فاهل السنّة والجماعة الذين هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة
يقولون: الإيمان قول وعمل» فالقول يشمل قول القلب وقول اللسانء
والعمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح؛ أو هو: اعتقاد بالقلب» وقول
- والخوارج والمعتزلة يقولون كظاهر قول السلف: الإيمان اعتقاد
.)414( شرح حديث جبريل )١(
لوامع الأنوار البهية للشيخ محمد بن أحمد السقاريني (404/1)-
© كما ذكر ذلك ابن منظور على سبيل المثال في لسان العرب (71/17)+
(4) سياتي الكلام عن الرد على هذه القضية عند التعرض لمناقشة المذاهب في الإيمان.
(ه) نود التنبيه إلى أن توثيق هذه الأقوال من مصادرها قد تم خلال تحقيق متن