ترجمة
يخ الإسلام ابن تيمية الحراني
رحمه الله تعالى
هو: شيخ الإسلام الإمام الفقيه؛ المجتهد الحافظ» تقي الدين أبو العباس؛
أحمد بن عبد الحليم؛ بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن
محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية النميري الحرّاني ثم الدمشقي.
ولهذا أطلق على هذه الأسرة "آل تيمية».
ولد شيخ الإسلام رحمه الله بحران» يوم الاثنين العاشر» أو الثاني عشر من
شهر ربيع الأول سنة 131ه.
الرحيل عن حران؛ فسافر به والده مع إخوته إلى الشام فوصل دمشق سئة 131ه
واستقر بهاء
وقد نشأ شيخ الإسلام في بيت علم؛ ودين؛ وكان يحضر المدارس والمحافل
في صغره فقد كان جده الشيخ مجد الدين أبو البركات من كبار علماء الحنابلة؛
وفقهاء العصر» تفقه على يد عمه فخر الدين الخطيب. قال عنه شيخ الإسلام:
«كان الشيخ جمال الدين ابن مالك يقول: ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين لداود
الحديد» وقال أيضا: «كان جدنا عجبًا في سرد المتون وحفظ مذاهب الناس
وإيرادها بلا كلفة» .١ ه. 8
رحمه الله في كتابه «نيل الأوطار»؛ ومن مؤلفاته «الأحكام الكبرى» في عدة
أما والده شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام فقد سمع من والده مجد
الدين أبي البركات؛ ورحل في صغره إلى حلب وسمع هناك من عدد من
كثير الفوائد جيد المشاركة في العلوم» له يد طولى في الفرائض .800
وذكر ابن كثير أن له كرسيًا للدراسة والتعليم والوعظ» وأنه تولى مشيخة دار
الحديث السكرية؛ وبها سكنه؛ مات سنة 87اه.
وممن أشتهر بالعلم والعبادة والزهد من هذه الأسرة الكريمة إخوة الشيخ
وهم ثلاثة:
أخوه: شرف الدين عبد الله وزين الدين عبد الرحمن»؛ وأخوه لأمه: بدر
الدين محمد.
أما والدة الشيخ فهي: ست النعم بنت عبد الرحمن بن علي بن عبدوس
من هذا البيت المبارك؛ والأسرة الصالحة خرج شيخ الإسلام فنشأ وتربى
في حجر والده؛ وبدأ في طلب العلم مبكرّاء؛ وكانت علامات النجابة والفطئة
أولاً: الجد والاجتهاد والانصراف التام إلى طلب العلم وتحصيله؛ فكان لا
صغره مستغرق الأوقات في الجد والاجتهاد».
ثانيا: رزقه الله الذاكرة الحادة؛ والعقل المتيقظ» والفكر المستقيم» والنبرغ
وكان العلم كأنه قد اختلط بلحمه ودمه».
وذكر ابن عبد الهادي رحمه الله: «أن أحد علماء حلب قدم من دمشق
وقال: سمعت في البلاد بصبي يقال له: أحمد بن وأنه سريع الحفظء؛
ما جاء؛ فأقعد عندناء الساعة يجيء يعبر علينا ذاهبًا إلى الكتّاب. فجلس الشيخ
الكبير هو أحمد ابن تيمية؛ فتاداه | فجاء إليه؛ فناول الشيخ اللوح؛ فنظر
عليه من متون الأحاديث أحد عشرء أو ثلاثة عشر حديثًاء وقال له: اقرأ هذاء
حفظ شيخ الإسلام رحمه الله القرآن في سنَّ مبكر ثم أكب على طلب
درس الحديث وسمع المسانيد والكتب الستة؛ وبعض المعاجم؛ وأقبل على
قال ابن عبد الهادي رحمه الله: أقبل على الفقه وقرأ العربية على ابن
عبد القوي ثم فهمها؛ وأخذ يتأمل كتب سيبويه حتى فهم النحوء وأقبل على
التفسير إقبالًا كليًا حتى حاز فيه قصب السبق» وأحكم أصول الفقه وغير ذلك؛
هذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة؛ فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه وسيلان
وقد جلس رحمه الله للإفتاء وعمره تسع عشرة سنة؛ وتلّف والده في
التدريس بدار الحديث السكرية وعمره اثنان وعشرون سنة بعد أن توفي والده سنة
7ه؛ وجلس الشيخ للتدريس في الثاني من شهر الله المحرم سنة 8ه وقد
حضر درسه الأول كبار علماء دمشقء؛ يقول ابن كثير رحمه الله واصفًا هذا
الدرس: «.... وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين ابن الزكي الشافعي»
والشيخ تاج الدين الغزاري شيخ الشافعية؛ والشيخ زين الدين ابن المرحل؛ وزين
اسنة وسنتين. .20
وأيضا في اليوم العاشر من شهر صفر من هذه السنة جلس للتفسير في
الجامع الأموي بعد صلاة الجمعة؛ وقد استمر هذا الدرس سنين طويلة؛ وكان
يحضره الجمع الغفير من الناس.
وقال الذهبي رحمه الله:
- يعني الشيخ تقي الدين - رحمه الله في
تصون تام وعفاف وتأله وتعبد؛ واقتصاد في الملبس والمأكل؛ وكان يحضر
المدارس والمحافل في صغره؛ ويناظر ويقحم الكبار» ويأتي بما يتحير منه أعيان
البلد في العلم. فأفتى وله تسع عشرة سنة بل أقل؛ وشرع في الجمع والتأليف
من ذلك الوقت» وأكب على الاشتغال» ومات والده وكان من كبار الحتابلة
وأئمتهم - فدرس بعد بوظائفه وله إحدى وعشرون سنة؛ واشتهر أمره؛ وبعد صيته
هكذا بدأ شيخ الإسلام تقي الدين حياته العلمية حتى أ
الله في الفهم وسعة الإطلاع»؛ وقوة الحجة؛ وسرعة البدبهة.
بأنه كان أبيض» أسود الرأس واللحية قليل الشيب؛ شعره
إلى شحمة أذنيه؛ كأن عينيه لساا ناطقان؛ ربعة من الرجال» بعيد ما بين
المنكبين؛ جهوري الصوت» فصيسًا؛ سريع القراءة؛ تعتريه حدة لكن يقهرها
البزار رحمه الله قال: «حدثني الشيخ العالم الفاضل المقرىء أبو محمد عبد الله
ابن الشيخ الصالح المقرىء أحمد بن سعيد قال: كنت يومًّا جالمًا بحضرة شيخ
الإسلام ابن تيمية رضي الله عنهء فجاء إنسان فسلم عليه آء الشيخ محتاجا إلى
ما يعتم به؛ فنزع الشيخ عمامته من غير أن يسأله الرجل ذلك فقطعها نصفين»
واعتم بنصفها ودفع النصف الآخر إلى ذلك الرجل 800.6
وذكر البزار أيضًا قال: «حدثني من أثق به أن الشيخ رضي الله عنه كان مازًا
لقد ضرب شيخ الإسلام أروع الأمثال في ميدان القوة والشجاعة ففي ميدان
الجهاد بطل مغوار لا يشق له غبار» يتبين هذا جليًا ما فعله ضد التتار ويأتي
الكلام على شيء من ذلك.
أمام السلاطين والظلمة ينصحهم ويخوفهم ويحذرهم برباطة جأش يهابه كل من
«قازان» سلطان التتار مع ما اشتهر عنهم من التسلط والظلم وا
إليه شيخ الإسلام مع مجموعة من تلامذته؛ وكلّمه بشدة ومما قال تزعم
أنك مسلم ومعك مؤذن وقاضي وإمام وشيخ» على ما بلغناء فغزوتنا وغزوت بلادنا
الطعام» فأكلوا إلا شيخ الإسلام؛ فقيل له: ألا تأكل؟ فقال: «كيف آكل من طعام
وكله مما نهبتم من أغنام الناس» وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس».
فقد ذهب
ولم أر أمشال الرجال تفاوتوا . لدى الفضل حتى عد ألف بواحد
يتشبه أكابر الأبطال» أ ه.
ابتدر شيخ الإسلام وذهب مع البريد إلى مصر ودخل على السلطان؛ وخاطبه بقوة
سيقيمون لهم من يحميهم ويقوم بأمرهم» فأجابه السلطان إلى ما أراد.
وقد منّ الله تعالى عليه رحمه الله بقوة القلب وانشراح الصدر الشي الكثير
وقال خادمه إبراهيم بن أحمد الغياني رحمه الله: «.. . ثم بعد أيام جاء
عند الشيخ - يعني ابن تيمية - شمس الدين بن سعد الدين الحراني وأخبره أنهم
مع نائب السلطان متوجها إلى الإسكندرية فقال له إنسان: «يا سيدي هذا مقام
الصبر» فقال له: دبل هذا مقام الحمد والشكر» والله إنه نازل على قلبي من الفرح
والسرور شيء لو قسم على أهل الشام ومصر لفضل عنهم؛ ولو أن معي في هذا
الموضع ذهبًا وأنفقته ما أديت عشر هذه النعمة التي أنا فيها» أه.
مع ما منح الله شيخ الإسلام رحمه الله من سعة العلم» وقوة الشخصية
كان زاهدًا قائمًا بما في يذه لم يتطلع في يوم من الأيام إلى منصب أو جاه
عصره مثله في ذلك» كان يتواضع للكبير والصغير» والجليل والحقير» والغني
كان يخوض في شيء من حديثها؛ ولا يسأل عن شيء من معيشتهاء بل جعل
مشهورًا بحيث قد استقر في قلب القريب والبعيد من كل من سمع بصفاته على
وجهها؛ بل لو سثل عامي من أهل بلد بعيد عن الشيخ الذي كان أزهد أهل هذا
ما سمعت بمثل ابن تيمية....
- مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
الإسلام صدقّاء وهو البحر من أي جهة أتيته؛ لا تكدره الدلاء.
وأصبح عَلّم المذهب السلفي» فكل من التزم المذهب الحق في باب العقائد قيل:
هو على مذهب ابن تيمية؛ فهو إذَّا مدرسة الأجيال تخرج منها فطاحل العلماء؛
والأئمة العظماء.
العالم الإسلامي بسلوكيّاتها وأصولها الفاسدة. أضف إلى أن بضاعة الفلاسفة
والمناطقة رائجةء وسلعتهم نافقة؛ هذا مع ما كان المسلمون يتلقونه من حرب
وقد تصدى الشيخ لكل هؤلاء» وانبرى للرد عليهم» وتفنيد أقوالهم؛ وكان
وكان إذا تكلم في فنّ حسبه السامع لا يحسن غيره»؛ وظنه قد تخصص في
هذا الجانب بل إن أصحاب المذاهب الأخرى يستفيدون منه علومًا في مذاهبهم
كانوا يجهلونها وتخفى عليهم؛ حتى ذكر أنه ما تكلم في علم من العلوم سواء
كان علوم الشرع أم من غيرها إلا فاق فيه أهله» والمنسوبين إليه» وما ناظر أحدًا
فانقطع معه.
قال أبو الفتح اليعمري رحمه الله - يصف نبوغ ابن تيمية وسعة علمه -: «إن
تكلم في التفسير فهو حامل رايته؛ وإن أفتى في الفقه فهو مدرك غايته؛ أو ذاكر
بالحديث فهو صاحب علمه؛ وذو روايته؛ أو حاضر بالنحل والملل لم ير أوسع
من تحلته؛ ولا أرفع من درايتة؛ برز في كل فن على أبناء جنسه».
وقال عنه ابن العماد رحمه الله: «أحكم أصول الفقه والفرائض والحساب
والمقابلة وغير ذلك من العلوم؛ ونظر في الكلام والفلسفة وبرز في ذلك على
وقال الذهبي رحمه الله في معرض وصفه لشيخ الإسلام: 3.... وصار من
أكابر العلماء في حياة شيوخه»؛ وله المصنفات الكبار التي سارت بها الركبان»
ولعل تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كراس وأكثر» وفسّر كتاب الله
تعالى في أيام الجمع؛ وكان يتوقد ذكاء؛ وسماعاته من
ٍ خ؛ ومعرفته بالتفسير إليها المنتهى؛
وأما معرفته بالملل والنحل» والأصول والكلام فلا أعلم له فيه
ايشا «كان آية في الذكاء وسرعة الإدراك رأسا في معرذ
أن قال: وقرأ وحصل» وبرع في الحديث والفقه؛ وتأهل للتدريس والفتوى وهو
الكتاب والسئة
ابن سبع عشرة سنة» وتقدم في علم التفسير والأصول؛ وجميع علوم الإسلام:
أصولها وفروعها ودقها وجلهاء سوى علم القراءات؛ فإن ذكر التفسير فهو حامل
لوائه؛ وإن عد الفقهاء فهو مجتهدهم المطلق؛ وإن حضر الحفاظ نطق وخرسواء
وسرد وأبلسواء واستغنى وأفلسواء وإن سمي المتكلمون فهو فردهم» وإليه
وكشف عوارهم؛ وله يد طولى في معرفته العربية والصرف واللغة؛ وهو أعظم من
الكتاب والسنة والمسند؛ بحيث يصدق عليه أن يقال: «كل حديث لا يعرفه ابن
وقال ابن دقيق العيد رحمه لله وقد سثل عن شيخ الإسلام بعد اجتماعه
به؛ كيف رأيته؟ - فقال: «رأيت رجلا ساثر العلوم بين عينيه؛ يأخذ ما شاء منهاء
ويترك ما شاء. 6.٠.
وقال ابن عبد الهادي رحمه الله: «وأخبرني غير واحد أنه كتب مجلدًا
لطيقًا في يوم؛ وكتب غير مرة أربعين ورقة في جلسة وأكثرء وأحصيت ما كته
وبيضه في يوم فكان ثمان كراريس في مسألة من أشكل المسائل؛ وكان يكتب
على سؤال الواحد مجلدًا».
وقال المزي رحمه الله في شيخ الإسلام رحمه الله: «ما رأيت مثله؛ ولا
رأى هو مثل نفسه»؛ وما رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله كَيةِ ولا أتبع
يم السماء مثل شيخ الإسلام علمًا وعملًا وحالًا وخلقًا واتباعًا وكرمّاء وحلمًا
في حق نفسه» وقيامًا في حت الله عند انتهاك حرماته».
وقال ابن القيم رحمه الله في ترجمته لشيخ الإسلام رحمه الله: اشيخ
الإسلام والمسلمين؛ القائم ببيان الحتى ونصرة الدين» الداعي إلى الله ورسوله؛
المجاهد في سبيله؛ الذي أضحك الله به من الدين ما كان عابَّاء وأحيا من