الإمام لبعض أعمالهم وطرقهم في عباداتهم ويفندها واحدة تلو الأخرى.
أما عملي في هذا الكتاب» فهو أني عمدت إلى المجلد الحادي عشر من
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الذي جمعه ورتبه عبد الرحمن
الإطالة. ووضعت لها العناوين المناسبة إعانة للقارىء على فهم النص؛ ثم عمدت
مهمة للقارىء.؛ وقد عرفت ببعض الأعلام الذين جلت أن القارىء يحتاج فيهم إلى
بعض علم.
الفائدة إلى هذا الكتاب القيم؛ راجيا من الله القبول» والنفع لعباد الله الصاحين .
بيروت ٠*١ جمادى الا
٠١ كانون الأول 1487م
هو أحمدبن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم
الخضر بن محمد بن تن ية الحراني ثم الدمشقي» تقي الدين أبو العباس.
الإمام العلامة الفقيه المجتهد الحافظ الزاهد العابد المجاهد المفسر الناقد
البارع الأصولي» شيخ الإسلام؛ علم الزهاد نادرة دهره» ابن الشيخ المفني شهاب
الدين عبد الحليم» ابن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين» شهرته تغني
عن الإطناب في ذكره؛ والإسهاب في أمره.
ولد بحران يوم الاثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستماثة؛ وقدم به
والده وبأخويه عند استيلاء التتار على البلاد إلى دمشق سنة سبع وستين؛ قسمع بها
الفقيه؛ وابن أبي الخير الحداد. والقاسم الإربلي» والشيخ شمس الدين ابن أبي
عمرء والمسلم بن علان» وابراهيم بن الدرجي» وغيرهم كثير. وعني بالحديث
وسمع المسند مرات والكتب الستة؛ ومعجم الطبراني الكبير. وما لا يحصر من
الكتب والأجزاء.
وقرأ بنفسه وكتب بخطه جملة من الأجزاء» وأقبل على العلوم في صغره»؛
فاخذ الفقه والأصول عن والده؛ وعن الشيخ شمس الدين ابن أبي عمرء والشيخ ز
الدين ابن المنجاء وبرع في ذلك» وناظر وقرأ العربية على ابن عبد القوي. ثم
أخذ كتاب سييويه فتأمله وفهمه. وأقبل على تفسير القرآن الكريم وبرز فيه . واحكم
أصول الفقه؛ والفرائض والحساب والجبر والمقابلة. وغير ذلك من العلوم؛ ونظر
في علم الكلام والفلسفة وبرز في ذلك على أهله؛ ورد على رؤوسائهم وأكابرهم»
ومهر في هذه الفضائل .
قال ابن كثير عنه: «. . . وقرأ بنفسه الكثير وطلب الحديث وكتب الطباق
والاثبات» ولازم السماع بنفسه مدة سنين؛ وقل أن سمع إلا حفظه؛ ثم
اشتغل بالعلوم» وكان ذكياً كثير المحفوظ» فصار إماماً في التفسير وما يتعلق به؛
عارفآ بالفقه. فيقال إنه كان أعرف بفقه المذاهب من أهلها من الذين كانوا في
زمانه وغيره. وكان عالمآ باختلاف العلماء. عالماً في الأصول والفروع والنحو
واللغة. وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية . وما قطع في مجلس ولا تكلم معه
وتأهل للفتوى والتدريس وله دون العشرين سنةء وأفتى من قبل العشرين
أيضاً وامده الله بكثرة الكتب وسرعة الحفظ الإدراك والفهم وبطء النسيان
ثم توفي والده وكان له حينئذ إحدى وعشرين سنةء فقام بوظائفه بعده» فدرس بدار
الحديث السكرية في أول سنة ثلاث وثمانين وستماثة, وهناك شرع في تفسير
القرآن من أوله» وكان يورد من حفظه في المجلس نحو كراسين أوأكثر. وفي سنة
تسعين ذكر على الكرسي يوم جمعة شيئاً من الصفات. فقام بعض المخالفين
قال الداوودي : «عرف أقوال المتكلمين» ورد عليهم» ونبه على أخطائهم»
وحذر منهم» ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين. وأوذي في ذات الله من
المخالفين. وأضيف في نصر السنة المحضة؛ حتى أعلا الله مناره؛ وجمع قرب
أهل التقوى على محبته والدعاء له» وكبت أعداثه ؛ وهدى به رجالا من أهمل
الملل والنحل» وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالباآ؛ وعلى طاعته»
137/16 البداية والنهاية )١(
وأحي به الشام. بل الإسلام؛ بعد أن كاد ينثلم بتثبيت أولي الأمر لما أقبل حزرب
التتر والبغي في خيلاتهم ...0092 .
هو حجة لله قاهرة هوبينناأعجوبةالدهر
هوآية في الخلق ظاهرة أنوارها أربت على الفجر
تصانيفه: «الصارم المسلول على منتقص «أوشاتم» الرسول» و«اقتضاء الصراط
الح و«رفع الملام عن الأئمة الأعلام» و« السياسة الشرعية» و«الكلم
الطيب» و«مناسك الحج» و «الفرقان بين أولياء الله وأولياء الشيطان» و «منهاج
مات سنة 178 ه. بقلعة دمشق بالقاعة التي كان محبوسا بهاء وحضر جمع
كثير الى القلعة؛ وأذن لهم في الدخول عليه وجلس جماعة عنده قبل الغسل
وقرأوا القرآن. فلما فرغ من غسله أخرج ثم اجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى
يحفظرنها من الناس من شدة الزحام وصلي عليه أو بالقلعة. تقدم في الصلاة
عليه أولاأ الشيخغ محمد بن تمام. ثم صلي عليه بالجامع الأموي عقيب صلاة
الظهرء وقد تضاعف اجتماع الناس. ثم تزايد الجمع إلى أن ضاقت الرحاب
والأزقة والأسواق بأهلها ومن فيهاء وخرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي
شديدة الزحام» ثم حمل إلى مقبرة الصوفية فدفن إلى جانب أخيه شرف الدين
وكان قد مكث معتقالٌ في القلعة من شعبان سنة ست وعشرين إلى في
44/1 طبقات المفسرين )١(
القعدة سنة ثمان وعشرين» ثم مرض بضعة وعشرين يومآ. ولم يعلم أكثر الناس
على منارة الجامع» وتكلم به الحرس على الأبرجة فتسامع الناس بذلك"0.
في طبقات المفسرين 13/1. وشذرات الذهب ١/80؛ والبداية والنهاية 137/16
وتذكرة الحفاظ 1847/4 والدرر الكامنة 154/1 ومرآة الجنان 719/4؛ والنجوم الزاهرة
الباب الأول
سيل شيخ الإسلام قدسٌ الله روه عن «الصوفية» وانهم اقسام «والفقراء»
الثلاثة؛ وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك» وقد نقل التكلم به عن غير واحد من
الأئمة والشيوخ: كالإمام أحمد بن حنبل» وأبي سليمان الداراني""؛ وغيرهما.
وقد روي عن سفيان الشوري أنه تكلم به؛ وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن
النسب: كالقرشي» والمدني ؛ وامثال ذلك.
)١( واسمه عبد الرحمن بن أحمد بن عطية الداراني الزاهد المشهور, والداراني نسبة إلى دازياء وهي
قريطة من غوطة دمشق . (انظر اللباب في تهذيب الأنساب 487/1)
() بطن من مضرء من العدنانية. وينقسم إلى عدة أفخاذ (انظر معجم قبائل العرب 371/7).
في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم أولى ؛ لأن غالب من تكلم باسم «الصوفي» لا
يعرف هذه القبيلة» ولا يرضى أن يكون مضافاً إلى قبيلة في الجاهلية لا وجود لها
الصوفية في البصرة؛ وأول من بنى دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن
زيد وعبد الواحد من أصحاب الحسن”0 وكان في البصرة من المبالغة في
الزهدوالعبادة والخوف ونحو ذلك؛ ما لم يكن ني سائر أهل الأمصارء ولهذا كان
يقال: فقه كوفي » وعبادة بصرية. وقد روى أبو الشيخ الأصبهاني باسناده عن
الصوف» يقولون: إنهم متشبهون بالمسيح بن مريم؛ وهدي نينا أحب إليناء وكان
ولهذا غالب ما يحكى من المبالغة في هذا الكتاب إنما هو عن عباد أهل
زُ أوفى قاضي البصرة فإنه قرأ في صلاة الفجر: (ؤفإذا نقر في الناقور")
فخر ميتاً» وكقصة أبي جهير الأعمى الذي قرأ عليه صالح المري قمات» وكذلك
غيره ممن روي أنهم ماتوا باستماع قراءته؛ وكان فيهم طوائف يصعقون عند سماع
الصحابة والتابعين: كأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن الزبير» ومحمد بن
سيرين» ونحوهم .
منهم من ظن ذلك تكلفآً وتصنعاً. يذكر عن محمد بن سيرين أنه قال: ما
)١( أي الحسن البصري الإمام المشهور صاحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(؟) سورة المدثر آية +
ومنهم من أنكر ذلك لأنه رآه بدعة مخالفاً لما عرف من هدي الصحابة؛ كما
والذي عليه جمهور العلماء أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوباً عليه لم ينكر
قال: قرىء القرآن على يحيى بن سعيد القطان فغشي عليه؛ ولو قدر أحد أن
وبالجملة فهذا كثير ممن لا يستراب في صدقه.
لكن الأحوال التي كانت في الصحابة هي المذكورة في القرآن» وهي وجل
القلوب؛ ودموع العين» واقشعرار الجلود» كما قال تعالى : (إنما المؤمنون الذين
يتوكلون»”') وقال تعالى : لاله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه
جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وقال تعال:
أويخرون للاذقان ييكون ويزيدهم خشوعاً».
وقد يذم حال هؤلاء لما فيه من قسوة القلوب والرين عليهاء والجفاء عن
الدين» ما هو مذموم؛ وقد فعلواء ومنهم من يظن أن حالهم هذا أكمل الأحوال
وأتمها وأعلاهاء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم .
بل المراتب ثلاث:
أحدها: حال الظالم لنفسه الذي هو قاسي القلب؛ لا يلين للسماع والذكر»
7 سورة الأنفال آية )١(
صورة الزمر آية ؟؟ (؟) سورة الما )1(
1984 سورة مريم آية 98 (5) سورة الإسراء آية )(
آية 8
تعملون»' وقال تعالى : ؤألم بأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما
نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست
قلوبهم وكثبر منهم فاسقون4".
وضعف القلب عن حمله؛ وقد يوجد مثل هذا في من يفرح أو يخاف أو يحزن أو
أمر ضعفت نفسه عن دقع بمنزلة ما يرد على البدن من الأسباب التي تمرضه أو
تقتله. أو كان أحدهم مغلوباً على ذلك.
وجه للريبة. كمن سمع القرآن السماع الشرعي» ولم يفرط بترك ما يوجب له
الأمور التي تغيب العقل بغير اختيار صاحبها؛ فإنه إذا لم يكن السبب محظوراً لم
بتناول السكر من الخمر والحشيشة فإنه يحرم بلا نزاع بين المسلمين؛ ومن استحل
السكر من هذه الأمور فهو كافر, وقد يحصل بسبب محبة الصور وعشقها كما قيل:
يسمع من الأصوات التي لم يؤمر بسماعها ما يزيل عقله» إذ إزالة العقل محرم»
13 صورة الحديد آية )١(