لاه » ولكن لم يذكر إسم ناسخها وكان رقمها هو 3807 ومختومة بختم
الجامعة الإسلامية وتقع هذه النسخة في #58 صفحة مقاس 77 13
وقمت على الفور بتحقيق هذه النسخة المخطوطة بمقارنتها بالنسخة
المطبوعة؛ ولم يكن هدفي الوحيد هو مجرد المقارنة بين النسختين من ناحية
مدى الإنفاق والإختلاف. بل كان جل إهتمامي هو تأصيل ما جاء بهذا
الكتاب من أحاديث وأقوال مأثورة للأنبياء والرسل والصحابة والتابعين
بالرجوع إلى المصادر العربية القديمة التي تهتم بمثل هذا النوع من العلم.
وسوف يشعر القارىء بالمجهود الذي بذلناه لإخراج هذا الكتاب . وقد اكتفينا
بنشر ما يتعلق بزهد الأنبياء والرسل باعتباره الجزء الأول» وسوف نقوم بنشر
الأجزاء الأخرى التي تتعلق بزهد الصحابة وكذلك زهد التابعين بإذن الله
تعالى وتوفيقه.
وأخيراً أقدم إعتراني بالجميل شاكراً لكل من عاونني على نشر هذا
والإسلامية بأمهات الكتب من شتى الفنون.
والله وحده ولي التوفيق»
بيروت 1481
أحمد بن حثبل
أجمع المؤرخون قديماً وحديثاً. المسلمون والمستشرقون. على أن الإمام
أحمد قد إنحدر من قبيلة عربية أصيلة غير أعجمية ولا مهجنة وقد التقى نسبه
الشريف مع النبي يق في الجد الأعلى وهو نزار بن معد بن عدنان.
هو أحمد بن محمد بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبداللهبن حساذبن
عبدالله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن
عكاشة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن
دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن
الهميثع بن النبت بن قندر بن إسماعيل بن إبراهيم!".
الورع وغوامضه؛ إماما في الزهد وحقائقه. رحل إلى الكوفة والبصرة ومكة
والمدينة واليمن والشام والجزيرة. وسمع من سفيان بن عيينة؛ وإبراهيم بن
سعدء ويجى بن سعيد القطان» وهشيم بن بشيرء ومعتمر بن سليمان؛
)١( أحمد عبد الجواد الدومي : أحمد بن حنبل ص 18 + ص 3597 » نقلا عن مخطوطة لصالح بن
أحمدبن حنبل ؛ الطبعة الأول 1431
عبد الرزاق بن همام » وبحبى بن آدم » وأبو الوليد هشام بن عبد الملك
الطيالسي » وأبوعبد الله محمد بن إدريس الشافعي » والأسود بن عامر شازان +
والبخاري ومسلم وأبو داود!).
وكان الإمام أحمد من أصحاب الإمام الشافعي وخواصة؛ ول يزل
وما خلفت بها أتقى ولا أفقه من ابن حبل» وقد دعي إلى القول بخلق
العشر الأخير من شهر رمضان سنة 0ه ول يكن في آخر عصره مثله في
العلم والورع. وقد ولد الإمام أحمد كما هو معروف ومشهور- في ربيع الأول
من سنة 174ه. وتوفي في ربيع الآخر سنة 141ها". ولا كان الإمام أحمد
من خواص أصحاب الإمام الشافعي» وكان الشافعي يأتيه إلى منزله فعوتب
قالوا يزوره أحمد وتزوره قلت الفضائل لا تفارق منزله
أما عن زهده ومنزلته في الفكر الإسلامي + فقد ذكر المؤرخون مواقف
وشواهد نجل عن الحصر ء ولا يمكن أن نذكر منها إلا طرفا على سبيل المثال
رأيت مثل أحمد بن حنبل + لم يكن يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من
أمر الدنيا » فإذا ذكر العلم تكلم » . وقيل أيضا : لو كان أحمد بن حنبل في
ين الترابل لكان آية:؟» . وقال قتيية بن سعيد و لولا أحمد بن حتبل لمات
الورع» 6 وقال مرة أخرى : بموت أحمد بن حنبل تظهر البدع» وبموت
ّ مانت السنن » وبموت الثوري مات الورع» . وقال ابنه عبد الله :
أبي أصبر الناس على الوحدة ؛ وبشر رحمه الله ( ويقصد بشر بن الحارث
)١( ابن العماد الخبلي : شذرات الذهب جد 7 ص 47-43 ط بيروت
(1) ابن خلكان : وفيات الأعيان ح ١ ص 64 ١ ط بيروت 1438
(©) ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب ح ؟ ص 48
وقال إبراهيم الحربي : « أدركت ثلاثة لن ير مثلهن أبداً ؛ يعجز النساء
أن يلدن مثلهم : رأيت أبا عبيد القاسم بن سلام ما أمثله إلا بجبل نفخ فيه
روح » ورأيت بشر بن الحارث ما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه
عقلا ؛ ورأيت أحمد بن حنبل كأن الله عز وجل جمع له علم الأولين من كل
صنف » يقول ما شاء ويمسك ما شاء » . وعن الحسن بن العباس قال قلت
لأبي مسهر :« هل تعرف أحداً يحفظ على هذه الأمة دينها ؟ قال : لا أعلم إلا
شابا باللشرق » يعني أحمد بن حنبل » . وقال قتيية بن سعيد : « لو أدرك
أحمدبن حنبل عصر الثوري والأوزاعي ومالك والليث بن سعد لكان هو
المقدم » . وقيل لقتية أيضا : « يضم أحمد بن حنبل إلى التابعين ؟ قال : إلى
كبار التابعين 8" . وروي عن أبي عبد الله أحمد بن حتبل إمام الحفاظ أنه
قال : « إذا جاء الحديث في فضائل الأعمال وثوابها وترغيبها تساهلنا في
إسناده . وإذا جاء الحديث في الحدود والكفارات والفرائض تشددنا فيه!"»
ويتحدد موقف أحمد بن حنيل من الزهد والورع سواء من الناحية
النظرية أو العملية كسلوك + من مذهبه في الأخلاق . فقد سيطر التشدد في
المسائل الخلقية على مذهب ابن حنبل سيطرة تامة ؛ فعنده أن غاية الأفعال
هي عبادة الله . وهو يقرر بما يخالف المرجئة أن الإيمان ه قول وعمل ونية
وفك بالسنة » . ومن ثم فالإيمان « يزيد وينقص » » وهو يقتضي إرتباطا
الاستثناء فيستدرك : « إن شاء الله 96 ,
مجموعة معقدة من العقائد الخلقية ؛ يقتضي ما بلي :
)١( المصدر السابق :اص 168 ل ص 7د
(1) ابن العماد الخبل ؛ شذرات الذهب د » عن 419
(©) المصدر السابق : ا 88-477
() دائرة المعارف الإسلامية مادة أحمد بن حنبل ص 708 081 + طبعة الشعب
. إخلاص تام في عبادة الله - ١
. إنكار الدنيا - ٠
- شجاعة أدبية تقوم على ترك ما نحب إلى ما تخشى ؛ ويعني بها
- خشية الله .
. عقل متشكك يتجنب الشبهات""؟ ١
هذه المبادىء الخلقية التي ذكرها أحمد بن حنبل كشروط ضرورية
للإيمان بالله تؤكد لنا خصائص وكيفية معيشته . فقد عاش أحمد فقيراً
يكون ذا مال لا يعرف أنه حلال خالص ؛ أو يكون فيه منة العطاء . وكثيرا
يعمله إذا انقطع به الطريق وم يكن معه مال . وكان يؤثر ذلك على أن يقبل
عطاء؛ فإن العطاء في مثل هذه الشدة ؛ وممن يعجز عن مكافأته في زمن
قريب ؛ لا يستطيع أن يتحمله أحمد وهو الأبي الذي حرر نفسه وأتعب
وكان من أهم سمات هذا العالم الجليل أنه كان يسير في معاشه في سنة
من يعلو بنفسه عن أن تكون يده السفلى » بل مع هذه الشدة والعسرة ؛ كان
يعلو فتكون يده هي العليا . ولذلك كان مع هذا القل من المال من أسخى
)١( دائرة المعارف الإسلامية مادة أحمد بن حنبل ص 308 - 81 طبعة الشعب
() محمد أبو زهرة : ابن نبل حياته وعصره ص 78 » ط دار الفكر العربي - القاهرة
© المصدر السابق :ص 80
على الرغم من شدة فقر الإمام وعوزه » إلا أنه كان يرفض عطاء
الخلفاء وغيرهم ويكري نفسه ويكتب للناس الكتب بأجر ؛ فكان في رفضه
المتجمل الصبور . وإذا كان هذا هو مسلك الإمام أبي حنيفة الذي كان
يتعفف عن مال السلطان والخلافة » إلا أن المقارنة هنا تجعل إختيار الإمام
أحمد لهذا المسلك أعظم إبتلاء » ذلك لأن الإمام أبي حنيفة كان رجلا ثريا له
كانوا على اتصال به( ,
ولا يعني هذا أن الإمام أحمد كان يقطع بأن قبول العطاء من الخلفاء
الزهاد الأبدال الذين يؤثرون الخصاصة مع نفس نزهة على المال والثراء
والنعمة مع اضطراب النفس بالشك والإشتباه والحيرة » فهم يتركون ما
من أهم صفات الزاهد الذي يلين القلوب + ويرقق النفوس ليس هو في
الإمتناع عن الحلال ؛ ولكن في طلبه من غير أن يدنس النفس" ٠
في تكوين شخصية الإمام أحمد سواء من الناحية العلمية أو الخلقية أو
شخصية سفيان الثوري الذي تتلمذ له على الرغم من أنه لم يلقه ؛ وكذلك
عبد الله بن المبارك الذي رغب الإمام أحمد في لقائه . فقد كانت أخلاق أحمد
وسمته وسلوكه هي أخلاق ذلك الإمام الجليل سفيان الثوري . وكذلك ابن
المبارك هو الذي رغب الإمام أحمد في أن يسلك مسالكه في الورع
والأخلاق . والإبتعاد عن السلطان والجاه . فقد كان ابن المبارك يرى أن
الزهد سلطان دونه سلطان الملوك » لأن الزاهد لا يحتاج إلا إلى الله » والملوك
لا يستغنون عن الناس » ولذلك سثل من الناس ؟ فقال العلماء + ومن
الملوك ؟ فقال الزهاد » ومن السفلة ؟ فقال الذين يعيشون بدينهم" ٠
44 47 الصدر السابق : ص )١(
47 الصدر السابق ص ل )(
116-114 أبو زهرة : ابن حتيل ص )©(
هكذا كانت حياة الإمام أحمد وزهده ومنزلته في الفكر الإسلامي
نختتمها بقول أحمد بن يحبى ثعلب النحوي : كنت أحب أن أرى أحمد بن
حنبل فدخلت عليه فقال لي تنظر؟ فقلت في النحو والعربية والشعر »
فأنشدني أحمد بن حنبل :
ولا تحسين الله يخلف ما مضى وأن الذي يخفى عليه يغيب
لهونا عن الأيام حتى تتابعت | ذنوب عل آثارهن ذنوب
فيا ليت أن يغفر الله ما مضى ويأذن لي في توبة فأتوب«»
ولهذا قال أبو تعيم الأصبهاني عنه : « ومنهم الإمام المبجل والهمام
المفضل ؛ أبو عبد الله أحمد بن حتبز » لزم الاقتداء ؛ وظفر بالاهتداء . علم
الزهاد وقلم النقاد . إمتحن فكان في المحنة صبورا » واحتبى فكان للنعمة
شكورا ؛ كان للعلم والحلم واعيا ؛ وللهم والفكر راعيا » قيل إن التصوف
التجلي بالآثار » والتحلي بالأكدار )"©
لهذا عندما توفي الإمام أحمد ودفن بمقبرة باب حرب ؛ وهو قبر مشهور
بالمحلة المعروفة بالحربية ؛ وهو قبر يزار » ويقال أن عدد من حضر جنازته
من الرجال ثمائماثة ألف » ومن النساء ستين ألف » قيل إنه أسلم يوم مات
عشرون ألفا من النصارى واليهود والملجوس" .
ثانيا : أحمد بن حنبل والصوفية :
يخطىء من يزعم أن أحمد بن حتبل كان على خلاف مع الصوفية ؛ أو
أنه كان يناصبهم العداء . فلم تكن هناك خصومة بينه وبين الصوفية © ول
يكن هناك نزاع بينهها من ناحية السلوك والأخلاق وأقوالهم في المقامات
والأحوال ومواعظهم وجلوسهم إلى الناس في كل مكان
(1) أبو نعيم الأصبهاني : حلية الأولياء 4 ص 80
() المصدر السابق : ص 161
(©) ابن خلكان : وفيات الأعيان ح 951
فإننا نستطيع أن نؤكد بان أصول الصوفية الصحيحة المتفرقة في ثايا
الكتب » اجتمعت في شخصية الإمام أحمد . فقد كان زاهدا بطبعه » قليل
الكلام إلا فيا ينفع + فاطما لنفسه » كابتا لغرائزه » كثير التعبد والتهجاء +
ينشر بساطه الأحمدي ليجلس عليه جميع الفقراء على إختلاف مشاربهم
وأهوائهم وألوانهم
أمدين حنبل كان بحث ولده على الإجتماع بصوفية زمانه ويقول : « إن
« الورع» ( الذي نشر سنة 13486 ه بالقاهرة ) آراء للإمام أحمد في مسائل
يظهر ببيان أن أقوال أحمد في الشبهات التي تساور أهل التقى وفي حياة الزهد
والتعبد ؛ يمكن أن تقارن بأقوال معاصريه من أمثال إبراهيم بن أدهم +
وفضيل بن عياض » أو ذي النون المصري وترجحها . ومما يلاحظ أن هذا
الكتاب وهو « كتاب الورع» قد أمعن في الاستشهاد به أبو طالب المكي في
كتابه « قوت القلوب » كما نقل عنه بعد ذلك الإمام الغزالي في كتابه « إحياء
علوم الدين 6 .
ورما كان موقف الإمام أحمد من العبادات هو الذي يجدد لنا عدم
إتفاقه مع الصوفية في منهجهم المستحدث . فيقال أنه في العبادات لم يقل إلا
ولا يرجع تشدد المذهب الحنبلي إلى روح التعبد وا فاصيل التي يسعى
هذا المذهب إلى مراعاتها في أداء الفرائض الديا ؛بقدرما يرجع إلى إنكاره
الإعتراف بآية قيمة شرعية لصور العبادة التي إستحدثها إجتهاد الزماد
والمتصوفة» . بل هناك إتجاه آخر يحاول تلمس الأعذار لقلة المعتنقين
)١( الشعراني : الطبقات الكبرى ح ١ ص 4 + ط القاهرة
(») دائرة المعارف الإسلامية : ص 374 7118 مادة أحمد بن حنيل
(©» دائرة المعارف الإسلامية : 81