المبحث الأول : مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحم
الله فلا مُُضْلٌ له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إل إلا الله
ولم يقف عمل المصنف في هذا «الكتاب» عند ما تعارف عليه الجمهور من الناس
من صفات وشمائل الأشراف؛ وإنما تعداها إلى ما هو أبعد غوراً؛ وأعظم أثراً؛ وأوفر
بذلك : أن هذه الخصلة اللبيلة هي أرق وأمى وأنبل صفات الأشراف من المتقين؛ بحيث
نال من عرضي فهو عليه صدقة..'"» وفي رواية أخرى : «اللهم إنه ليس عندي
صدقة أتصدق بباء فأيما رجلي من المسلمين أصاب من عرضي شيئاً فهو عليه
)١( أخرجه المصنف في هذا الكتاب انظر رقم )١(
)7( أخرجه المصنف في هذا الكتاب انظر رقم )(
ما أروع صنيع هذا المسلم» هكذا يناجي ربه في مير ومول صيتعء يتفنن في رضاه
يكون التقي الشريف البيل الكريم : يجود بالنفس لخالقهاء ويجود بعرضه ابتغاء رحمة
ربه؛ وتحقيق أمره؛ والامتثال له؛ وهو شرف ونبل وكرم؛ لا يعرفه إلا من باع واشترى
وأندرهي؛ وكذلك الشرفاء في كل عصر نزر يسير» وسادة قدوة معدودون.
وهذا الشريف المسلم جاء في الرواية الثانية مبهماً : «رجل من المسلمين» أما في
الرواية الأول من هذا الكتاب فقد جٌدَّدته فإذا به «رجل من الأنصاره.
نعم رجل من الأنصار» أنصار الله ورسوله هؤلاء اللبلاء الكرام!"" «الذين تَبَووًا الدار
وللصدّيقة بنتٍ الصّديق أم المؤمنين عائشة موقف عملي من مواقف الْبّل والترفٍ
وقد أخرج المصنف هناا"؟» ومسلم في «صحيحه!"" عن عروة بن الزبير أن عبان
فخ عن رسول الله صل الله عليه وسلم .
هكذا ببلغ الإيمان عند المسلم النبيل من نكران الذّات؛ والعفو عن الخطيء في حفّه
من المسلمين» ومراعاة المواقف الصالحة لكل مسلم؛ واستحضارها عند قصورة وزلله.
() انظر سورة الأنفال/ آية 4
() سورة الحشر / آية 4
(4) انظر النص رقم (5/8)
(5) صحيح مسلم: 147373/6- 1474 كتاب فضائل الصحابة؛ باب فضائل حسان بن
- رضي الله عنه رقم /1481 . وما بعذه.
الات
وترتقي بهم إلى أعلى مراتب الإيممان.
عن غير قصد واعتبار» بل إن هذه اللفتة التربوية الكريمة التي خالف بها جمهور
الناس في نظرتهم إلى صفات النبلاء كانت من جملة مقاصده الإصلاحية في تصنيف
أخرجها هنا في صدر الكتاب عن قصدٍ وتوجيه أملاها عليه واقع الأمة الذي عاش
جزءاً حافلاً من أجزائه؛ فرأى تمسك كل ذي حق بحقه؛ وحرصٌ جمهور المسلمين على
صيانة كرامتهم ووفورها بين إخواتهم المسلمين من غير أن تُخْدَشَ أو تمن وهذا معيار
عسير يخالف ما أمر الله به من الل وخفض الجتاح للمسلم» © بل أشار رب العالمين
وقال جل وعلا دويدريون بالحسنة السيفةً أولفك لم عُقبى الداره!".
وقال عزوجل «أولقك يُؤكوْنَ أَجرهُمْ مرتين مما صبروا ويدرءون بالحسنة
+ والحافظ ابن أبي الدنيا من العلماء الذين ما رسوا التأديب؛ وتصدوا لاصلاح
4 سورة فصلت / آية )١(
74 سورة فصلت / آية )(
7١ سورة الرعد / آية )©(
84 سورة القصص / آية )4(
رحمه الله قد أعطى رقعة واسعة من اهتاماته وجهده لقضية الأخوة والوفاق والود
بين المسلمين. والحرص على أن تسود روح التغافر والتواصي والتصابر بدل التنافر
والتباغض والعداء.
وكان من آثار هذا التوجه النبيل هذه المصنفات القيمة:
١ كتاب الإخوانا".
7 كتاب الحلم وذم الفحش.
كتاب ذم البغي.
4 كتاب ذم الحسد.
كتاب ذم الغضب.
+ كتاب ذم الغيبة واتميمة.
١ كتاب العفو
8 كتاب قضاء الحوائج.
4 - كتاب مداراة الناس.
٠ - كتاب مكارم الأخلاق.
١١ كتاب الصمت وآداب اللسان.
ولا شك أن أي مصلح علم يدرك فداحة خطر العداوة» وأثرها السيء في غخر المجتمع
اص # ينيحاته ب في دشار امات افني حلفت وأكترنت» :لألحيق جه ولجزااً فا
قال الله سبحانه ينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة؛!"؟ وقال
)١( انظر التعريف م
ذه المصنفات في مقدمتي لكتاب «الصمت وآداب اللسان» للمصنف ص
() سورة المائدة / آية 16
وعلا من علل تحريم الخمر والميسر أنها وسيلة من وسائل الشيطان ليوقع بين المسلمين
والبغضاء في الخمر والميسره!".
وهزلت روح التغافر وخفض الجناح» وأصبح التراحم عزيز الوجود» وهي حالة تقتضي
وقفة صادقة من المصلحين ليتداركوا الأمر قبل أوان ادم فالأصل في المسلمين أن
وتشريعات الله وأحكامه واحدة لا تتجزاًء فالأخذ بها جميعاً هو الإسلام الصحيح.
؛ وهذا الكتاب «الإشراف في منازل الأشراف» حافل بمثل هذه النصوص التربوية
أن بحت الجيلٌ المسلم على الاقتداء بأشراف الأمة؛ وأخذ أنبل ما عندهم من الخلال
النصوص تعر للقاريء عن مكنونا.
٠ والحافظ ابن أبي الدنيا مصنف هذا الكتاب شريف من الأشراف» فهو
من موالي القرشيين» وأبوه من العلماء الصلحاء البعيدين عن الشهرة والمنيت.
وكان ابن أبي الدنيا يقوم بتربية أولاد الخلفاء وتوجيبهم وإصلاحهم؛ م تحرج على
يديه عدد كبير من طلبة العلم.
وبهذا يكون المصنف اجتمع فيه «الشرّف؛ ب
الموروث والكسبي. فالشرف
لان
وقد مكُنَتْ صحبةٌ الأشراف من أهل القرن الثالث الهجري ابن أي الدنيا من ملاحظة
ومعرفة قيمة وأثر هذه الصفات»؛ كا أفادته دراسته وصلته الوثيقة بالعلم الشريف من
الأخبار والآثار والتاريخ من الوقوف عل النبلاء في هذه الأمة» ومعرفة سماتهم وصفاتهم
وجميل خلالهي؛ فمكنه ذلك من حسن الإحاطة والجمع لذه المناقب الشريفة.
وأنت حين تطالع هذا الكتاب سترى بوضوح, التكامل المنبجي في عمل المصنف»؛
فإنه لم يقف بنصوصه عند الشرف الموروث كالنسب وأمثاله؛ ولا عند الشُرف المكتسب
كالتقوى والعلم » وإنما جمع بينهماء ولم يفل عن واحد منهماء
١ هناك تنبيه مهم أحب تسجيله هناء لصلته الوليا بموضوع الكتاب وطبيعة مادتة؛
فإنني قد لحظت أن المصنف رحمه الله أخرج في كتايه هذا «الإشراف في منازل
الأشراف» جملة كبيرة من النصوص لأعلام مُيُرّزين اشتهروا بأسمائهم وأعمالهمء أو عُرفوا
أنهم أخذوا حظهم من الم والقدح والتجريخ في عصرهم وعند الأجيال المتعاقبة بعدهم.
وعلى هذا فقد يقف المُطالِعُ لهذا الكتاب على مثل هذه النصوص التي تتحدث عن
أخبار الحجّاجٍ بن يُوسفٌ التقفي» والمختار الثقفي» ويزيد بن معاوية بن أني سفيان»
من أصحاب الصّناعات المحرمَة.
والذي استبان لي من خلال دراستي هذا الكتاب أنَّ المصنف إنما أراد بصنيعه
هذا اتبيه إلى قضية خطيرة تلتيس على جمهور الناس ب وبالخصوص على عوائهم -
ألا وهي استحسان وتبجيل جميع أعمال الأشراف من الناس» بقاعدة أن أعمال الشريف
والأصل الشرعي : أن كل إنسان يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صل الله
عليه وسلم .
ومن الأدلة على وضوح هذه المنبجية في ذهن المصنف أنه أخرج نصّين للمختار
ابن أي عبيد الثقفي''؛ ثم أعقبهما بنص ثالث رواه عن أني بكر بن عياش قال اختار
عندي من خلال تدريسي لمادة «من أعلام الدعوة»؛ فوجدتُ أن «العلَم إنما هو الرجل
فهو عل وأي مثل أو من مشهور فهو علم» وأي لاعب رياضي معروف فهو علم
وقد بدا لي أن منهج «الأعلام» وفق هذه النظرة قد تطور حتى وصل إلى مرحلة المؤرخ
الثقة الإمام الذهبي في كتابه «سير أعلام النبلاء»» فاشترط أن يودع كتابه أعلام انبلا
وليس النبلاء فحسب؛ فكان الحاصل أن م كتابه الثقة والضعيف» والصالح وقد
والعادل والظالم من الولاة والحكام وذلك باعتبار الرابط الذي ينتظمهم وهو أنهم
خبيث؛ فيكون الضابط والرابط هو : الشهرة وذيوع الصيت.
وربما يكون المصنف قد أودع النصّ الأول والثاني في حديث «المتصدق بعرضه»
وجعلهما في طليعة كتابه» بقصد أنّ هذه الخصلة هي أرفع خصلة في نبلاء الناس من
أهل التقى وأراد أذ يقول من ورائها أن ثبل والشرف والسؤدد ليس في المراتب
والمناصب» ووفور الجاه والمال؛ وإنما هي في التفنن في طاعة الله؛ وتحقيق مراداته؛ وحسن
الإسلام بان يسلم إخوانك من لسانك ويدك وقلمك.
وهذه قضية تربوية هامة في استعمال معيار الشرع الشريف في تقويم سلوك الناس
وتتفرع عن هذه المسألة فائدة أخرى؛ وهي ار المروية عن أشراف
يقتدوا بأصحابهاء فإ في عَرْضها زيادة تنفير من المبتدعة والظلمة» ووثائق تدينهم وترى
زيفهم» وتكشف حقائقهم.
)١( انظر رقم (4)؛ (44)
() انظر رقم (ه4)
: «ثلاث كانوا لا يعدونين من الغيبة : الإمام الجائن والمبتدع؛ والفاسق المجاهر بفسقة؟"
ممن خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ورحم الله الإمام ابن سيرين القائل : «وظلم لأخعيك
أن تذكره بأقبح ما تعلم منه؛ وتنسى أحسنه)!".
١ وأخياً: فإن كتاب «الإشراف في مناقب الأشراف» للحافظ ابن أبي الدنيا
ذو قيمة شرعية؛ وتربوية؛ وتارينية» وذلك لأسباب كثيرة : فمؤلفه من الحفاظ الكبار»
وصاحب قدم راسخة في الزهد والرقائق» وصاحب خبرة ودُريَةٍ في معالجة العلل
أكثر الُصور نشاطاً وحيويةً في جنم الأحاديث البوية واستقصائها وتتقيتهاء فَعَمَلَثْ
أ إن «كتابٌ الأشراف» كسار مُصنفات ابن أبي الدنيا منْ «أصولناء!" القرائية
. ابن أبي الدنيا - الصمت وآداب اللسان: رقم 164 ب وإسناده صحيح )١(
() المصدر السابق: 137 وانظر نحوه في 377 كلاهما بإسناد حسن .
(©) إن مما يؤُسف له أن تبقى هذه الأصول حبيسة المكتبات الخطية؛ بعيدة عن أيدي العلماء
والباحشين» في الوقت الذي تري فيه وفرة المطابع وتيسرهاء وغالب الذي طبع من هذه
الأصول مليء بالتصحيف والتحريف؛ وقد عمد شيخنا الأستاذ حامد إبراهيم المصري مقابلة
كتاب «مجمع الزوائده للهيثمي بنسخة خطية فوجد في المجلد الأول فقط ما با رب من ألف
لكثرتها. مع أن هذا الكتاب في خمس مجلدات ضخام؛ وهو من الأصول المهمة في السئة
النبوية. وهناك عشرات الشواهد على هذا. وقد أحسن الأستاذ المرحوم محمد فؤاد عبدالباقي
في إخراجه «صحيح مسلم» و «سنن ابن ماجة» و «فتح الباري» مع ضبط نص البخاري
بالاشتراك مع الأستاذ المرحوم محب الدين الخطيب» وكذلك المحدث المرحوم أحمد شاكر في
«مسند أحمده وفي «سنن الترمذي» وللأسف فإنه توفي قبل إتمامها .
والثابعين» وبهذا التوسع المؤضوعي
ابن أبي الدنيا تعتبرٌ من المصادرٍ الرئيسة لكل مَنْ له عنايةٌ بالأخلاق والتربية
عْلِْ والسٌلف الصالحٌ من الصحابة والتابعين وتابعيهم في أشرف صفاتهم وما كانوا
عليه من الورع والصلاح والوقوف عند حدودٍ الله وكيف لا وَهذه الآثارٌ لا
من الصوص ما تزه ليله لا إن أي الدنياء وم نذها عند ره من المُصتقين
الإسلامي حينعذٍ » مع محاولة لاجو ذلك أن ابن أبي الدنيا لمْ تأنه فكرةٌ الكتاب