بالمعلومات والروايات ؛ كنوع من أنواع الترف الثقافي البارد الذي لا
يدفع ولا ينفع والعياذ بالله .
وهذا الكتاب القيم « كتاب التواضع والمول » للإمام ابن أي الدنيا
يعرض صوراً مشرقة ؛ صوراً من حياة السلف وما كانوا عليه من صدق
العبودية لله ؛ والإخبات له ؛ وخفض الجناح لإخوائهم المسامين ؛ صوراً
أشبه ما تكون بالخيال ؛ ولكنها واقع حيّ ماموس ؛ واقع عاشته الأجيال
المسامة فترات متعاقبة من الزمان , ويمكن بإحيائه واستحضاره والاتساء
لانطلاقة أخوية صادقة تجمع القمل ؛ وتقرّب الأمل البعيد ؛ فإنه بما
اشعّل عليه من الصور الواقعية الحيّة يدعو المسامين من أبناء هذا الجيل
إلى أن يصنعوا صنع سلفهم الصالح المصلح ؛ فيحولون الأحاسيس
والمشاعر إلى مواقف ومآثر » ويترجمون الانفمال إلى أفعال ؛ ولا يخزنون
النصوص في الذاكرة بل يتذكرونها ويجثلونها في المواقف والأحوال .
وهذا السفر المبارك « كتاب التواضع والحول » يحتاجه الكبار قبل
الصفار » والراسخون في العام قبل المبتدئين فيه » م يحتاجه المتصدرون
للدعوة قبل غيرهم . ومن أجل هذه الطبقة المتقدمة وضع الإمام ابن أي
الدنيا معظم مصنفاته ؛ وذلك ليضبط نشاطهم بمعايير الشرع ؛ وصوره
ولعل سبب هذه الأدواء يرجع إلى انخرام عنصر التوجه وإحضار
النية في جميع الأعمال ؛ ومنها كذلك ما نراه عند بعض الغيورين من
التضخم في جانب على حساب جانب آخر ؛ فيلحظ الناقد من المربين
اختلالاً كبيراً في التكوين ؛ ويتحسس العلل الخفية القادحة فيهم ويرى
الهزال والضمور والاضطراب في الأفكار والمواقف كنتيجة لهذا القصور
والإخلال ؛ فكم من جريءٍ قضى شهيداً . عند الناس - 2 وم من سخي
كريم أنفق ماله في وجوه البرّ في نظر الناس ؛ وم من عالم محيط يبث
العام هنا وهناك قد أعجب به الناس - » وهم جميعاً في آخر الأمر أول
من تسعر بم النار يوم القيامة , 6 آخبر بذلك الني م والحديث ثابت
في الصحيح '' . ومرة هذه العلة ؟ ذكرنا يعود إلى ضياع قاعدة
الأعمال ؛ وأصلها الأصيل ؛ وهو التوجه إلى الله سبحانه في جميم
النشاطات والتصرفات. ويليها في الدرجة الدّندنة حول فروع تضيّع معها
الفرائض » وتنتهك باسمها المحارم ؛ وتستباح الحقوق .
وفي الختام أعود فأقول ما أحوج المسامين إلى مثل هذا الكتاب النافع
الذي يُذكّر كل ذي نشاط وجد واجتهاد بأن يتواضع لله ؛ ولا يستطيل
على إخواته ٠
نسأل الله تعالى أن يبارك لنا فها منّ به علينا ....
(1) أخرجه مس في « الصحيح » كتاب الإمارة + حديث رق 143 ؛ وأحد في + السند »199/9 وغيرهما
إن امد لله نحمده ونستعيشة ونستغفره » ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيقات
أحمالنا . من يده الله فلا مضل له ؛ ومن يضلل فلا هادي له » وأشهد أن لا إله إلا
وعد ؛
والفضائل تلك هي أخلاق رفيمة تحمل صاحبها على السير بين الناس بسيرة
حسنة من صدق » وكرم ؛ ومروءة ؛ وحب في الله ؛ وحب الخير » وغير ذلك من
الآداب .
والتواضع أحد تلك الفضائل ؛ بل وركيزة مهمسة من ركائز التربية الإيمانية في
حياة السلم » ذلك لأنه يضعه في المكان اللائق به أعني مكان العبودية - فلا يبارح
أفلا ترى أن أكثر من نبذوا هذا الخلق إا مم في الحقيقة معتدون على مقام
فن نازعني واحداً منهها ألقيته في جهم "٠١ .فليس بغريب إذاً أن نجد التواضع
من سهاء الصالحين + ومن أخص خصال المؤمنين المتقين » ومن كريم سجايا العلساء
العاملين . قال“الشاعر العروف بالأديب المختار :
+) 188 ( أنظر تخريجه رم )١(
ولي 9"
والنفس المؤمنة إذا ما تشبعت بالمعاني الإسلامية » والأخلاق الفاضلة ؛ فلن تترك
الإنسان المسلم ؛ فالمسلم يرفض التكبر لأنه إما أن يكون حل الغياك الومعلح. الله تبارك
رآ + قال تعالى : إن الذ ونا عَنْ
فالتكبر على الخالق إذآً يكون بمنازعته إحدى صفاته من كبرياء وعظمة أو
رتبة من البشر » ويعامل نفسه على تلكم الوتيرة حتى يفضي به ذلك إلى مرض نفسي
تكون من دواعي الكبر عند من لم يخالط الإيمان قلبه ؛ ولا اطأنت بالسكيئة نفه .
فذو الحسب والنسب يرى نفسه بتسويلات الشيطيان أنه من أعرق الناس نباً +
وأنساهم » أما ذو السلطان إن كان ضعيف العقل والإيمان يجد نه في موضع الأمر
والنهي » فلا يرى مثل نفسه » فيقوده هواء إلى الغرور والعجب والعظمة » فيزدري
خلق الله وقد يصل به الحال إلى ادعاء الألوهية كفرعون وقروة ٠ وصاحب الجال
)١( تعلم للتعل طريق اك
م . التساء 13 , الأعراف :06 0ه 5ه هاه 3018186 + يوس + 8
التحل : 77 140740 . النيياء :14 . المؤننون :81 . الفرقان 9٠ ١ + العنكبوت : 8 . لق
اللجدة : ٠# . الزمر :70 2 . غافر : 70:1 . الصافات : 8 . الجائية : 8 . الأحقاف : 01٠ 60 + نوج
وقد أعجبته نفسه » ناسياً أن الله تعالى ينظر إلى القلوب لا إلى الصور والأجسام »
والمال إن كان في أيد غير مؤمنة فإنه يدفع صاحبه إلى الغرور والكبر
عن العلم فلا تسل ؛ ذلك لأن مداخل الشيطان فيه كثيرة » منها : عدم العمل بالعلم +
ومنها : امراء والجدال » ومنها : التكبر على من هو دونه في رتبة العلم - ولعمري -
فيتواضع ؛
والملاحظ في تعداد تلك الصنوف كلها أن التكبر ناتج عن ازدراء واحتقار الغير +
فا قال يَث : » الكبر : بَطرالحق ؛ وغَمْصٌ النناس ١ !"" وبطر الحق : رده ؛ وص
الناس : ازدراؤمم واحتقارم . فذو النسب المتكبر إا يحتقر ويزدري وضيع النسب »
والجيل يحتقر القبيح وهكذا . لذا نجد دعوة الأنبياء عليهم السلام في جاتبها
الأخلافي ققد ركزت على ضرورة التحلي بهذا الخذق الكريم ؛ ونبذ الكبر وكل خلق
ذمم » وكانت حياتهم ترجة عملية على دعوامم فهذا ني الله داود يترك أصحاب الدنيا
والجاه والمال ويجلس مع المساكين " » وني الله عيسى يقال له : طون لبطن
وخاتم الأنبياء - عليهم السلام فنجد أن سيرته تدل على شدة تواضعه 9 +
ومن ناحية أخرى نجد القرآن الكريم قد تمدّح المتواضعين وتوعد التكبرين وبيّن
) 914 ( جزه من حديث ؛ انظر تخريجه رق )١(
+ 3*8 أنظر رغ )١(
(؛) أنظر الأرقام : 111 0 119 + 118 0 118 وفي ذلك من النصوص الكثيرة التي تجدها في + دلائل النبوة +
لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى . فقال تعالى : إن
ناكم ( الحجرات : ٠3 ) فالعبرة بالتقوى وليست بالعلم أو المال أو الحسب أو
سبباً لاستحقاق العذاب الأليم » فكم من مال أودى بصحابه في المهالك » وم من سلطان
يكون في النار مع فرعون وهامان , وم من عالم تعر به الشار قبل غيره » فالتقوىق
باقترانها بالتقوى وما أحسن ما فيل في ذلك
ولست أرى النعسادة جمع مال ولكنّ ال
وتقوق الله خيرٌالزاد ذخراً | وعنداللهللأنقى مَزْيدٌ
عِثةالله
ومن اتقى الله تعالى تواضع له ؛ ومن تكبر كان فاقداً لتقواه ركيكاً في ديته +
مشتغلاً بدنياه ؛ فالمتكير وضيع وإن رأى نفسه مرتفماً على الحخلق ؛ والتواضع وإن
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات ااه وضو رقع
ولاتك كالدخان يعلو بنفنه إلى طبقات الجو وهو وضيع
ومن استشعر التواضع وعاشه ؛ كره الكبر وبواعثه +
وتواضع واترك الكبر والمجبا
وترك التواضع إلى الكبر من أشد الصائب والبلايا التي ابتليت بها هذه الأمة في
تاريخها الطويل ؛ ولكن بروزها كان يقل ويزداد حب الظروف ولا شك أنها
كانت في عهد الرسول
الجاهلية وكذا الحال ف
واتمع ميدان المعرفة عند المسامين بالإضافة إلى كثرة الاتقسامات والنزعات في ذلك
الوقت ساعد كل ذلك على برو ز جانب الكبر , وذلك بما حوى البعض من عل أو بماحاز
من معارف بالإضافة إلى افتخار البعض بأنسايم في وقت كثر فيه الوالي والعبيد
ببب الفتوحات .
وقد لاحظ ابن أبي الدنيا بعين المربي البصير ما نتج عن هذا الازذهار الحضاري
من علل وأمراض اجتاعية من حقد وحسد وكبر وعجب وتفاخر وتعاظم بالأموال
والأتساب والأتباع فانبرى لعلاجها , وكتب في ذم الحقد ؛ وذم السد وذم
الغضب ؛ كا صنف في الأخوة والزهد وغير ذلك ؛ وا كان الكبر والعجب من تلك
الأمراض المتفشية فقد أفرد له ابن أبي الدنيا مصنفاً يشاسب خطورته فقام بجمع ما
يتصل بالتواضع والكبر من أحاديث مرفوعة » وأقوال للصحابة والتابعين مُذكراً
الشباب التحمسين ؛ والعلساء والمتعامين , أن هذه خصال العلماء ؛ وهذا نَجْتٌ
ات سيد المرسلين » فعضوا عليها بالنواجذ ؛ وقسكوا ها
وما أحوجنا اليوم ونحن نعيش صحوة إسلامية مباركة ؛ اققينت بنهضة علية »
وإقبال للطلبة على العلوم وخاصة الشرعية منها أ. بهذه الأخلاق ونتحلى
بتلك السجايا ؛ وأن تقض على ما رافق هذه الصحوة من سلبيات حتى تكون
صحوتنا لله ؛ وفي الله ؛ غير مختلطة بأوهام نظنها من وحي الشرع » وما هي بمد
التدقيق إلا من ألاعيب الشيطان +
ولقد أحسٌ الأستاذ الفاضل / مد أحمد الراشد بهذه الأدواء التي رافقت الصحوة
فقال متألاً : ٠ وأحدنا اليوم تخالط قلبه أدران الغرور » ويوهمه خيره القليل ؛ فيغر
العجب أن المعتقد له يستصف رما عم من ذنوبه وينسى كثيرا » فبشر بن الحارث يعرف
العجب بأنه : أن تستكثر ملك ؛ وتستقل عمل غيرك ١ "١ ولعمري - إنا
لكلمات خبير ؛ ضليع في معاينة العلل . وقد عانينا منها ونعاني ؛ ذلك أن البعض في
ظل هذه الصحوة يدفسه غروره بعلسه القليل إلى التكبر على من دونه في العم » بل
التواضع متوهماً في نفسه التواضع . فالتواضع ليس أقوالا تردد » وكلبات تُصاغ » بل
فا فائدة أن تقطع أواصر الأخوة بيننا التي هي من اكد الواجبات بعد الفرائض
ونحتقر إخواننا في سبيل مسألة تعد من الفرعيات « فجبال التواضع إنما يكون بأن
وأن تقبل من المعتذر معاذيره » فإذا كان الله قد رضي أخاك السلم لنفسه عبداً ؛ أفلا
ترضى أنت به أخاً ؛ فعدم رضاك به أخاً عين الكبر » وأيٌ قبح أقبح من تكبر العيد
على عبد مثله لا يرضى بأخوّته ؛ والله راض بعبوديته »
أن نخدم الشريعة » ونحاول أن نتخلص مما علق في قلوبنا من أدران الكبر والغرور +
الفاضل د / نجم عبد الرحن خلف إحدى لبنات بناء ترشيد الصحوة الإسلامية »
داعياً العلماء والمربين إلى معاينة الأدواء التي صاحبت هذه الصحوة المباركة , ومحاولة
وأخص بالذكر منهم الدكتور العلامة : يوسف القرضاوي لمساهمته الجليلة في كتابه
القم « الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف » وفضيلة الأستاذ امربي / محمد أحد
الراشد في موسوعته المباركة لإحياء فقه الدعوة ؛ والتي ظهر منها الكتب التالية
« النطلق » و« العواشق » وه الرقائق » فقد كانت له عناية وافرة بهذه الأدواء
والعلل التي تنخر في المججعات الإسلامية وتستهلك طاقة للربين والدعاة
والدكتور العلامة / طه جابر فياض العلواني على مساهمته في كتابه القم « أدب
الاختلاف في الإبلام ٠ +
وبعد .: فإن هذا الكتاب « التواضع واخول » يفتقر إليه المربون والدعاة
وأصحاب الجد والاجتهاد , وأرباب العزانم والحمم والنشاط لاعتبارين اثنين *
177: تهذيب مدارج السالكين )١(
أولاهما : أنه صام أمان لهم يغرس فيهم الإخلاص ؛ ويقيهم من العجب
والرياء ؛ وحب الشهرة » وذيوع الصيت ؛ وهي مصارع الفضلاء إذا ما أحهلوا معاني
التواضع وخول الذكر » وإسناد النعمة إلى صاحبها والمتن بها تبارك وتعالى - وإنه
بالمادة التربوية الأصيلة التي تعالج هذه العلل , وقتحهم غاذج حية من حياة السلف
الصالح وما كانوا عليه من الحذر والحيطة .. في هذا الباب . وكيف سلكوا في
الإمام ابن أبي الدنيا المربي على جمعها وتدوينها + بها الأمة الإسلامية في كل
جيل وقبيل ؛ وتستهدي بأنوار سلفها الصالح في معالجة هذه الأدواء والعلل
امستشرية بين أهل النشاط والهمة من العاملين لهذا الدين +
وله أسأل أن يوفقنا لما فيه سدادنا ؛ وصلاح حالنا ؛ وأن يُبعد عنا الثقاق
والمراء » والكبر وازدراء الغير . اللهم آمين +
وكتب أبو بكر
لطفي مد يوسف الصغير
' تونس في التاسع من شوال 1406 هف
الموافق 16 /5/3فحام