موضوع الكتاب:
والدموع تنحدر من عيني. .
فتحركت جيوش الحبٌ والولاء في نفسك؛ لتؤدي تحية الخشوع
لم ترّ حرجاً من أن تفيض في مواقف أكثر تأثيراً» وأكبر عبرة!
وقد تسمعُ ولكن لا يخشع قلبك!
يكون مِنَّ الذي سمعتّ منه؛ فلم تخرج الكلمة بإخلاص» أو عن رضى واتفاق .
لكن مجالسة التوابين؛ وتغييرٌ حديث المجالس إلى ما فيه
أو يرفض على أساس هذا الميزان-
تقدر أن تفعل شيئاً؛ تجد أنك بحاجة إلى البكاء. .
فلا شيء يخفف من حرقة القلب مثل الدموع..!
دموع الذكر والخشوع والرهبة والولاء..!
. . . وهذا عالم حافظ بارع؛ من القرن الثالث الهجري؛ هو ابن
فت نظرّه أخبارٌ فئة من العلماء العاملين» ب
تشتعل فيها الأنوار المبهرة بمجرد تلاوة آية؛ و'
الدموعٌ الغزيرة بمجرد التذكير بعظمة اللهء وترتعش أجسامهم وتضطرب
أوصالهم بمجرد التذكير بأهوال الآخرة. .
فيندفع هو الآخر - وهو ذو قلب رقيق ليجمع أخبار هذه المدرسة
في أي وقت يشاءء ما دام الله تعالى يقول: #ويخرُون للأذقان يَبكونَ
ولن تقول بعد الآن إنك ما كنت تعرف أن للبكاء قيمة شرعية أو
مالك بن دينار ويبكي حوشبٌ بن مسلم وهو من كبار أصحاب الحسن
وعندما يطلب أحدهم النصيحة من الإمام الحسنء يقول له من بين
وكان عبد الواحد بن زيد الواعظ البكّاء - يعظ ويقول:
يا إخوتاه ألا تبكون شوقاً إلى الله؟!
يا إخوتاه ألا تبكون خوفاً من النار؟!
يا إخوتاه ألا تبكون خوفاً من العطش يوم القيامة؟!
يا إخوتاه ألا تبكون؟! .
وقد صدق شيخ الإسلام سفيان بن عيينة عندما قال: البكاء من
ولكن كيف يكون استدعاء البكاء؟
هذا مبحث آخر يأخذك إليه المؤلف» ويورد لك أقوال أهل الصلاح
والتقوى. . فالذنوب داعية للبكاء؛ وكذلك الشدائد والأهوال الواردة عن
يوم القيامة» والتقلب بين أطباق النيران.
يلين قلبك فامسح رأسٌ اليتيم؛ وأطعم المسكين
فينظر كيف يسمّرون النيران في الكير» فيتعوذون من نار جهنم» ويطلبون
من الله العفو والعافية. .
وعن أسباب البكاء يذكّرنا المؤلف بقول بعضهم: إن كثرة الدموع
وقلتها على قدر «احتراق» القلب. . وأن القليل من التذكرة يُجزىء في
إشعال القلب النابض بالخشية. ويورد قول متكحول الشامي: أرق الناس
والبكاء عند قراءة القرآن مبحث آخر يقف عنده المؤلف بتأن؛ فيورد
بكاء الرسول 8 وبكاء أبي بكر وعمر؛ وابنه عبد الله؛ وعائشة؛
رضي الله عنهم أجمعين. وعندما قرأ رجلّ في حضرة عمر بن عبد العزيز
[سورة ق» الآية 14] فتغلبه عبرته؛ فلا يستطيع أن يتجاوزهاء فيركع-
أخبارهم. . ويذكر بعضهم أنه رأى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز
ثم نقف معه عند مَنْ وُعِظَ فاستمع الموعظة وبكى» فيورد طائفة من
أخبار الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز؛ وما ذكّر به بن فضالة
مؤثر شوق الأرض إلى سجود البكائين التوابين
بقاع الأرض من شوق إليهم تحّمتى عليهايسجددونا
موضع سجوده. بل سُمع وقع دموع بعضهم على الحصير.
والبكاء عند النداء على الصلاة مبحث آخر قصير؛ حيث يورد
المؤلف عن أبي عمران الجوني وغيره أنهم كانوا إذا سمعوا الأذان تغيّر
وورد عن بعضهم البكاء عند الطهور» فكان الإمام زين العايدين -
وعن إخفاء البكاء يحدّث أبو معشر أن محمد بن كعب القرظي كان
وتَحَبٌ رجلٌ عند الحسن البصري فقال له: ليسألتك الله يوم القيامة
لغير الله هلكت!
فيمسك على أنفه؛ كأنه رجل مزكوم!
والبكاء على الذنوب يعرفه المسلم التائب؛ عندما يتجه إلى ربه
بقلب كسير» وعين خاشعة ذليلة. . فتنهمر الدموع لتكون دليلاً على الندم
والتوبة. ويروي الترمذي قوله عليه الصلاة والسلام عندما يسأله صحابي ما
ثم يعرج المؤلف على من أفسد البكاء. . فقد بكى بعضهم
وتغيرت مجاري دموعه! وقد بكى ثابت الثاني حتى عمش عندما قال له
يحتاج إلى المعالجة يأتيه الطبيب ويقول له: اضمن لي خحْضْلةً يرأ عينك.
أنس بن مالك رضي الله عنه: ما أشبه ب
وروى متصور بن زاذان قال: كان الحسن البصري ربما بكى حتى
رق له! وأطلق على بعضهم «الكّاء» من أجل ذلك.
جاء الليل» لو كان قتل أهلّ الدنيا ما زاد على ذلك!
وهناك من على كثرة البكاء فأجاب عن ذلك. فقال عطاء
َكَل يدها إلى عنقها وتُسحب إلى النار ألآ تصيح وتبكي؟ وكيف لنفس
ثم يأتي المؤلف إلى فصل طويل من فصول كتابه؛ وهو: جماع من
أخبار البكائين. فيزوي الحااث بز عبد انايد الواجد ين رتت كان
موعظة مالك» لبكاء عبد الواحد. وكان الحسن بن صالح إذا نظر إلى
جنازة أرسل عينيه بأربع!
وعندما يُسأل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز عن بدو إنابته يقول:
وفيه أخبار كثيرة. .
ويحيى» عليهم الصلاة والسلام؛ ثم بكاء الملائكة عليهم السلام؛ وعودة
إلى أخبار البكائين. .
الأخيرة ما عدا أحاديث رسول تل تكاد تكون كلها إسرائيليات!
أفضل ولا أجمل ولا أكمل من هدي رسول الله كَلةٍ. فهو قدوتناء
ولا أدري كيف قفزت إلى ذهني الأبيات التي نظمها الإمام المجاهد
العابد القدوة عبد الله بن المبارك؛ وهو يخاطب صديقه الحميم» الإمام
العابد الفضيل بن عياض:
أو كان يُشعب خيلّه في باطلٍ
ريخ العبير لكم ونحن عبيرنا
فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
رهج الستابك والغبارٌ الأطيب
لكن ذلك الإمام المجاهد نفسه كان غزير الدمعة سريع البكاء. . فقد
روي أنه إذا قرأ كُتب الرّقاق يصير كأنه ثور منحور من البكاء!! وله أخبار
وكا بهذا الإمام المجاهد يقول: المعادلة الصحيحة في هذا أن
وما فائدة علم لا يورث خشية وتقوى؟!
كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: ليس العلم عن كثرة
الحديث»؛ ولكن العلم عن كثرة الخشية!".
ويقول الربيع بن أنس: من لم يخش الله جي
ويقول عبد الأعلى التيمي مبيناً قيمة العلم الحقيقي؛ و١
ارك وتعالى نعت العلماء فقال: «. . إن
)١( تفسير ابن كثير 984/7 عند تفسير قوله تعالى: #إنما يخشى اللَهَ من عياده
© انظر هذا وغيره في كلام مفيد؛ حول موضوع «عدم الخشوع» - في كتاب
«آفات العلم؛ لأبي عبد الله محمد بن سعيد بن بسلاذ ص الا ب
© حلية الأولياء 48/8. والآيات من سورة الإسراء 1١7 -
وإياك أن تقول إن للبكاء علاقةً بضعف الشخصية» أو إن البكاء لا
«يليق» بأهل الشجاعة والبأس. . فهذا الموضوع مقاله في مواضع أخرى+
كالوقوف في وجه الأعداء. . ومقامه عند صهيل الخيول ومقارعة
لكن ما نحن بصدده هو خشية الله» والرهبة منه؛ والخضيع له
وعبادته حق العبودية» وإظهار الذُل والمسكنة لذي الجلال والجبروت. .
والبكاء - خشية ورهبة - من مظاهر هذه العبودية!
وهذا عبد الله بن || - رضي الله عنه - يقول عن سيد الخلق:
يملك دمعه حين يقرأ القرآن”"". وتقول عائشة رضي الله عنها للرسول عليه
الصلاة والسلام في مرض وفاته: «إن أبا بكر رجل أسيف"" إذْ يَكُمْ
مقامك لم يُسمع الناس من البكاءة*'.
الخطاب رضي الله عنه وغيره عند اختلافهم في الرأي حول ذلك!
والفاروق عمر رضي الله عنه كان - مع شدته وقوة بأسه - رقيق
© الأسيف: الرقيق القلب البكّاء .
(4) رواه البخاري» كتاب الأذان» باب من أسمع الناس تكبير الإمام 174/1