وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «إن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله
عزوجل الإنابةم0؟.
شرف العمرء وقيمة الوقت:
بنبغي للمسلم أن يعرف شرف الوقت وقيمة الزمن فلا يضيع منه لحظة في غير
طاعة ومعروف» ويحرص على تقديم الأفضل فالأفضل من القول والعمل» ولتكن
النية عنده في الصالحات قائمة من غير انقطاع» أخرج البخاري عن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعمشان مغبون فيهما كثير من الناس:
والعجب كل العجب من عموم المسلمين فإنهم يمزقون أنفس الأوقات؛
ويضيعون أغلى الساعات؛ ويددون لبنات الحياة» ورأس مال العمر في الضياع
١٠“ أخرجه مسلم في «صحيحه: 3065/4» كتاب الذكر والدعاء» حديث رقم )١(
وأفره الذهبي.
وصححه وأقره الذهبي. وذكره الشيخ ناصر في «صحيح الجامع الصغيره.
(8) صورة
والعبث والفراغ.
إن طال ليلهم فإنهم ينشغلون بحديث لا ينفع وأحياناً يخوضون فيما يضر
العمل والسوق والغفلة السادرة.
وانهماكه في لهوه. قال عبد العزيز بن أبي رواد: «من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ
4 - أما المسلمون الذين غزا الشيبٌ رأسهم؛ وكبر سنهم فهم أولى بالاتعاظ
قال الحافظ اين الجوزي: «العجب ممن يقول: أخرج إلى المقابر فأعتبر بأهل
ابيض» فليعتبر بما فقد» وليستغن عن ذكر من فقد؛ فقد استغنى بما عنده عن
التطلع إلى غيره»"".
٠ كتاب العمر والشيب:
وهذا الكتاب الذي مَنٌٍ الله علينا بإخراجه لأول مرة من آثار العلامة
الحافظ الثقة ابن أبي الدنيا البغدادي (ت 1801ه)» يتجلى فحواه من عنوانه؛ فإنه
عمل تربوي هادف؛ أ أراد من ورائه أن ينبه جيل المسلمين إلى قيمة الوقت؛ وأهمية
العمر» ليغتنموا الساعات قبل أن تخترمهم المنية ويخسروا صفقة العمرء أو يغزوهم
الشيب ويضعفهم الكبرء فيذهب الشباب بحماسه ونشاطه وفتوته وحيويتة؛
فيستيقظون وقد خارت القوى» ودبت الأمراض والأوجاع؛ وقرب الرحيل
فيندمون على التفريط في زمن البذر والغراس.
)١( العمر والشيب (40)
() صيد الحاطر (15؟).
وما أحسن قول القائل؛
له بريق يتحدث عن آيات الكِبّر واقتراب الاجلء ليستدركوا ما فات؛ ول
وقد حرص المؤلف رحمه الله أن يغطي الموضوع من جميع جوانبه
ووفق في ذلك توفيقاً طيباً. فجاء الكتاب متكامل الأطراف» يتسم بالتنظيم
والتناسق على عادة المصنف في عموم كتبه فإنه يحرص على الجانب التنظيمي
ويقسم موضوعات كتابه إلى أبواب تضم نصوصاً تترافق وتتطابق مع العنوان
المزيمة
17١ أحكام الخضاب وسنية تغيير الشيب» النهي عن تغييره بالسواد ١
إكرام ذي الشيبة ١6( ١١)؛ وحسن الأدب معهم وإعانتهم.
؟ _سرعة قناء العمر وذهابه 16 75
* حياة المسلم خير له من موته 7 5». ولا يجوز للمسلم أن يتمنى
الموت فإن كان لا محالة فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي
+ البكاء والتألم على فناء العمر في غير جلائل الأعمال 77 4
لا _مسائل الكبر في (باب الكبر) 873 81 استعرض معاناة الكبر ومظاهره
وآلامه» ثم ذكر تصرف البلاء حياله من الإعراض عن الأمل والحرضص»
وصدق التوجه إلى الله.
-_وصف طبيعة أطوار بني آدم وأحواله
وضعفناً من عبلال عشوه سني
فيه الفائدة والعبرة والطرافة
الم ختم الكتاب بعبارة الحسن البصري ب الام الرباني. المعبرة عن نظرية
وهذه الخاتمة كشفت ب كما هو الحال في ثنايا الكئاب. مقاصد المصندف
في تجريه لوضع اهنا الكتاب. فهو إنما أراد الاعتبار بالشيب؛ واغتدام العمر في
كل أطواره من لحظة الوعي والإدراك حتى ساعة الارتحال إلى الآخرة.
والتعمير في سني العمرء والفسحة في الأجل نعمة كبيرة من نعم الله
الفسحة من العمرء وهي فرة كافية للتذكر والإنابة والإياب لمن أراد أن يتذكر أو
أراد شكورا.
قال الله عزوجل :«أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكره!").
لا س وهؤلاء الضالون المكذبون لم ينتفعوا بنعمة العمر الممدود؛ ولم يجد الحق
منهم إلا العناد والصلف والصدود. و هم الذين سيقولون يوم الدين «بل لبثنا يوماً أو
بعض يوم»!" «ويوم تقوم الساعةُ يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة؛*).
وهكذا تنزع البركة من هذه الأعمار الخالية الخاوية»
قدعاش قوم وهم في الناس أموات
والتعمير يكون بطول الأجل وعد الأعوام؛ كما يكون بالبركة في العمرء
+714 العمر والشيب: رقم 41. وأخرجه أيضاً البغوي في دشرح السنةة: )١(
.790/ (؟) سورة فاطر
() سورة المؤمنون /11
(4) سورة الروم /8.
والتوفيق إلى إنفاقه إنفاقاً مثمراً؛ واحتشاده بالمشاعر والحركات والأعمال والآثار
وكذلك يكون نقص العمر بقصره في عد السنين؛ أو نزع البركة منه وإنفاقه في
اللهو والعبث والكسل والفراغ.
أعمال وآثار. ورب عام يمر خاوياً فارغاً لا حساب له في ميزان الحياة ولا وزن له
عند اللهول),
قال مالك بن دينار: «ويل لمن ذهب عمره باطلاً!") والكثير من النامر
أعمارهم وهم يحتمون بكل وسيلة؛ ويتقون بكل سبب عوارض الدنيا وآفاتها
ومحنهاء ولكنهم لا يذلون أي جهد أو اجتهاد في اتقاء عذاب النار» والاستعداد
ليوم تشيب له الولدان.
أنشد عيسى بن عبد الرحمن:
والشيب تجسيم وتشخيص لهيئة الشيخوخة ومظهرهاء وكان بكر السهمي
يقول: «الشيب تمهيد الموت؟!؟".
ألا فامهد لنفسك قبل موت فإِذٌّ الثيبٌ تتهيد السام
والشيخوخة انحدار إلى الطفولة بكل ظواهرها وقد يصاحبها انحدار نفسي
)١( في ظلال القرآن 347/5
(١)_العمر والشيب /34.
(9) العمر والشيب: رقم (31).
(4) المصدر السابق: رقم (37)
متلا
من إرادته عاصماً؛ وفي الصلاح عصمة من هذه الآفة.
وقال عبد الملك بن عمير: «أبقى الناس عقولاً قرأة القرآنم!".
وفي الصلاح ضمان لاستمرار العمل الصالح واضطراده وإن خارت القوى؛
قال عكرمة «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم؛" قال: الشباب
كتب له أحسن ما كان يعمل في صحته وشبابها".
عن أبي موسى الأشعري» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
مرض العبد أو سافر كتب له من الأجر مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاًم!*“.
وما أجل الصورة التي سجلها الإمام الحسن البصري بشهادته الصادقة
أقول: وهذا حال الثقات الأثبات, الذين يتطلعون إلى أشرف الغايات وأنبل
أوقات هي لبنات الحياة» ووقت المؤمن جد كله لعلمه بشرف
.)75( المصدر السابق: رقم )١(
() المصدر السابق: رقم (80)
() سورة التين / 4 6
() انظر رقم (1ه) من هذا الكتاب.
() انظر رقم (41).
باد
وقال تبارك وتعالى «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيهم0).
فيا خسارة من ضيع أوقات عمره النفيسة في الأعراض الخسيسة.
4 ويأتي بعث كتاب الحافظ ابن أبي الدنيا «العمر والشيب» في عصر تفش
من كل جليل وهادف إلا من رحم الله وهم نزر يسير.
ويوم صنف ابن أبي الدنيا كتابه هذاء إنما هدف من ورائه معالجة الواقع
الإقلاي وقتذاك القرن الثالث الهجري فقد كان المجتمع الإملابي. بما
أوتي من رخاءٍ واستقرار يزخر بالملهيات والمشغلات من الأقوال والأعمال غير
الجادة؛ لاسيما وهناك عدد كبير من المقبلين الجدد على هذا الدين لم يعيشوا أيام
الجهاد والتضحيات» ولم يدركوا أيام الجد والكفاح؛ فعاشوا في أجواء الخلافات
وأنه سوف يحاسب ويسأل في نهاية المطاف. وكان من هؤلاء الأئمة الأعلام ابن
أوقاتها بين الملاهي الوافرة؛ أو في الخصومات الحالقة
المبارك وأحمد وهناد وابن أبي الدنياء فقد صنف كل واحدٍ منهم كتاباً في الزهد
سطر فيه روائع ما تحمله من سير النبلاء في اغتنام العمرء وحسن القيام بحق الله
سورة الأنشقاق /ي. )١(
يلات
سبحانه وتعالى وصدق التوجه إلى الآخرة؛ وإحكام المغاليق في وجه الشيطان
ويأتي كتاب «العمر والشيب» للحافظ ابن أبي الدُّنيا لبنة في هذه الحركة
المباركة التي نهض بها المربون والمصلحون والدعاة الصالحون في إيقاظ الشباب
المسلم في زمنهم» وفي الأزمان التالية من سباتهم؛ فكانت هذه الآثار والوثائق
من كنوز النبوة» وذخائر الأصحاب البررة؛ وثمار التابعين لهم بإحسان من
موصولاً» فهو كتاب ترافي مسند وضع في عصر التصنيف للسنة
أزهى العصور الإسلامية قاطبة بالنسبة لتنظيم السنة تصنيفها.
وإن مؤلفه الحافظ الصدوق ابن أبي الدنيا من أقران رجال الكتب الستة.
شاركهم في الرواية عن أغلب شيوخهم» وبهذا يكون هذا الكشاب وثيقةعلمية
وهو كذلك أثر تريوي هام باعتبار أن مصنفه من كبار المربين؛ فقد وقف
تخرج العديد من النبغاء والنبلاء من طلبة العلم. وكيف لا يكون كذلك وقد تأثر
تأثراً مباشراً بشيخه الإمام الرباني أحمد بن حنبل» والإمام العالم المؤدب أبي عبيد
القاسم بن سلام» وغيرهم من المربين.
وقد صنفه في عصر من أكثر العصور نشاطاً وحيوية في جمع الأحاديث
هذا العمل العلمي النافع إن شاء الله تعالى.
تسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بالعلم الناقع؛ ويجعلنا ممن يتخلق
موقع كتاب «العمر والشيب؛ بين من سبق ولحق في بابه من المصنفات
لقد وجدت من خلال استعراضي كتب الفهارس والمعاجم أن من أفرد مسا
العمر والشيب والخضاب في مصنف مستقل هم عدد قليل من الأئمة؛ ووجدنا
كتب فيه من السابقين له.
لين عقدوا فصلاً لهذا الموضوع في ثنايا مصتفاتهم: الإمام
ن مسلم الدييوري (ث 1176ه) فإنه أفرد فصلاً في كتايه
«عيون الأخبار» بعنوان «الكبر والشيب؟!"".
ومنهم الإمام ابن أبي عاصم النبيل أحمد بن عمرو (ت 1817ه) فإنه صنف
كتاب الخضاب!"".
الدنيا الشيخ أحمد عَلوية
الأصبهاني (ت ١٠7ه) له رسالة في الشيب والخضاب!"!» والإمام ابن الأعرابي
أحمد بن محمد (ت 40 7ه) فإنه صنف كتاباً أسماه بنفس تسمية ابن أبي الدنيا
«العمر والشيب6).
47/7 انظر دعيون الأخيارة: )١(
() ذكره ابن حجر في جملة مسموعاته في «المعجم المفهرس: ص 90
وكذا الروداني فإنه حصل على إجازة في روايته انظر: مجلة معهد المخطوطات مجلد 8/ ض
(©) انظر: كحالة معجم
سخا