وإذا عرفنا أن عصر الإمام استشرى فيه الإلحاد ونهضت الفلسفة المضلّلة تضرب
أطنابها وتفتك في النفوس فتكاً ذريعاً لا تبقى معه صولةٌ للإيمان ولا تذر» فكان أن جند
إمامنا طاقاته الفكرية والدينية للذود عن العقيدة الإسلامية محارباً الفكرة بالفكرة؛ والقلم
الضلال وذلك من خلال مجموعة الكتب التي تناولها الإمام الغزالي رحمه الله ونذكر
منها: مقاصد الفلاسفة عرض فيه مقاصدهم وأهدافهم والآخرء تهافت الفلاسفة
والمثقذ من الضلال هدم فيه كل ما ذهبوا إليه من أفكار ومقاصد وآراء ومذاهب؛ وكتابه
المشهور «إحياء علوم الدين» وهو يعتبر من أهم وأكثر الكتب انتشاراً وتأثيراً في العالم
الإسلامي والعربي وقد انصرف إلى اختصاره عدد من العلماء - وقد اختصره الإمام أبو
الفرج عبد الرحمن بن الجوزي"'؟ في كتاب سماه: «منهاج القاصدين» والإمام ابن
وزاد عليه من علمه من العلوم التي يتقنها. ثم جاء بعده في القرن السابع الهجري الإمام
صرف فيه الهمة وبذل غاية الجهدء لتعم فائدته؛ ويشمل الانتفاع به وقد اعتنى عناية
فائقة بجوامع الحديث والأصول؛ وتحرير مجامع التفسير ومسانيد أهل النقول؛ مستهدفاً
)١( هو عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن حُمَادي بن أحمد بن محمد بن جعفر
الجوزي؛ الشيخ الحافظ الواعظ جمال الدين أبو الفرج المشهور ب «ابن الجوزي» القرشي التيسي
البكري البغدادي. أحد أفراد العلماء؛ برز في علوم كثيرة؛ وانفرد بها على غيره؛ كان علامة
عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ؛ صنف في فنون عديدة منها: «زاد المسير في علم
وكذا اختلف في مولده؛ فقيل: ولد سنة عشر وخمسماثة (010)؛ وقيل: إحدى عشرة
كانت وفاته ليلة الجمعة؛ الثاني عشر من رمضان من اسنة 8470 ه) سبع وتسعين
وخمسمائة؛ وله من العمر سبع وثمانون
انظر كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان تحقيق د. إحسان عباس (174/1) و «الإعلام
للزركلي 84/4/ 450 و «تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي 4117/4
من عمله هذا تيسير المقاصد وإيضاح مرامي الكتاب وهو الكتاب الذي بين يديك أيها
القارىء الكريم
عملي في الكتاب:
مراجعة نص الآيات القرآنية الي وردت في صلب البحث فحققت مَواضِعَها من السورة
أمهات الكتب والتعليق على بعض الأحاديث الواردة في الكتاب» كما عمدت إلى شرح
فكرة قبل القراءة فتساعده على الفهم»؛ كما وضعت فهرس لجميع أبواب وفصول
مواطن الداء في قلوبهم وأرواحهم فيعالجوها بما يكفل لهم الشفاء حتى يعود للأرواح
هذا وأني لا أدعي الكمال في عملي ذلك كله؛ إنما هي محاولة لتقديم هذا الكتاب
في صورة تسهل على القارىء مطالعته الكتاب والإفادة من موضوعه.
وينجينا ما يوقعنا في المذلات؛ ويقينا من العثار في الذنوب والذلات؛ إنه سميع قريب
والله ولي التوفيق.
اام كححام اسيناف
مصثف هذا الكتاب المستطاب هو العلآمة الفقيه الصالح نجم الدين أبو العباس
بأبنٍ شيخ خطيب الجبل - أي: جبل الصالحية بسفح قاسيون -.
ولد في شعبان سنة إحدى وخمسين وبئماثة 03819 هجرية .
سمع الحديث وهو صغير وتفقه على والده قاضي القضاة شيخ الجبل شمس الدين
عبد الرحمن بن أبي عمرء وأبو عمر هو شيخ الإسلام محمد بن أحمد الذي أنشأ
«المدرسة العمرية» في الصالحية وهو أخو شيخ الإسلام موفق الدين عبد الله بن أحمد
المقدسي مؤلف كتاب «المغني» موسوعة الفقه المقارّنٍ ٠
كان خطيب الجبل وقاضي القضاة وشيخ الحتابلة؛ سريع الحفظ جيد الفهم» ولي
القضاء ولم يبلغ الثلاثين؛ وشهد فتح طرابلس مع الملك المنصور» وكان مليحٌ ال
مليح الدرس وله مشاركة جيدة في العلوم.
توفي يوم الثلاثاء ثانفي عشر من جُمَادَى الأولى سنة تسع وثمانين وستماثة 03843
تعالى رحمة واسعة - آمين!!
وأما المصتّف: فمعلوم أن الإمام حجة الإسلام أبا حامد الغزاليّ رحمه الله كان
قد صنف كتاباً واسعاً في الأخلاق والسلوك والقيم الإنسانية والد:
علوم الدين»» ولقد قام عدد وافر من العلماء قديماً وحديثاً بخدمة هذا الكتاب والتعليق
علي بن الجوزي الحنبلي المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة هجرية - رحمه الله
تعالى وسمَّى مختضّرَه ذلك؛ «منهاج القاصدين».
ثم جاء العالم الفاضل نجم الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن المقدسي
هذا ب : «مختصر منهاج القاصدين وهو الكتاب الذي بين يديك
العيشُ الأوسع والمقامُ الأرفع
مراجع الترجمة:
١ تاريخ الحافظ ابن كثير «البداية والنهاية».
7 الوافي بالوفيات للصفدي.
شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي.
© فيل طبقات الحنابلة لابن رجب. .
9 _ تاريخ الأمير حيدر أحمد الشهابي - وفيات الأعيان لابن خلقان.
+ وفيات الأعيان لابن خلقان.
وهو كتاب «إحياء
٠ . وكان من
مصَزِّمَة المؤلفت
قال الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد العابد الأوحد العلامة نجم الدين أبو العباس
أحمد أبن الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد العابد العلامة شيخ الإسلام مفتي الأنام؛
سيد العلماء والحكام» شمس الدين أبي محمد عبد الرحمن أبن الشيخ الإمام العالم
العامل العارف الزاهد الورع شيخ الإسلام» أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن
دامةء المقدسي الحنبلي رضي الله عنه:
أحمده حمد معترف بجزيل الإرفاد”'"؛ وأعوذ به من وبيل الطرد والإبعاد؛ وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة أدخزها ليوم الميعاد.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ موضح طريق الهدى والسدادء قامع الجاحدين
والملحدين من أهل الزيغ والعناد؛ صلى الله تعالى عليه وعلى آله الأكرمين الأجواد؛
صلاة تبلغه بها نهاية الأمل والمراد.
ني كنت وقفتب مرة على كتاب: «منهاج القاصدين» للشيخ الإمام العالم
الأوحد جمال الدين ابن الجوزي رحمه الله تعالى» فرأيته من أجل الكتب وأنفعهاء
مسائل ظاهرة تعلق بالفروع» فإنها مشهورة في كتب الفقه المستفيضة بين الناس» إذ كان
المقصود من الكتاب غير ذلك .
والله تعالى أعلم
وقد جعله المصنف رحمه الله تعالى في أربعة أرباع: كل قسم ربع:
القسم الأول: ربع العبادات.
القسم الثاني: ربع العادات .
القسم الثالث: ربع المهلكات.
القسم الرابع: ربع المنجيات.
وكل واحد من هذه الأقسام الأربعة يشتمل على كتب؛ وأبواب؛ وفصول.
فمن أقسام الربع الأول:
لذن تراك وال ثرا اِرتََحَيُ»''". قال ابن عباس رضي اللَهُ عنهما: للعلماء
درجات فوق المؤمنين بسبعماثة درجة؛ ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام. وقال
وفي «الصحيحين» من حديث معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت
قال رسول الله كُيٍِ: «إن الله وملائكته» وأهل السموات والأرض؛ حتى النملة في
جحرها؛ وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخيرا"". وفي حديث آخر: «فضل
(؟) المراد بالحديث - فضل التفقه في الدين» وفضل العلماء به على سائر الناس؛ وأن من لم يتفقه فيه
وذلك بتعلم قواعده وما يتصل بها فقد حرم الخير
أخرجه البخاري في مواضع (العلم الخمس الاعتصام). انظر: 114/١ (العلم: باب من
ومسلم برقم (014-1718/1) (الزكاة: باب النهي عن المسألة)
العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على ساثر الكواكب» وإن العلماء ورثة الأنبياء»
وعن صفوان بن عسال رضي الله عنه؛ أن النبي َه قال: «إن الملائكة لتضع
أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب»!"".
الثاني : أنه بمعنى التواضع تعظيماً لطالب العلم.
الثالث: أنه المراد به التزول عند مجالس العلم وترك الطيران»
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
- المسلمين شرفاً و تبة . وهذا الذي يستحق التفضيل هو الذي تعلم العلم النافع في الدنيا والآخرة
وقام بحق علمه من عمل ونفع +
أخرجه الترمذي 387/9 (العلم: باب فضل الفقه على العبادة) وقال: حسن غريب
أخرجه أيضاً الدارمي عن مكحول مرسلاً برقم (198).
وابن ماجه برقم (177) المقدمة: باب فضل العلماء والحث على طلب العلم.
والدارمي برقم - 44 7/ وابن حبان برقم 850)
أخرجه أبو داود برقم (3141) - أبواب العلم باب الحث على طلب العلم.
والترمذي رقم (780//9) باب فضل الفقه على العبادة/ وابن ماجه برقم (777).
© في هذا الحديث؛ الحث على طلب العلم الذي يبتغى به وجه الله تعالى .
أخرجه مسلم 2074/8 (الذكر والدعاء: باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى
والترمذي رقم 714/7» أبوبا العلم فضل طلب العلم.