وإن «دار الحديث» حين تقدم هذا الكتاب لقرائها فإنما تقدم
الهم جرعة روحية عالية فى زمن طغت فيه المادة على القلوب
والأرواح حتى تؤرب النفوس إلى رشدها.
وتتميز هذه الطبعة -بفضل الله تعالى - بملييأتى بيانه
-١ وضع الفواصل وعلامات الترقيم
7- معالجة السقط والتحريف؛ وتصحيح أخطاء النسخ
*- تخريج الآيات والأحاديث
شرح غريب الكلمات.
الله من وراء القصد وهو نعم المولى ونعم التصير.
وكتب
عصام الدين سيد عبد رب النبى»
المنيا - أول رجب منة 1417ه
بس الله الرحمن الرحير
قال الشيخ الإمام محبى السنة قامع البدعة أبو عبد الله الشهير
بابن قيم الجوزية رحمه الله ورضى عنه.
قاعدة جليلة
إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه؛
والق سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به شبحانه منه
إليها!"؛ فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله؛ قال تعالى : إن
فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد»
فقوله: #إن فى ذلك لذكرى4 (ق/ 7» إشارة إلى ما تقدم من أول
لقا /7» فهذا هو امحل القايل؛ والمراد به القلب الحى الذى
)١( المعنى: اجمل سمعك خالص) للإستماع إليه؛ ا
وجلال الحق تبارك وتعالى ؛ وكأنه سبحانه يخاطبك بهذا القرآن مه
يعقل عن الله كما قال تعالى: فإن هو إلا ذكر وقرآن مبين.
من كان حي ديس/ 14 007٠ أى حّ القلب» وقوله: أو ألقى
السمع (ا 77) أى وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال
له؛ وهذا شرط التأثر بالكلام» وقوله: فوهو شهيد (ذ١ © أى
شاهد القلب حاضر غير غائب؛ قال ابن قتيبة'': امتمع كتاب الله
وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساه» وهو إشارة إلى المائع
من حصول التأثيرء وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له
القلب الحّى؛ ووجد مط وهو الإصغاء؛ وانتفى المانع وهو اشتغال
القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شىء آخره
حصل فأ وم لاع والتذكر.
ف كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه فما وجه
دخول أداة «أو» فى قوله: فاو ألقى السمع» (ق١ 7©© والموضع
١7 هو: أي محمد عبد الله بن مسلم بن قن المروزى توفى سنة 11713 ه) شهرته
التصانيف: «غريب القرآن» و«غريب الحديث» و«مشكل القرآذه وومشكل
ابن حجره وطبقات النحويين لأبى بكر محمد بن الحسن الزبيدى الأندلسى.
سؤال جيد والجواب عنه أن يقال: خرج الكلام ب«أر» باعتبار حال
المحاطب المدعوء فإن من الناس من يكون حى القلب واعيه تام
(سبأ 6 وقال فى حقهم: «الله نور السموات والأرض مغل نوره
كمشكاة فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها
كوكب درّى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غرية
يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى الله لدوره
صاحب القلب الحى الواعى» قال ابن القيم: وقد ذكرنا ما تضمنت
هذه الآية من الأسرار والعبر» فى كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية
على غزو المعطلة والجهمية؛ فصاحب القلب يجمع بين قلبه وبين
الحياة؛ فيحتاج إلى شاهد يميز له بين الحق والباطل» ولم تبلغ حياة
قلبه ونوره؛ وزكاء فطرته؛ مبلغ صاحب القلب الحّى الواعى» فطريق
وتعقل معانيه» فيعلم حينذ أنه الحق» فالأول حال من رأى بعينيه ما
قد وصل إلى علم اليقين» وترقى قلبه منه إلى منزلة عين البقين؛
وذاك معه التصديق الجازم الذى خرج به من الكفر» ودخل به فى
الإسلام» فعين اليقين نوعان؛ نوع فى الدنياء ونوع فى الأخرة؛
بالبصائر!'" فهو عين يقين فى المرتبتين»
فصل
وقد جمعت هذه السورة من أصول الإيمان ما يكفى ويشفى
ويغنى ؛ عن كلام أهل الكلام ومعقول أهل العقول» فإنها تضمنت
تقرير الميداأ والمعاد والتوحيد والنبوة والإيمان بالملائكة» وانقسام الناس
والعيوب؛ وذكر فيها القيامتين الصغرى والكبرى. والعالمين الأكبر
وهو عالم الآخرة والأصغر وهو عالم الدنياء وذكر فيها خلى الإنسان
)١( البصاثر: جمع بصيرة وهى إدراك العقل وتقطنه-
كل وجه؛ حتى علمه بوساوس نفسه وإقامة الحفظة عليه؛ يحصون
عليه كل لفظة يتكلم بهاء وأنه يوافيه يوم ١|
فيقال عند إحضاره:لألقيا فى جهنم كل كفار عنيد» (ق/ 34
وتأمل كيف دلت السورة صريحً على أن الله سبحانه يعيد
هذا الجسد بعينه الذى أطاع وعصى» فينعمه ويعذيه؛ كما ينعم
يخلق روحاً أخرى غير هذه فينعمها ويعذبهاء كما قاله من لم يعرف
المعاد الذى أخبرت به الرسل» حيث زعم أن الله سبحانه يخلق بد
عرض من أعراض البدن فيخلق روح غير هذه الروح» وبدناً غير هذا
وسائر كتب الله تعالى» وهذا فى الحقيقة إنكار للمعاد» وموافقة
لقول من أنكره من المكذبين» فإنهم لم ينكروا قدرة الله علي خلق
أجسام أخر غير هذه الاجسام يعذبها وينعمها؛ كيف وهم يشهدون
يشاهدونه عياناً؛ وإنما تعجبوا من عودهم بأعيانهم بعد أن مزقهم
ك الأجزاء القى اختلطت بالأرض؛ واستحالت إلى
الأجزاء فهو قادر على تخصيلها وجمعهاء بعد تفرقهاء وتأليفها»
قدرته, وكمال حكمته؛ فإن شبه المنكرين له كلها تعود إلى ثلاثة
أنواع؛ أحدها: اختلاط أجزائهم بأجزاء الأرض على وجه لا يتميز
ولا يحصل معها تميز شخص عن شخص؛ الثانى: أن القدرة لا تتعلق
أنه يميز
فلا حكمة فى ذلك؛ فجاءت براهين المعاد فى القرآن مبينة
على ثلاثة أصول: أحدها: تقرير كمال علم الرب سبحاته؛ كما قال
وقال: #وإن الساعة لآنية فاصفح الصفح الجميل. إن ربك هو
الأرض منهم4 (ى / 4). والثانى: تقرير كمال قدرته كقوله: «أو
ليس الذى خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق
فى قوله: #أو ليس الذى خلق السموات والأرض بقادر على أن
يخلق مثلهم بلى وهو الاق العليم (يس/ 81)؛ الثالث: كمال
(ص١ 77) وقوله: #أيحسب الإنسان أن يترك سدى4 (القيامة/ 376)
الصواب أن المعاد معلوم بالعقل مع الشرع» وأن كمال الرب تعالى
وكمال أسمائه وصفاته تقتضيه وتوجبه؛ وأنه منزه عما يقوله متكروه؛
كما ينزه كماله عن سائر العيوب والنقائص» ثم أخبر سبحانه أن
المتكرين لذلك لما كذبوا بالحق اختلط عليهم أمرهم: #فهم فى أمر
إلى العالم السفلى وهو الأرض وكيف بسطهاء وهيأها بالبسط لما يراد
منهاء ولبتها بالجبال» وأودع فيها المنافع» وأنبت فيها من كل صنف
ومنافعه وصفاته؛ وأن ذلك تبصرة إذا تأملها العبد المنيب؛ وتبصر بهاء
تذكر ما دلت عليه؛ ما أخبرت به الرسل من التوحيد والمعاد» فالناظر
فيها يتبصر أولاًء ثم يتذكر ثانيآًء وأن هذا لا يحصل إلا لعبد منيب
السماء وبارك فيه؛ حتى أنبت به جنات مختلفة الشمار والفواكه» ما
بين أبيض وأسود؛ وأحمر وأصفر؛ وحلو وحامض؛ وبين ذلك؛ مع
اختلاف منافعها وتنوع أجناسهاء وأيت به الحبوب كلهاء على
تنوعهاء واختلاف منافعهاء وصفانها وأشكالها ومقاديرهاء ثم أفرد