إن الحم لله نحمد ونستعينة ونستهديه ونستغفرة» ونعوذ به من شرور
رشا
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
[سورة آل عمران
داعين إليك؛ وأصلى وأسلم على نبيك محمد الذى أرسلته للعالمين. فكان لهم
فكان قرآنك العظيم» وسنة نبيك الكريم؛ مشعل النور فى ليل الضلالة؛
والكوكب المنير فى ظلام الجهالة؛ والهادى القويم إلى الصراط ١١
اللهم لك الحمد يا من حفظت كتابك من الباطل فقلت : فلا يَأت
العيون» وتفخر به المكتبات فى شتى الفنونء وكان على رأس هؤلاء علم من
العالم الجليل» قدرة الأنامعمدة المفسرين؛ ب المجتهدين» شمس الدين أبوعبدالله؛
ابن الشيخ الإمام شرف الدين أبى بكرء ابن الشيخ الكبير أيوب بن سعد الشهير
بابن قيم الجوزية الحنبلى الدمشقى» قدس الله روحه» وجعل أبواب الجنان بين
فقد ألف كتاباً عظيم النفع جليل الفائدة» ألا وهو كتاب «الفوائد» ما صنف
فالمؤلف ابن قيم ١ رحمه الله شرق فى هذا الكتاب وغَرّب» وجمع من
حدائق العلم احلى أزاهيرهاء وغاص فى بحار الفضل فجمع أحلى لآلئها
كما هو الحال عند الإنشائيين» بل تفتن مؤلفه فى أسلوبه حتى تتقبله النفس+؛
الكتاب من الفوائد الجليلة المتعلقة بأمور الدين وأحكامه؛ من تفسير لآيات من
كتاب الله عز وجل + أو شرح لحديث أو جزء من حديث رسول الله كي أو
موعظة للنفس» أو ترغيب فى طاعة؛ أو ترهيب من معصية؛ وهذا الكتاب لم
فالرابط بينها هو أنها خواطر سنحت للمؤلف أثناء حياته العلمية المديدة؛
الصدق فى العبارة جليًا؛ والإخلاص بيئًا.
خواطر سنحت له؛ وتجارب أفاد منهاء وخبرات أراد أن يقدمها لنا - من البدهى
أن تكون فى أسلوب مسهل ميسور» وعبارة رائقة والفاظ منتقاة معبرة.
فقارئ هذا الكتاب يعيش عمق الفوائد وشفافيتهاء. دون أن يصدمه غموض+
أو تصادفه ألغازء أو تقابله اصطلاحات تصعب على الأفهام.
والمؤلف فى بعض الحكم والمواعظ استعمل الكنايات والإشارات والرموز
فجاء أسلويه مجنحًا يشيع الخيال» ويروح النفس» بل يتحفها بجملة معان
فى كلمات معدودة واضحة قوية؛ لا تعزب على القارئ الفطن» ولا تصعب على
7 العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يمل جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه.
من تلمح حلاوة العافية هانت عليه مرارة الصبرء
؛ الغاية أول فى التقديرء آخر فى الوجود؛ مبدا فى نظر العقل؛ منتهى فى
منازل الوصول.
© إنما تفاوت القوم بالهمم لا بالصور.
+ فى الطبع شر والحمية أوفق.
١ لص الحرص لا يمشى إلا فى ظلام الهوى ٠
ة الطمع فى بلوغ الامل؛ توجب الاجتهاد فى الطلب؛ وشدة الحذر فى
فوت المأمول.
البخيل فقير لا يؤجر على فقره.
٠ - تجوع الحرة ولا تأكل بشدييها .
يبة من ذهن القارئ وقلبه.
١١ - أوثق غضبك بسلسلة الحلم؛ فإنه كلب إن أفلت أتلف.
لكنه يرى صياغتها فى مستوى أرقى وأعلى» وفى كلمتين اثنتين: هذه الفوائد
«السهل الممتنع».
موضوع الفوائد:
متفرقة حسبما يتسق فى الخاطر» وحسبما تكون حالة الكاتب النفسية؛ وأنها فى
كل موضوعاتها تنضح بفكر كاتبها وثقافته وطريقته فى النظر والتعامل مع الأشياء
ومن أهم دلالات الخواطر أنها تعطى صورة صادقة وصحيحة للعصر والزمان
والاحداث التى عايشها المصنف.
١ - فوائد جليلة تعلق بتفسير بعض آيات من الذكر الحكيم.
- خواطر مفيدة حول أحاديث نبوية شريفة؛ أو أجزاء من أحاديث وآثار.
7 فوائد تتعلق بأمور عقائدية مثل: معنى العبودية؛ ومعنى قضاء الله عز وجل+
التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته؛ القلوب محل لمعرفة الله سبحانه ومحبته
© - فوائد فيها حكم وعظات منثورة؛ ونصائح بالغة؛ وعبر متفرقة.
© - فؤائد تعلق بالزهد فى الدنيا .
+ فوائد على شكل نصائح ووصايا ء
١ فوائد تتعلق بالعلم والعلماء.
- فوائد تعلق بالقلب والنفس والعقل ٠
4 - فوائد تتعلق بالعبادة والعباد.
٠ - فوائد تعلق باليوم الآخر والاستعداد له.
كذلك احتوى الكتاب على قضايا وفوائد كثيرة دارت حولها خواطر ابن القيم
ائدة فى تفسير الإنابة وما يتعلق بهاء
فائدة فى أنواع الفكر وانفعها.
© فائدة فى أسباب الخذلان.
4 فائدة فى مداخل الشيطان على الإنسان.
فائدة فى أن التوحيد أنزه شىء وأصفاه.
- فائدة فى روادع وزواجر من لا يوقر الله تعالى.
7 - فائدة فى علامات السعادة والفلاح» وعلامات الشقاوة.
8 فائدة فى أنواع العوائق» وأركان الكفر.
- فائدة فى أنواع التوكل على الله واختلاف الدرجات فيه.
٠ - فائدة فى سيرة المصطفى كيةٍ؛ وفصل فى الهجرة.
إلى غير ذلك من القضايا الكثيرة المتنائرة فى ثنايا هذا السفر الجليل الممتع.
بقى أن أتركك أخى القارئ الكريم لتعيش ساعات قليلة مع الحافظ الجليل ابن
القيم فوائده وخواطره فتأنس بصحبته» وتسعد بقراءة أفكاره.
فالعاقل أيها الاخ الكريم من يتأمل تراث الأوائل» مستفيدًا منه؛ آخذًا بالعبر+
القلب المؤمن بما جاء فى كتاب الله؛ وما فصل منه سنة نبيه كف وآثار الصحابة؛
ومقارنًا فسيهديه الله الطريق القويم.
رحم الله من قال لذويه وهو يوصيهم:
إن الطريق صعبة عسيرة لكنها بالاقتفا يسيرة
يجعل ثواب هذا العمل فى ميزان حسناتناء يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون» إلا من
أتى الله بقلب سليم.
المحققان
التعريف بالإمام الجليل
ابن قيم الجوزية
هو الإمام الجليل الحافظ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى!"؟»
مشقى الحنبلى» أبو عبد الله شمس الدين. الشهير بابن قيم الجوزية.
الجوزية» المدرسة المشهورة بدمشق؛ ولذلك عرف بهاء
ولد فى السابع من شهر صفر سنة إحدى وتسعين وستماثة (391) من
الهجرة النبوية الشريفة»الموافقة لسنة ألف وماثتين واثنتين وتسعين )١767( من
تتلمذ ابن القيم على الشهاب النابلسى العابر» وأبى بكر بن الدايم؛ والقاضى
عماد الدين الشيرارى؛ وابن مكتوم» والبهاء بن عساكرء والقاضى بدر الدين بن
جماعة وغيرهم.
ألفية ابن مالك»؛ وأكثر الكافية الشافية؛ وبعض التسهيل» ثم قرأ على الشيخ مجد
الدين التونسى قطعة من المقرب.
وأما الفقه: فأخذه عن جماعة منهم: الشيخ إسماعيل بن محمد الحرانى؛ قرأ
عليه مختصر الخرقى؛ والمقنع لابن قدامة.
محمدء قرأ عليه أكثر الروضة لابن قدامة.
(1) نسية إلى زيع أو زرعة قرية من حوران بالشام؛ تسمى اليوم بازراع
وقرأ فى الأصول: على الشيخ صفى الدين الهندى .
أما أستاذه الاكبر» ومعلمه الذى لازمه مدة حياته فهو: شيخ الإسلام العلامة
وقد أثر فيه أعظم تأثير» فقد نهج نهجه؛ وسار على طريقته فى محاربة
التصانيف الحسنة المقبولة» ولكثه كان كثيرًا ما يخالفه إذا ظهر له الحق واستبان
رجب البغدادى الحنبلى» وابن عبد الهادى؛ وشمس الدين محمد بن عبد القادر
على وجود الله تعالى اتبع منهج القرآن فى هذا الاستدلال منهج الفطرة والذوق
يستعمل فى ذلك نظريات الفلاسفة وتاملاتهم البعيد: ويقول: «وتأمل حال العالم
فإنكار صانعه وجاحده فى العقول والنظر بمنزلة إنكار العلم وجحده؛ لا فرق
بينهما؛ ومعلوم أن وجود الرب تعالى أظهر للعقول والفطر من وجود النهارء ومن
مما كتبوا ويرجمُون إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد كلٍ.
وها هو عَلَمّ من أعلامهم»؛ فخر الدين محمد بن عمر الخطيب الرازى
المفسرء حينما مرض وايقن أنه لا محالة ميت» أملى على تلميذه إبراهيم بن أبى
لى أن هذا العالم المحسوس تحت تدبير منزه عن مماثلة المتحيزات
والأعراض» وموصوف بكمال القدرة والعلم والرحمة.
كيفيه؛ سواء أكان حقا ام باطلء غثا أم
إلا أن الذى نظرته فى الكتب
الفائدة التى وجدتها فى القرآن الكريم لأنه يسعى فى تسليم ١ والجلال
للعلم بان العقول البشرية تتلاشى وتضمحل فى تلك المضايق العميقة والمناهج
عن الشركاء فى القدم والأزلية والتدبير والفاعلية. فذاك هو الذى أقول به وألقى
والأخبار الصحيحة المتفق عليها بين الأئمة المتبعين للمعنى الواحدء فهو كما مرء
أكرم الاكرمين؛ وأرحم الراحمين؛ فكل ما مر به قلمى أو خطر ببالى فاستشهد
من أن تضايق الضعيف الواقع فى زلة؛ فأغثلى» وارحمنى واستر زلتىء؛ وامح
وأقول: دينى متابعة سيد المرسلين محمد كل؛ وكتابى القرآن العظيم؛
وتعويلى فى طلب الدين عليهما.» ١ه
من حيث انتهى إليه واحد من أعظم الفلاسفة المتكلمين كالإمام الرارى.
ولقد نشأ ابن القيم فى عصر يسوده الاضطراب والفوضى الداخلية؛ إلى
جانب الاضطرابات الخارجية التى تهدد بانهدام دولة الإسلام العظمى؛ ولذلك نراه
يأمر بنبذ الفرقة والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله كَييةٍ ولقد كان من أهداف ابن
القيم الرجوع إلى منابع الدين سهلاً صافيًاء لم تكدره آراء أهل البدع والأهواء