بالقلم الأحمر يعدلون ويبدلون» وأن يجعلوا لهم على التصحيح أجراً يقارب أجر
رئيس التحريرء ثم يجاسبوهم على كل غلطة تفلت منهم بحسم اثنين في المئة من
هذا الأجرء وسأنشر في «المسلمون» إن أذن رئيس التحرير جدولاً باغلاط
الطبع في ذكرياني هذه لتصحح قبل جمعها في كتاب؛ وإن كنت أشهد أن
الاغلاط قد قلت جداًء إلا في العددين السابقين. وأن التصحيح في الجملة
أجود مه في (الرسالة) التي كتبت فيها نحواً من عشرين سنة
( حا - محا .
مقالة في المقتبس» ثم ذهبت إلى مصر بدعوة من خالي محب الدين الخطيب؛
الأوساط الإسلامية في بلاد الإسلام جميعاً؛ لها من التأثير فيها أكثر مما لجرائد
طرابلس» وكانت تجري فيها أقوى الأقلام الإسلامية كقلم شكيب أرسلان»
والرافعي » ومحب الدين .
وأما الزهراء مجلة الأدب الإسلامي فكانت لما جئت مصر في دور النزع»
مالهاء وأفلست» ولكنها كانت تجاهد جهاد المحتضر لتدفع عن نفسها الموت»؛ وقد
صدر متها بعد وصولي (عددان) فقط» كتبت أنا أكثر ما نشر فيهماء ولا أقول إن
الذي كتبته كان من الأدب الجيد. ولكن أقول إنه كان فوق محاولات المبتدثين»
ودون كتابة المطبوعين المجودين.
)١( جمع مجلدة ولو أردت المجلد لقلت أربعة.
لافرغ طاقة من النشاط كانت في نفسي» ولاكسب شيئاً من المال أعود به على
أهلي؛ أخذني أخي أنور العطار إلى الأستاذ معروف الأرناؤوط»؛ وكانت له معرفة
مؤرخاً. ولا أعني الأديب في عرف العامة وهو الرجل المهذب الحواشي» الرقيق
نطق بأشنع السباب» وأبشع الشتم؛ وكله من تحت خط الاستواء في جد
الإنسان! أي من تحت الزنار. ولكن أعني الأديب الذي تجالسه فتجالس رطفاام
إلى دنيا غير دنيا الناس» يصور لك (في رواياته) فيافي الجزيرة» وأودية فلسطين؛
ومفاتن إسطنبول!"» مزينة بالسحر والشعرء مضمّخة بالطيب والعطرء حتىق
معروف أم أن في قلم معروف سحراً؟
فمن جالس معروفاً فقد عرف الكاتب الأديب» ومن قرأ لمعروف وم
)١( اسطنبول أصلها أسلامبول أي بلد الإسلام سماها بذلك محمد الفاتح.
قدوة لك في الحياة. أستغفر الله وأسأل الله له الرحمة فلقد كان مؤمناً لا
يشرك بالله شيئاً
وكان يظهر إيمانه على أسلات قلمه: لما غلب اليونان ممعونة الحلفاء على
أزمير» في ناية الحرب الأولى» وجعلت عساكرهم تجول في طرق إسطنبول
تنبهت الصليبية في نفس كاتب نصراني في الشام؛ فكتب متشفياً معرضاً
بالسلطان العظيم محمد الفاتح+ وتالم معروف كما تألم المسلمون ولكنه ماتكلم؛
وسلاماً. وعل قلوب (الآخرين. . .) جمرة وضراماً.
وكان في المدرسة أجهل الناس بالحساب» فليا كبر عني به حتى أتقنه؛
وصار من كبار الحاسيين» وبلغ من حذقه أنه حفظ عن ظهر قلب عدد أيام
الأسبوع» وشهور السنةء وأدرك عشر العشرة ومعشار المثئة؛ وعرف قطر
وفي رواية سبعة وأربعين» ولم يحقق أيها الصحيح منهماء فالمسألة فيها قولان! .
ولكنه م يصل إلى معرفة الباقي من الريال (المجيدي) بعد شراء علبة
الدخان. فكان يشتم البياع كل مرة عشرين شتيمة منها أربع على الأقل من
الشتائم المبتكرة التي لم ينطق بها قبله أحد من المحجائين لا الحطيئة ولا جرير ولا
دعبل ولا المتنبي» ويتهمه بالسرقة والاحتيال. حتى مجتمع ثلاثة من المارة؛
وكان قليل البضاعة في الأدب العربيء ولكنه كان مطلماً على الأدب
التركي. وكان آية في معرفة الأدب الفرنسي لا سيا شعر الحب والعاطفة؛
وكنت تسمع منه تلخيص قصيدة لموسه أو قطعة لشاتوبريان فتظئه أشعر من
فوجدت تلخيص معروف أحلى من شعر لامارتين!
الحوادث؛ يكذ ذهنة ذاكرته» ويتلمس من بين المعلومات القديمة التي
غطى عليها غبار الزمان حقائق لم تصل إلى علم أحد من المؤرخين”'؟ فيقول له
وكان يقودهم أبو الأسود الدؤلي الذي وضع علم الفقه. وكان بطل المعركة
الوليد بن هارون الرشيد الذي قال فيه المثنبي :
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة كاد العلم أن يكون رسولا
ومعروف يدون هذه الحقائق. ويجعلها دعائم لبنائه القصصي؛ ثم
الكتاب وطبعهاء جاء من ينبهه إلى هذا التخليط العجيب» فثار وفار ومزق ما
ولحًاء وزيادة في الوزن وفي حب الأكل
كان في دمشق يومئذ (أي سنة 1478) أربع جرائد (المقتبس» وألف باء
والشعب؛ وفتى العرب) وجرائد أخرى ليست في منزلة هذه الجرائد ولا هي
مطردة الصدور مثلها.
وكانت إدارة (فتى العرب) في العمارة الصغيرة التي كانت بين قصر
الحكومة (السراي) والبلدية وسينما غازي وهدمت. وكانت تشتمل على دكانين
فوقهها بهو واسع؛ وكانت هيئة التحرير» (وهي مؤلفة من الأستاذ معروف
ومني..) في دكان» والإدارة والتوزيع في دكان يشرف عليهما موظف
وكان عمالها من الصفوة المختارة. لأن خط معروف كان أعجب خط
رأيته؛ وكان الناظر إليه أول مرة لا يدري هل الذي يراه خرابيش ولد
هنا كتب معروف رواياته سيد قريش؛ وعمر بن الخطاب التي لم يكن
من الليل؛ حين تخلو الساحة من الناس؛ ويسكن الجوء وتصفو النفس+
الشاب الذي يقفز على صخرات الوادي» يتوئب من القوة؛ ويكاد يتفجر
بالنشاط. ولم يكن قد جاء دمشى هذا البلاء الذي عكر صفاء الليل. وأطار
دمشق كلها إلا راد (راديوى واحد جاء به محمد علي بك العابد. ثم جاء الأمير
بزائري (حفيد الأمير عبد القادر) بالثاني., هنالك كان معروف يوقد
كانت الجريدة في أربع صفحات» وكانت العادة أن يكون في الصفحة
وفي الصفحة الثانية والثالثة الأخبار المحلية وأخبار المناطق» وفي الرابعة
ولم يكن لأكثر الجرائد يومئذ مراسلون فكان المراسل المقص. ولمعروف
في هذا الباب نوادر. كان يجيئه العامل فيقول له: أستاذ ينقصنا ربع عمود.
التي يقوها صبيان الأزقة! .
ثم يقول له: انتظر. ويبحث في زوايا ذاكرته عما يحفظ من أسماء
شمالي المدينة. وأسرع إليها رجال الإطفاء. وكانت الخسائر كبيرة لكن لم
يصب أحد من الناس بأذى
ومن أعجب اختراعاته ما أشرت إليه من قريب في المقابلة التي (أجراها)
فأخبره أن لديهم فراغ عمود كامل.
شتمة وجد أن العمود لا يزال فارغاً ما ملأته الشتائم فماذا يصنع؟ تخيل
معاهدة صلح بين المتحاربين» وكتب موادها وحدد شروطهاء وزعم أن مراسل
الجريدة الخاص في كابول استطاع أن يحصل على نصها الذي ينشر لأول
مرق
وبلغ من إحكامها أن أخذها مراسل هافاس فبعث بها إلى الصحف التي
يراسلهاء فنشرتهاء وكانت جرائد مصر (الأهرام والمقطم) تنقل عن جرائد
الأهرام والمقطم» ولم يكن أحد ليعرف الحقيقة لو لم يعلنها «أديب الصفدي»
فتنشر في صحف أوروباء وتصير حديث الناس.
وكان له مع الحكام أسلوب عجيب. . . دخل مرة على واحد من رؤساء
منهم ثم يأخذ الماتف فيكلم الموظف (المختص) يقول له: آلو(" أنا مرسل
وكان هذا الهاتف مقطوع الشريط. فدخل عليه معروف بعد أيام ومعه
)١( هل كلمة (آلى أصلها (الا) العربية التي يستفتح بها الكلام؟.”
ما يظهر. فضحك وكلم له الموظف بالحاتف الثاني
وكان الرؤساء يدعون أصحاب الصحف؛ فيوزعون عليهم مبالغ من
مرة المبلغ؛ وجعل يساوم يطلب أكثر منه. فقال له الرئيس:
ما هذاء هل هي قضية بيع وشراء؟.
يبيعون ضمائرهم! فيا ما أرخص الضمائر في سوق النفاق.
وكان لكثرة ما يكتب في الشؤون الإسلامية؛ يحسبه الناس من بعيد
وكان يدخن في النارجيلة. فقالوا له:
ولست أريد أن أتقصى أخبار معروف؛ وإن كنت أعرف منها الكثير
مجالسهم في غيرها أو في غير وقت العمل. وكانوا يوقرونني على صغر سني فلا
وما كنت يومئذ أسكت على منكر أراه؛ ولا أستكبر أحداً عن أن أنكر عليه
ة؛ فأغراني أنور العطار رحمه الله
بان أذهب معه لزيارته». وكان في فندق خوام الذي هدم الآن. وصار مكانه
شارعاً؛ فوجدنا بشارة الخوري» وشبلٍ الملاط» وشفيق جبري؛ وحليم دموس»
ومجموعة من الشعراء من هذه الطبقة؛ وأمامهم مائدة عليها أواني الخمرء
وكنت أل عصا فمددتها ومشينّها على وجه المائدة فحذفت كل ما كان عليهاء
كنت أكتب المقالة الثانية كل يوم» وريما كتبت الافتتاحية؛ فهذه أكثر
ي لديٍّ منها إلآ أربع أو خمس» اعود إليها اليوم
لاقرأها بعين الناقد فأجدني راضياً عن أسلوبها وعن أفكارهاء مع أني كتبت
صرمجاً. حمل مستشار المعارف (راجه) وجبارهاء ودنلوب الشام. على زيارة
الجريدة بنفسه؛ ليقابل كاتب المقالة ويوضح له ما غمض عليه ومعه ترجانه
الأخير التي يصور فيها ضياع (الألزاس) من فرنسا بعد حرب السبعين
(18) وجعلتها مدخ للكلام .
الذي فرض عليناء ولكن كان فينا (كما يكون في كل أمة من الناس) من
ومن أخيث هؤلاء المعلمين رجل اسمه (تريس) جعلوه مدرس الأدب
شكري الشربجي رحمه الله -: عندكم طالبان خطران جداء علي الطنطاوي
وخالد بكداش9». . فأخرجوهما من المدرسة فإنهها إن تخرّجا فيها أتعباكم .
منكماء على بعد ما بينكما؛ هو شيوعي ؛ وأنت ولله الحمد مسلم .
قلت هذاء وأزيد عليه أني لا أعرف من كتب في الصحف بقلمه؛ أو
دفي كتابي (هتاف المجد» قليل من كثير من كتاباي وما بقي من خطبي .
)١( وكان في المدرسة بعدي بسنة أو ستين.