غنى للإيمان وللوطن وللحب؛ وأكثر الغناء» ولكن النغمة البارعة التي
ضالته؛ فإذا افتقدها عاد إلى الآتي. يحاول أن يستشف بعين الأمل ما خلف
وطرق الحي شعراء» يضربون على الطبول الكبيرة؛ ويصرخون بأغان
وتثيرها في الأعصاب
لا تعرفهم هدآت الأسحار ولا يدري بهم فتون الفجرء ولا شعاع القمر+
ولكن تعرفهم أضواء الكهرباء الساطعة في معابد الشيطان. وهياكل الشهوة
وتعرفهم موائد الخمور في دور الفجورء فحف الناس بهم» وصفقوا لهم.
عند ذلك كسر الشاعر ربابه وانسل خارجاً من الحي بسكون» وأم الجيل
ليتخذ لنفسه من الجادة السادسة (أاعني في جبل قاسيون) ملتجاء بعصم علوه
وإما يعيش خياله بخيالات الماضي» كالشجرة التي عزّتها لفحات كانون
(ديسمبر) فهي تعيش في ذكرى آذار (مارس) المنصرم وزهره؛ وتموز (يولي)
الماضي وثمره؛ ومتى رجعت في كانون أزهار آذار؟.
أن يحركه؛ حتى لكأنه الجواد الكريم يتفلت من الشكال. وكأن قلمه إذ بجري
على الطرس يسابق اليد التي تجريه» والفكر الذي ممده. لوجدته أسرع إلى
طاعتك من السيل الدفاع إلى مستقره» بل أسرع من الطرب إلى نفس الكريم»
ومع ما لا يسمعون» يرى في كل مشهد جالاً. وفي كل جمال حلا فاتتاء
التي خلقت للتعبير عن حاجات الأرض» لا لوصف أحلام السماء.
وماذا تصنع لغة لا تعرف للجمال كله على ما له من الصور التي لا
تترجم من عالم كله حياة وقوة وسحر؟ وكيف تقنعه وللجمال في عينيه صحائف
المتحف وكل زهرة في الروض» وكل رائحة وكل نغمة» فجمال ريا الياسمين؛
والرصدء والحجاز والصباء والعود والقانون والناي والكمان. وجمال القصة
المؤثرة. والحكمة المتخيرة» وما شئت وما لم تشأ من أنواع الجمال في الوجود؛
يا ما أفقر لغات البشر!
وكان تذوق الجمال بهيج في نفسه الأدبء والأدب هو البث» فلا تتم له
متعة ولا يجلو له نعيم حتى يشرك الناس معه في نعيمه؛ وكذلك الأديب يجود
على الناس بأعز شيء عليه: بشعوره وعواطفه فيفتح لهم نفسه؛ ويكشف لهم
ما درى الظالمون أنهم يتهمون بالأثرة رجلا هو أول المؤثرين.
الأقل الأقل؛ ثم يعده للنشر فيضيع أكثر جاله البافي بين مراعاة آداب
المجتمع؛ وقوانين النشرء وأذواق الناشرين ثم ينشر فإذا هو يرضي القراء» وإذا
منه المعجب المطرب» المقيم المقعدء ولكنه لا يرضى عنه ولا يعجب به؛ لعلمه
وما كان يا سيدي ليفخر أو ليزهى؛ وإنه لأعرف الناس بنفسه وعيويهاء
قبل اليوم مسدوداً:
وذو الشوق القديم وإن تسل . مشوق حين يلقى العاشقينا
نفس فماتت. أفيا يترك ليرثي يا قوم نفسه؟ يذهب مال الرجل فيبكي ماله؛
هذا الشاب الذي كان يتدفق حياة ويتوثب نشاطاًء والذي كان له في كل
وللإصلاح وللسياسة وللتعليم وللتصنيف. والذي عرفته العراق وعرفها. وأحبها
الحجازء وكان له في كل بلد أثر في نفوس أصدقائه وفي قلوب الآلاف المؤلفة من
وصغرت دنياه حتى صارت تحدها جدران المحكمة الأربعة. .
فماذا يا سيدي يرجى منه بعد هذا؟ .
المستقبل عن ثنايا بوارف» ولو أنه بقي في مصرء ومصر (موطن أسرته الأول
تعرف للأدب حقه؛ وللأديب منزلته؛ لكان منه اليوم شيء - على أن مصر - إن
يحتفل نقادها بأصغر كتاب يصدر فيهاء ويشتغلون بالكلام عنه الأيام الطوال» ولا
يخطون كلمة ثناء أو كلمة نقد للكتاب القيم يصدر في بر الشام أو في العراق؟.
إن الصحف لتجمع على مدح الكتاب وتقريظه وتهلل للشعر الجديد وتصفق»
وحدتهاء ويكون بين أولها وآخرها السب الموصول والحبل المتينء فقدمها به
حديث أبداً نفهمه اليوم ونتذوقه؛ وحديثها به قديم .
المعامل التي همي «هناك». ومن يود لو خلع رأسه ليركب له رأس فيه عقل من
الشمس كان باطلا كله. ولو كان الدين والشرف والأخلاق. وما جاء من حيث
تغرب فهو حق كله. ولو كان الكفر والفسوق والعصيان. حتى أن هذا البلد لينكر
الأديب الصريح الثابت النسب. الموصول السبب. ويحفل بكل لصيق دعي . .
ولكن هل يشكو امرؤ بلده وأهله؟!
فلا يا دمشق ما صنعت بمن لم يكد حبك أحد مثلما أحبك؛ ولم
«الرسالة» أخت والثقافة» شاهدة على ما يقول» لا يمن ويؤذي بالمن. ولكن
يعاتب ويشكو.
ولئن كتب الله لهذا الميت ولادة أخرى» والمرء يولد فيه كل يوم رجل
جديد ليموت رجل قديم؛ وأعاده إلى الحياة. فليضربن إن شاء الله في سماء
الأدب بجناحين مبسوطين» وليطلعن على آفاق لم يرها من قبل» وليحدثن
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة . يواسيك أو يسليك أو يتوجع
السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وعلق الاستاذ أحمد أمين على هذه الرسالة في «الثقافة» سنة 1447 الموافقة
ل 117 ه: فقال: أرسلت الثقافة إلى الأستاذ ترجوه الخروج عن صمتة
ويستعيد قلمه؛ وممتع القراء بآثارى ويتحرر من الدنيا الضيقة الي يعيش فيها
بين القضايا وكتب القانون وحيثيات الأحكام إلى الدنيا الواسعة. دنيا
عل مثل هذه الدنيا الضيقة.
والأستاذ يعتب على المجلات المصرية أنها تشيد بالتافه من نتاج مصرء ولا
تشير إلى الجيد من نتاج الأقطار الأخرى كالشام والعراق. وقد سمعنا هذه
الشكوى مراراً» وقد يكون فيها شيء من الحق» ولكن أكثر الظن أنه إهمال غير
مقصود؛ ولعل كتاب الشام والعراق يحملون كثيراً من التبعة؛ فالكتب الشامية
والعراقية تظهر بين أظهرهم» وهم أعلم الناس بها ومملابساتها وبقيمتها. فلو
المصرية عن نشر مقالاتهم ومشاركتهم في الإشادة بالآثار القيمة منهاء ود
ساثر المجلات. وهو عدم إيفاء باب النقد حقه سواء أكان النتاج مصريا أو
عراقياً أو شامياً؛ وفي انتظار مقالات الأستاذ نحييه ونشكره.
وكان الأستاذ أحمد أمين قد أجاب قبل هذا التاريخ بعشر سنين (سئة
خبر ذلك. وكان الأستاذ أحمد أمين من أركان «الرسالة» العاملين فيهاء فليا
انفصل منها وأنشأً مجلة «الثقافة؛ الي صارت الأخت الصغرى «للرسالة» تفضل
فكتب إليّ مرتين أن أنشر بعض مقالاني في «الثقافة».
الكبير المتفضل؛ ولكنني لما دخلت القضاء وانصرفت إلى كتب الفقه والقانون
والخَصّر كأول عهدي بصناعة الإنشاء. واصبحت وكاني لم أكن حليف القلم»
وصديق الصحف» وكأني لم أجر للبلاغة في مضمار. . والمقالة طويلة.
وانا قد بدات صحفياً لا كاتباً. والصحفي يعيش مع الناس يصف
إن لم يداوها بالعقاقير داواها بحسن المواساة وجميل القول؛ ومن أوجاع المجتمع
ما يكون مثل «القولنج»» حبة رمل تعترض في الدقيق من مجرى البولء في
كما جاء دفعة واحدة. . ومن الأوجاع ما هو كالسرطان لا يذهب حتى تذهب
دفع عشرة أضعاف ثمن الجريدة ليطلع عليهاء فإذا مر اليوم ونسي الحادث لم
وفي الإصلاح وفي السياسة وفي الاجتماع فإذا هدات الحياة عندنا قليلا. وقلا
أكثر أيامي وجل اهتمامي» قرات من كتب الأدب العري القديم كل الذي
وصلت » قلت لكم من قبل إنني سردت الأغاني سردا وأنا في أوائل
المدرسة المنود قرأته مرة وحدي؛ ومرة مع رفيق العمر سعيد الأفغاني الذي
كان أبوه الرجل العابد الصالح من كشمير لا يكاد يسن العربية؛ وصار هو
اليوم المرجع في علوم العربية والحجة فيهاء فهو الآن يدرس في جامعة الملك
سعودء وما أعرف له في علمه بالنحو نظيراً.
والزيات وحسين هيكل وصادق عنبر. وقرات أجمل صفحات الادب الأخرى:
وأما الآداب الأخرى فقرات ما ترجم إلى العربية متهاء ومن أحسن ما
بأحسن مما جاء به المنفلوطي ٠
أسلوبها ما كان لها في ميزان الأدب الحق ثقل» ذلك لأن الأم التي ترتفع حرارة
ولدهاء وليس عندها أحد؛ فلا تدري ما ذا تصنع له؛ فيتقطع قلبها شفقة عليه
ومن أجود ما ترجم إلى العربية من آداب الأمم الأخرى رافائيل لامرتين
وآلام شرتر التي ترجمها الزيّات؛ ثم روايات الجيب. روايات الجيب
والأدب العالمي «كالفندق الكبير» و«الأبيض والأسوده ودالحانة الزرقاء»
فلم انصرفت إلى تدريس الأدب في العراق وفي بيروت غلب عؤحكتابتي»
على كتب الفقه: الفقه المذهبي وغير المذهبي؛ في مشل كتاب «إعلام
والكتب الني تبحث في علم الخلاف. وهو ما يسمى اليوم بالجامعات الفقه
المقارن (ترجمة للكلمة الأجنبية).
والبقية في الحلقة المقبلة إن شاء الله.