وجيش كجنح الليل يزحف بالحصى . وبالشوك والخطى حمر ثعالبه
درست بعض ما قال الشعراء في وصف الجيش.
زحف هذا الجيش؟ قبيل طلوع الشمس. ولكن هذا تعبير أمثالي من العامّة؛ أما
كان قبل خروج الشمس من خدرهاء يجعلها بذلك من ربّات الخدور.
ولكن هذا تعبير الشاعر العادي» أما بشار العبقري فيقول شيئاً أدق وأرق
3 مياه مف
إنها العبقرية. لقد علمت الطلاب يومئذ التمييز بين العبقري وبين
يشقى طريقاً جديداً والنابغة يسلك الطريق المعروف. ولكنه
3 في أول الركب. وقد يكون الطريق الجديد الذي كشفه العبقري
» والنابغة يسير بسرعة واحدة غالبا لا
ولقد طال الخلاف على أبي مام والبحتري» أتبيا المقدّم؛ فكان الحكم
وهاكم المتنبي عبقري الشعراء أكبر الشعراء اسياً؛ وأظهرهم في عصره
والعصرر التي ينه أقرلء أروع أمثلة البلاغة والبراعة في القول من شعر المتتبي؛
وأرذل أمثلة التداخل والمعاظلة والفساد من شعر المتنبي .
له المطالع العظيمة وله هذا المطلع الشنيع:
أحاد أم سداس في أحاد لَييْلتتَا المشوطة بالتتادى
كيف تمشي جياد بلا قوائم؟ :
لا يفهم الشعر تماماً إلا من ألم بشيء من تاريخ العصر الذي قيل فيه.
ِ قمعا مف
في ذلك الجيش الضخم الذي يسدّ ما بين الشرق والغرب:
خيس بشرق الأرض والغرب زحفه . وفي أذن الجوزاء منه زمازم
تجمع فيه كل لسن وأمة . فيا يفهم الحداث إلا التراجم
شتى الأمم التي كانت خاضعة لحكم البيزنطيين.
وهذا يجني إلى تذكير الطلاب بوصف العرض العسكري يوم العيدء
فلم ناطق لا يزال صداه مسموعاً بعد أكثر من ألف سنة.
ألا تسمعون صهيل الخيل وهتاف الفرسان؟ ألا ترون لمع الأسنةء وبريقة
فالخيل تصهل والفوارس تدّعي والبيض تلمع والأسنة تزهر
ثار من الغبار قد صار عكراً مكفهراً. تضيء الشمس من خلاله تارة. ويحجبها
الغيار عن الدنيا تارة:
والأرض خاشعة تميد بثقلها والجو معتكر الجوانب أغبر
والشمس ماتعة توقد بالضحى . طوراً ويطفئها العجاج الأكدر
تصمّ الآذان قد سكتت» والغبار الذي كان بلا أقطار الفضاء قد انزاح»
0 قمعا فد
وقبلها قال:
وافتن فيك الناظرون فإصبع يومي إليك بها وعين تنظر
رجل على ظهر الأرض؛ وكان بحكم من البلدان ما لا يحكم مثله ملك ولا
ومشيت مشية خاضع متواضع الله لا يزهى ولا يتكبر
ثم جاء البحتري ببيت عجيب؛ وإن كان قد سرق معناه من أستاذه أي
تمام قال:
)١( امتهن العوام بجهلهم هذا اللفظ الكريم حتى اطلقوه على قينة (أي مغنية) بلغني أنها نصرانية ممن
قمعا مض
فلو أن مشتاقاً تكلف فوق ما . في وسعه لسعى إليك الثيبر
تقول بنو العباس هل فتحت مصر . فقل لبني العباس قد قضي الأمر
شعره برحى تطحن قروناء أي أن لها جعجعة وليس لها طحن. لاء بل إن له
صف كبار الشعراء.
سدّ الافق بمثل عرض الأفق» وكانوا متوجهين إلى مصرء أي إلى جهة الشرق
فحجب غبار الجيش الشمس عنهم من هناء وبقيت طالعة من هناك فقال:
رأيت بعيني فوق ما كنت أسمع . وقد راعني يوم من الحشر أروع
غداة كان الأفق سد بمثله . فعاد غروب الشمس من حيث تطلع
وكيف أخوض الجيش والجيش لج وإني بمن قاد الجيوش لمولع
وأين؟ وما لي بين ذا الجمع مسلك . ولا لجوادي في البسيطة موضع
تسير الجبال الجامدات ليره وتسجد من أدنى الحفيف وتركع
لا تظنوا أن تشبيه أسلحة الجيش بالجبال من المبالغات» فلقد كان
المسلمون في تلك الأيام يستعملون في الحرب أسلحة كثيرة. منها الكباش:
عربات لها رأس مستطيل من الحديد يدفعونها لتثقب الأسوار» والعرادات التي
أبراج محمية. ذات طبقات متعددة؛ تمشي على دواليب؛ تسير مع الجيش . هذا
التي شبهها الشاعر بالجبال. ثم وصف ظاهرة مما يصنع الجيش موجودة داثماء
1 قمعا مف
ولكن لم ينتبه إليها الكثير من الشعراء» هي أن الجيش إذا نزل منزلاً نصب
خيامه وأقام بنيانه فيتحول منزله إلى مدينة كاملة. والصورة القريبة لهذلء ما
ترونه في عرفات وفي منى أيام الحج؛ عرفات بسيطء من الأرض ما في
من البناء فإذا كان يوم عرفة تحول فصار مدينة كاملة بطرقها وبنيائها وناسها قال:
ثم وصف الجيش في الليل وهم يرفعون المشاعل التي لا يجصى عددها
وهي صورة واقعية:
فليا تداركت السرادق في الدجى . عشوت إليه والمشاعل ترفع
وَمهُمَ رعد آخر الليل قاصف ولاح مع الفجر البوارق تلمع
وفزع الوحش قبل أن يفزع الناس من هذا الجيش فتساءلوا فيا بينهم ماذا
وأوحت إلينا الوحش ما الله صانع .. بنا وبكم؛ من هول ما تسمع
ول تعلم الطير الحوائم فوقنا .إلى أبن تستذري ولا أبن تفزع
إلى أن تبدى سيف دولة هاشم .على وجهه نور من الله يسطع
وقد لاحظتم أن الصورة الأخيرة مسروقة من قصيدة البحتري في المتوكل
لَّ مفردة لا أعرف لا مثيلا في شعرنا هي قصيدته في وصف الأسطول
أقوى أسطول في البحر الأبيض المتوسطء الذي كان يسمى تارة
من قرأ هذا الوصف علم بأن هذا الأسطول كان لضخامته؛ وكبر سقئه؛
وقوة سلاحه. كأنه من أساطيل الدول الكبرى في هذا العصر يقول:
مواخر في طامي العباب كأنها . لعزمك باس أو لكفّك جود
أنافت بها أعلامها وسما لا بناء على غير العراء مشيد
وجه المأم؛
أي ان هذه السفن كأنها الجبال الراسيةء وكأن فيها الصخور العالية؛
من الطير إلا أنهنّ جوارح . فليس لا إلا النفوس مصيد
من القادحات النارتضرب للصل . فليس لا يوم اللقاء خمود
يصف سلاحاً فيها يشبه المدافع وليس بالمدافع يطلق النيران على الأعداء:
فأفواههن الحاميات صواعق وأنفاسهنّ الزافرات حديد
عليه. كنا إذا أخذنا قصيدة في الوداع ذكرت لحم كل ما أحفظ أو أعرف من
قصائد ومقطوعات في هذا الموضوع. كنت في تلك الأيام أعيش بالأدب واعيش
نفع (لوى؟ إن لو تفتح باب المجال.
رمضان في بغدادل»
زارنا في بغداد صديق قديم عرفته وأنا صغير جداً قبيل الحرب العالية
برامج حياتهم» ومواعيد طعامهم ومنامهم؛ ولكنه كان على ذلك يؤنس
ولكنه جاءنا هذه المرة مستخفياً. قابلته في الأعظمية فرأيته في المسجد وفي
ألمحه ولا أتبينه. فتشت عنه بين الشباب فرأيته مثل الشمس في اليوم الغام»
كانت بغداد في تلك الأيام (1879) مثل الشام ومصر وغيرها من البلاد؛
شي ء غنها وجدت حنذهي بل النبع المتدفق وإن كان سؤالك عيا لم بجدوه في
الكتب» جف النبع وعجز اللسانء كأنهم يفكرون بالذاكرة. لا يكادون
يستعملون الأذهان. ثم إنه قد انقطع ما بينهم وبين الشباب» فلا يفهمون عنهم
ولا يصلون إلى القدرة على إفهامهم.
(1) نشرت هذه الحلقة في جريدة (الشرق الأوسط) في رمضان
قمعا مف
ولم تكن قد وصلت إلى بغداد الروح الجديدة؛ التي نفخها الله في الشباب
على يد الشيخ حسن البناء وإذا كان الله يبعث لهذه الأمة كل مثة سنة من يجدّد
لها دينهاء أي من ينفض عنه ما لحق به من غبار البدع والمحدنات؛ ويغسله مما
حاول الأعداء أن يلصقوه به من الكيد والافتراء» ويرقق القلوب المؤمنة التي
به من صلة إلا الحب في الله ورفقة الصبا عند خالي محب الدين الخطيب» في
أواخر العشرينيات» في المطبعة السلفية؛ في شارع الاستئناف» في باب الخلق.
الشيخ حسن بشيء من العدم» فلا يخلق شيئا من غير شيء إلا اللهء الذي
يقول ن» فيكون» ولكن ما جاء به كجذع الشجرة؛ تفرع الأغصان
وممن مهد له الطريق وأمده بأسباب الوصول جماعات سبقوا إلى الدعوة إلى
منهم: بحب الدين الخطيب» ومحمد رشيد رضاء وقبلهها الشيخ محمد عبده»؛
ومنهم المشايخ الذين أخذ عنهم حسن البنا العلم أو «الطريق» ولكن الله ادخر له
هذه المكرمة ليفوز بها وليكون ثوابها في صحيفة حسناته؛ وأمدّه بقوة الإيمان
عرفت الشيخ حسن البنا وهو شاب مغمور لا ممتاز عن أقرانه الشباب»
وعرفته وقد أوفى على الغاية. وبلغ الذروة. وصار أقوى رجل في مصر. صار
1 قمعا مض