استخلاصهم من المحاجر تلك الجلاميد الضخمة من الأحجار التى صنعوا منا
تمثالى ممنون وكل منها كان فى الأصل يبلغ ارتفاعه نحو سبعين قدماً ويزن
طيبة وأقاموهما على قواعدهما وكثير من القاثيل العملاقة تعكس الملامح المثالية
التى تصور الجمال الأنثوى والكرامة الرجولية فى ذلك العصرء وغيرها مثل المجموعة
الضخمة لأمنحتب الثالث والملكة «تى» فى المتحف المصرى [صورة رقم: ل١]
تدل على مدى قدرة الفنان القديم على صنع تمثال بمعيار كبر خاصة إذا نُظر
وليس من المناسب أن ننهى مناقشة عن الفن المصرى بدون إفراد كلمات قليلة
عن تقدير أكثر الفروع أهمية من الفنون التطبيقية » فقد كان المصرى لايقنع مالم
مصنوعة على نحو مفيد للاستخدام ولطيف كذلك من الناحية الجمالية؛ وكانت
ماذج معظم هذه الأعمال الفنية مشتقة من عالم الطبيعة المحيط بالمصرى فى كل
مكان : كالنيل والقنوات التى تحترق الأرض فى كل اتجاه 1 والمستنقعات التى
الصغيرة فى هذه النتجعات الاثية لصيد عجول البحر والاسيح بالحراب أو
يصطادون الطيور الماثية باستخدام عصا الرماية (البوميرائج) حين تقفز هذه الطيور
من بين الشجيرات وإلى هذا الغدير تأتى الفتيات للسباحة فى المياه المنعشة أو
جع الزهور ليصنفن منها أكاليل تزين قوارير النبيذ للحفلة القادمة أو باقات يقدما
إلى معابد الآلهة أو قبور الراحلين وكان هناك كنز آخر من المواد يتمثل فى
الحياة البرية بالصحراء وثالث يتمثل فى الخليط البديع من الأشكال الغريبة التى
جاءت إلى وادى النيل كرهائن أو أسرى حرب حيث أتاحت سحنتهم غير الألوفة
وعاداتهم العجيبة الفرصة لكل فنان كى يظهر مهارته بل واعطاء تعبيرات مضحكة
أيضاً وكانوا يستخدمون الأزهار والرموز المقدسة والصور الأخوذة من الكتابة
ومن المحتمل أن تكون الفنون التطبيقية قد استخدمت أول الأمر فى مصر فى
صناعة الجوهرات وأدوات الزينة المماثلة وتدل الأدوات الجنائزية التى وصلت
إلينا من مقبرة توت عنخ آمون على مدى المهارة الفنية والذوق الفنى النى كان
يتحلى بها صناع الذهب ولم تصل إلينا سوى نماذج قليلة من الأعمال الفنية
العظيمة ومنها الأوانى الذهبية وأقداح الشراب التى كان يقدمها الملوك إلى المعابد
تزين المعابد» ومن أرقى الفاذج التى توصل إليها فن الصائغ فى كل العصور تلك
المجموعة من الأوانى التى تعرضها [ صورة رقم : 4 ] وتنتمى إلى عصر الأسرة
التاسعة عشرة» ولكن ليس فيا مايدل على الانهيار النى بدأ ينشب أظافره فى
أواسط القرن الثالث عشر قبل الميلادء ويمكنك أن تتأمل جرة النبيذ 5
الجرة الأصغر المحفور عليها زينة نباتية ؛ والكأس الذهبية على شكل زهرة اللؤقس ؛
والأسورة الذهبية المزينة بزوجين من رعوس البط [صورة رقم : 74]
وبالرغم من أن المصريين لم يتعرفوا على الأحجار الكرية إلا أن الفنانين
المصريين حققوا نتائج باهرة فى التعامل مع الأحجار شبه الكرية؛ وهناك نموذجان
[ضوبة رقم: 5©] مجددان على نمط أعمال الصائغ القديم» الأول مأخوذ من
رمز الحياة الطويلة » والفوذج الآخر يجمل صورتين لنفس الفرعون جالساً فى قاعة
الاحتفالات مرتدياً رموز السيادة» وأمامة إلهة تقدم له رمز الحياة والحكم الطويل
ولم تكن الأشغال اليدوية فى الذهب والفضة بأرقى فى الجودة من أشغال
العمال فى المعادث الأخرى وخاصة النحاس والبرونز وكقاعدة عامة» بالطبع؛
كانت فرصة الأخيرين لإظهار مهارتّم أقل ؛ إذ أن جانباً كبيراً من نشاطهم كان
مكرساً لصنع الأدوات والآلات التى يستخدمها عمال آخرون أو لإعداد الأسلحة
العادية وغيرها من الأدوات ولكن الطلب على مهارتهم الفئنية كان يزداد عندما
يطلب منهم صنع الأسلحة الاحتفالية كالفئوس والخاجر» أو الأوانى المستخدمة
فى العبادات داخل المعبد وكانت الأحواض والأباريق والطاسات والكثوس
الآنية الذهبية والفضية الأغلى ثمناً
المواد المتكلسة تستخدم فى طلى الفخار والتزرف وفى صناعة الترف المصرى الذى
وكذلك القاثيل الصغيرة للبشر والآلهة والحيوانات تصنع من نفس الادة بينا
الأخاذة وتطلى بطبقة رقيقة من الزجاج؛ ووصلت صناعة الخرف إلى درجة عالية
من التطور فى الأسرة الثامنة عشرة عندما كانت التزجيجات المونة تكتسب بر
ونقاء ليس له مثيل فى الأزمنة اللاحقة والأشياء المصنوعة من الزف فى تا"
الصافية وإلى جانب حبات الخرز والقلائد والأقراط من كل نوع كان هناك
تطور كبير فى صناعة الخاتم التى حلت لدرجة ما محل الجعارين القديمة بالإضافة
إلى القرميد والأزهار والنباتات وغيرها من الزينات المزججة التى تستخدم فى
تزيين جدران وعواميد القصور وكانت الأشياء الكبيرة شائعة أيضاً ما فيا
صناديق أدوات التجميل المصنوعة على شكل أنابيب أو أعمدة التخيل والآنية
المسطحة الخضراء والزرقاء المزينة بنقوش سوداء غالباً ما تتكون من أزهار نامية أو
أشكال بحيرات تسبح فيها الأسماك وتنمو فيا أزهار اللوتس؛ والكئوس التى على
شكل زهرة اللوتس _ويوجد بالذات كأس جيل مزين بنقوش غاثرة تمثل غابة
من البردى يعبرها قارب من البوص يسير بالمجاديف بينا صف من الأسماك ت
فى الماء أسفل القارب [صورة رقم: 77] وفى هذه الفترة كما نعلم
صنعت أشياء كبيرة من الزجاج لأول مرة رغم أن استخدام هذه المادة فى الخرز
وغيره من الأشياء الصغيرة يعد أقدم من ذلك وكانت الأوانى الزجاجية الزرقاء
والسوداء الجميلة التى تستخدم فى حفظ العطور والزيوت الرقيقة مزينة غالباً
بالألوان البيضاء أو الزرقاء أو الصفراء على خلفية ملونة جيلة على نحو يشابه
ومن الطبيعى بالنسبة لشعب كالممريين فى عهد الفراعنة المسمين «تحتمس
وأمنحتب » » الذين يحوزون ثراء واسعاً ويتمتعون بكل رفاهات الحياة ويخصون
لاج
إلى قواعد قانونية كافية وبجتمع منظم» حتى يكن لهم حساب ارتفاع فيضان
النيل وانحساره وتحديد موسم زراعة الحقول وكان م اللازم عليهم ملاحظة تغير
الفصول ودورة “النجوم فى السياء» وكثيراً ما كان يحدث أن يغرق الفيضان العالى
الحقول ويمسح الحدود بين قطع الأرض المتجاورة» فكان عليم أن يعيدوا قياس
الحقول: وتسجيل القياس الجديد فى السجلات الرسمية وهكذا كان النيل مرة
أخرى هو الذى شجم على تطور الكتابة وحساب الزمن طبقاً لتقويم ثابت ودراسة
الفلك وعندما أخذ المصريون فى العصور اللاحقة يبنون الأهرامات الجبارة والمعابد
المائلة أو يقيمون المسلات والقاثيل الضخمة تكرماً للألحة والملوك كان النيل مرة
أخرى هو الذى سهّل » بل جعل فى الإمكان أصلاً نقل مواد البناء الثقيلة اللازمة
شمالاً من الحدود الجنوبية لمصر إلى منف أو تانيس البعيدة فى أقصى الطرف
الشمالى الشرقى للدلتا لقد كان النهر العظيم يمثل بالنسبة للبلاد دائماً المصدر
الذى لاغنى عنه للحياة والذى يعتمد عليه سكانها فى السراء والضراء فالنيل
إذا جاء مرتفعاً على نحو شاذ يمكن أن يدمر القرى ويشرد الناس من منازهم؛
وإذا جاء متخفضاً شحيح المياه نتيجة لفيضان ضئيل جعلهم فريسة مجاعة مريرة
المصريين أن يؤهوا النيل فى «حابى » ويمدحوه بالأناشيد المهمة باعتباره «الذى
يأتى ليطعم مصر» أو الذى « يجلب الخيرات ويخلق كل شىء طيب » ؟
إن أقدم الآثار التى تدل على وجود بشرى فى مصر قد عثر عليا فى الهمضاب
الصحراوية المطلة على وادى النيل فى مصر العلياء وهى فى شكل أدوات من
الظران (الصوان ) غير المشذب تشبه فى مظهرها تلك التى عثر علها فى مناطق
شمال افريقيا وغرب أوربا؛ ويمكن ارجاعها إلى اواثل العصر الحجرى القديم
عنطناهعل8 »+ وهى فترة أقدم كثيراً من فجر التاريخ البشرى وفى هذه الفترة
أنفسهم بالقتع « ممباهج الأيام السعيدة » أن لايبقوا قانعين بالأثاث المنزلى البسيط
يحلم به أباؤهم السابقون وأمكن تحقيق رغبتهم بفضل المهارة العالية التى تزخر بها
الورش والاستديوهات الجيدة التنظيم الموجودة فى البلادء حيث أمكن تطويع
الأشكال التقليدية للحاجات الجديدة وإضافة الجديد علها أيضاًء وأمكن الحصول
على مؤثرات لونية غير مألوفة باستخدام التزجيج والتطعم اللونى للخزف والزجاج
والأحجار شبه الكريمة» وكانت القطع الغالية من الأثاث مطلوبة للقصر الملكى
وقصور النبلاء على السواء وهى تتميز بجمال وأناقة فى الشكل والأسلوب يبجان
حتى ذوقنا الحديث
وكانت المهارة الفنية والخيال الفنى للمصرى لايظهران فحسب فى صنع قطع
استخدام الخشب والتطعيم بالعاج فى إنتاج الصناديق الصغيرة والأكواب والأوانى
ودبابيس الشعر والأمشاط ومراود العطور وما أشبه ؛ التى كانت جئابة جزء مهم من
أى بيت ثرى ومن أجل هذه الأشياء مرود العطر الخشبى بقيضه الخشبى
المنقوش عليه صورة خميله من الزهور تجلس وسطها فتاة عارية تعزف الموسيقى فوق
حصيرة كثيفة من النباتات النامية [ صورة رقم : 38] وثمة نموذج آخر به لمسة
هزلية عبارة عن كلب يهرب بسمكة مسروقة وبالسمكة تجويف لفظ العطر
يسجل بعبقريته الخلاقة مناظر من الحياة أو الطبيعة تشكل جزءاً من تجربته
ومما يثير العجب ضآلة ماحققه المصريون القدماء فى مجال صناعة الفخار؛ حقاً
إنهم أنتجوا أشكالاً مخلفة كثيرة ابتداء من الأحواض المستديرة البسيطة إلى
الأوانى الكبيرة المزودة بآذان» ولكن طراز التزيين الملون الذى أكسب الأوانى
الأغريقية سحراً كبيراً كان نادراً بصفة نسبية فى مصر وبالرغم من أن الفخار
كان يستخدم على اتساع كما كان الأمر فى الفترة المبكرة إلا أن الزينة اختفت
نجد انتشاراً واسعاً للفخار المدهون بالأزرق والأسود والأحمر ومرسوم علها أكاليل
وأزهار وحيوانات أو مجرد الخطوط البسيطة وحدها وكان الفخار الجميل يصنع من
محا
الخزف إلا أن الأكثر شيوعاً مثليا كان عليه الحال فها قبل التاريخ وأواثل
الأسرات هو استخدام الحجر لصنع صناديق العطور وجرار الزيت وزجاجات
الروائح الزكية وماأشيه واستخدموا فى هذه الأغراض متلف أنواع الصخور
الصلبة إلا أن المادة المفضلة كانت حجر المرمر وكانوا يختارونه بدقة بحيث تبدو
عروق الألوان الجميلة واضحة فى الأوانى بعد الانتهاء من صنها
الفصل الرابع عشر
أمنحتب الرابع: أخناتون والإصلاح
أعقب أمنحتب الثالث على العرش ابنه أمنحتب الرابع بعد أن شاركه فى
اليكم مالا يقل عن إحدى عشرة سنة » واتخذ الفرعون الجديد لقباً رسمياً له هو
«نفر خبرورع » ( نابخورويا بالكتابة المسمارية) ومعناه ««جيل الحيئة رع»
بالإضافة إلى لقب آخر هو «وع إن رع» « وحيد زع » ومن المحتمل أن يعد
أعجب شخصية ارتقت عرش الفراعنة [صورة رقم : 34] فقد كان شخصاً فريد
التفكير؛ عندما يستقر على هدف يتمسك به بقوة وينفله بتعصب شديد؛ ولكن
أباه فى مظهره الشخصى ؛ فله نفس الذقن الحادة البارزة وعظام الوجنتين النافو؛
ورقبة طويلة نحيفة » وذراعان وساقان رقيقة على نحو لايناسب المصرى وتتناقض مع
عام
كان متزوجاً من الجميلة «نفرتيتى » ؛ التى عثر على تمثالها النصفى الشهير
فى تل العمارنة وهو محفوظ الآن فى متحف برلين [ صورة رقم : 40 ] والذى يعبر
أجيال كهدايا من حكام غرب آسيا إلى حريم الفرعون » ويقول آخرون أنها
المقصود به إعطاؤه الحق فى اعتلاء العرش طبقاً للعادة التى تعلم بوجودها منذ
أوائل الأسرة الثامنة عشرة
ويبدو من المحتمل للغاية أن التعليم الذى تلقاه أمنحتب الرابع كان متأثراً
بشدة بكهنة هليوبوليس النين اشتهروا منذ أقدم الأزمنة بالحكة الفريدة وعلى أية
حال فقد كان متأثراً جداً بالفكرة القديمة فى ذلك المكان وهى أن إله الشمس هو
أعظم الآلحة وهو الخالق والحافظ للعالم» وأنه «رع حور آختى » ليس له كفؤاً أحد
وأنه ليس معبوداً عاماً فحسب بل المعبود الوحيد لعباده» وأن الآلهة الأخرى ليست
أكثر من أشكال أو تجحليات لإله الشمس نفسه وكان المركز الذى اكتسبه آمون
مرتبة ملك الآلحهة ليكون الإله الرئيسى للامبراطورية العالمية المصرية وما ترتب على
وغضب وكراهية كهنة هليوبوليس القدماء؛ فكل قطعة من الأرض يكتسبها آمون
من أيدى العابدين الاتقياء تمثل فى المقابل انتقاصاً من نفوذ « رع حور آختى » ؛
وكل هيكل يقام لآمون يمثل خسارة فى ثروة وقوة إله الشمس القديم وحتى فى
أفضل الظروف» كما فى النوبة كات «رع حور آختى » معتبراً مجرد إله للشمال
وآمون إله للجنوب» أى أنها يقتسمان الامبراطورية يها كان كهنة هليوبوليس
يصرون على أن إله الشمس الذى يعبدونه هو السيد غير المنازع للعالم كله ثم
ظهرت نظرية خاصة فى المدرسة اللاهوتية بهليوبوليس مؤداها أن أنقى أشكال إله
الشمس ليس « حورس الأفق » ذى رأس الصقر وإنما الحالة الطبيعية التى تحيط
بالشمس نفسها والتى عرفوها باسمها القديم «أتون » وهكذا فإن رع حور آختى
وأتون وشو (وهو إله شمسى آخر يعبد فى هليوبوليس ) اعتبروا مجتمعين نفس
شكل الشمس ؛ وهذه الشخصية عبروا عنا باسم خاص هو «رع يعيش فى شكل
حورس الأفق الذى يبتهج فى أففه باسم شو الذى هو آنون»ء ورا يكون
أمنحتب الرابع المتعصب قد اعتنق-لاهوت هذا الإله الشمسى الخالص وشارك فى
المبكر قبل أن يشترك فى الحكم مع أبيه
وفور تنويجه فى أرمنت (هرمونتيس 1180:0018 ) » وهى تعادل هليوبوليس
فى مصر العلياء أقدم المشارك فى الحكم على الدعاية للإله الجديد فى كل أنحاء
صراحة فى السجلات الرسمية « الكاهن الأول لرع حور آختى وأمر بأن يقام له
معبد جديد بديع فى طيبة بجوار معبد آمون وتصور النقوش على جدران المعبد