الفصل الثالث عشر
«ماذا؟ أتقول ما الدنيا إلا مكان؟»
عدنا إلى السيارة بعد تناول العشاء في الهايد بارك وكان جوني في
حالة مزاجية سعيدة دفعته للتحدث دون تحفظ وعادة ما يكون كذلك
خاصة بعد تناول وجبة رائعة واحتساء الخمر في أول لقاء لي به - عندما
كان لا يزال يعمل مع إحدى جماعات المجتمع المدني في وسط المدينة - بدأ
يشرح لي العلاقة بين موسيقى الجاز والأديان الشرقية وبعدها انحرف فجأةً
وتيرة حديثه ويتألق وجهه المستدير الملتحي بدهشة طفولية وكان ذلك
جزءًا من سبب تعييني لجوني؛ المتمثل -- حسب اعتقادي - في فضوله
وتقديره للأشياء المنافية للعقل لقد كان فيلسوف المآسي
قال لي جوني: «سأضرب لك مثلًا: منذ بضعة أيام ذهبت لحضور
اجتماع في مقر ولاية إلينوي وبالطبع إنك تعلم كيف أن هذا المبنى مفتوح
حسنًّاء تصادف تأخر الرجل الذي كان من المفترض أن أقابله فحدث - وأنا
واقف أنظر إلى القاعة من الطابق الثاني عشر ومتمعن في الفن المعماري
احلام من أبي
على الأرض في حادث انتحار»
«إنك لم تذكر لي شيئًا بخصوص هذا الأمر»
«نعم لا أعرف كيف أقول لك إن هذا الحادث أثر في بصورة كبيرة
تخيل أنني في هذا الارتفاع استطعت سماع صوت ارتطام الجثة بالأرض
سريعًا ما اندفع موظفو المبنى إلى درابزين السلم لرؤية ما حدث وكنا
جميعًا ننظر لأسفل فتأكدنا أن الجثة راقدة على الأرض؛ء منكمشة حول
نفسها وبلا حراك وبداً الناس يصرخون ويغطون أعينهم بأيديهم لكنّ
الشيء الغريب هو رجوعهم إلى الدرابزين مرةٌ أخرى للنظر من جديد ثم
يصرخون ويغطون أعينهم من جديد والسؤال هو لماذا يفعلون ذلك؟ وماذا
تعلم فالناس غرباء؛ ونحن لا نستطيع التحكم في أنفسنا في مثل هذه المواقف
المروعة
وبدأ عمال النظافة في المبنى ينظفون المكان بالمكنسة فقط دون استخدام
أية أدوات خاصة كانوا يكنسون حياة وفي قرابة خمس دقائق انتهت"
ليسوا في حاجة إلى أية معدات أو سترات خاصة أو شيء من هذا القبيل
أنظف المكان من أشلاء أحد الأشخاص لا بد أن ينظف أحد الأشخاص
المكان أليس كذلك؟ لكن ماذا سيكون شعورك وأنت تتناول عشاءك في
«هذا موضوع آخر يا باراك!»
أخذ جوني نفسًا من سيجارته وتصاعدت دوائر الدخان من فمه؛
الفصل الثالث عشر
عمرهاء وكانت تشبه عازفي موسيقى البانك روك؛ إلى جانب أن شعرها كان
أزرق اللون وكانت تضع حلقة في أنفها بعد فترة تساءلت عما كانت تفكر
الأطوار» ثم عادوا إلى التفكير في شئونهم الخاصة مثل الترقي الوظيفي أو
في مباراة فريق شيكاغو بولز لكرة السلة أو غير ذلك وفي كل هذه الأثناء
وتعرف أن ما ستفعله سيؤلها»
بانوراما الحياة بأكملها في هذا الحدث؛ أشياء مجنونة تحدث من حولنا
كنا قد وصلنا تقريبًا إلى سيارة جوني عندما سمعنا فرقعة صغيرة
تستمر وقنًَا يُذكر مثل فرقعة البالون نظرنا في اتجاه الصوت ورأينا
شابًا يظهر من أحد الأركان ويتقدم في اتجاهنا في خط مائل لا أتذكر
الخفيف على الرصيف بلا صوت تقريبًا وتحركت أطرافه الطويلة الرفيعة
بقوة وعنف وتضخم صدره كما لو كان يحاول التحرر من حبل وهمي
ملفوف حوله
انبطح جوني على أرض عشبية أمام أحد الشقق وسريعًا ما حذوت
حذوه؛ وبعد ثوان قليلة ظهر صبيان آخران في الركن نفسه يجريان بأقصى
سرعة لوح أحدهما بمسدس صغير وكان قصير القامة وإلى حد ما ممتلئ
القوام ويرتدي بنطلونًا مطويًا حول الكاحلين أطلق هذا الصبي ثلاث طلقات
نارية في اتجاه الصبي الأول دون أن يتوقف محاولًا أن يصيبه وبعد أن
زميله النحيف كبير الأذنين
معّا قبل الاستمرار في المشثي إلى أسفل الشارع؛ وكان لجسديهما ظلان
قصيران ممتلئكان على الأسفلت
جاء الخريف التالي والشتاء الذي تلاه؛ وتعافيت من الشعور باليأس والإحباط
الناتج عن حملة الأسبستوس وتعاملت مع قضايا أخرى وقادة آخرين
وساعد وجود جوني في التخفيف عني من ضغط العمل وكانت ميزانيتنا
بالخبرة العملية وفي الواقع ربما كانت الألفة المتزايدة مع المكان - إلى
جانب خبرة الزمان -- هي التي منحتني الشعور بأن هناك شيئًا مختلفًا
يحدث لأطفال الجانب الجنوبي في ذلك الربيع عام 19781م؛ جرى تخطي
حدود خفية؛ وانطوت صفحة من صفحات القبح
فلم يكن هناك شيء مختلف عن حوادث إطلاق النار من السيارات المتحركة؛
وصفارات عربات الإسعاف, والأصوات الصادرة ليلا من الأحياء التي هجرها
ساكنوها وتركوها أرضًا خصبة للمخدرات وحروب العصابات والسيارات
الهاربة بسرعة الريح؛ والتي نادرًا ما كانت الشرطة أو الصحافة تتجرأ على
دخولها حتى يُعثر على جثة ملقاة على الرصيف؛ وبرك الدم المبعثر بغير
انتظام في أماكن مثل ألتجيلد تتناقل سجلات السجون من الآباء إلى الأبناء
على مدار أكثر من جيل وفي أوائل أيامي في شيكاغو رأيت جماعات صغيرة
من الصبية - في الخامسة أو السادسة عشرة من عمرهم -- يعيشون
في زوايا شارع ميتشيجان أو شارع هولستيد مغطين رءوسهم وأعناقهم؛
وأحذيتهم مفكوكة الرباط ويضربون بأرجلهم الأرض في إيقاع غير منظم في
شهور السنة الباردة؛ وفي الصيف يرتدون قمصانًا ويتصلون من الهواتف
الفصل الثاني
سافرنا متطفلين إلى مزرعة عائلته ثم بدأت الأمطار تهطلء وفي المزرعة
كان هناك مكان رائع للتزلق على الوحل وكانت هناك أسلاك شائكة تعين
حدود المزرعة؛ و
ضحكة أم سامحت ابنها على الأخطاء التي مضتء لكن نبرتها تتغير تغيرًا
طفيقًا عندما تتذكر أن لولو اقترح أن ننتظر إلى الصباح لتضميد الجرح؛
وأنه كان عليها أن ترهب جارنا الوحيد الذي يمتلك سيارة بالصياح في
وجهه ليصطحبنا إلى المستشفى وتتذكر أمي أن معظم الأضواء كانت
مطفأة في المستشفى عندما وصلناء ولا يوجد أي موظف في الاستقبال
وتتذكر صوت خطواتها المضطرية تتردد عبر الرواق حتى وجدت أخيرًا
شابين يرتديان شورت لعبة الملاكمة يلعبان الدومينو في غرفة صغيرة في
واستكملا لعبتهما قبل أن يرتديا سرواليهما ويخيطان ذراعي بعشرين غرزة
تركت ندبة قبيحة المنظر وطوال ذلك الوقتء كان هناك شعور يسيطر
عليها أن حياة طفلها ربما تضيع عندما يغيب عن ناظريهاء وأن جميع من
أحد سيقف إلى جوارها وهي تقاوم المصير الذي يهددها
وأدرك الآن أن مثل تلك الأمورء غير الملموسة مثل النصوص الدراسية
والخدمات الطبية هي التي أصبحت محور تركيز دروسها معي فكانت
تقول لي: «إذا أردت أن تكون إنسانًا فإنك بحاجة إلى بعض المبادئ»:
الأمانة: ما كان ينبغي للولو أن يخبئ الثلاجة في حجرة التخزين عندما
أنفسهم -- يتوقعون مثل هذه الأمور العدالة: لا ينبغي لأولياء أمور الطلاب
الأكثر ثراءً أن يهدوا المدرسين أجهزة تليفزيون في شهر رمضانء وليس من
مقدمة طبعة عام ٠٠١
مر ما يقرب من عقد من الزمان منذ نُشر هذا الكتاب للمرة الأولى وكما
أذكر في التمهيد الأصلي تسنت لي فرصة تأليف هذا الكتاب وأنا في كلية
الحقوق بعد انتخابي أول رئيس أمريكي من أصل أفريقي لمجلة «هارفارد
من أحد الناشرين وحصلت منه على دفعة مقدمة من مبلغ التعاقدء وبدأت
العمل وأنا أؤمن أن قصة عائلتي؛ ومحاولاتي لفهم تلك القصة؛ قد تخاطب
بصورة ما صدوع العنصرية التى كانت سمة التجربة الأمريكية وأيضًا
حالة الهوية غير الثابتة - القفزات عبر الزمن وتصادم الثقافات - التى
وعلى غرار من يؤلف كتابًا للمرة الأولى غمرتني مشاعر الأمل واليأس
فور نشر الكتاب أمل في أن يحقق الكتاب نجاحًا يتجاوز ما يجول في
أحلامي الشابة ويأس من أن أكون قد فشلت في أن أقول شيئًا كان ينبغي
النقدية عن الكتاب إيجابية شيئًا ماء وكانت الجماهير تحضر بالفعل الندوات
التي نظمها الناشر وتجري فيها قراءة أجزاء من الكتاب لم تكن المبيعات
مبهرة وبعد بضعة أشهر مضيت قدمًا في حياتي المهنية وكلي ثقة بأن
مستقبلي في تأليف الكتب سيكون قصيرًاء لكني كنت سعيدًا بأني خضت
تلك التجربة وخرجت منها دون مساس بكرامتي
بدلا من أن تتركه في قاع خزانة ملابسك استقلال الرأي: إذا كان الأطفال
يستهزئون بالصبي الفقير بسبب الطريقة التي يقص بها شعره فلا يعني
لقد كان الأمر كما لو أنه بالسفر حول منتصف العالم -- بعيدًا عن
الاعتداد بالنفس والنفاق الذي كشفته الألفة -- استطاعت أمي أن تعبر عن
فضائل ماضيها الغرب أوسطي وتعرضها بصورة مركزة المشكلة هي أنه
لم يكن لديها سوى قليل من وسائل التأكيد؛ فكلما انتحت بي جانبًا لتقدم
لي إحدى هذه النصائح أومأت لها موافقًاء ولكن كان يجب أن تعرف أن
فقط الفقر والفساد والتدافع المستمر من أجل الأمان لكنه لم يخترعهاء
فقد ظلت تحيط بي وولدت داخلي شكًا لا يعرف الرحمة؛ فثقة أمي في
بأن الأشخاص العقلانيين المتفكرين يمكنهم أن يشكلوا قدرهم وفي أرض
المطلقة تظل منفصلة عن حقائق الحياة اليومية كانت هى شاهدة وحيدة
للإنسانية العلمانية جندية للنيو ديل" وفيالق السلامء* والليبرالية التي
تقول بها المنظمات
لولو واجهه لكنه لم يختر أسهل الطرق ولم يلجا إلى استخدام كل وسيلة
"برنامج للإنعاش الإقتصادي والإجتماعي وضعه روزفلت في أربعينيات القرن الماضي
“فرق متطوعين كانت ترسل للبلاد المتخلفة للمساعدة
الفصل الثاني
أرقى من القوة ورأت أمي أني سأسير على نهجه؛ ولم يكن لدي خيار
فهذا الأمر مستقر في جيناتي
أصبحت رسالتها تضم السود بصفة عامة؛ فكانت تعود إلى المنزل محملة
بكتب عن حركة الحقوق المدنية وتسجيلات لماهاليا جاكسون وأحاديث
الدكتور كينج وعندما أخبرتني قصصًا عن أطفال المدارس في الجنوب
الذين كانوا مجبرين على قراءة كتب تنازلت عنها لهم مدارس البيض الأكثر
ثراءً؛ لكنهم استكملوا تعليمهم ليصبحوا أطباء ومحامين وعلماء شعرت
بخجل لأني أعارض الاستيقاظ مبكرًا والمذاكرة في الصباح وإذا أخبرتها
عن مسيرات الاستعراض العسكري التي قام بها فريق الكشافة الإندونيسي
أمام الرئيس فقد تذكر مسيرة من نوع آخر مسيرة أطفال لا يكبرونني
سنا من أجل الحرية فكل رجل أسود كان ثورجود مارشال أو سيدني
بواتييه وكانت كل سيدة سوداء فاني لو هامر أو لينا هورن وأن يكون
المرء أسود يعني أن يكون المستفيد من ميراث عظيم؛ ومصير خاص وأعباء
مجيدة لا يقوى على تحملها سوانا
إنها أعباء قُدر لنا أن نتحملها بأبهة فقد أشارت أمي أكثر من مرة
إلى أن «هاري بيلافونت هو أكثر الرجال وسامة على ظهر الكوكب»
كان هذا هو السياق الذي رأيت فيه صورة الرجل الأسود في مجلة لايف الذي
أوقات مبكرة للبعض؛ فيحذر الآباء أبناءهم من عبور حدود منطقة محددة
يد صاحب عمل أو ضابط؛ التي يسمعها الطفل صدفة عندما يكون من
المفترض أنه نائم قد يكون من الأسهل لطفل أن يتلقى الأخبار السيئة في
جرعات صغيرة ويسمح لنظام دفاع أن يتكون داخله؛ مع أني أشك أني
أعلم أن رؤية ذلك المقال كانت قاسية؛ كمين تعرضت فيه للهجوم لقد
المرء وإنا لم كن قادرًا بعد على التفكير في كوني مخلوقًا فانيًا فقد ساعدني
لولو على فهم احتمال التعرض لعجز المرض» أو تشوهات الحوادث أو
أفول نجم الحظ فاستطعت بنجاح التعرف على طمع منتشر أو قسوة في
الآخرين وفي بعض الأحيان في نفسي لكن تلك الصورة أخبرتني بشيء آخر:
الذي كان أمامي فلم يكن أقل إثارة للرعب وهو أن جميع الكبار ممن حولي
يعيشون في غمرة الجنون
ستمر تلك النوبة القوية الأولى من القلق وسأقضي عامي المتبقي في
ومهارة لا يمكن كبتها للإزعاج, لكن نظرتي تغيرت للأبد وفي عروض
لم يفز قط بالفتاة في مسلسل (م5 1 وأ ن الرجل الأسود في فيلم 1055107
1000088116 ظل طوال الوقت تحت الأرض ولاحظت أنه لا يوجد أحد مثلي
جدي وجدتي يرسلانها لناء وأن بابا نويل كان رجلًا أبيض اللون
لا أزال أثق بحب أميء لكني أصبحت أواجه احتمال أن ما ترويه عن العالم
ومكانة أبي فيه غير كاملة بطريقة ما