يحيدوا عنه قيد أنملة» وبعد ذلك بدأت زاوية الانحراف تظهر منذ انتهاء
العهد الراشدي» وبدأ مع الزمن يزداد انفراج زاوية الانحراف شيئاً فشيثاً في
العهدين الأموي والعباسي» حتى طغت على الدائرة كلها في نهاية الدولة
العباسية ويمكن أن نلاحظ أن تسجيلنا للتاريخ يجب أن يكون قبل الإسلام
بأعوام قبل الهجرة؛ والتاريخ الإسلامي بالأعوام الهجرية فقط» ليكون لنا
٠ التاريخ الحديث: وهو مرحلة الجاهلية الثانية؛ حيث انحرف
الحكام عن النهج الإسلاميء وبدأت الحكومات تتخبط في الفوضى
هذه المدة المماليك والعثمانيون ومن جاء بعدهم وإن ظهر أحد منهم
بالصلاح والعمل لمصلحة الرعية إلا أنها كانت أياماً قليلة ثم لا تلبث
الجاهلية أن تتحكم بالأمر ومع الأسف فقد اتخذ التقويم الميلادي تقويماً
في هذه المدة؛ الأمر الذي أحدث ازدواجية في تسجيل تاريخنا بصورة
عامة» إذ نسجل الأحداث حتى نهاية الدولة بَاضيَة على أثر سقوط بغداد
بيد المغول عام 107ه بالتقويم الهجري» ونسجل بعد ذلك بالتقويم
الميلادي» وكذلك المدة التي سبقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيجب أن نفصل أحدهما عن الآخر لتتوضح عندنا الرؤية؛ ولنتميز
بشخصيتنا التي حرص بعضهم على إلحاقها بالغرب واستمر ذلك مدة
ليست قصيرة من الزمن كما يجب أن نرسخ هذه الفروق بين الأجيال
أسلافنا من أجلهاء وتوصلوا إلى أزهى الحضارة؛ وقد خدموا بها العال
١ - قبل البعثة
7 - الخلفاء الراشدون
؛ - الحكومة الإسلامية
8 العهد الأموي
+ العهد العباسي
١ - عصر المماليك
8 - الدولة العثمانية
4 العصر الحديث
الجاهلية بكل مفاهيمها وقيمها باستثناء مدة وجيزة هي: عهد رسول الله كَيةٍ
التي يعيش عليها المجتمع»؛ ثم لم تلبث أن عادت الجاهلية تسيطر شيئاً
ولا يزال التاريخ وبخاصة القديم منه يأخذ مقتطفات من سجل
هذه المنطقة ومن تلك» الأمر الذي يبدو فيه كثير من الفجوات» إضافة إلى
أن هناك تعارضاً بِيْناً بين ما يخطه المؤرخون الماديون من خلال نظرتهم إلى
الأقوام الماضية التي خالفت أوامر الله ورفضت دعوة رسلهاء لذا فقد
الإشارات الواردة في القرآن بتاريخ مفصل عن منطقة ماء وإنما إشارة إلى
حوادث تاريخية فيها العبرة والذكرى من خلال إيرادهاء وهي تعطي ضوءاً
على التاريخ
ولقد حرصت أن أملأ تلك الفجوات الموجودة وأن أتلمس حوادث
التاريخ من خلال الإشارات الواردة في كتاب الله وأن أضعها ضمن إطارها
بحيث لا تخرج عن واقعهاء الأمر الذي جعلني أضع هذا القسم تحت
العنوان العام (التاريخ الإسلامي) على الرغم من أنه كان قبل الإسلام؛
وأقصد بذلك التسجيل لهذه المدة من حياة البشر من وجهة نظر إسلامية؛
البشرء وفيها العبرة لمن أراد أن يعتبر
ونرجو من الله أن أستطيع تقديم خدمات لهذا التاريخ الذي وطدت
العزم على إصداره إن شاء الله - وأن يكون هذا حافزاً لغيري كي يتوسع
جليل كبير» وإنما قدمت الخطوط العريضة ليتوسع فيها أهل العلم وأصحاب
الاختصاص - مع العلم أنني لن أتقيد بالروايات التاريخية الكثيرة المتشعبة
يخالف رأي الحكام القائمين آنذاك» ويظهر أنها جاءت من خصومهم
عليهم» لهذا فالروايات كانت بحاجةٍ إلى تحقيق وتدقيق؛ وتطبيق منهج
علماء الحديث على الرواة «الجرح والتعديل»» وسأقبل كل ما طبق على
الروايات من هذا المنهج وسأرفض كل ما سواهاء وسيكون الإيمان رائدنا
عوننا في كل عمل فهو نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة إلا به
لما كنا نؤرخ للأمة المسلمة فلا بد من أن نعطي فكرة عن الأمة
وبنائها وعامل تكوينها قبل أن نبدأ بتسجيل تاريخهاء ونعطي فكرة عن
عقيدتها في التاريخ
الأمة جماعة من الناس عاشت بعقيدةٍ واحدةٍ على مدار التاريخ؛ فما
الذين بعثوا على طول الزمن من آدم عليه السلام إلى محمد كَيةٍ وعاشوا
بعد ذلك حسب هدي آخر الأنبياء حتى يرث الله الأرض ومن عليهاء
الجماعة هي الأمة المسلمة التي تتميز عن غيرها بفكرتها التي تعيش بها
ومن أجلهاء فالله سبحانه وتعالى بعد أن يُعدّد رسل الله والصالحين من
ولا ترتبط الأمة المسلمة ببقعةٍ معينةٍ من الأرض» وإنما ساحة عملها
الأرضى كلهاء فحيثما تمكنت من إقامة حكم الله فذلك مقرها الأول ونقطة
انبعاثها وبعد ذلك تتوسع دائرتها منه بالدعوة ونشر الفكرة حتى تشمل
بما أنزل الله فمهمة الأمة باقية؛ وعليها واجب كبيرء وهو الجهاد في
سبيل الله؛ حتى تتمكن من تطبيق منهج الله في الدنيا قاطبة والأرض في
نظر الإسلام قسمان:
تدان الإسلام: : وهي البقعة من العالم التي يطبق فيها منهج الله
- دار الكفر: وهي المنطقة من الأرض التي لا تحكم بما أنزل الله
دار الحرب جزء من دار الكفرء أعلن إمام المسلمين عليها الحرب وأجاز
فيها إجراء أحكام دار الحرب وتنقلب دار الكفر إلى دار حرب إذن بإذن
الإمام؛ تحت ظروف خاصة منها: الوقوف في وجه الدعوة؛ والضغط على
المسلمين» أو تعريف الأعداء على ثغراتهم» وإعلان الحرب عليهم و
المسلم الموجود في دار الكفر عليه واجب الدعوة؛ والعمل على نشر
الفكرة» والتمكين للمسلمين» ولا يهاجر أحد من هؤلاء المسلمين القاطنين
في دار الكفر إلا في حالات:
-١ إذا احتاج المسلمون إليه في دار الإسلام إن وجدت - حاجة
فردية أو عامة؛ وتقتضى الدعوة وجوده هناك
الهجرة والالتحاق بدار الإسلام ليعيش بين المسلمين» يقوم بدوره»؛ ويؤدي
يقوله بعض ضعاف النفوس: من كتم الإيمان والتقية فيجب ألا يصل إلى
العبادة أبداً ولا إلى ما حرم الله؛ أو تحريم ما أحل وإحلال ما حرم؛ فإن
ولا ترتبط الأمة بالأصل» فالخلاف يحدث بين أبناء الأصل الواحد إذا
من العرب وأبناء جلدتهم المشركين وأفراد قبيلتهم قريش»؛ وحتى أولاد
بسبب العقيدة؛ إذ لم يكن الأصل ليربط بين أتباع عقيدتين» أو ليجمع بين
جماعتين مختلفتين في الفكرة وينتمون إليه مهما كانت الخلافات واهية
والأسباب بسيطةء ولا توجد مرحلة من مراحل التاريخ إلا وفيها النماذج
الكثيرة من الخلافات الكبيرة التي قامت بين أبناء العقائد المتباينة؛ والذين
بأصلٍ واحدٍ؛ وقد يوحّد بينهم فكر خاص» فإذا كان الأصل هو الذي يجمع
الواحد إلا نتيجة خلاف العقيدة ويمكن أن نلحظ على مدى تاريخنا أن
فيبقى الطرف الثاني هو الغالب؛ وهو المتميز باستمرارء فمنذ صدر الإسلام
كان أغلب التراجمة من الفارسية وإليها ممن يدين بالمجوسية؛ ويتفق مع
الفرس بالمبدأًء لذا حرص على تعلم لغتهم» ويترجم من الرومية وإليها من
يعتنق النصرانية ويلتقي مع الروم بالعقيدة؛ لذا حرص على تعلم لغتهم؛
)١( ولا يترتب على هذا التعريف في الوقت الحاضر أي إجراء عملي متعلق بالأحكام الفقهية
لدار الإسلام أو دار الكفر؛ لأن الطرف الأول غائب اليوم عن سطح الأرض» والعلاقة
متبادلة بين الطرفين فإنذ غاب طرف اقتضى غياب الأحكام بالنسبة إلى الطرف الثاني
ومن المعلوم أن المواقف العملية لتطبيق الأحكام الفقهية بدار الإسلام ودار الكفر إنما
يتخذها إمام المسلمين» وليست عامة أفراد المسلمين بصفتهم الفردية
واستمر ذلك حتى عُرّبت الدواوين أيام الخليفة الأموي عبد الملك بن
مروان» وحتى في العصر الحديث نجد أن أكثر من استعملته فرنسا في بلاد
ولارتباطهم بالعقيدة بعد تعلم لغتهاء على حين لم يفعل ذلك من لا يتصل
لما أقبل عليها خا تنو ى أبناء دينهاء اللهم إذا استثنينا أصحاب المصالح
وأرباب التجارة؛ وما استعملته فرنسا في مناطق نفوذها سارت عليه إنكلترا
ما نشاهده في أكثر أرجاء العالم الإسلامي» وهو أن أكثر الذين يعتنقون
على التحدث فيها على أنها لغة القرآن الكريم أي: لغة العقيدة التي يدينون
معهم أو واكبت اللغة الأصل على مر الزمن - حسب زعم بعضهم -
الأمة؛ والأمة مرتبطة بالعقيدة» فالتاريخ يتحدث عن البشر الذين يحملون
تلك العقيدة؛ ومن منطلق العقيدة تُرسم الخطوط العريضة للتاريخ؛
المتأثرين بهاء والداعين لها والحريصين على تطبيقها أنها مراحل شموخ
وارتفاع يجب أن يقتدى بها ويسار على نهجهاء وأن رجالها مثل أعلى من
الضرورة بمكان الاقتداء بهم؛ والتركيز عليهم لتلقين ذلك للأجيال» لترسيخ
المعاني في النفوسء على حين يرون أن الفترات التي لم يطبق فيها منهج
العقيدة فترات ضعف وانتكاس وتراجع وتأخرء وأن رجال ذلك الزمن لم
وضعفت شوكتهاء وأطمع ذلك الأعداء فيهاء لذا تكون هذه الأيام في زوايا
ميتة من التاريخ» ويحاولون عدم التركيز عليها والإقلال من شأنها فالتاريخ
الإسلامي لم يصل في مرحلة من مراحل قوته إلى ما وصل إليه أيام
رسول الله كلةٍ؛ والخلفاء الراشدين من بعده» فأول سبب الضعف بعد ذلك
إنما يعزى إلى بدء الانحراف عن العقيدة التي يؤمنون بهاء وعن السياسة
ومع استمرار الانحراف» وزيادة انفراج زاوية ذلك الانحراف زاد الضعفء
بعد ذلك أشلاء الأمة؛ وتفرّقت كلمة المجتمع؛ والتاريخ الإسلامي يُدرس
في بلاد المسلمين جميعاً؛ وبخاصة سيرة رسول الله كَيةِ وتاريخ الخلفاء
الراشدين» يدرس عند أصناف متعددين من البشرء وأجناس متغايرين تجمع
بينهم العقيدة» ولا يدرس على أنه تاريخ عربي نشا حلى أرشن عبربية؛
وحملت تلك الرسالة جماعة من العرب إذ لا يجمع بين تلك الأجناس
درسوا ذلك الجزء من التاريخ
وأما العادات والتقاليد والمفاهيم والحضارة والثقافة وما إلى ذلك من
وللأفراح طابعهاء وللأحزان مراسيمهاء وللتعليم طريقته ومنهجه وحتى
وأما ما عرف حديثاً باسم العامل الاقتصادي؛ أو المصلحة الاقتصادية
التي تجمع بين المجتمعات؛ أو العناصر التي تكون أمة؛ فهذا أضعف
وأصحاب المصالح؛ فتبقى في مستوى المصلحة فتتغيّر معهاء وتسير تبعاً
لهاء وتتذبذب حسبهاء وما أكثر تغيرات المصلحة وتبدلاتها
وليست هذه العوامل التي يقال عنها إنها تكرّن الأمة باستثناء العقيدة -
وسنؤرخ للأمة المسلمة؛ بغض النظر عن الأفكار الدخيلة» والآراء
المستوردة على الرغم من سيطرتها على بعض العقولء وتسلطها على بقاع
عديدة» الأمر الذي جعل هوة سحيقة بين الحاكم والمحكوم؛ حتى إن
المتأمل من بعيد ليظن أن هذا رأي الأمة جمعاء وعقيدتها المستحدثة؛
وذلك بسبب سيطرة الأفكار الغريبة على هذه الأمةء والواقع أن هذا ليس
إلا رأي فئة قليلة تمكنت من السيطرة بواسطة من سبقهاء فملأت الدنيا
صراخاً بهذه الأفكار المستوردة