إلى الإسلام - وفى بعض الأحيان جميعهم - هذا الطابع الإسلامى الذى يفسر بلا جدال
ما يراه الزائر من تماثل حضرى عام . وبالرغم من وجود اختلافات كبيرة ثقافية وطبيعية
بين هذه المدن بسبب خضوعها لتجارب تاريخية متنوعة للغاية إلاّ أن الإنسان لا يشعر
باغتراب حين ينتقل من مدينة فاس إلى القاهرة أو حلب أو أصفهان أو كابول . ولا يمكن
بإجراء دراسة أكثر تعمقاً حول التعمير فى البلاد العربية قبل الإسلام وفى زمن الفتح
الإسلامى خاصة قى سوريا والعراق . إن مثل هذه الدراسة سوف تمدنا بالضوء الذى
ويطبيعة الحال أننى كنت أشعر يعدم الرضى لأن العديد من الدراسات التى أتيحت
لى فرصة إنجازها خلال ثلاثين عاما عن تاريخ القاهرة والمدن العربية لم تصل إلى القراء
فى العالم العربى بسبب أنها كتبت أخرى , فى حين أنها دراسات موجهه إليهم أولاء
وأرجو أن تلقى لديهم اهتماما وتعليقات نقدية . وعلى هذا فإننى أشكر الأستاذين برنار
مالوزا المستشار الثقافى وريشار جاكمون أستاذ اللغة العربية ومدير قسم الترجمة
بالبعثة الفرنسيه للأبحاث والتعاون لأتهما أخذا المبادا اح ترجمة كتابى عن المدن
العربية , ولأنهما تمكنا من التغلب على المشاكل المعقدة الخاصة بهذا الموضوع . وإتنى
أشكر بحرارة الأستاذ لطيف فرج لاهتمامه ولعنايته بترجمة هذا الكتاب الذى أعرف مدى
إن هذا الكتاب الذى أنا مدين لهم به , سيساعدنى على تسديد جزء من دين قديم
اقترضته من سكان هذه المدن وخاصة سكان مدينة القاهرة , وذلك أثناء زيارات وجولات
عديدة فى الأحياء القديمة , هى جولات غير سياحية فى مجملها وكانت تثير لديهم دهمشة
مشروعة . فقى أثناء تلك الجولات تولد شعور مودة متبادلة من خلال تساؤلات متبادلة
حول أسماء الأماكن والمنشآت وحول تاريخها الحقيقى أو الأسطورى إن جميع صفحات
هذا الكتاب مدينة بالكثير إلى هذه المقابلات الحارة والمثمرة وإننى أهديها إلى جميع
القاهريين المتعطشين إلى معرفة ناريخهم والذين أظهروا الود تجاه " الخواجه " المهتم بهذا
التاريخ . كما أهديها إلى مدينة القاهرة الشاسعة والفاتنة والمتعددة العناصر والتى وصفها
المؤرخ التونسى حمودة بن عبد العزيز فى نهاية القرن الثامن عشر قائلا ” وليس الآن
فيما يبلغنا أحواله من المعمور شرقا أو غربا مدينة هى دار للعلم وموضوع الهجرة إليه من
الأقطار مثل القاهرة " ويعتبر هذا القول ترديدا لما كتبه مقربى آخر فى نهاية القرن الرابع
عشر وهو ابن خلدون العظيم الذى قال فى " المقدمة " . " ونحن لهذا العهد ترى أن العلىٍ
والتعليم إنما هو بالقاهرة من بلاد مصرلماأنعمراتها مستبحر
تعليم العلم " .6
أندريه ريمون
كلمة للمترجم
يكمن جوهر أعمال الترجمة العلمية والتاريخية لا فى نقل الألفاظ والعبارات من لفة
إلى لغة أخرى , بل أساساً فى نقل مضمون لإطار ثقافى وحضارى إلى نفس الملضمون
لكن فى إطار ثقافى وحضاري آخر . وكلما كان هذا الملضمون يختص بإبداع علمى أو
ثقافى كلما ازدادت صعوية عملية الترجمة لوجود حاجة لاستحداث جديدة . ولكن
المشكلات التى واجهتنى أثناء ترجمة هذا الكتاب من الأصل الفرنسى والذى وضعه المؤرخ
الكبير أندريه ريمون كانت من نوع آخر . إن المؤرخ الفرنسى المبدع يعالج فى هذا الكتاب
من وجهة نظر جديدة ومتصفة موضوع المدن العربية خلال العصر العثمانى الذى امتد من
القرن السادس عشر الميلادى حتى القرن التاسع عشر بل العقدين الأولين من القرن
العشرين فى بعض الولايات . ويستشهد المؤلف أحياناً بأقوال المؤرخين وكتاب الحوليات
العرب القدامى والمعاصرين لتلك الفترة التاريخية طويلة الأمد والذين ترجمت أعمالهم إلى
هؤلاء المؤرخون أمثال المقريزى والجبرتى وابن أبى دينار واين أبى ضياف وعلى باشا
مبارك وغيرهم . وكانت مهمتى فى هذه الحالة - مضطراً - هى إعادة صياغة هذه
النصوص بلغة عربية * حديثة " تسهيلاً للقارئ غير المتخصص , ولكننى تركت نصوصاً
أخرى بلا تغيير لإمتاع القارئ بقراءة النصوص العربية الأصلية ولكى يتعايش مع الإطار
وكانت المشكلة الثانية هى الاطمئنان إلى صحة ودقة أسماء الأماكن مثل أحياء
المدن والأبواب والشوارع بل والأزقة المسدودة ؛ وأسماء المنشآت المعمارية مثل الجوامع
والمساجد والقيساريات والأسواق والخانات والأسبلة وهى مسالة ليست بالهينة إذ أنها
أماكن ومنشاً من المحيط غرياً إلى الخليج شرقاً . بالإضافة إلى أن أسماء نفس
الأماكن والمنشآت تتفاوت وفقاً للهجات المحلية بين يلد عربى وآخر » بل وتتغير أيضاً فى
نفس البلد من عصر إلى آخر . فالحى مثلاً كان يسمى - نقلاً عن المؤلف - فى
» وقى الجزائر وتونس " حَوّمة ' , وفى الموصل ويغداد
* مَحَّلة * كما حدث نوع من الخلط والتداخل فى استخدام الأسماء الخاصة بالمؤإسسات
أدتها فى التجارة الداخلية والخارجية + كما اختص بعضها بفئة معينة من التجار .
وباعتبارى مواطناً مصرياً وعربياً تفرغ فترة تزيد على عام لترجمة هذا العمل
الهام , الذى هو حصيلة بحوث وزيارات عمل ميدانية للمؤلف امتدت أكثر من ثلاثين عاما +
فإننى أود أن أعرب عن تقديرى العميق لأندريه ريمون المؤرخ الفرنسى الكبير وأستاذ
التاريخ العربى والإسلامى بالجامعات الفرنسية . ففى رأيى أنه باحث يتميز بالنظرة
الموضوعية ؛ وبالقدرة الإبداعية , وبالرغبة الصادقة والمْحبَّة فى التعرف على الحضارة
العربى بالدرجة الأولى ؛ وجدير بالمثقفين العرب والإخصائيين فى التاريخ والحضارة
بالتاريخ يساعد على تحريك الحاضر نحو المستقبل بخطى أكثر وعياً وثبا
قى التبادل الثقافى المثمر وقديم العهد خيرة أبناء مصر وقرنسا اء مصر
لاينسون أن فرنسا قد أعارت بلادهم خلال قرن كامل العديد من خيرة أبنائها ممن قاموا
فى جلد وصبر بانجاز أروع عمل ثقافى حقيقى وهو كتاب " وصف مصر " . ولاينسون
أيضاً شامبليون الذى اكتشف أسرار اللغة الهيروغيلفية فأعاد بذلك إلى مصر سجل
ماضيها الذى يعود إلى سبعة آلاف عام . أما عن خيرة أبناء مصر الذين قاموا بوضع
أسس تاريخها الحديث , فإنه تجدر الإشارة إلى رفاعة الطهطاوى ومؤلفه " تخليص الإبريز
فى وصف باريس " ؛ وإلى العديدين من أمثال مصطفى كامل , ومحمد فريد , وسعد
القلسفية والثقاقية ترسخت فى أعماق كيانهم أصالة الحضارة العربية والإسلامية . وفى
الواقع أن هذا النوع المتحضر من التبادل الثقافى هو ظاهرة فريدة تستحق الرعاية , الأمر
الذى يساهم فى القضاء على محاولات تشويه الثقافات والحضارات , ومحو هوية الشعوب.
ويجدر أن أقدم الشكر الى ريشارد جاكمون أستاذ اللغة العربية الفرنسى لأنه
اقترح على ترجمة هذا الكتاب والذى لولاه لما اهتديت اليه . ويجب أن أخص بالشكر
الأستاذ أحمد عيسى نائب رئيس مجلس إدارة مركز الابحاث باستانبول , وعضو شعبة
الحضارة التاريخية بالمجالس القومية المتخصصة فى مصر لمساعداته القيمة التى قدمها
وأخيراً آتمنى أن تكون هذه النسخة العربية من مؤلف آندريه ريمون مساهمة
حقيقية فى دراسات جديدة يجريها الباحثون العرب , خاصة بعد أن أصدرت أنقرة أخيراً
قرارا بالسماح بنشر محفوظات دار الأرشيف العثمانى فى استانبول وهى غنية بالوثائق
الأمر الذى يسمح بإعادة تقييم للعصر العثمانى الذى هو مفتاح لزيادة معرفتنا بالتاريخ
العربى السابق له .
لطيف فرج
الإسلامية يعتبر فى مجال الدراسات العربية من أكثر الموضوعات جنبا لانتباه الباحثين
إن الأسباب التى تبرر هذا الاهتمام متعددة , ويجوز أولا ملاحظة أن التحضر
الهام لهذه المدن كان دائما من السمات البارزة لمدن البحر الأبيض المتوسط ؛ وأنه لهذا
السبب كانت المدينة تشكل بالنسبة للبحوث قطاعا نشطا للغاية . إن تجسد الإسلام بقوة
فى المدينة . حيث تحظى ممارسة الدين بأفضل الظروف - الأمر الذى ذكر كثيرا من قبل
- قد ساهم فى وضع المدينة وحضاراتها فى المقام الأول من اهتمام المستشرقين . إن
الانفجار المدينى الذى بدأ فى البلاد العربية منذ القرن التاسع عشر ؛ ثم تزايدت حدته
بالضرورة إلى عودة الاهتمام بالظاهرة الحضرية فى البلاد العربية من ناحيتين تكملان
بعضهما البعض . إن نمو المدن العربية غير المنضبط أحيانا . والذى يصعب دائماً
السيطرة عليه , قد طرح مشكلة الحفاظ على المراكز القديمة فى المدينة والتى أفرغت
تدريجيا من جوهرها وتشوهت جزئيا بسيب " التحديث " . ويفرض هذا النمو علينا التأمل
بهدف الوصول إلى إدراك أفضل للظواهر العمرانية وإلى
الحفاظ على المناطق التاريخية أو تجديدها . ومن ناحية أخرى فقد آدت مشكلة التغريب
الضخم للمدن » وما يلزمها من تدمير للمناطق القديمة مع نمو امتدادات جديدة هائلة » إلى
ضرورة البحث عن إمكانية العودة إلى تراث عربى أو إسلامى فى الإسكان والهندسة
المعمارية والمنشآت العمرانية (انظر إلى نشاط مؤسسة أغا خانَ فى هذا السبيل خلال
السنوات الأخيرة ) , يضاف إلى ذلك أن الاهتمام الموجه اليوم إلى المدينة الإسلامية لا
يخلو دائما من المقاصد ١ فالمدن التى تزداد توسعا توفر مجالا للنشاط المربح
ويعطى هؤلاء الانطباع أحيانا بآنهم لا يلخنون مشكلة الهوية الثقافية والتقاليد إلا كذريعة
لتسهيل إبرام العقود التى يمكن أن تكون خرافية فى حالة الدول الأكثر غنى ولكن الدول
التى تعانى من مشكلة الانفجار المدينى الأكثر حدة , ليست هى دائما تلك التى تملك
القدرات المالية الأكثر وفرة , وهى قدرات ترتبط عادة بالبترول ٠
ويالرغم من هذا الاهتمام , وهذا الازدهار فى الدراسات إلا أنه لا يمكن القول
بأن معارفنا عن ماضى المدينة العربية والإسلامية يمكن آن تكون اليوم كافية . فمن جهة
نحن لا تملك حقيقة دراسات بشأآن المدن العربية تساعدنا على ترسيخ فكر شامل . فالمدن
العربية الكبرى التى حظيت بأبحاث إجماليه هى مدن تادرة ؛ والى جانب الأعمال القديمة
الخاصة بالقاهرة ( كتاب كليرجيه 0165964 .لاا فى عام 1974 ) ؛ ويحلب ( كتاب
سوقاجيه 58107/89©66 .ل فى عام )١45١ ؛ وبمدينة فاس ( لوتور 701010681 14.18
فى عام 1544 ) , أضيفت أعمال جديدة وهى كتاب سرجان وليوكوك :56 .184.5
©1060 .4 , 968014 عن صنعاء (1487) , ومؤلف جوب وورث , 14.6800086
( حلب عام )١544 . ومع ذلك لا تزال توجد العديد من الثغرات المذهلة .
إن كتاب ليسبس 84.168088 حول الجزائر ( عام -147) لا يتتاول تاريخ المدينة إلا
منهجية ( مع استبعاد الدراسة الموجزة التى أجراها ج. سوفاجيه عن دمشق الأمر الذى
ظل هذه الظروف أن إجراء دراسة عامة عن المدن العربية يعتبر مشروعا صعبا
ومن بين المحاولات النادرة التى أجريت فى هذا المضمار الكتاب الذى وضعه لوتورنوى
بشآن المغرب ” المدن الإسلاميه فى الشمال الإفريقى " )١451( . وقد قام لوتورتو فى هذا
الكتاب بتعميم معرفته التامة بالحاضرة المغربية على جميع شمال أفريقيا +
وبالإضافقة الى هذه الثغرات نجد آثار الغموض والحيرة التى تسود البحوث فى
هذا المجال نتيجة لبعض المفاهيم التقليدية . وتتعلق هذه المفاهيم أساسا بمشكلة إمكانية
أن نتحدث عن مدينة إسلامية , وذلك حين تتحدث عن مدن عربية , فى بلاد تقع على البحر
المتوسط ؛ أو نتحدث بصفة عامة عن مدن عربية بينما تحن لا نعرف بطريقة كاقيه سمات
المدينة العربية قبل الإسلام ( فى اليمن أو الحجاز ) , ولا سمات تلك المدن الإسلامية غير
العربية والتى تشكل المدن الأكثر عددا ( قى بلاد مثل إيران وآفغانستان وياكستان والهند
يجتهدون من أجل تحديد السمات العامة للمدينة " الإسلامية ” . وقد تم حديثا للغاية
الإدلاء يبعض الملحوظات الذكية حول هذه المشكلة العامة , وذلك على أساس بحوث
أجريت من زوايا متنوعة , ولكنها توصلت إلى نتائج متقاريه بشكل مذهل وهى ضرورة
إجراء إعادة تقييم شاملة . إن البحوث التى أجراها عالم الجغرافية ١ ورث 1/0/1540 .©
حول المدن " الشرقية " و ” الإسلامية و " العربية * ؛ أدت به الى التقليل بشدة من
القول بآن الظواهر المدينية لم يعتريها أى تغيير خلال قترة تبداً من صدر الإسلام وتنتهى
اساكالات
فى القرن التاسع عشر أى خلال مدة استمرت اثنتى عشر قرا .)
وأخيرا فان أوليج جرابار 688585 0169 قد بين لا معقولية استخدام مفهوم
مثل المفهوم " الإسلامى " لتحليل ظواهر حضرية تتعلق ببلدان لها تقاليد تاريخية وثقافية
اينة , وتتمتع يسمات مناخية متنوعة كل هذا التنوع الذى يعرفه العالم الإسلامى على
اتساعه الكبير » والذى يعتد من المغرب حتى اندوسيا ويشمل مناطق فى آسيا الوصطى
غزتها روسيا . بل ويصل حتى أفريقيا السوداء أ" . ويجدر الإضافة أنه ريما بسبب
انغلاق خبراء التاريخ والفن الإسلامى المفرط داخل منظور " المستشرق * ٠ ولأنهم كانوا
بصفة عامة محتكرين لهذه |الدراسات الدينية , فقد أهملوا بلا شك حقيقة وجود "ذاتيه
حضرية " » وأن المدينة الإسلامية أو العربية لا تمثل إلا أحد أوجه هذه الذاتية . إن
والوظائف الحضريه المطروحة بالنسبة للمدن العربيه والإسلامية يمكن قى
أكثر الأحيان أن تتضح بمقارنتها بمشاكل المدن بصفة عامة , مثلما يمكن توضيحها
بالرجوع إلى تأثير الحضارة الإسلامية المنفرد على المدن الإسلامية فى المنطقة
يتضح إذن أنه من الحكمة عدم التصدى للمشكلة الحضرية إلا بطريقة
محدودة . إنه حتى مع استبي عاد أية إشارة الى عمران " إسلامى " والذى لا تزال
حقيقته قى حاجة إلى تحديد , فالمجال العربى يبدو شاسعا للغاية رغم تجانسه ٠ ورغم
إطارا تاريخيا هو العصر الحديث ( الفترة من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع
العثمانية أثناء تلك الفترة ( المنطقة التى تمتد اليوم من الجزائر إلى العراق ) . يجب
يسمح هذا التحديد المزدوج الزمتى والمكانى بتشكيل مجموعة متجانسه من ل
وقد اقتصرت فى يحوثى على المدن الكبرى بقصد تكوين مجموعة مترابطة +
ولآن ٠ * اكل البتيان والوظائف المدينية فى هذه اللدن تطرح نفسها بطريقة تسمح
بالمقارب . ويتضح منروجهة النظر المزدوجة هذه أن مدن الجزائر وتوتس والقاهرة
وحلب والموصل وبغداد يمكن أن تشكل مجموعة متجاتنسة . ولكن لن
يفوتنى عند الاقتضاء التحدث عن مدن " متوسطة * مثل القدس وحماه أو أنطاكية ٠
وعن مدن كبيرة غير عثمانية مثل فاس وصنعاء ٠
إن قلة معلوماتنا عن تاريخ المدن العربية والتى سبق ذكرها تبدو واضحة بصفة
خاصة بالنسبة للفترة " الحديثة " التى نهتم بها هنا , أى خلال القرون العثمانية الأربعة
(ق 13- ق14) - وآسباب هذا القصورفى المعلوما ت عديدة . فى البداية آود الإشارة الى
فقدان الإعتبار تجاه الفترة العثمانية التى بدأت فى أوائل القرن السادس عشر وانتهت
بتفكك الدولة وسط أعمال عنف أدت إلى تعتيم صورة القرون العثمانية السابقة , ويقع
السابقة للإستعمار إلى الإساءة , بوعى إلى حد ما , إلى ما كان قائما قبل سيطرتهم +
وهى سيطرة يهدفون منها إلى " تحديث " البلدان التى يغزونها . ومن الأمثلة الواضحة
على ذلك أسلوب المؤرخين الفرنسيين فى معالجة تاريخ الجزائر خلال العصر العثمانى
والذى صور بأنه عصر تخلف كامل ( وتوحش عدوانى إن لم يكن "قرصنة" وحشية)
كما أن مصر فى العهد السابق لمحمد على (18.0- 1858) لم تلق معالجة
تاريخية أفضل من الجزائر . وأخيرا فإن العرب أنفسهم ترددوا كثيرا فى أن يتخنوا على
عهد " استعمارى " » وانتهى الأمر باستبعاده من التاريخ القومى . وظل المؤرخون العرب
لأمد طويل يعتبرون هذه الفترة بأنها * عصور وسطى " ؛ وليس من الغريب أنها كانت
تسمى فى تاريخ الأدب بعهود "الانحطاط * , ويضاف إلى هذه الأسباب سبب آخر
موضوعى للغاية , وهو أن معارفنا عن هذه الفترة ظلت لأمد طويل شبه معدومة -
وظلت الوثائق التى يمكن استخدامها مقتصرة على مصادر خارجية ( وثائق قنصلية
وقصص ورحلات فى غالبيتها سيئة النية ) , ومنحصرة فى مجموعة أحداث مروية لم يكن
ممكنا أن ينشر منها إلا الطفيف . وقد بقيت وثائق المحفوظات غير مستخدمة على الإطلاق
حتى ه؟ عاما مضت أى حوالى عام 1930 ويعود ذلك لأسباب لا تتعلق إلا جزئيا
بصعويات " حقيقية "مثل توافر الموارد الماليه أو صعوية حل رموز الوثائق ذاتها ٠
ومع ذلك فإن الحقبة العثماتية توفر مزايا ضخمة للبحوث فى المجال الحضرى . إن
المدن القديمة التى تعرفها هى أولا وقبل كل شىء ميراث مباشر لعصر كان طويلا للغاية
(ثلاثة قرون فى غالبية العالم العربى بل وأربعة قرون بالنسبة لسوريا وفلسطين ) ؛ ويالتالى
فإن هذا العصر لابد وأنه قد أثر بعمق فى البيئة الحضرية . وبالرغم من التدمير الذى
حدث بسيب الانقجار المدينى ويسبب تحديث هذه المدن فى الفترة الأخيرة , إلا أن المراكز
بدراستها توضيح البحوث الخاصة بالبنيان ويالوظائف الحضرية . ومن بين المدن التى
كانت فى كثرة عمائرها التعويض للخسائر الكثيرة التى لحقت بها) . وتمثل هذه المدن
الثلاث " معاهد قنون " حيث يستطيع الباحثون فى أيامنا العثور على صور وذكريات
لقرون عديدة مضت . إن المؤرخ الذى يتفحص اليوم شوارع القاهرة القديمة مع
متابعتها على خرائط كتاب وصف مصر ( 1800 م ) ؛ أو مقارنتها بالأوصاف التى أوردها
المؤرخ المقريزى عن القاهرة فى بداية القرن الخامس عشر لابد وأن يجد فى ذلك متعة
مثيرة للغاية .
ومن جهة أخرى فإن الحقبة العثمانية تقدم فيضاً من المعلومات التى لامثيل لها قى
أى عصر آخر قبل الحقبة المعاصرة . إن المصادر التقليدية ( مجموعة الحوليات العربية )
تتكامل مع المصادر الأورويية ( السجلات القنصلية وروايات الرحلات ) ٠ وهى وفيرة ودقيقة
لدرجة أنه أمكن استخدامها كأساس لكل ماكتب بشأن هذه المناطق . وقد أضيفت منذ
بضع عشرات من السنوات سجلات الإدارة العثمانية الوفيرة والمحفوظة فى استانبول وفى
عواصم الولايات . وحول هذه النقطة فإن البحوث حول الأوضاع التى كانت عليها
ولايات الدولة العثمانية قد اضطلعت بالأعمال التى سبق أن بدآها عمر لطفى بركان فى
المجال التركى . وكانت سجلات المحاكم التركية هى الاكتشافات الأولى . ومنذ الستينات
تتزايد الاستفادة المنظمة من هذه السجلات الأمر الذى أدى الى تجديد معرفتنا عن هذه
القرون التاريخية الأربعة . ولكن الاستفادة من محفوظات استانبول الغنية بشكل خرافى
ليست إلا فى بدايتها , كما بدا استخدام وثائق الأوقاف ( الحبوس ) اللامتناهية تقريباً +
وفحص المراسلات بين مركزالدولة فى استانبول ويين الولايات ( الأوامر السلطانية ) ٠
الاستشهاد ببعض البحوث التى تم إجراؤها على أساس سجلات العالم العربى المحفوظة
سيؤدى ظلماً وجوراً إلى إهمال غيرها من السجلات . ولكن ليس فى الامكان تجاهل ذكر
الدور الرائد الذى لعبه فى هذا المجال فى الستينيات كل من س .ج شو
7 .ل.5 ( بالنسبة لمصر) وانطوان رفيق ( بالنسبه لسورية) , (*)
هذه الوفرة , وهذا التنوع فى المصادر يشكلان فى حد ذاتهما مشكلة . إن
معلوماتنا التى ذكرت بأنها قاصرة هى فى سبيلها حاليا إلى التطور , ويمكن أن نتوقع
من الأعمال الجارية الآن تجديدا شاملا لمعارفنا عن المدن العربية . وفى هذا المجال أيضا
من المستحيل وضع قائمة كاملة لكل البحوث . ولكن يبدو لى أنه من الإنصاف التحدث عن
س ديفيد 081/10 .©.ل وج. ب . تيك 7016616 .8 . ل بشأن مدينة حلب وج .ب
باسكوال . (0850108 .0.ل و .1 بخيت 8814015 .1لا بالنسبة لدمشق وتيللى حنا
وهدية تيمور - هيكل عن القاهرة , ويطبيعة الحال بحوث انطوان عبد النور عن المدن
السورية والذى اختفى مبكرا وقبل أن تزدهر أعماله ل" . إن هذا التقدم يجعلنا نتوقع
حدوث انقلاب خلال بضع سنوات فى معارفنا عن المدن العربية الكبيرة ٠